الغارديان: الإمارات مركز رئيسي لتحويل أسلحة ومعدات بريطانية لميليشيا الدعم السريع في السودان

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، استنادًا إلى وثائق رسمية اطلع عليها مجلس الأمن الدولي، عن وجود أسلحة ومعدات عسكرية بريطانية الصنع في أيدي قوات الدعم السريع السودانية، وهي ميليشيا شبه عسكرية متهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وتُظهر الأدلة أن هذه المعدات وصلت إلى السودان عبر دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تحولت إلى مركز رئيسي لتحويل الأسلحة والمعدات الغربية إلى مناطق النزاعات في أفريقيا والشرق الأوسط.
وتشمل المعدات التي تم العثور عليها أنظمة تصويب للأسلحة الصغيرة ومحركات بريطانية الصنع لمركبات مدرعة من طراز “نمر عجبان”، وهي مركبات تنتجها مجموعة “إيدج” الدفاعية الإماراتية المملوكة للدولة.
وقد تم توثيق وجود هذه المعدات في مواقع القتال بالعاصمة الخرطوم وأم درمان، حيث تدور منذ أكثر من عامين معارك طاحنة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم المعاصر.
وتشير الوثائق المقدمة إلى مجلس الأمن إلى أن الأدلة التي جُمعت بين يونيو 2024 ومارس 2025 تثبت دعمًا إماراتيًا مباشرًا لقوات الدعم السريع عبر تزويدها بمعدات ذات منشأ بريطاني.
ووفقًا لمصادر مطلعة، فقد واصل مكتب التجارة البريطاني خلال الفترة نفسها إصدار تراخيص جديدة لتصدير معدات عسكرية إلى الإمارات، من الفئة نفسها التي تم العثور على بعضها في السودان.
وقد أثار هذا الاستمرار البريطاني في منح التراخيص جدلاً واسعًا داخل الأوساط الحقوقية والسياسية في لندن، وسط تساؤلات حول مدى التزام الحكومة البريطانية بقوانين تصدير الأسلحة والمعاهدات الدولية التي تحظر الترخيص بتصدير أي معدات يحتمل استخدامها في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي.
وقال مايك لويس، الخبير في مراقبة تجارة السلاح وعضو سابق في لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بالسودان: “القانون البريطاني واضح: لا يجوز منح تراخيص تصدير عندما يكون هناك خطر واضح من تحويل الأسلحة أو استخدامها في جرائم دولية. لقد وثق محققو مجلس الأمن على مدى عقد من الزمن تورط الإمارات في إعادة تصدير أسلحة إلى دول وقوات خاضعة للحظر.”
وأضاف لويس أن منح تراخيص جديدة للإمارات من هذا النوع “يتعارض تمامًا مع المعايير القانونية البريطانية، وكان ينبغي رفضها من الأساس”.
من جانبه، دعا عبد الله إدريس أبوغردة، رئيس جمعية دارفور للشتات في المملكة المتحدة، إلى فتح تحقيق عاجل ومستقل حول هذه التحويلات، مؤكدًا أن “المساءلة والشفافية هما الطريق الوحيد لضمان ألا تُستخدم التكنولوجيا أو الأسلحة البريطانية في قتل المدنيين الأبرياء في السودان.”
وتشير الغارديان إلى أن الصور المرفقة في الوثائق المعروضة على مجلس الأمن تظهر أجهزة تصويب تحمل شعار شركة “ميلايتِك” (Militec) الويلزية، المتخصصة في أنظمة التدريب العسكري.
وتؤكد البيانات الرسمية أن الحكومة البريطانية منحت تراخيص تصدير لمنتجات الشركة إلى الإمارات منذ عام 2013، وأن بين يناير 2015 وسبتمبر 2024 تم إصدار 26 ترخيصًا دائمًا لتصدير معدات تدريب عسكري إلى الدولة الخليجية، ضمن فئة “ML14”.
ورغم أن الحكومة البريطانية رفضت الكشف عن أسماء الشركات المستفيدة من هذه التراخيص، فإن وثائق الأمم المتحدة تفيد بأن منتجات “ميلايتِك” ظهرت بالفعل في مواقع تابعة للدعم السريع.
وفي سبتمبر 2024 — أي بعد ثلاثة أشهر من تلقي مجلس الأمن تلك الأدلة — أصدرت لندن “رخصة تصدير فردية مفتوحة” من الفئة نفسها إلى الإمارات، ما يسمح بتصدير كميات غير محدودة من المعدات دون مراقبة الوجهة النهائية.
وفي الوقت الذي تنفي فيه الإمارات بشكل قاطع تقديم أي دعم عسكري لقوات الدعم السريع، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الاتهامات الموجهة لها “موثوقة للغاية”.
فخلال يناير 2024، أكدت لجنة الخبراء الخاصة بالسودان أن طائرات شحن تابعة لشركات إماراتية نقلت إمدادات عسكرية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع، في انتهاك لحظر الأسلحة المفروض على السودان منذ عام 2005.
وتعيد هذه القضية التذكير بسوابق مماثلة، إذ سبق أن وثّق محققو الأمم المتحدة قيام شركات مقرها الإمارات بتحويل معدات غربية إلى جماعات مسلحة في ليبيا واليمن والصومال.
كما أظهرت تقارير سابقة أن مناظير ليلية بريطانية صُدّرت إلى شركة إماراتية انتهى بها المطاف في أيدي مقاتلين من طالبان في أفغانستان.
وفي ما يتعلق بالمركبات المدرعة، أظهرت صور وثيقة لمجلس الأمن لوحة بيانات محرك مركبة “نمر” تحمل عبارة “صُنع في بريطانيا العظمى بواسطة Cummins Inc”، بتاريخ يونيو 2016.
وتُعد “كمِنز” شركة أميركية لها فرع بريطاني، وقد أكدت في بيان لـالغارديان التزامها الكامل بضوابط التصدير الدولية، نافيةً علمها بأي استخدام عسكري غير مشروع لمنتجاتها.
من جهتها، أكدت وزارة الخارجية والتنمية البريطانية (FCDO) أن لندن تمتلك “أحد أكثر أنظمة مراقبة الصادرات صرامة في العالم”، مشيرةً إلى أن كل طلب ترخيص يخضع لتقييم دقيق بناءً على “خطر التحويل إلى استخدامات غير مرغوبة”.
غير أن ناشطين حقوقيين يرون أن هذه التصريحات “غير كافية” في ظل الأدلة المتزايدة على فشل بريطانيا في ضمان عدم إعادة تصدير معداتها العسكرية.
وبينما تواصل الحرب في السودان عامها الثالث، مخلفةً أكثر من 150 ألف قتيل و12 مليون نازح، تتزايد المطالب الدولية بفرض حظر شامل على تصدير الأسلحة إلى الإمارات، وبتحقيق أممي رسمي لتحديد الجهات المسؤولة عن تمويل وتسليح الميليشيات المتورطة في الصراع.
وتختم الغارديان تقريرها بالقول إن “صمت العواصم الغربية أمام الأدلة المتراكمة على تحويل الأسلحة إلى مناطق النزاع يرقى إلى شكل من أشكال التواطؤ، وأن عدم المساءلة سيعني ببساطة استمرار المأساة السودانية إلى أجل غير معلوم.”




