انتخابات مرتقبة في السويد في ظل ظروف استثنائية
السويد على موعد هام يوم الأحد المقبل، 11 سبتمبر/ أيلول 2022، ستُجرى فيه الانتخابات العامة التي ستمكّن المواطنين السويديين من اختيار أعضاء البرلمان ومجالس المحافظات والبلديات.
ويستطيع المقيمون الذين قد مرّت ثلاث سنوات على تسجيلهم في السويد أيضاً المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات والبلديات، إلى جانب المواطنين السويديين.
وبموجب الدستور السويدي، يتجدّد هذا الموعد الانتخابي كل أربع سنوات.
تتنافس في هذه الانتخابات ثمانية أحزاب، موجودة اليوم في البرلمان، إلى جانب أحزاب صغيرة محلية لم تصل إليه بعد.
وهناك ثلاثة أحزاب كبرى رئيسة، هي على الترتيب وفق آخر استطلاعات الرأي: الحزب الاشتراكي الديمقراطي (الحاكم)، حزب المحافظين، حزب ديمقراطيي السويد المعروف بسياساته المتشدّدة تجاه الأجانب، وبتأكيده المستمر ضرورة المحافظة على الهوية السويدية، والتمسّك بالقيم والمعايير السويدية، ويطالب هذا الحزب، في هذا المجال، علناً بطرد المهاجرين، ممن دينوا بجرائم كبرى من السويد.
إلى جانب هذه الأحزاب، توجد خمسة أخرى، تتوزع بين التحالف الداعم للحكومة، والتحالف المعارض: حزب اليسار الداعم للحكومة، ولكن ليس من دون شروط؛ وحزب الوسط، وهو الآخر مساند للحكومة مقابل التزامها ببعض مطالبه في برنامجه الانتخابي.
وكذلك حزب البيئة الذي كان في الحكم مع الاشتراكي، ولكنه خرج من التحالف الحكومي نتيجة بعض الخلافات، إلا أنه بقي مسانداً للحكومة مقابل شروط معينة.
ومن جهة المعارضة، هناك إلى جانب الحزب الديمقراطي المسيحي، المتمسك بتشكيل حكومة يمينية محافظة مع المحافظين وحزب ديمقراطيي السويد.
وكذلك الحزب الليبرالي الذي يبدو أنه هو الآخر أقرب إلى فكرة تشكيل الحكومة اليمينية المحافظة.
أما أهم المسائل أو القضايا التي كانت، وما زالت، محور المناظرات والحملات الانتخابية، والمناقشات المستمرّة بين السويديين في المنازل وفي أماكن العمل وعبر شبكات التواصل الاجتماعي.
فهي: القانون والنظام، الطاقة، المدرسة والتعليم، الرعاية الصحية، الدفاع، الهجرة، البيئة والتغير المناخي، البطالة، الضرائب، رعاية المسنين والتقاعد؛ وهي جميعها قضايا تشغل بال السويديين، وتؤثر في حياتهم، وتساهم في بلورة توجهاتهم السياسية.
ولكن اللافت وجود قضايا استحوذت على اهتمام أكبر، وساهمت في إبراز الفوارق بين مواقف الأحزاب.
وهي قضايا تؤثر في توجهات الرأي العام، ومن المفروض أن يكون لها تأثير واضح في صياغة شكل الحكومة المقبلة ورسم معالمها، وذلك بعد إعلان نتائج الانتخابات بصورة رسمية.
ومن بين المسائل أو القضايا المؤثرة التي حظيت بمزيد من النقاش، وتمحورت حولها الاختلافات، يُشار هنا إلى قضايا: القانون والنظام، والطاقة، والهجرة.
فلم يعد سرّاً أن الدولة والمجتمع السويديين يعانيان منذ سنوات من مشكلة كارثية تتمثل في ارتفاع نسبة حالات القتل والتصفيات بين العصابات التي تتصارع على أسواق تجارة الممنوعات، سيما المخدرات والأسلحة.
وهذه قضية تستغلها أحزاب التكتل المعارض في حملة انتقاداتها الحكومة، واتهامها بالعجز أو التقصير في اتخاذ الإجراءات المطلوبة.
بما في ذلك تأمين العدد الكافي من الشرطة، ومراقبة الاتصالات والتحويلات المالية، وحماية الشهود، وذلك لمواجهة هذا التحدّي الكبير الذي يؤرق جميع المواطنين والمقيمين في السويد.
ويربط حزب ديمقراطيي السويد بين هذه الظاهرة وتزايد عدد المهاجرين في المجتمع السويدي، وينتقد بشدة تساهل الحكومات السويدية المتعاقبة، خصوصا الاشتراكية منها مع موضوع الهجرة.
كما ينتقد الإخفاق في موضوع الاندماج، بل يحاول، بمنطقه الشعبوي التضليلي، دغدغة عواطف قطاع واسع من الناس العاديين ممن تجذبهم الأحكام العامة المسبقة الخادعة عادة، الربط بين هذه الظاهرة وتزايد نسبة الجريمة بين المهاجرين، ومراعاة المعايير غير العصرية التي تحدّد سلوكيات مهاجرين كثيرين.
ويدعو صراحة إلى ضرورة التزام، أو إلزام، المهاجرين، لا سيما من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقيم المجتمع السويدي.
ويستغل هذا الحزب عادة ممارسات وتصريحات بعض الأشخاص من الإسلامويين المتشدّدين بهذا الخصوص، ليضع المسلمين جميعاً، بغض النظر عن مواقفهم من موضوع الاندماج، ودرجة التزامهم الديني، في دائرة الاتهام.
كما أن موضوع الطاقة بات، هو الآخر، من الموضوعات التي تنغّص حياة السويديين. فارتفاع أسعار الكهرباء والوقود يؤثر بصورة مباشرة في الواقع المعيشي للناس، إذ يؤدّي إلى زيادة نفقات التدفئة والنقل، كما يساهم إلى حد كبير في ارتفاع أسعار السلع، خصوصا الغذائية منها.
ولهذا الأمر، كما هو معروف، علاقة مباشرة بالحرب الروسية على أوكرانيا وتفاعلاتها. هذه الحرب التي دفعت السويد إلى التخلي عن هويتها السياسية على المستوى الدولي، وتقديم طلب عضوية إلى حلف الناتو بعد أكثر من قرنين على التزام سياسة الحياد.
وهو الأمر الذي اعتبر خطوة استثنائية تم اتخاذها في ظرف استثنائي. والانضمام إلى “الناتو” فحواه رفع ميزانية الدفاع بصورة غيرمسبوقة، والمشاركة في برامج التدريب والمناورات العسكرية مع أعضاء الحلف، وشراء الأسلحة أو بيعها، واتخاذ القرار الصعبة وقت الحاجة.
وبناء على ما تقدّم، يرى الاستراتيجيون والمهتمون المعنيون بمصالح السويد ضرورة وجود حكومة قوية، قادرة على التحرّك بسرعة عبر اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، وتنفيذها وفق الوتيرة التي تفرضها الظروف؛ وذلك كله لم يكن في متناول الحكومة الاشتراكية الحالية باعتبارها حكومة أقلية في نهاية المطاف.
ولعل المؤتمر الصحافي المشترك الذي جمع بين رئيسة الحكومة ماغدلينا أندرسون وزعيم المعارضة أولف كريسترسون، في أثناء الإعلان عن طلب السويد الانضمام إلى حلف الناتو، كان إشارة رمزية إلى أهمية هذه الخطوة، بل ربما كان تلميحاً بامكانية العمل المشترك في الظروف الاستثنائية التي تهدّد سلامة السويد واستقرارها.
هذا مع ضرورة أخذ حقيقة واضحة بعين الاعتبار، أن الانتخابات الوشيكة لن تسفر، على الأرجح، عن متغيرات كبرى على صعيد توزيع عدد مقاعد البرلمان بين التكتلين المتنافسين على موقع رئاسة الحكومة المقبلة.
وذلك استناداً إلى ما يستشف من المعطيات الحالية، فإذا أراد الحزب الاشتراكي، بزعامة رئيسة الوزراء الحالية أندرسون التي أثبتت قدرتها على قيادة البلاد بفضل خبرتها الأكاديمية والإدارية، وشخصيتها البسيطة والمتواضعة والتزامها بتبعات المسؤولية.
وإذا اراد هذا الحزب أن يبني حكومة قوية لمواجهة التحدّيات الراهنة والمقبلة التي فرضتها الحرب الروسية على مقربةٍ من حدودها، فعليه التفكير في سيناريوهات غير عادية تفرضها الظروف الطارئة التي تعيشها أوروبا ككل، ودول اوروبا الشمالية على وجه التحديد.
خصوصا في أجواء ارتفاع نسبة التأييد للقوى الشعبوية في السويد التي لا ترى في الديمقراطية سوى المدخل المؤدّي إلى الحكم، لتتمكّن من تنفيذ برامجها غير الديمقراطية التي تهدّد السلام المجتمعي السويدي، كما تهدّد علاقات السويد ومصالحها الاقتصادية مع العالم الخارجي.
ومن هذه السيناريوهات إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية إذا صحّ التعبير، تجمع بين الحزبين الرئيسين المعرووفين في السياسة السويدية منذ عقود: الاشتراكي الديمقراطي والمحافظين.
فحكومة من هذا القبيل ستكون قادرة على التعامل والتفاعل مع التحديات الاقتصادية والأمنية والدفاعية الكبرى التي تواجهها السويد حالياً، وتقطع الطريق على مخاطر النزعات الشعبوية الانعزالية ضمن المجتمع السويدي، وهي نزعاتٌ تهدّد النظام الديمقراطي بصورة عامة، وتؤثر سلباً على الخطط الرامية إلى توفير الأمن وتعزيز السلام المجتمعي.
وذلك من خلال الاستمرار في برامج الاندماج بعد تجاوز الأخطاء والثغرات التي كانت، واحترام الخصوصيات، وحظر أو تجريم التمييز بكل أشكاله.
هل سيجد هذا السيناريو طريقه إلى التنفيذ والتطبيق في الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها السويد ودول الشمال وأوروبا بصورة عامة، لتكون الحصيلة حكومةً قويةً تتجاوز الحواجز الأيديولوجية لصالح أولويات حيوية أهم؟.
أم أن المناكفات القديمة-الجديدة ستستمر، ليكسب حزب ديمقراطيي السويد مساحة أوسع من جهة الدور والقدرة على التأثير في إطار تحالف يجمع بينه وبين حزب المحافظين؟ أم ستكون هناك تحالفات جديدة تفرضها حسابات وتوجهات ما بعد الانتخابات؟ أسئلة ليس من السهل الإجابة عنها قبل معرفة النتائج النهائية للانتخابات.
ولكن المعروف الواضح أن الحكومة السويدية المقبلة ستكون في مواجهة معضلات داخلية وخارجية جدّية كبرى، تؤثر على معيشة المواطنين والمقيمين في السويد، بغض النظر عن الانتماءات والتوجهات؛ وستؤثر كذلك على مستقبل الاستقرار المجتمعي السويدي، وعلى ماهية العلاقة بين السويد والدول الإسكندنافية وفنلندا ودول البلطيق، مع الأخذ في الحسبان أهمية دور السويد ومكانتها بالنسبة إلى غالبية هذه الدول.