دور إماراتي مصري في خطة أمريكية جديدة في ليبيا
كشف موقع فرنسي عن دور برز لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر في خطة أمريكية جديدة في ليبيا تستهدف احتواء النفوذ الروسي مهما كان الثمن.
واورد موقع (أوريان21) أن الولايات المتحدة غدت تبذل مساعٍ أكبر للتضييق على النفوذ الروسي في ليبيا، خاصة عبر الضغط على الفاعلين المحليين والإقليميين لقطع العلاقات مع مجموعة فاغنر الروسي.
وبحسب الموقع تُعزّز هذا المسار راهناً الحرب الدائرة في الخرطوم وسط خشية أميركية من تدخل روسي من باب ليبيا.
ومؤخرا تأجّل مرة أخرى اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة التي تضم طرفي النزاع العسكري في ليبيا، والتي تضم خمسة ممثلين عن قوات المنطقة الشرقية ونظرائهم عن قوات المنطقة الغربية، والتي تشكّلت عقب اتفاق جنيف في 2020 وساهمت في إبرام اتفاق وقف إطلاق النار برعاية أممية.
كان يُفترض أن يُعقد الاجتماع في مايو/أيار، في مدينة سبها جنوبي البلاد، من أجل بحث إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية لروسيا وتركيا من الأراضي الليبية.
ورغم نبرة التفاؤل لدى بعض أعضائها، لجهة إمكانية حدوث اتفاق شامل، فإن هذا التأجيل يؤكّد ما تداولته مصادر إقليمية وعربية عن “استمرار التجاذبات السياسية” بين طرفي الصراع في شأن هذه المسألة.
وجاء التأجيل بعد نحو أربعة شهور على زيارة سريعة وغير معتادة إلى ليبيا لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، والتي بدأت نتائج محادثاتها تؤتي أكلها، خاصة لجهة التضييق على النفوذ الروسي عبر استهداف مجموعة فاغنر ومحاولة عزله عن بقية دول الجوار، وهو اتجاه تعزز منذ اندلاع الأزمة السودانية التي تمثِّل اليوم عنصراً ضاغطاً على الجانب الأميركي.
بدا الأمر واضحاً في إعلان المبعوث الأميركي الخاص، ريتشارد نورلاند، عبر حسابه على تويتر، ما وصفه بـ“مصلحة ليبيا المشتركة مع الولايات المتحدة في تأمين وقف إطلاق النار في السودان”، عقب اتصاله الهاتفي في منتصف مايو/أيار برئيس حكومة الوحدة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة.
فيما أكّد لرئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، “أهمية تشكيل قوة مشتركة لتسيير دوريات على الحدود الجنوبية، وضمان عدم استخدام ليبيا كمنصة للتدخل في السودان”، وهو ما يعكس خشية أميركية خاصة من تورط فاغنر في زعزعة استقرار الحدود السودانية.
كما شددت بدورها مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، لقائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، على ما وصفته “الحاجة الملحة إلى منع الجهات الخارجية ومن بينها مجموعة فاغنر الروسية المدعومة من الكرملين من زيادة زعزعة استقرار ليبيا أو جيرانها، بما في ذلك السودان”.
علماً أن نجل حفتر، الصدّيق، كان قد نفى أي طابع سياسي لزيارة مثيرة للجدل أجراها إلى الخرطوم قبل أيام قليلة من اندلاع النزاع العسكري بين قائد الجيش رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي التقاه في “اجتماع مقتضب”.
دخول أميركي مباشر
يعدّ وليام بيرنز أول مسؤول أميركي رفيع المستوى يزور ليبيا منذ نهاية 2011. وهي ثالث زيارة له، بعدما جاء في المرة الأولى بعيد عودة العلاقات الأميركية مع نظام القذافى في عام 2004.
لكن نشاطه هذه المرة، والذي اقتصر على لقاء حفتر المتمركز في المنطقة الشرقية والدبيبة في طرابلس دوناً عن رؤساء مجالس الرئاسة والنواب والدولة، عكس قلقاً أميركياً من نفوذ روسيا ووجودها في ليبيا عبر فاغنر.
لم يكشف حفتر عن فحوى محادثاته مع بيرنز، كما لم ينشر أي صورة لاجتماعهما الأول، فيما زعم عبد الحميد الدبيبة أن الهدف من الاجتماع “استقرار ليبيا ودعمها دولياً وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة”.
إلا أن لقاء المسؤول الأميركي برئيس وزراء حكومة الوحدة المؤقتة يعني أن الأخير هو “المسؤول الشرعي عن الحكومة” من وجهة النظر الأميركية، وفق السفير المصري الأسبق لدى طرابلس، هاني خلاف.
وقد جاءت زيارة وليام بيرنز إلى طرابلس بعد أسابيع قليلة من الانتقادات التي تعرضت لها حكومة الدبيبة جراء تسليمها ضابط الاستخبارات الليبية السابق، أبو عجيلة مسعود المريمى، للسلطات الأميركية، ويحاكم حالياً بتهمة تصنيع القنبلة التي استخدمت في تفجير الطائرة الأميركية فوق بلدة لوكربي الأسكتلندية عام 1988.
يوضح السفير المصري السابق أن “هناك إصراراً أميركياً على الدبيبة بصفته الوجه الذي يمثل الشرعية والمصالح الأميركية”، رغم أن مصر اتخذت “موقفاً مغايراً” بعدما رفعت الشرعية عن حكومة الأخير وأيّدت “حكومة الاستقرار الوطني” الموازية برئاسة فتحي باشاغا، التي كانت قد نالت اعتراف مجلس النواب الليبي.
يرى خلاف أن الأميركيين الذين يتحكمون في الشؤون الليبية من بُعد “يسعون لحل محل أطراف دولية أخرى لتحديد مستقبل ليبي”، موضحاً أن زيارة بيرنز “محاولة لضمان مستقبل الوجود الأميركي هناك ومزاحمة الدول الأخرى مثل روسيا وفرنسا وإيطاليا في حضورهم العسكري والاقتصادي”. لذا، يستدرك الدبلوماسي المصري بأن الوجود الأميركي في ليبيا يهدد أكثر من طرف إقليمي ودولي.
سياسة الضغط
تبع زيارة وليام بيرنز إلى ليبيا بنحو شهرين تكثيف ممثل أمين عام الأمم المتحدة، السنغالي عبد الله باتيلي، جهوده في الاتجاه نفسه، وزيارته دول الجوار، السودان وتشاد والنيجر، في سياق تأكيد دعم هذه الدول لبعثة الأمم المتحدة وللجنة العسكرية المشتركة من أجل تنفيذ خطة العمل المتعلقة بانسحاب المقاتلين والمرتزقة الأجانب.
يبدو أن الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس جو بايدن بكثافة لاحتواء النفوذ الروسي المتصاعد في ليبيا، وفي إفريقيا عامةً، تسفر في نهاية المطاف عن تطورات لافتة.
وتؤكد مصادر مصرية طلبت عدم الكشف عن هويتها ما جرى تداوله حول تلقي الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي التقى بيرنز ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في نهاية يناير/كانون الثاني، طلباً أميركياً بالمساعدة في إنهاء الوجود الروسي في ليبيا والسودان وسحب المرتزقة الأجانب في أقرب وقت.
ويعزز صدقية هذه المعلومات ما نقلته وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية، بعد أيام قليلة من لقاءات بلينكن وبيرنز في القاهرة، عن مسؤولين مصريين وسودانيين وليبيين حول تصاعد الضغوط التي تمارسها واشنطن لطرد المرتزقة الروس من السودان وليبيا.
ووفق هؤلاء، “تعمل إدارة بايدن منذ شهور مع مصر والإمارات للضغط” على القادة العسكريين في السودان وليبيا لإنهاء علاقاتهم مع فاغنر، وهو ما مثّل أهم محاور المحادثات الأخيرة لمدير وكالة المخابرات المركزية في مصر وليبيا. “تتصدر (مجموعة فاغنر) كل اجتماع”، كما نقلت الوكالة عن مسؤول مصري رفيع على اطلاع على المحادثات.
أشار مسؤول ليبي بدوره إلى أن “المسؤولين الأميركيين طالبوا بسحب المرتزقة من المنشآت النفطية” الليبية، فيما تؤكد مصادر مقربة من خليفة حفتر أن وليام بيرنز طالبه بوقف نشاط فاغنر على الأراضي الليبية، وحذره من عقوبات قد تطاوله وقيادات جيشه بتهمة التورط في دعم أنشطة مشبوهة للمرتزقة الروس.
بعد أسبوع من لقاء مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، كان لافتاً اجتماع حفتر في مقره بالرجمة خارج بنغازي بوفد أميركي ضم نائب قائد القوات الجوية الأميركية في أفريقيا، الجنرال جون دي لامونتاني، والقائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا، ليزلي أوردمان.
وفقاً لمصادر مقربة من حفتر، طلب الأخير مساعدة واشنطن في إنهاء وجود المرتزقة السوريين الموالين لتركيا وقوات الدبيبة في غرب ليبيا، لافتة إلى أنه رأى أن استمرار ما وصفه بالاحتلال التركي للمنطقة الغربية في البلاد “لم يعد مقبولاً”.
توضّح المصادر أن حفتر طلب إخراج هذه القوات دون إبطاء، على أساس أن وجودها “إهانة للشعب الليبي، وعرقلة لكافة الجهود الرامية لتهيئة المناخ الأمني والعسكري لإجراء الانتخابات المؤجلة”.
ووفق معلومات صحافية، طلب الرجل ضمانات بعدم مهاجمة قواته من قبل تركيا والميليشيات الداعمة لحكومة الدبيبة.
وأكّد حفتر، وفقاً للمصادر نفسها، استجابته للمساعي الدولية والإقليمية الهادفة إلى إيجاد حل سياسي للوضع الحالي، مقدّماً ضمانات شفهية بعدم اعتزامه تكرار تجربة حربه الفاشلة ضد طرابلس مجدداً.
مع العلم أن هذه التطمينات تتناقض مع تصريحاته المثيرة للجدل خلال زياراته المتعاقبة إلى مختلف المناطق الخاضعة لسيطرته باعتماد الحل العسكري كملجأ أخير من وجهة نظره لحسم الأمور.
المثير للانتباه وسط ذلك هو امتناع المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، العقيد أحمد المسماري، عن الإفصاح عن فحوى الاجتماعات المكثفة الأخيرة لحفتر بمسؤولين أميركيين على المستويين العسكري والاستخباراتي.
وقد اكتفي بالقول: “يستقبل المشير يومياً ضيوفاً على عدد من المستويات، لكن لم يخرج تصريح رسمي من القيادة العامة للجيش الوطني بشأن هذه الزيارة، ولم يتم تزويدي بمعلومات بشأنها أو متطلباتها”. إلا أن مصادر في “الوطني” تلفت إلى أن تعليمات صدرت بتجهيز قوات لتحل محل عناصر فاغنر وما وصفته بميلشيات تشادية وسودانية متعاونة من دون الخوض في مزيد من التفاصيل.
وربطت المصادر بين هذه التعليمات وإعلان “لواء طارق بن زياد”، التابع لحفتر، تمركز عناصره على الشريط الحدودي مع تشاد نهاية شهر أبريل/نيسان، بعد إعلان فصيل تشادي مسلح ينتمي إلى اتحاد القوة من أجل الديمقراطية والتنمية بقيادة محمد نوري، بدء انسحاب قواته في سبها بالجنوب الليبي باتجاه الأراضي التشادية.
لم يعترف حفتر قط بوجود هؤلاء المرتزقة ضمن صفوف قواته لكن يُعتقد على نطاق واسع أنهم قدموا إلى جانب فاغنر دعماً لها، كما ساعدوها في تأمين السيطرة على الأراضي الخاضعة لها.
واستعان حفتر منذ 2018 بمرتزقة المجموعة الروسية لمساعدة قواته في القتال ضد المسلحين في المنطقة الشرقية، بالإضافة إلى هجومه الفاشل على طرابلس في أبريل/ نيسان 2019.
وقدّرت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا – أفريكوم وجود نحو ألفي من هؤلاء المرتزقة الذين يُعتقد أنهم تلقوا دعمًا من الإمارات في النصف الثاني من 2020 بمعدّات عسكرية روسية شملت عربات مدرّعة وأنظمة دفاع جوي وطائرات مقاتلة.
كما قدّمت في أكثر من مناسبة أدلة على انخراط روسيا في الحرب الليبية، بما في ذلك إدخالها طائرات هجومية مسلّحة مأهولة في محاولة لتغيير طبيعة الصراع. وبُثّت في السابق صور فوتوغرافية لطائرات روسية تقلع من قواعد خاضعة لسيطرة حفتر في الجفرة وسرت.
لكن طبقاً لتقرير صدر في مارس/آذار 2021] عن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في ليبيا، يقدّر عدد عناصر فاغنر الذين دعموا قوات حفتر في مختلف أدوار المراقبة والاستشارة وحماية القوات والقتال ما بين 800 إلى 1200 شخص.
وتعتقد منظمات حقوقية دولية أن فاغنر متورطة في الصراع الليبي نيابة عن حفتر، وتتهمها بارتكاب جرائم حرب تشمل القتل خارج نطاق القضاء، والقصف العشوائي للمناطق المدنية، واستخدام الأطفال كجنود.
ومنذ إعلان الأمم المتحدة وقف إطلاق النار في ليبيا عام 2020 بعد عام من الحرب الفاشلة التي شنها حفتر، انحصرت جهود فاغنر في تدريب قواته وحماية المنشآت النفطية في المناطق الخاضعة لسيطرته في شرقي البلاد وجنوبيها.
في خلفية المشاركة، تسعى روسيا بالإضافة إلى تأمين مصادر الطاقة ومواجهة التمدد الأميركي الغربي في حوض البحر المتوسط للحفاظ على نفوذ اكتسبته منذ الستينيات في شمالي أفريقيا، وكذلك مصالحها الاستراتيجية في ليبيا، لكنها فشلت في إقناع حفتر بمنحها قاعدة عسكرية.