مؤسسة أوروبية: الإمارات تسعى لنفوذ إقليمي من بوابة العلاقات مع إسرائيل
قالت مؤسسة “فنك” الأوروبية إن دولة الإمارات العربية المتحدة تسعى لكسب النفوذ الإقليمي من بوابة العلاقات مع إسرائيل ضمن سياسة متوازنة بملامح براغماتية.
وبحسب المؤسسة تسعى الإمارات في السنوات الأخيرة لبلورة دورٍ إقليمي يستفيد من كل التناقضات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.
ففي الوقت الذي تراجع فيه دور مصر على المستوى العربي وانكفأت فيه سوريا والعراق واليمن في مشاكلها الداخلية، فقد انفتح الباب أمام دول الصف الثاني من الناحية السياسية كالإمارات لأن تملأ الفراغ التي تعيشه المنطقة. وهذا الفراغ لم يكن ملؤه بالممكن دون تشكيل تحالفات وتوازنات براغماتية جديدة.
الأصدقاء الجدد
لا تعتبر الإمارات إحدى دول الطوق العربي لإسرائيل. وعلى الرغم من عدم خوضها لأيّ حرب ضدها، فقد بدأت الإمارات وتحت مفهوم التعايش في نسج واقع إقليمي جديد عبر الانفتاح غير المسبوق على إسرائيل.
وبعد عامين من توقيع الاتفاق الإبراهيمي للسلام، أشار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى زيارة نحو نصف مليون إسرائيلي لبلاده.
وجاء تصريح ابن زايد على هامش زيارة أجراها مؤخراً لإسرائيل التقى فيها وزير الوزراء الإسرائيلي يائر لابيد.
وتدليلاً على ما وصفه بالنمو المستمر في حجم التبادل التجاري بين الطرفين، اعتبر ابن زايد أن اتفاقية التجارة الحرة التي تم توقيعها بين البلدين قد تكون “أسرع اتفاقية تجارة حرّة توقعها إسرائيل”.
ولم يكن لابيد بدوره يبالغ عندما قال في حضور ابن زايد “إننا نحتفي اليوم بزيارة شريك إستراتيجي لدولتنا”. وكشف لابيد عن توقعات بوصول حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى حوالي 2.5 مليار دولار بنهاية عام 2022.
ومع تكرار وصف ابن زايد بـ “الصديق”، فإن لابيد وضع يده على مربط الفرس في تفسير الاندفاع الإماراتي نحو إسرائيل.
وأكد لابيد أثناء اللقاء إن ابن زايد كان الشخص الأوّل الذي فكّر بالاتصال به لتأسيس منتدى النقب للتعاون الإقليمي، لأنّ الآخرين سيلحقون بوزير الخارجية الإماراتي، وهو ما اعتبره لابيد “صميم الزعامة”.
وجرى عقد منتدى النقب بحضور وزراء خارجية الولايات المتحدة والبحرين والمغرب ومصر في مارس 2022.
لابيد حدّد مستقبل العلاقات بقوله: “نحن نغير معا وجه الشرق الأوسط، ننقله من الحرب إلى السلم ومن الإرهاب إلى التعاون الاقتصادي، من حديث العنف والتطرف إلى حوار التسامح والفضول الثقافي”.
البحث عن دور في سوريا
في مارس 2022، حلّ الرئيس السوري بشار الأسد ضيفا على الإمارات. حينها، التقى الأسد بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي كان لا زال يشغل منصب ولي عهد أبو ظبي والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات وحاكم دبي.
وجادل الأسد حول مسألة عودة سوريا من باب الإمارات عربيا، حيث قال: “نحن لم نخرج، سوريا بقيت في مكانها بنفس المواقف، بنفس الظروف، تتعامل معها بطريقتها وبحسب مبادئها ورؤاها”.
بيد أنّ زيارة الأسد للإمارات كأول دولة عربية يزورها منذ اندلاع الأزمة السورية، شكل نقلة نوعية في مقاربة أبو ظبي لهذا النزاع.
فبهذه الزيارة انتقلت الإمارات من مربع خصومة دمشق ضمن تحالف خليجي لإسقاط نظام حكمها، إلى مرحلة جديدة من علاقات قطعت في فبراير 2012.
وبحسب محللين، فقد سعت الإمارات عبر هذه المقاربة الجديدة إلى تقديم نفسها كـ “قائدة للعالم العربي”، على أمل أن تتبع بقية الدول خطاها. ويرى محللون أن أبو ظبي تسعى لأن تكون أيضاً “صانعة قرار في الشرق الأوسط”، في ظل تراجع دور واشنطن.
وكانت هذه الأخيرة قد انتقدت الزيارة ووصفتها بـ”المحبطة والمقلقة بشدة”، سيّما وأنها محاولة واضحة لإضفاء الشرعية على الأسد.
توازنات براغماتية
عودة سفير الإمارات إلى إيران تعكس فكرة المصالح الاقتصادية. وفي الوقت الذي اعتبر فيه أحد المحللين أبوظبي الرابح سياسياً وتجارياً من عودة العلاقات الدبلوماسية مع طهران، فإن هذا التصوّر يتناقض مع المقاربة الإماراتية السابقة لكيفية التعامل مع إيران.
وسبق لأنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، تحميل طهران مسؤولية دفع الكثير من الدول العربية لمراجعة مواقفها تجاه إسرائيل، بسبب ما وصفه بسياسة إيران العدوانية.
لكن لاحقا سجلت الإمارات أنها “ليست طرفا في أي محور في المنطقة ضد إيران”. كما أنها نأت بنفسها عن السعودية، بعد أكثر من ست سنوات من تخفيض الإمارات مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران بالتزامن مع قطع الرياض علاقتها بطهران مطلع عام 2016.
وجاء الموقف الإماراتي عقب اقتحام محتجين إيرانيين السفارة السعودية في طهران، اعتراضا على إعدام رجل دين شيعي بارز.
الطابع البراغماتي الذي ظهر مؤخراً على الدبلوماسية الإماراتية لم يستثنِ التخفيف من حدّة التوترات السابقة مع تركيا.
وتجلّى التحوّل البراغماتي الجديد في استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل شهور، وهي الزيارة الأولى التي يجريها هذا الأخير للإمارات منذ نحو عقد من الزمن. وتم توقيع 12 اتفاقية تعاون بمجالات عديدة، بعد أن كان الطرفان على خلاف تام بشأن معظم الملفات الإقليمية.
من جانب آخر، تمرّ العلاقات المصرية الإماراتية بشهر عسل لا ينقطع إن صح التعبير، على الرغم من تحفظات مصرية غير معلنة على سياسات الإمارات في اليمن وليبيا.
إعادة تقييم السياسات الخارجية
قبل نهاية عام 2021، أعادت الإمارات تقييم سياستها الخارجية. وتعهدت بالتخلي عن سياسة التدخل في الصراعات، والتركيز على الاقتصاد. وعلى هذا النحو، سعت أبو ظبي للقيام باستثمارات بقيمة 150 مليار دولار من خلال روابط أعمق مع الاقتصادات سريعة النمو.
وعوضا عن التصادم الإقليمي الذي رافق سياسة الإمارات في مرحلة ثورات “الربيع العربي“، فقد لجأت الإمارات لتعزيز حضورها ماليا واقتصاديا.
ومع انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، انتهجت الإمارات سياسة الواقعية لكي تناسب تحالفات الشرق الأوسط الجديد.
ومثل الانسحاب الأمريكي غير المسبوق من أفغانستان درسا لحلفاء أمريكا في منطقة الخليج وعلى رأسهم الإمارات بأنه لا يمكن التنبؤ بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وكان أنور قرقاش، الذي غادر موقعه مؤخرا كوزير دولة للشؤون الخارجية، قد توقع أن تحمل الأحداث في أوكرانيا تغييرات مؤثرة على النظام الدولي بتداعيات “عميقة وطويلة الأمد”. ويبدو أن السياسات الإماراتية الجديدة جاءت لتتوافق مع هذه التغييرات.
أبو ظبي تتبع دبي
مثّل هذا التغيير إنهاءً لسيطرة أبو ظبي على سياسة الإمارات الخارجية والتي كانت تقوم على سياسة التدخّل في الصراعات. وجاء هذا التحوّل بعد أن دفعتها إمارة دبي للتحول في هذا الاتجاه تحت وطأة تراجع الاقتصاد الإماراتي.
ونقلت وكالة بلومبرج عن جيم كرين، مؤلف كتاب “مدينة الذهب: دبي وحلم الرأسمالية”، أن “سياسة أبوظبي المتمثلة في التدخل في الصراعات كان لها تأثير سيّئ على الاقتصاد”، وهو جعل حكّام أبوظبي يدركون استراتيجيتهم “ليست استراتيجية ناجحة”.
البعض يعتقد أن الإمارات تفتقر إلى إرث ثقافي وشعبي مؤثر وتحيط بها تهديدات اجتماعية وديموغرافية عديدة بسبب الانفتاح والعولمة والاقتصاد الحر وضعف البنية السكانية. ويؤدي هذا الأمر إلى تعريض هويتها الوطنية كدولة لعدة تغيرات، ما انعكس على تصورات هذه الدولة وسلوكياتها الخارجية.
الباحثة إلينورا أردماغني ترى أن أمن الملاحة البحرية يؤدي “دوراً أساسياً في عملية إعادة التوجيه التي تجريها الإمارات لسياستها الخارجية”. وتطلق أردماغني على هذا التوجه الإماراتي اسم “دبلوماسية المضائق”، ما يساهم في تحوّل السياسة الإماراتية من نشر القوة إلى حماية النفوذ.
وبحسب أردماغني، فإن هذه الدبلوماسية تركّز على ثلاثة مضائق بحرية هي هرمز وباب المندب والسويس. كما أنها تجمع بين ثلاثة أبعاد متكافلة في السياسات وهي الحضور على مستوى الأمن البحري، والحوار البراغماتي والمؤسسي بشأن أمن الملاحة البحرية، والاستثمارات الاقتصادية الجغرافية حول المجاري المائية الحيوية.
وتستدل أردماغني على إعادة ضبط الإمارات لسياستها الخارجية منذ عام 2019، بهدف الحفاظ على النفوذ الجيوسياسي الذي اكتسبته بعد عام 2011، بالانسحاب العسكري الإماراتي من اليمن عام 2019، وفك الارتباط بالثكنات العسكرية في إريتريا والصومال (2019-2021).
ووفقاً لأردماغني، باتت الإمارات تعطي الأولوية للدبلوماسية على المغامرات العسكرية للحد من المخاطر الجيوسياسية وتحسين صورتها الدولية.
ومن هذا التوجّه الجديد أن يؤدّي إلى الحد من التشنجات البحرية، ويساهم بالتالي في إرساء توازن بين الطموحات الوطنية الإماراتية والأمن العالمي.
لكن من الضروري معرفة أن التعديلات التي أجرتها الإمارات على سياستها الخارجية لا يعني التخلي عن طموحاتها بأداء دور القوة الإقليمية المتوسطة.
من جانبه، يرى الباحث أحمد نصير أن تطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية مع المحيط الجغرافي أحد أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة الإماراتية.
وثمّة قناعة بأن الانعطافة السياسية الإماراتية ليست مجرد خطوةً تكتيكية، بل يرجح البعض أن تكون توجُّهاً استراتيجيا يأتي في سياق تحولات جيوسياسية أوسع نطاقاً.
وتعتبر إحدى الدراسات أن اتساع نطاق الدول الفاشلة والضعيفة في منطقة الشرق الأوسط أفضى إلى إنتاج حزمة من فرص التنافس والتدخل للفاعلين الجدد من دول الصف الثاني كالإمارات. ويعود الفضل في ذلك إلى ما تتمتع به هذه الدول من قدرات اقتصادية.
وعلى هذا النحو، فإن هذا النظام الجديد فتح الباب أمام الإمارات للعب أدوار إقليمية متعددة بهدف السيطرة على مجريات التحولات والديناميكيات الإقليمية.