تداعيات المعارضة الأوروبية والأمريكية للتطبيع العربي مع الأسد
اختارت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين، الاستمرار في سياسة عزل رئيس النظام السوري بشار الأسد والضغط عليه رغم التطبيع العربي مؤخرا مع دمشق.
وأبرزت مؤسسة “فنك” الأوروبية في تحليل لها، أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية الصادمة أثارت في العالم العربي ردود فعل متباينة بين السوريين أنفسهم، إذ ما تزال آراؤهم منقسمة تجاه الأسد.
وبعدما علّقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا فيها، نتيجة لما ارتكبه النظام من قمع وحشي في مواجهة الاحتجاجات المؤيدة الديمقراطية، عاد الزعيم السّوري بشار الأسد للانضمام إليها بعد 12 عامًا، معربًا عن تفاؤله بأن حضوره سيمهّد لحقبة جديدة من السلام والازدهار في المنطقة.
وكان الأسد قد حضر يوم الجمعة الماضي، 19 مايو، القمة العربية في دورتها الثانية والثلاثين المنعقدة في مدينة جدة الساحلية في المملكة العربية السعودية.
وأوردَ في خطابه أن هذه “فرصة تاريخية” لمعالجة أزمات المنطقة، في الوقت الذي احتجّ فيه المئات ممن يتواجدون في شمال سوريا -الواقع تحت سيطرة المعارضة- على مشاركته هذه.
ورغم انتقادات معارضيه، فإن عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية تعتبر بمثابة تطور كبير في منطقة الشرق الأوسط، سيّما بالنسبة إلى ملايين السوريين الذين شرّدتهم الحرب الأهلية. إذ تدلّ على أن صمود نظامه وقوته قد أتيا ثمارهما، ما مكّنه من استعادة موطئ قدمه في المنطقة.
بالمقابل ما زال حكم الأسد في سوريا هشًا، نظرًا إلى أنّ أجزاء كبيرة من البلاد ما زالت خارج سيطرته. إضافة إلى معارضة ملايين اللاجئين المنتشرين في البلدان المجاورة هذا النظام، ما يسلّط الضوء على التحديات التي سوف يواجهها.
ومع ذلك، فإن عودته إلى جامعة الدول العربية تُعتبر نقطة تحول في سياسة المنطقة، ووحده الزمن سيكشف لنا ما إذا كانت ستؤدي إلى تحقيق السلام وتوفيرالرخاء الذي وعد به هو والزعماء الآخرون.
وقال الأسد أمام الحضور: “أتمنى أن تشكل هذه العودة بداية مرحلة جديدة في العالم العربي على مستوى التضامن والتعاون القائم في ما بيننا، ونشر السلام في منطقتنا، والتنمية والازدهار بدلًا من الحرب والدمار”.
وأثارت هذه الخطوة الصادمة في العالم العربي ردود فعل متباينة بين السوريين أنفسهم، إذ ما تزال آراؤهم منقسمة تجاه الأسد.
وجامعة الدول العربية، أو الجامعة العربية، هي منظمة إقليمية تضم الدول العربية الواقعة في الشرق الأوسط وأجزاء من إفريقيا.
وقد تأسست في 22 مارس 1945 في القاهرة نتيجة لحركة الوحدة العربية. وكانت مصر وسوريا ولبنان والعراق وإمارة شرق الأردن (الأردن الآن) والسعودية واليمن الدول الأعضاء المؤسسة.
كانت أهداف الجامعة الأساسية عام 1945 تعزيز وتنسيق المبادرات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية لأعضائها، والتوسط في أي نزاعات قد تنشأ بينهم أو مع أطراف أخرى.
ومع مرور الوقت، توسعت جامعة الدول العربية لتشمل مزيدًا من الدول الأعضاء وتضطلع بأدوار إضافية، مثل تبنّي حقوق الإنسان وتحقيق التعاون الاقتصادي وتعزيز الأمن الإقليمي.
ورغم التحديات والانتقادات المختلفة التي واجهتها، تظل الجامعة العربية مؤسسة مهمة في العالم العربي ورمزًا للوحدة العربية.
وجاءت عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد الجهود التي بذلتها الإمارات والسعودية لتطبيع العلاقات مع النظام السوري.
وكانت الإمارات قد بادرت إلى إعادة العلاقات مع سوريا عام 2018، ثم تبعتها البحرين والأردن.
ولم تبد السعودية اهتمامها بالتقارب إلا مؤخرًا، ويُحتمل أن يكون الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا هذا العام أحد الأسباب التي ساهمت في التعجيل بإتمام التطبيع مع وصول المساعدات من دول عربية مختلفة.
ويرى البعض أن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران أحد العوامل التي ساهمت في ذلك.
وعمومًا، ما يزال الوضع في سوريا معقدًا وعصيبًا بسبب تضارب المصالح والأولويات. ولذلك تركّز الدول العربية على الحدّ من تفشّي الاضطراب في المنطقة.
ويرى بعض الخبراء أن حضور القمة هذا مهم لتعزيز العلاقات السورية العربية وكذلك لاستعادة مكانة سوريا في المنطقة ولو لم يخلُ هذا الاتفاق من بعض الشروط.
من المنتظر أن تعالج سوريا مشكلة تهريب المخدرات، وتعمل على إصدار عفو عام لحل الصراع سياسيًا.
فأهمية الاتفاق الرمزية واضحة، لكن نجاحه يتوقف على قدرة سوريا على الالتزام بتعهداتها. إضافة إلى تنفيذ الشرط القاضي بمعالجة قضية اللاجئين الملحّة في الدول العربية المجاورة.
استمرت الأزمة السورية أكثر من 12 عامًا وقد أدّت إلى نزوح ما يزيد عن نصف أعداد سكان البلاد قبل الحرب، علاوة على قتل مئات الآلاف من المدنيين.
ورغم دعمها في البداية المعارضة السورية، فقد اعترفت الحكومات العربية مؤخرًا بحكم الأسد، وذلك بعدما استعادت قواته المدعومة من إيران وروسيا، السيطرة على ثلثي مساحة سوريا تقريبًا.
ونتيجةً لذلك، لجأ العديد من السوريين إلى دول الجوار، مثل لبنان والأردن وتركيا، حيث راحوا يواجهون خطابات معادية لوجودهم. لذلك تعمل الحكومات المضيفة على إعادة أولئك اللاجئين إلى سوريا، لكن بشكل متفاوت.
كما تطالب الحكومات الأسد بوقف تهريب الكبتاغون، وهو من عقاقير الأمفيتامين المسببة الإدمان، ويُقال إنها درّت أرباحًا تتخطى 50 مليار دولار خلال الأزمة السورية.
أما إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحلفائه الأوروبيين، فقد اختاروا الاستمرار في سياسة عزل الأسد والضغط عليه.
ومع ذلك، فإن اختلاف المواقف تجاه سوريا بين واشنطن وشركائها الرئيسيين، مثل السعودية والأردن والإمارات، يعكس تغيّر طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، إذ يتهم الزعماء العرب الولايات المتحدة بإهمال المنطقة لاهتمامها بمنافسة الصين وروسيا، وذلك وفقًا لواشنطن بوست.
لكن مصادر رسمية أبلغت واشنطن بوست بأن هذا لا يعني تزايد نفوذ الولايات المتحدة أو تراجعه. بل إنه “يعني أن دولاً مختلفة، من بينهم شركاؤنا، قدّرت الموقف وقررت أن تتبع نهجًا مختلفًا لحل المشكلات. وهذا يحدث تجاه قضايا عديدة في كل أنحاء العالم “.
ورغم ذلك، فإن عودة سوريا ليست محل إجماع دول الشرق الأوسط. وقطر مثال على ذلك. فالدولة التي كانت داعمًا كبيرًا للمعارضة السورية وجماعات الثوار لا ترحب بعودة سوريا.
فقد صرّح رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: “كانت هناك أسباب لتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وهذه الأسباب ما زالت قائمة”، إلا أنه أكّد أن قطر لا تريد الخروج على الإجماع العربي في هذا الموضوع.
وخلصت المؤسسة إلى أنه لا شيء مؤكد سوى أن المنطقة تمرّ بتغيّرات تبدأ بسوريا ولا تنتهي عندها. فهل سوريا جزء من اتفاق أشمل ينطوي على تطبيعات أكبر على عدة جبهات وملفات؟ وحدها الأسابيع المقبلة ستجيبنا عن ذلك.