Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

رهان أوروبا على قطر في حرب الطاقة مع روسيا

أبرزت مؤسسة “فنك” الأوروبية ما تمثله دولة قطر من رقم صعب على مستوى أسواق الغاز الدوليّة، إذ تستأثر وحدها بما يقارب ال23.8 تريليون متر مكعّب من احتياطات الغاز المؤكّدة، ما يجعلها صاحبة ثاني أكبر احتياطي مؤكّد من الغاز في العالم بعد روسيا.

ومن حيث إنتاج الغاز السنوي، تحل قطر في المرتبة الرابعة على مستوى العالم، بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين، بكميّة إنتاج تقارب ال171 مليار متر مكعّب.

وبذلك، يمكن القول إنّ قطر تحل في المرتبة الأولى بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المصدّرة للطاقة، من حيث احتياطاتها وإنتاجها من الغاز الطبيعي.

ورغم موقعها المتقدّم الراهن، تشير جميع الدراسات والتحليلات إلى أنّ قطر مازالت تملك فرصًا كبيرة لتحقيق تقدّم إضافي في أسواق الطاقة.

فعلي سبيل المثال، أشار التقرير العالمي السنوي للغاز الطبيعي المُسال الصادر عن الاتحاد الدولي للغاز أن قطر ستتصدّر قائمة منتجي الغاز عالميًّا بحلول العام 2026، إنتاجًا وتصديرًا، بفضل سلسلة الاستثمارات التي تقوم بها الإمارة لتوسيع إنتاجها.

كل ما سبق، يفسّر الاهتمام الأوروبي المتزايد بقطر في الوقت الراهن، في الوقت الذي تخوض فيه أوروبا حرب طاقة شرسة في وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

فروسيا تسعى في الوقت الراهن إلى الضغط على أوروبا باستخدام سلاح الطاقة، عبر مواصلة تجفيف إمدادات الغاز الروسي المتدفّق باتجاه أوروبا.

وهكذا، تراهن روسيا من خلال هذه الخطوات على لَي ذراع الأوروبين، الذين يواصلون حتّى اللحظة دعم أوكرانيا في وجه الغزو الروسي.

وفي النتيجة، تنتظر روسيا من كل هذه التطورات دفع الأوروبيين إلى التراجع عن دعمهم أوكرانيا ماليًا وعسكريًا، ما يمكن أن يسمح لروسيا بتحقيق تقدّم ميداني في حربها هناك.

لكن في المقابل، لا يبدو الاتحاد الأوروبي مستعدًا للتراجع. فبالتوازي مع الحرب التي يخوضها الأوكرانيون على الأرض، تخوض أوروبا حرب طاقة شرسة مع بوتين، عنوانها الاستغناء عن الغاز الروسي وإيجاد البدائل، على مشارف فصل الشتاء الذي يشهد في العادة طلبًا كبيرًا على مصادر الطاقة لتأمين التدفئة في أوروبا.

هنا بالتحديد، يأتي الدور الذي يريد الأوروبيون لقطر أن تلعبه، بوصفها بديلًا بديهيًا من الغاز الروسي الذي توقّف تدفقه باتجاه أوروبا.

ولفهم إمكانات قطر، وقدرتها على ملء فجوة الحاجة الأوروبيّة الى الغاز على مشارف فصل الشتاء، تكفي الإشارة إلى أنّها تمكّنت وحدها من تلبية 21% من هذه الحاجة خلال العام الماضي، ما وضعها في المرتبة الثانية على قائمة أبرز مورّدي الغاز إلى أوروبا.

ومع ذلك، تراهن أوروبا اليوم على المزيد من إمدادات الغاز المُسال القطري، لتعويض تراجع واردات الغاز الروسي، والذي أمّن عام 2021 نحو 18% من حاجة أوروبا السنويّة الى الغاز.

تجدرُ الإشارة إلى أنّ الغاز المُسال الذي تصدّره كل من قطر والولايات المتحدة إلى أوروبا كان يعاني في الماضي من ضعف قدرته التنافسيّة في وجه الغاز الروسي، الذي يصل عبر الأنابيب بكلفة أقل.

إلا أنّ أزمة الطاقة الراهنة، وحاجة الأوروبيين الماسّة إلى الغازعلى مشارف فصل الشتاء، جعلت من شحن الغاز المُسال عبر البواخر خيارًا مجديًا للأوروبيين، بمعزل عن كلفته.

لكل هذه الأسباب، اندفعت الدول الأوروبيّة باتجاه قطر، للتعاون معها في استثمارات قادرة على تعزيز التعاون في مجال الطاقة.

آخر هذه الخطوات، كان قيام شركة توتال الفرنسيّة بشراء 9.3% من حقل الشمال الجنوبي للغاز في قطر، بصفقة بلغت قيمتها 1.5 مليار دولار، لتصبح الشركة الفرنسية الشريك الأساس لشركة قطر للطاقة في هذا الحقل.

وبذلك، كانت توتال تستكمل اندفاعها الاستثماريّ القويّ باتجاه السوق القطريّة، والتي ظهرت ملامحها منذ أشهر بشراء 6.25% من حقل الشمال الأكبر في قطر، بصفقة بلغت قيمتها ملياري دولار في ذلك الوقت.

ولهذه الأسباب، يبدو من الواضح أنّ فرنسا تتجه بخطوات ثابتة إلى ضخ المزيد من استثماراتها في حقول الغاز القطريّة.

وهذه التطوّرات، ستساعد قطر على تأمين الرساميل التي تحتاجها لتوسيع إنتاجها من الغاز، ما سيصب حكمًا في مصلحة الأوروبيين.

كما ستساعد الفرنسيين على زيادة تأثيرهم على نشاط قطر في مجال إنتاج الغاز، بما يسمح بزيادة صادراتها باتجاه السوق الأوروبيّة.

تجدرُ الإشارة إلى أنّ فرنسا كانت قد مهّدت سياسيًّا لتوسّع كل هذه الاستثمارات منذ شهر كانون الأوّل الماضي، من خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى قطر، والتي شهدت توقيع مذكرة تفاهم بين الدولتين في مجال الاقتصاد والتنمية.

ومن خلال هذه الزيارة وكل هذه الخطوات، استبق الفرنسيون المرحلة الراهنة، التي وضعتهم في دائرة البحث المستميت عن بدائل من الغاز الروسي.

كل هذه المساعي الفرنسيّة، كانت تواكبها قرارات مستجدة من قبل الاتحاد الأوروبي، تذهب بالاتجاه نفسه.

ففي شهر أيلول/سبتمبر الماضي، قرر الاتحاد الأوروبي فتح مقر لبعثته في العاصمة القطريّة الدوحة، وهو ما بدا كمسعى للاتحاد لتعميق علاقاته الدبلوماسيّة بقطر.

وسيسمح هذا القرار للاتحاد الأوروبي بتعيين سفير ورئيس للبعثة في الدوحة، ما سيفتح المجال أمام بناء تفاهمات استراتيجيّة بين الإمارة والاتحاد الأوروبي في المستقبل.

ومن الناحية العمليّة، لم يُخفِ رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل علاقة فتح مقر البعثة بأزمة الطاقة المستجدة، عبر إشارته إلى اهتمام المسؤولين الأوروبيين بمناقشة هذه الأزمة، على هامش زيارتهم إلى الدوحة الهادفة إلى افتتاح مقر البعثة الأوروبيّة.

ألمانيا اندفعت بدورها في الاتجاه نفسه، بعد أن بادرت إلى توقيع اتفاقيّة شراكة طويلة الأمد مع قطر في مجال الطاقة، حيث ستسمح هذه الاتفاقيّة بتنويع مصادر الغاز الذي تستهلكه ألمانيا.

وبالتوازي مع هذه الخطوة، سارعت شركة قطر للطاقة إلى الإعلان عن دخولها في مفاوضات مع الجانب الألماني، لتوقيع اتفاقيّة تسمح بتوريد الغاز القطري المُسال إلى ألمانيا لفترة طويلة.

أمّا الخبر السعيد للألمان، فكان تعهّد الأمير القطري بتقديم دعم أكبر مما توقّعته ألمانيا، في إشارة إلى أزمة الطاقة التي تمر بها الدول الأوروبيّة، وما يمكن أن يقدّمه القطريون من حلول على هذا المستوى.

وقد نجحت الدول الأوروبيّة في تعميق تفاهمها الاستراتيجيّ مع قطر في مجال الطاقة، وسيتمكّن الغاز القطري من سد جزء هام من فجوة الحاجة إلى الغاز على المدى القصير.

إلا أنّ الاستفادة من الغاز القطري بالشكل الأمثل، سيتطلّب بعض الخطوات الإضافيّة، من قبيل زيادة الاستثمارات في محطات استقبال الغاز المُسال على الجانب الأوروبي.

فالغاز الطبيعي الروسي كان يأتي عبر الأنابيب، التي تسمح بنقل الغاز بحالته الطبيعيّة مباشرة إلى المستهلكين أو معامل إنتاج الكهرباء.

لكن بعد تراجع إمدادات الغاز الروسي، سيحتاج الاعتماد على الغاز المُسال القطري أو الأميركي إلى محطات استقبال خاصّة، تسمح بتلقيه من بواخر الشحن، وإعادته إلى الحالة الغازيّة الطبيعيّة، قبل ضخّه من جديد في أنابيب نقل الغاز الأوروبيّة.

وفي الوقت الراهن، تمثّل هذه المسألة العثرة الأساس في سلاسل توريد مصادر الطاقة الأوروبيّة، على أعتاب ارتفاع الطلب على الغاز في فصل الشتاء.

ألمانيا كانت أولى الدول الأوروبيّة التي التفتت إلى هذه المسألة، ما دفعها إلى الاستثمار في بناء محطات عائمة للغاز المُسال، بما يسمح لها بزيادة واردات الغاز المُسال القطري والأميركي.

كما تبعت ألمانيا عدّة دول أوروبيّة، كفرنسا، التي اقتصر عدد محطات الغاز المُسال فيها على أربعة فقط قبل الأزمة.

وفي النتيجة، من المتوقّع أن تتمكن أوروبا من معالجة هذه الثغرة في سلاسل التوريد، إنما بعد أشهر من الزمن، نظرًا للوقت الذي يحتاج إليه بناء ما يكفي من محطات للغاز المُسال للاستغناء كليًّا عن الغاز الروسي.

كل هذه التطورات، ستسمح لقطر بزيادة عوائدها الماليّة على المدى الطويل من عمليّات تصدير الغاز المُسال، كما ستسمح لأوروبا باجتياز فصل الشتاء بأقل قدر ممكن من أضرار انقطاع الغاز الروسي.

إلا أنّ أهم ما في الموضوع، هو أثر هذه التطورات على مكانة قطر الإقليميّة، وقدرتها على الضغط على شركائها الأوروبيين.

مع الإشارة إلى أنّ تنامي العائدات والنفوذ السياسي لن يكون حكرًا على قطر، بل سيشمل دولًا خليجيّة أخرى، كالإمارات التي عقدت بدورها مؤخرًا اتفاقيّة مع ألمانيا لتنفيذ المشاريع ذات الاهتمام المشترك في مجالات أمن الطاقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى