أوكرانيا وتحالفات الشرق الأوسط.. تحول في المواقف الخليجية
لا يضيف المرء جديداً إذا زعم أنّ آثار أزمة أوكرانيا سوف تطاول العالم بأسره. وإضافة إلى أوروبا، سيكون الشرق الأوسط الأكثر تأثراً بها.
عمق الآثار التي تتركها الأزمة هنا لا يوازيها إلّا السرعة التي تسري فيها، إذ ما زلنا في الأسبوع الثاني من الأزمة التي يتوقع أن تكون مديدة، ومع ذلك بدأت ترتسم ملامح تغييرات محتملة في تحالفات دول المنطقة الإقليمية والدولية، وهي وإن كانت تتبلور منذ فترة، إلّا أنّ أزمة أوكرانيا ساهمت في إبرازها.
أولى ملامح هذه التغييرات تتمثّل في افتراق مصالح بعض دول الخليج العربية عن الولايات المتحدة واقترابها من روسيا والصين.
فقد رفضت السعودية، وما زالت، طلبات أميركية متكرّرة لزيادة إنتاجها من النفط لكبح جماح الأسعار، وتعويض أيّ نقصٍ محتمل في الأسواق، في حال نقص المعروض الروسي، كبادرة عقابية من موسكو ضد الغرب، أو العكس.
بدلاً من ذلك، أعربت الرياض عن تمسّكها باتفاقها أوبك + مع موسكو، الذي، وللمفارقة، توسّط فيه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، لوقف حرب الأسعار التي اندلعت بين السعودية وروسيا في ذروة تفشّي وباء كورونا ربيع عام 2020.
بالتوازي، امتنعت الإمارات، التي تحتل مقعداً غير دائم في مجلس الأمن في الفترة 2022 – 2023، عن دعم مشروع قرار تقدّمت به واشنطن يوم 25 فبراير/ شباط الماضي لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.
في المقابل، صوّتت روسيا إلى جانب مشروع قرار قدّمته الإمارات، بعد ذلك بيومين، يصنّف الحوثيين تنظيماً إرهابياً، ويمدّد حظر السلاح ضدهم.
فوق ذلك، ذكرت وكالة “تاس” الروسية للأنباء أنّ ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، أعرب في اتصال هاتفي مع الرئيس بوتين في الأول من مارس/ آذار الجاري “عن تفهمه احتياجات روسيا الأمنية” فُهم دعماً لموقف موسكو في الأزمة.
وفي مقابل ابتعاد السعودية والإمارات عن المواقف الغربية، واقترابهما الحذر من الموقف الروسي، انتهزت إيران أزمة أوكرانيا لبناء جسور مع الغرب، مبتعدةً، في الوقت نفسه، عن “حليفتها” روسيا، إذ أعلنت استعدادها لتغطية أي نقصٍ محتمل في المعروض العالمي من النفط في حال رُفعت العقوبات المفروضة عليها، على خلفية برنامجها النووي.
وأعربت طهران فوق ذلك عن استعدادها لتزويد أوروبا بالغاز، بدلاً من الغاز الروسي الذي تسعى واشنطن إلى الحدّ من تدفقه لتجفيف موارد موسكو المالية، وهو موقفٌ أثار حفيظة هذه الأخيرة التي اعتبرته “طعنة في الظهر” وبادرةً تشجّع الغرب على الاستغناء عن موارد الطاقة الروسية.
وقد ردّت روسيا بربط موافقتها على إحياء الاتفاق النووي الإيراني بإعفاء تعاملاتها مع إيران من العقوبات التي فرضتها واشنطن عليها على خلفية غزوها أوكرانيا، وهو أمرٌ استنكرته أوساط إيرانية، واعتبرته محاولة لعرقلة إحياء الاتفاق.
وقد أعاد ذلك إلى الأذهان اتهامات وزير الخارجية الإيراني السابق، جواد ظريف، نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في شهادته الشهيرة المسرّبة، بأنّه حاول عرقلة التوصل إلى اتفاق 2015 النووي.
عدا عن ذلك، بدا لافتاً مقدار ابتعاد باكستان عن حليفتها السابقة، الولايات المتحدة، واقترابها من روسيا، إذ امتنعت إسلام أباد عن إدانة الغزو الروسي أوكرانيا، وعبّرت على لسان رئيس حكومتها، عمران خان، عن رفضها طلباً أوروبياً بهذا الخصوص جاء بعدما امتنعت، إلى جانب حليفتها الصين و33 دولة أخرى، عن التصويت على مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 مارس/ آذار الجاري لإدانة روسيا ومطالبتها بسحب قواتها من أوكرانيا.
وكان لافتاً أنّ عمران خان التقى الرئيس بوتين في موسكو في اليوم نفسه الذي اجتاحت فيه القوات الروسية أوكرانيا، لمناقشة مشروع غاز “باكستان ستريم” الذي تزمع موسكو إنشاءه في باكستان.
كما أشارت استراتيجية الأمن القومي الباكستانية لعام 2021، وهي أول وثيقة بهذا الشأن على الإطلاق، إلى الحاجة لتعميق التعاون مع روسيا في مجالات الطاقة والدفاع والاستثمار.
قد يكون من المبكّر، حالياً، الحديث عن تغييرات عميقة في تحالفات دول المنطقة، فهذا يتوقف على وضع أميركا الداخلي، ونتيجة الحرب في أوكرانيا (خروج روسيا أقوى أو أضعف منها).
مع ذلك، لم تعد خافية ميول هذه الدول لتنويع تحالفاتها ترقباً لتغييرات محتملة في الإقليم وعلى الصعيد الدولي.
الكاتب: مروان قبلان