دراسة: القمع في السعودية عقبة أمام انخراط أوروبي بعلاقات أوثق مع المملكة
خلصت دراسة أصدرها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الدول الأوروبية بحاجة إلى التعبير بوضوح عن أن القمع سيظل عقبة سياسية أمام انخراطها في علاقات أوثق مع المملكة العربية السعودية لأن القمع يخلق حالة من عدم الارتياح حول سيادة القانون في المملكة.
وتناولت الدراسة التي ترجمها المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، دلالات زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مؤخرا إلى بروكسل؟ والموقف الأوروبي من محاولات عودة السعودية إلى قيادة منطقة الشرق الأوسط.
وأبرزت سينزيا بيانكو الزميلة في الأبحاث الخليجية بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن القادة الأوروبيين بذلوا جهودًا كبيرة لتعزيز مكانتهم في الخليج منذ عام 2021.
وذكرت سينزيا أن الأوروبيين يحتاجون إلى تقدير التحولات الجيوسياسية التي حدثت في الخليج خلال الأشهر القليلة الماضية، خاصة عودة القيادة السعودية إلى عهدها السابق، وابتعادها عن التقلبات التي شهدتها سنوات الفترة من 2015 إلى 2018.
وأوضحت أن السعودية تنافست على مدى عقد من الزمن، بشكل نشط ومرير، على القيادة الإقليمية مع تركيا وإيران، فضلاً عن قطر والإمارات، وتمكنت في النهاية من قلب الطاولة لصالحها.
فالقيادة التركية تواجه أزمة مالية محلية وتأثير زلزال مدمر، وتستعد لانتخابات عامة ساخنة في وقت لاحق من هذا العام، ولا تزال مستهلكة من الناحية الجيوسياسية من خلال لعبة التحوط بشأن الحرب في أوكرانيا.
أما إيران، فيركز قادتها على الاضطرابات الداخلية بعد أشهر من الاحتجاجات، ويعد احتمال استعادة الاتفاق النووي في أدنى مستوياته على الإطلاق، ويفتقر النظام إلى الموارد المالية اللازمة للاستثمار في وكلائه الإقليميين.
ومنذ أزمة الخليج 2017-2021، قطعت قطر دعمها لشركائها الإسلاميين وقلصت طموحاتها الخاصة بالقيادة في المنطقة، ويفضل قادتها حاليا العمل قدر الإمكان مع السعودية، والتي تبادل المصلحة بالمثل، بحسب الدراسة.
ولذا ترى الدراسة أن الإمارات هي اللاعب الوحيد في المنطقة الذي لديه القدرة الاستراتيجية على التنافس مع السعودية، رغم الاختلافات في الوزن الجيوسياسي بين الدولتين، ولذا تشهد العلاقة الطويلة بين قائديهما، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد، بعض الاضطرابات.
وشددت الدراسة على أن بن زايد وبن سلمان منخرطان حاليا في الحد الأدنى من الاتصال والتنسيق، وهو ما يعد خروجًا مهمًا عن واقع السنوات القليلة الماضية.
لكن لا يجب أن تتحول هذه الاختلافات إلى توترات نشطة، ولذا ستكون القدرة على منع امتداد الخلافات مع أبو ظبي، أو أي عاصمة أخرى في المنطقة، إلى عداء مفتوح، عاملاً في تحديد ما إذا كانت السعودية لديها النضج الاستراتيجي للقيادة الإقليمية.
وتشير الدراسة إلى أن الحرب الروسية في أوكرانيا أعادت إشعال الاهتمام الدولي بالسعودية، وإلى أن القيمة الاستراتيجية لموارد المملكة وسط أزمة طاقة عالمية تعني أن الرياض يمكن أن تبدأ في طي صفحة السياسات المتهورة التي بدأت مع انطلاق الحرب في اليمن في عام 2015، وانفجرت بالقتل الوحشي للصحفي “جمال خاشقجي” عام 2018.
وأضافت أن السعودية تلعب لعبة متعددة الأقطاب سياسيا، تتمثل في رفض التحالف مع الغرب ضد روسيا، واستضافة كل من الرئيس الأمريكي “جو بايدن” والزعيم الصيني “شي جين بينغ” في العام ذاته (2022).
كما تهدف الرياض إلى القيادة في الاقتصاد والطاقة والاستثمار، وأدت استراتيجية البلاد للنمو الاقتصادي بعيدا عن النفط، وفق رؤية 2030، إلى تغييرات شاملة في المجتمع السعودي.
فمنذ ذلك الحين، أصبحت البلاد أكثر ليبرالية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وتُعرف الآن بأنها المركز الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وترى الدراسة ضرورة اعتراف مسؤولي الاتحاد الأوروبي بهذا الدور السعودي رسميًا خلال الحوار التجاري والاستثماري القادم بين الاتحاد ومجلس التعاون الخليجي، لكنها تشير، في الوقت ذاته، إلى أن حالة “التحرير” الاجتماعي والاقتصادي بالسعودية تزامن مع زيادة كبيرة في قمع الحقوق السياسية والمدنية بالمملكة.
ومن مصلحة الأوروبيين أن تنجح رؤية 2030، إلا أنهم بحاجة إلى التعبير بوضوح عن أن القمع سيظل عقبة سياسية أمام انخراطهم في علاقات أوثق مع المملكة، حسبما ترى الزميلة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
فالقمع يخلق حالة من عدم الارتياح حول سيادة القانون في السعودية، ويقضم ثقة كل من السكان المحليين والأجانب، الذين يرغبون في الاستفادة من البيئة الليبرالية الجديدة بالمملكة.
ويعد قرار صندوق الاستثمارات العامة السعودي، عام 2022، بإنشاء 6 صناديق بـ 24 مليار دولار، توجه نحو مصر وعُمان والعراق والأردن والسودان والبحرين، من أوضح المؤشرات على استراتيجية الرياض لتوسيع قوتها الناعمة في هذه الدول وخارجها.
فالقادة السعوديون عازمون على محاربة الفساد والحصول على عائد على استثماراتهم، من خلال ربط الأموال بالإصلاحات التي يقرها صندوق النقد الدولي، ما يعني أن المقاربات السعودية والأوروبية للاستثمارات الإقليمية أصبحت الآن أكثر اتساقًا، حسبما ترى الدراسة.
ومع ذلك، يجب على الأوروبيين أن يظلوا يقظين بشأن المدى الذي ستدفع به الرياض مصلحتها الذاتية الضيقة كجزء من شروط المساعدات الاقتصادية، خاصة في الدول التي لا يمكن سيادة الأجندة السعودية فيها.
ففي لبنان، على سبيل المثال، تركز السياسة السعودية حاليا على أهداف مثل منع تهريب الكبتاجون (نوع من الأمفيتامين المخدر)، وهو ما تعتبره “سينزيا” فرصة للأوروبيين ذوي الخبرة في معالجة تجارة المخدرات غير المشروعة، ما قد يؤدي إلى تعاون مشترك مع المملكة.
وفيما يتعلق بالطاقة، تشير المحادثات في الرياض إلى أن القادة السعوديين لديهم كل النية لمواصلة تنسيق سياسات الدول المنتجة للهيدروكربونات في شكل تكتل منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفائها “أوبك+”.
ويشمل هذا الشكل روسيا، ما يعزز سياسات سعودية مقاومة التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. لكن القادة السعوديين حريصون أيضًا على تعزيز أوراق اعتمادهم في مجال الطاقة النظيفة من خلال مبادرة الشرق الأوسط الخضراء.
وخلال رحلته المقبلة إلى الرياض، ينبغي لمفوض الصفقة الخضراء في الاتحاد الأوروبي، “فرانس تيمرمانز”، محادثة قادة المملكة لنقل هذه الخطط إلى المرحلة التالية، بدعم من الاتحاد الأوروبي.
يجب على “تيمرمانز” استكشاف فرص العمل على مبادرات ملموسة قبل اجتماع أسبوع المناخ للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التابع للأمم المتحدة، بالسعودية في وقت لاحق من هذا العام، وقمة الأمم المتحدة للمناخ “كوب 28″، المقررة بالإمارات في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ولا يزال التهديد الأكبر للطموحات السعودية هو التصعيد المحتمل مع إيران. وتشير الأحاديث في الرياض إلى أن القادة السعوديين يتبنون استراتيجية مزدوجة لاحتواء طهران، من خلال الضغط الأقصى باتجاه عقوبات جديدة على إيران من جانب، والمشاركة بمحادثات خفض التصعيد، من جانب آخر.
ويمثل نهج الاحتواء وخفض التصعيد تحولًا كبيرًا في استراتيجية المملكة الإقليمية، ويستند إلى اعتقاد القادة السعوديين أنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة لدعمهم.
ولكن إيران يمكنها الرد على ضغوط قصوى متجددة بهجمات على السعودية، مماثلة لتلك التي حدثت في عام 2019، وليس من الواضح ما إذا كانت الوسائل القائمة للاتصال عبر القنوات الخلفية بين البلدين، أو القدرات الدفاعية السعودية المعززة حديثًا، يمكن أن تمنع ذلك.
ولذى ترى الدراسة ضرورة مواصلة القادة الأوروبيون الانخراط دبلوماسياً لضمان أن تسود البراجماتية السياسة الخارجية السعودية بدلا من الانخراط في تصعيد متبادل.
وإزاء صعوبة العمل مع السعودية بسبب سجلها بمجال حقوق الإنسان، ترى الدراسة أن الأوروبيين يجب ألا يخجلوا من الانخراط في حوار رسمي مع الرياض حول حقوق الإنسان بطريقة تسلط الضوء على أن التقدم على هذه الجبهة يصب في مصلحة المملكة.
وتخلص إلى أن القادة الأوروبيين بحاجة إلى الاستجابة بفعالية للقيادة الجيوسياسية والجيواقتصادية المزدهرة للسعودية إقليميا، إذ تظل المنطقة أساسية في سعي أوروبا لتحقيق أهدافها الاقتصادية والمناخية.