Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

قراءة أوروبية لاقتصاد الأردن: عمان تدفع ثمن سياساتها الاقتصادية الهشة

عرضت مؤسسة “فنك” الأوروبية دراسة تحليلية لاقتصاد الأردن، مؤكدة فيه أن عمان ثمن سياساتها الاقتصادية الهشة وباتت منذ سنوات طويلة أسيرة اعتمادها على الدعم المالي الخارجي، الذي يتأتّى من جهات مختلفة.

وأشارت الدراسة إلى انتظار الحكومة الأردنيّة هذه السنة حصولها على ما يقارب الأربعة مليارات دولار أميركي من المساعدات والمنح والقروض الميسّرة الخارجيّة، وهو ما يقارب نفس حجم المساعدات المقدّرة خلال العام الماضي.

وهذا النوع من المساعدات، بات أحد ركائز الميزانيّة العامّة الحكوميّة في الأردن، التي تعاني من عجز سنوي تتجاوز قيمته الثلاثة مليارات دولار سنويًّا. ولفهم أهميّة هذه المساعدات الخارجيّة بالنسبة إلى الأردن، تكفي الإشارة إلى أنّ حجمها يتجاوز نصف قيمة الواردات الضريبيّة، التي تمكّنت المملكة من تحصيلها خلال العام الماضي، والتي قاربت حدود ال 7.43 مليار دولار.

ببساطة، باتت الحكومة الأردنيّة منذ سنوات طويلة أسيرة اعتمادها على الدعم المالي الخارجي، الذي يتأتّى من جهات مختلفة كالولايات المتحدة الأميركيّة التي قدّمت 5.323 مليار دولار خلال الأعوام الأربعة الماضية، والبنك الدولي الذي قدّم 3.205 مليار دولار خلال الفترة ذاتها.

كما يستفيد الأردن من رزم مساعدات تقدّمها الدول الأوروبيّة والخليجيّة والاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي للاستثمار، بالإضافة إلى برنامج تمويلي خاص من صندوق النقد الدولي.

ومن الواضح، بالنظر إلى حجم هذه المساعدات، أن الحكومة الأردنيّة لم تعد تقوى على تمويل نفقاتها الأساسيّة من دون الدعم الخارجي.

كل هذا المشهد، يبدو شديد البُعد عن كل ما وعدت به الحكومات الأردنيّة المتعاقبة على مدى العقود الماضية في برامجها، التي لطالما تحدّثت عن تعزيز “الاعتماد على الذات”، ومحاولة تحقيق الاستقرار الاقتصادي بأقل قدر ممكن من الاتّكال على القروض والمساعدات الخارجيّة.

بل وعلى عكس هذه الوعود تمامًا، بات نطاق هذه المساعدات يمتد ليشمل تمويل مشاريع البنية التحتيّة والتعليم الزراعة والأمن الغذائي، والتسليح وبرامج التشغيل والتوظيف والتنمية الاقتصاديّة، ما رهن الغالبيّة الساحقة من الأدوار السياديّة للحكومة بوجود هذه المساعدات.

وحتّى بالنسبة إلى المستقبل، لا يبدو أن الأردن يتجه إلى تخطّي الاعتماد على الدعم الخارجي المالي قريبًا. فعلى سبيل المثال، يعوّل الأردن على الولايات المتحدة الأميركيّة للحصول على 1.45 مليار دولار سنويًّا خلال الأعوام الممتدة بين 2023 و2029.

كما يلتزم الاتحاد الأوروبي صرف مبالغ تصل إلى حدود ال2.83 مليار دولار، لغاية العام 2027، بما يشمل رزم من الهبات والقروض الميسّرة التي تستهدف دعم البنية التحتيّة والاقتصاد الأخضر في الأردن.

ويُضاف إلى هذه المساعدات مجموعة من برامج الدعم التي ستلتزم بها الدول الخليجيّة والمؤسسات الدوليّة الأخرى خلال الأعوام المقبلة، بما فيها صندوق النقد الدولي. وجميع هذه البرامج، ستربط مشاريع رسميّة محددة بالتمويل الخارجي، بموجب عقود وشروط طويلة الأمد.

وثمّة ما يكفي من أسباب لجعل الأردنيين قلقين من ظاهرة الاعتماد على الدعم الخارجي، وهي نفسها الأسباب التي لطالما دفعت الحكومات السابقة إلى الإعلان عن اتجاهها التخلّص من هذه الظاهرة الخطرة، دون أن تفي بوعودها فعلًا.

فالاعتماد على الدعم المالي الخارجي يقلّص من قدرة الأردن على وضع سياسة خارجيّة مستقلّة ومتحرّرة من أي ضغوط، طالما أن الاستقرار الاقتصادي في البلاد بات مربوطًا بدعم دول أو تكتّلات دوليّة معيّنة.

ولهذا السبب بالتحديد، ثمّة الكثير من التحليلات التي تشير إلى أنّ السياسة الخارجيّة الأردنيّة لا تملك القدرة على تحديد خيارات واتجاهات حاسمة، ما يدفع المملكة إلى مواقف تتسم بالارتباك والتناقض في بعض الأحيان، لكونها ببساطة لا تملك القدرة على إغضاب أحد من الأطراف الداعمة لها ماليًّا.

ففي النزاعات الإقليميّة، تحاول المملكة التوفيق بين علاقاتها مع الدول الخليجيّة والولايات المتحدة الأميركيّة والدول الأوروبيّة، رغم التناقضات التي تبرز في كثير من الملفّات بين هذه الأطراف الثلاثة.

كما تحاول في سياستها الخارجيّة مراعاة واقعها الديموغرافي، والنسبة المرتفعة للأردنيين من أصل فلسطيني، دون أن تذهب بعيدًا في تحدّي الإسرائيليين بسبب تعقيدات علاقاتها الدوليّة.

في الوقت نفسه، كانت الدول والمؤسسات الدوليّة الداعمة قادرة على دفع الأردن باتجاه سياسات اقتصاديّة لا تخدم بالضرورة مصالح الشعب الأردني، ولا تسمح ببناء اقتصاد أردني مستدام على المدى الطويل.

بل وعلى العكس تمامًا، غالبًا ما سعت هذه الأطراف إلى فرض سياسات وخطط تتناسب مع رؤيتها للتنمية، أو مصالحها الإقليميّة والسياسيّة الخاصّة.

وهذا تحديدًا ما جرى حين فُرض على الأردن في مراحل سابقة الانخراط في اتفاقات التجارة الحرّة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها من الدول، ما ساهم بإضعاف القطاعين الزراعي والصناعي في الأردن، لمصلحة الصادرات الغربيّة.

وهكذا، كانت السياسات التي تفرضها هذه الأطراف، أحد أسباب استمرار الأردن بالاعتماد على دعمها المالي، بدل السعي لبناء قطاعات اقتصاديّة منتجة.

إلا أنّ أبرز السياسات المؤذية التي فرضها الداعمون الخارجيون على الأردن، والتي تعرّضت للكثير من الانتقادات، كانت تلك المتصلة ببرامج إقراض صندوق النقد الدولي، والتي بدأت منذ أكثر من ثلاث عقود.

فاستجابة الأردن لشروط صندوق النقد أدّت على مدى هذه العقود الثلاثة إلى تطبيق سلسلة من الإجراءات التي رفعت الدعم عن الفئات الأكثر هشاشة، وخصخصت العديد من القطاعات الحسّاسة، كما حرّرت الأسواق الماليّة وفُتحت أبواب التجارة الخارجيّة بشكل كامل من دون قيود.

وكانت وصفات صندوق النقد طوال هذه الفترة محل انتقاد الشارع الأردني، الذي رأى فيها سببًا للركود الاقتصادي.

فالاتجاه بسرعة نحو سياسات نيوليبراليّة من قبيل تحرير التجارة الخارجيّة وإلغاء الحمايات الجمركيّة، دون الأخذ بعين الاعتبار ظروف وواقع الاقتصاد المحلّي، أدّى إلى تهشيم قدرة القطاعات الاقتصاديّة المحليّة على الإنتاج.

مع الإشارة إلى أنّ الأردن كان يعتمد قبل الدخول في برامج صندوق النقد الدولي على مبدأ حماية كل قطاع إنتاجي محلّي بشكل مؤقّت، عبر السياسة الجمركيّة التي تفرض رسوما على السلع المستوردة المنافسة، إلى حين تطوّر هذا القطاع وبلوغه مستوى يسمح برفع الحماية بشكل تدريجي.

إلا أنّ برامج صندوق فرضت إلغاء هذه الإستراتيجيّة، وفقًا لوصفات الصندوق المعروفة التي يوصي بها دائمًا، دون التدقيق الكافي في طبيعة الاقتصاد الأردني وظروفه الخاصّة. أمّا نتيجة ضرب القطاعات المنتجة الأردنيّة، فكانت ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الاعتماد على الاستيراد.

كما ساهمت سياسات رفع الدعم وزيادة الضرائب التي طلبها صندوق النقد بتقليص الطبقة الوسطى، وزيادة الأعباء على الفقراء، وهو ما أطلق العنان في عدّة مراحل لاحتجاجات شعبيّة عارمة.

وأخيرًا، أدّت موجات الخصخصة السريعة والمتتالية إلى زيادة أسعار الخدمات الأساسيّة التي كانت تقدّمها الدولة سابقًا، وتقليص عدد العاملين في هذه القطاعات خلال فترات قصيرة جدًا، وهو ما دفع باتجاه تعميق الضغوط المعيشيّة.

لكل هذه الأسباب، ومنذ دخول الأردن مسار العمل مع صندوق النقد في أواخر الثمانينات، لم تحقق خطط إعادة هيكلة الاقتصاد الأهداف المأمولة منها، بل ساهمت بزيادة هشاشة الاقتصاد المحلّي.

ففي نهاية عام 2021، كانت معدّلات الفقر قد ارتفعت لتلامس حدود ال24%، فيما ارتفعت معدلات البطالة إلى 22.8% في نهاية الربع الأوّل من عام 2022.

وفي بيئة اقتصاديّة مضطربة كهذه، ومع استمرار الميزانيّة العامّة بتسجيل عجوزات مرتفعة، كان من الطبيعي أن ترتفع نسبة الدين للناتج المحلّي إلى حدود ال113.8%.

وبعد تراجع قدرة المجتمع على الاستهلاك، نتيجة الفقر والبطالة، ومع تردّي أوضاع القطاعات الإنتاجيّة، باتت التحليلات الاقتصاديّة تتوقّع بلوغ البلاد مرحلة الانكماش الاقتصادي في نهاية 2022.

في النتيجة، ساهمت كل هذه السياسات الاقتصاديّة الهشّة بدفع الأردن نحو وضعيته الراهنة، التي جعلت من الحكومة الأردنيّة أسيرة الدعم المالي الخارجي.

لكن هذا الواقع بدأ اليوم يؤثّر على خيارات الأردن الاستراتيجيّة، كما جرى مؤخّرًا حين اضطرّت الأردن للاستجابة لرغبة الإمارات العربيّة المتحدة، بتوقيع اتفاق استثماري ثلاثي يجمعهما مع إسرائيل في مجال المياه والطاقة.

فرغم الاعتراضات الشعبيّة داخل الأردن، وبعد تحذير الخبراء الأردنيين من خطورة جعل الأردن معتمدة على إسرائيل في إمدادات المياه، وفي ظل وجود مشاريع بديلة تغني الأردن عن هذه المخاطر، تمكنت الإمارات من فرض هذا المشروع الذي يتكامل مع انفتاحها المستجد على إسرائيل. وهذه الاستجابة الأردنيّة كانت أفضل مثال على النتائج السياسيّة لحاجة الأردن للدعم المالي المستمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى