الانتقادات تخيم على أول زيارة لمحمد بن سلمان إلى أوروبا منذ 2018
رصد المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، موجة انتقادات واسعة خيمت على أول زيارة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى أوروبا منذ عام 2018.
وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب) تصاعد الاحتجاجات الحقوقية الواسعة على زيارة محمد بن سلمان إلى فرنسا وقبل ذلك اليونان التي تعد الأولى له لدول أوروبية منذ اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
وقالت الوكالة إن الزيارة تعد إعادة تأهيل لولي العهد إلى الساحة الدولية، في أجواء الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة.
ووصل محمد بن سلمان الذي بدأ جولته الأوروبية الصغيرة في اليونان، مساء الأربعاء إلى مطار أورلي في باريس حيث كان في استقباله وزير الاقتصاد والمال الفرنسي برونو لومير، كما ذكر مصدر حكومي.
وكانت الدول الغربية نبذت محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة، بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي ينتقد السلطات، عام 2018 في قنصلية بلده في اسطنبول.
وقال كانتان دي بيمودان الخبير في شؤون المملكة السنية في معهد أبحاث الدراسات الأوروبية والأميركية، إن “ماكرون قام بالجزء الأكبر من أعمال رد الاعتبار بزيارته شخصيا محمد بن سلمان” في الرياض في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
تابع الخبير نفسه “لكن هنا وصلنا إلى مستوى آخر. يصل (ولي العهد) إلى فرنسا وماكرون غير موجود. لم يعد محمد بن سلمان مضطرا للتحرك بحذر كما كان الوضع قبل سنة أو سنتين، بل يتنقل كما يشاء”.
وأضاف أن “ماكرون بدأ رد الاعتبار وبايدن استكمله وبينهما (بوريس) جونسون” الذي زار الرياض أيضا في آذار/مارس الماضي.
وكانت أجهزة الاستخبارات الأميركية أشارت إلى مسؤولية محمد بن سلمان في اغتيال جمال خاشقجي ما أدى إلى تسميم العلاقات بين الرياض وواشنطن.
وكرست التحية بقبضة اليد التي تبادلها ولي العهد وبايدن في جدة تراجع الرئيس الأميركي عن وعده في حملته الانتخابية بمعاملة المملكة على أنها “منبوذة”، لكن الخطوة الأولى لمحمد بن سلمان داخل الاتحاد الأوروبي تثير استياء المدافعين عن حقوق الإنسان.
وقالت أنييس كالامار التي قادت تحقيقا في اغتيال خاشقجي عندما كانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحالات الإعدام خارج إطار، لوكالة فرانس برس إن “زيارة محمد بن سلمان لفرنسا وجو بايدن للسعودية لا تغير من واقع أن محمد بن سلمان ليس سوى قاتل”.
من جهتها، كتبت مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش في فرنسا بينيديكت جانرود على تويتر “يبدو أن محمد بن سلمان يمكن أن يعتمد على إيمانويل ماكرون لرد اعتباره على الساحة الدولية رغم القتل الوحشي للصحافي جمال خاشقجي والقمع القاسي للسلطات السعودية ضد أي انتقاد وجرائم حرب في اليمن”.
وأضافت أن عودة حظوته لدى رؤساء الدول الغربية “يثير صدمة أكبر لأن العديد منهم في ذلك الوقت عبروا عن اشمئزازهم (من عملية القتل) والتزامهم عدم إعادة محمد بن سلمان إلى المجتمع الدولي”، مدينة سياسة “الكيل بمكيالين”.
وبعد أقل من أربع سنوات على قضية خاشقجي، تسبب غزو روسيا لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير بارتفاع جنوني في أسعار الطاقة.
وسعت الدول الغربية منذ ذلك الحين إلى إقناع السعودية المصدر الرئيسي للخام، بزيادة الإنتاج من أجل التخفيف عن الأسواق والحد من التضخم.
لكن الرياض تقاوم ضغوط حلفائها مشيرة إلى التزاماتها حيال منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفائها في “أوبك+”، تحالف الدول النفطية الذي تشارك في قيادته مع موسكو.
وفي أيار/مايو، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود إن المملكة فعلت ما في وسعها لسوق النفط.
وقالت كاميل لونز الباحثة المشاركة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إن “الحرب في أوكرانيا أعادت البلدان المنتجة للطاقة إلى الواجهة وهذه الدول تستفيد من ذلك”. وأضافت أن ذلك “يؤمن لها رافعة سياسية ستستخدمها لإعادة تأكيد أهميتها على المسرح الدولي”.
أما بالنسبة إلى الدول الغربية، فهي تتنافس في “البراغماتية”، وفقا لها.
وتابعت أنه في مواجهة “انفجار أسعار الطاقة (…) من الواضح أن حقوق الإنسان في السعودية لم تعد فعلا الأولوية على جدول الأعمال”.
من جهتها ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن زيارة محمد بن سلمان إلى اليونان وفرنسا تحمل إشارات عدة حول أولويات الدول الغربية مع المملكة العربية الغنية بالنفط، فيما مثلت متنفسا للأمير “المنفي اختياريا”.
وذكرت الصحيفة أن محمد بن سلمان قد حظي خلال زيارته إلى اليونان، في الرحلة الأولى لدولة غربية منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بترحيب “ربما بدا مستحيلا في الآونة الأخيرة”.
ولفتت إلى أن اليونان أوضحت بعد ثلاث سنوات من مقتل خاشقجي، أن السياسيين يفضلون “الحديث عن الطاقة بدلا من الصحفي النجم الذي قطعه عملاء سعوديون في إسطنبول”.
وأشارت إلى أنه تم التوقيع، في غضون 48 ساعة، على 17 اتفاقية ثنائية في “مسقط رأس الديمقراطية”، بما في ذلك اتفاقية تنص على تركيب كابل كهربائي بين البلدين من شأنه أن يوفر لأوروبا “طاقة أرخص بكثير”، بحسب ما تعهد به الأمير، وفقا للغارديان.
واعتبرت الصحيفة أن رحلة أثينا تسلط الضوء على مدى رغبة الغرب الحالية في التواصل مع الرياض بعد الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط.
وبحسب الغارديان فإن الزيارة إلى اليونان تعتبر بالنسبة للأمير البالغ من العمر 36 عاما، بمثابة بداية لعملية إعادة تأهيل “تأمل منها الرياض إنهاء سنوات من المنفى الاختياري”.