تحليل: ترامب يرى في أوروبا خصمًا خارجيًا ضمن معركته الداخلية

في أول 100 يوم من ولايته الثانية، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملة سياسية شعواء داخليًا وخارجيًا، كاسرًا الأرقام القياسية بعدد الأوامر التنفيذية والدعاوى القضائية. ورغم الفوضى الظاهرة، فإن استراتيجيته تتبع “خطة كبرى” تستهدف تفكيك الدولة العميقة والمؤسسات الليبرالية داخل الولايات المتحدة، ونقل هذه الأجندة إلى السياسة الخارجية، مما جعل أوروبا خصمًا خارجيًا ضمن المعركة الداخلية.
وأبرز تحليل أصدره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ما شهدته أوروبا من هجمات سياسية وتجارية متواصلة، منها فرض تعريفات جمركية عشوائية وضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات إقليمية، ودعم الحركات القومية المناهضة للاتحاد الأوروبي.
وبحسب التحليل، فإن أوروبا لم تعد الحليف الوثيق لأمريكا، بل باتت تُعامل كامتداد للخصوم الليبراليين في الداخل. يرى ترامب أن أوروبا، مثل الديمقراطيين الأمريكيين، ضعيفة، استغلالية، وتعادي مصالح الولايات المتحدة.
في الداخل، يسعى ترامب إلى إعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية وإزالة ما يراه عوائق بيروقراطية ليحكم بلا قيود. خارجيًا، يرفض الالتزامات الدولية، وينسحب من المؤسسات متعددة الأطراف، ويفرض شروطًا مجحفة على الحلفاء، خاصة في أوروبا. حلف الناتو تحديدًا أصبح هدفًا للانتقادات المتكررة، في ظل اقتناع الإدارة بأن أمريكا تتحمل عبئًا لا ينعكس عليها بمردود كافٍ.
ترتكز سياسة ترامب على ثلاثة أساليب: الإقصاء، والتحول، والإخضاع. في الداخل، يقصي خصومه السياسيين ويسعى لتحويل النظام إلى قومي شمولي، ويخضع المعارضة بالقوة أو التهميش.
وفي الخارج، يستخدم الأدوات نفسها: يُقصي المؤسسات الدولية، يحاول تغيير الحلفاء ليتماشوا مع رؤيته، ويخضع المعارضين بالمقاطعة أو الضغط الاقتصادي أو الدبلوماسي.
قضية أوكرانيا تحتل مكانًا خاصًا في سياسة ترامب، إذ يعتبرها مصدر متاعب سياسية، خاصة بعد محاولته السابقة الضغط على زيلينسكي لكشف معلومات ضد نجل بايدن. وفي ولايته الجديدة، أعلن رغبته في إنهاء الحرب خلال 24 ساعة، وفشل في ذلك، مما زاد توتر العلاقة مع كييف. الاتفاق الأخير الذي يمنح الولايات المتحدة وصولًا إلى موارد أوكرانيا يعكس عقلية ترامب التبادلية: “الدعم مقابل الغنائم”.
كما يسعى ترامب إلى فرض تصوره القيمي على العالم. فمفاهيم مثل حقوق الإنسان، التنوع، والمساواة، أصبحت مستهدفة، حيث اعتبرها قيمًا خاطئة فرضها الليبراليون. هاجم تمويل برامج الدعم للمجتمعات المهمشة في الخارج، وسعى لربط المساعدات الخارجية بشروط أيديولوجية محافظة.
أدت هذه السياسة إلى توتر متصاعد مع الاتحاد الأوروبي، لا سيما بعد تهديد المقاولين الأوروبيين بوقف التعاون إذا استمروا في تبني برامج “التنوع والشمول”.
الاستراتيجية التوسعية لترامب شملت تطلعات واضحة للاستحواذ على الأراضي، كغرينلاند، وكندا، وقناة بنما. وتُظهر هذه التحركات الميل نحو الإمبريالية الجديدة. زيارة مسؤولين أمريكيين لغرينلاند وتصريحات ترامب وأسرته المتكررة عن “الاستحواذ” تؤكد وجود نية حقيقية لإخضاع أراضٍ أجنبية تحت السيطرة الأمريكية، بحجج أمنية واقتصادية.
الترامبية باتت اليوم قوة سياسية عالمية متنامية، تجد صدى لدى الحركات القومية الأوروبية التي ترى في ترامب حليفًا أيديولوجيًا. أمثال مارين لوبان وجورج سيميون يرون في ترامب رمزًا للمظلومية والنضال ضد “المنظومة”، ويستخدمون شعارات مستوحاة من “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، مثل “لنجعل أوروبا عظيمة”.
لكن هذه السياسة التصادمية خلقت فراغًا في القيادة الدولية للولايات المتحدة. الأوروبيون باتوا مطالبين بإعادة بناء نظام عالمي دون الاعتماد على واشنطن، في ظل تقويض ترامب للتحالفات والديمقراطية الليبرالية. الخطر الأكبر يتمثل في أن أوروبا لم تعد فقط متلقية للقرارات الأمريكية، بل أصبحت هدفًا مباشرًا في معركة ترامب العالمية ضد الليبرالية.
في الختام، يواصل ترامب في ولايته الثانية توسيع تأثير مشروعه السياسي المحلي إلى المسرح العالمي، مستهدفًا أوروبا بنهج عنيف وغير تقليدي. أوروبا، من جانبها، باتت مطالبة بالتصدي لترامب ليس فقط كتهديد جيوسياسي، بل كحالة عدائية أيديولوجية تسعى لتقويض منظومتها السياسية بالكامل.