دراسة أوروبية: اضطراب في العلاقات الباكستانية السعودية
قالت دراسة أوروبية إن أزمة كشمير وتقارب السعودية مع الهند تسبب مؤخرا في تهديد العلاقات والتحالف بين المملكة وباكستان، والذي كان تأسس بقوة منذ استقلال الأخيرة عام 1947.
واستعرض الباحث جان لوك راسين مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي (فرنسا)، والباحث في “مركز آسيا” (Asia Center)، شواهد على اضطراب في العلاقات الباكستانية السعودية.
وجاء في الدراسة: يُذكِّر الرأي الهوياتي الباكستاني أنه بعد تقسيم عام 1947 الذي فصلها عن الهند بعد انسحاب البريطانيين، كانت باكستان أول دولة حديثة تأسست باسم الإسلام.
وفي عام 1949، نشرت البلاد لائحتها حول الأهداف التي تنص على ما يلي: “لما كانت السيادة على العالمين لله تبارك وتعالى وحده، ولما كانت السلطة التي منحها لشعب باكستان ليمارسها في حدود ما شرّعه أمانة مقدسة”.
وتتبنى ديباجة الدستور الحالي الذي تمت المصادقة عليه عام 1973 هذه الصياغة بالكامل. وتغذّي هذه الهوية الدينية الراسخة لجمهورية إسلامية، ذات الأغلبية السنية الواسعة، علاقة قديمة، ولكنها غير متكافئة مع المملكة العربية السعودية، التي يُعتبر ملكها “خادم الحرمين الشريفين” بمكة والمدينة.
شراكة طويلة
ابتداء من 1954، وقعت المملكة العربية السعودية معاهدة صداقة مع باكستان، وتعززت العلاقات مع الحرب الهندية الباكستانية سنة 1965، ثم مع حرب يونيو/حزيران 1967 التي شنتها إسرائيل.
وقد تم في سنة 1982 -خلال عهد الديكتاتور ضياء الحق (1977-1988) – التوقيع على بروتوكول دفاعي جديد سمح بإرسال مئات الضباط الباكستانيين في مهام تدريبية لدى القوات السعودية، بينما تم بناء مسجد فيصل في إسلام أباد -وقد كان آنذاك الأكبر في العالم-، وسُميّ كذلك تكريماً للملك السعودي.
عزّزت باكستان والمملكة العربية السعودية تعاونهما بعد الغزو الروسي لأفغانستان سنة 1979، وكذلك بالنسبة للمشاورات بينهما بعد وصول طالبان إلى السلطة، دون أن تقنع إسلام أباد المُلا عمر بتسليم أسامة بن لادن، وهو ما كانت تريده الرياض.
شجّعت المملكة على مر السنين توسيع المدارس الدينية الباكستانية، من خلال اللعب على القرابة بين الإسلام الديوبندي الباكستاني، العزيز على ضياء الحق، والوهابية السعودية.
وهي أيضًا وسيلة – بالنسبة لباكستان التي تضم أقلية شيعية ملحوظة- لمواجهة النفوذ الإيراني بعد الثورة الخمينية لسنة 1979. وقد قامت الرياض في مواجهة العقوبات التي أعقبت التجارب النووية الباكستانية عام 1998، بتسليم النفط إلى إسلام أباد بشروط جد مواتية.
لكن في 2015، رفض البرلمان الباكستاني طلبا سعوديا بإرسال قوات إلى اليمن، ودعا بدلاً من ذلك إلى وساطة إسلام أباد بين الرياض وطهران.
بدلاً عن ذلك، في عام 2017، صار رئيس الأركان الباكستاني السابق، الجنرال رحيل شريف، أول قائد للتحالف العسكري لمكافحة الإرهاب، وهو هيكل دولي مقره الرياض. وفي 2018، قامت باكستان بتعزيز دعمها العسكري لحماية الحدود السعودية-اليمنية.
في نفس السنة، عرض ولي العهد، محمد بن سلمان، على باكستان أكثر من 6 مليارات دولار حتى تواجه مجدّدا خطر التخلف عن السداد، وأعلن عن استثمارات قادمة ب 20 مليار دولار في جوادر، المحطة-الميناء النهائية للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، في وقت أطلق فيه الأمير “رؤية 2030” التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد السعودي.
لكن هذا الصرح الذي تم بناؤه بصبر على مدى عقود اهتزّ مع أزمة 2020.
خلافات حول كشمير
في نيودلهي، قامت الحكومة القومية الهندوسية برئاسة ناريندرا مودي -بعد إعادة انتخابها-بالحسم في كشمير في أغسطس/آب 2019.
وكان نصف إدارة الدولة الأميرية السابقة يتم من قبل الهند، بينما تدير باكستان النصف الآخر، وذلك منذ الحرب الأولى لـ1947- 1948.
في جنوب خط السيطرة، شهدت ولاية جامو وكشمير الهندية، حيث تُقمع بشدة منذ عام 1989 حركة تمرّد، إلغاء آخر هوامش حكمها الذاتي.
وتم تخفيض وضعها القانوني من رتبة ولاية إلى مرتبة “إقليم الاتحاد”، خاضع لسيطرة نيودلهي المباشرة، وقد فُصلت منه “لداخ”، الجزء الشرقي المحاذي للصين، بينما فُرض جدار من الصمت على وادي سريناغار، مهد التمرد والمعارضة البرلمانية.
في إسلام أباد، ندّدت الحكومة القومية الشعبوية لعمران خان، والتي تريد أن تجعل من باكستان “المدينة المنورة الجديدة”، بالمبادرة الهندية، وشبّهت مودي بأدولف هتلر، وتحدثت عن وجود إبادة جماعية.
كما دعت الحكومة الباكستانية منظمة التعاون الإسلامي -ومقرها في جدة وتضم 57 دولة- أن تتكفّل بالموضوع.
ظلّت المنظمة التي تقع تحت وصاية المملكة العربية السعودية متحفّظة كالمعتاد بشأن هذه القضية، مكتفية بالبيانات الصادرة عن مجموعة الاتصال بشأن كشمير ولجنتها الخاصة بحقوق الإنسان.
على النقيض من ذلك، أدانت تركيا وإيران وماليزيا صراحة سياسة الهند في كشمير. لذا رحّبت إسلام أباد بمبادرة رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، لتنظيم “قمّة إسلامية” في كوالالمبور، في ديسمبر/كانون الأول 2019، قصد تناول جميع القضايا التي تمسّ العالم الإسلامي، بما في ذلك كشمير.
لكن بضغط من الرياض التي رأت في هذه المبادرة خطوة أولى لمنافسة منظمة التعاون الإسلامي، عدَل عمران خان في اللحظة الأخيرة عن حضور قمة كوالالمبور، والتي حضرها كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني حسن روحاني، وأمير قطر، حمد بن جاسم آل ثاني.
طال انتظار الاجتماع الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن كشمير شهرًا تلو الآخر، فأصدر في الأخير شاه محمود قريشي، وزير الخارجية الباكستاني، تحذيرًا غير مألوف إلى الرياض في أغسطس/آب 2020، مفاده أنه إن كانت منظمة التعاون الإسلامي لا تستطيع تنظيم هذا الاجتماع، “فسأكون مضطرًّا للطلب من الوزير الأول، عمران خان، أن يدعو جميع الدول الإسلامية المستعدة للوقوف إلى جانبنا في قضية كشمير ودعم الكشميريين المضطهدين”.
وفي ردّ انتقامي، علّقت الرياض قرضا بدون فائدة بقيمة مليار دولار كان قد تقرّر في 2018 لصالح باكستان، ولم تُجدّد تسليم شحنة من البترول ذات السداد المتأخر.
وللخروج من هذه الأزمة غير المسبوقة، توجّه قائد الجيش الباكستاني، الجنرال قمر جواد باجوا، إلى السعودية في 17 أغسطس/آب 2020، لأداء زيارة رسمية روتينية تتناول العلاقات العسكرية الثنائية. كانت الزيارة فعّالة، حيث سرعان ما تراجعت وزارة الخارجية الباكستانية مشيدة بمواقف منظمة المؤتمر الإسلامي “التي لا لُبس فيها” بخصوص كشمير.
المعيار الهندي
لماذا هذا الموقف المتحفظ للسعودية بخصوص كشمير؟ تكمُن الإجابة بالطبع في طبيعة العلاقة التي أقيمت بين الرياض ونيودلهي، والتي تعزّزت خلال عهدة حكومة المؤتمر لمانموهان سينغ (وذلك من خلال “إعلان دلهي” خلال زيارة الملك عبد الله سنة 2006، والشراكة الاستراتيجية الموقَّعة خلال زيارة سينغ إلى الرياض في 2010).
تكثّفت هذه العلاقة بشكل كبير في عهد ناريندرا مودي، على الرغم من رهاب الإسلام الذي تُظهره القومية الهندوسية. إذ قام مودي بتطوير العلاقات مع كل بلدان الخليج ومع النظام السعودي في المقام الأول.
ويأتي ما يقارب 20% من النفط الذي تستورده الهند من المملكة العربية السعودية، غير أن البلدين يعتزمان الذهاب إلى أبعد من ذلك، حيث أعلن محمد بن سلمان عن برنامج استثماري بقيمة 100 مليار دولار في الهند، كما كان مودي ضيف شرف خلال “دافوس الصحراء”، أو منتدى الاستثمار السعودي الحامل لمشروع “رؤية 2030”.
كما بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 22 مليار دولار في 2020-2021، مقابل مليارين هزيلين للتبادل السعودي الباكستاني. وفضلاً عن ذلك، فإن الشراكة الهندية السعودية التي تعزّزت في 2019 تنفتح أيضا على مجال الأمن والدفاع.
وللهند عدد من المغتربين في المملكة العربية السعودية (حوالي 2,2 مليون) يضاهي عدد المغتربين من باكستان (2,4 مليون).
فالهند شريك معترف به في “رؤية 2030” لمحمد بن سلمان، في حين أن باكستان بلد يعاني أزمة مالية، ويلجأ إلى الرياض (والصندوق الدولي) طلبا للمساعدة.
وحتى قبل توتر سنة 2020، قاطعت باكستان مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي الذي نُظِّم في أبو ظبي في مارس/آذار 2019، والذي كان ضيف شرفه – وهو حدث غير مسبوق – وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج.
التحالف، رُغم كل شيء
مع ذلك تبقى العلاقة بين باكستان والمملكة العربية السعودية أساسية بالنسبة لإسلام آباد، وتعتزم الرياض، بعد مرور أزمة 2020، الاحتفاظ بنفوذها على ثاني أكبر دولة مسلمة في العالم من ناحية عدد السكان، ناهيك عن الوضع الأفغاني بعد عودة طالبان إلى الحكم والتوترات بين النظام السعودي وإيران.
فعلاً، في ديسمبر/كانون الأول 2021، عقدت منظمة التعاون الإسلامي في إسلام آباد اجتماعا خاصا بأفغانستان.
ودون تنظيم قمة وزارية مخصّصة لكشمير، وجدت المنظمة طريقا للتسوية الدبلوماسية من خلال تنظيم اجتماع وزاري آخر في إسلام آباد في مارس/ آذار 2022، وهو لقاء وزاري آخر دعت إليه باكستان القادة الكشميريين.
يشهد التصريح الإعلامي الطويل للقمة على جدول الأعمال الواسع جدا للقاء (المناخ، كوفيد 19، فلسطين، أفغانستان، البوسنة، أوكرانيا، إصلاح مجلس الأمن..)، ولكنه أكثر من الثناء على رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، مبرزا موضوعا عزيزاً عليه وهو رُهاب الإسلام. كما يتبنى التصريح بشأن قضية كشمير المفردات المعتادة للدبلوماسية الباكستانية:
نجدّد تضامننا الثابت مع شعب جامو وكشمير، ونُعرب عن دعمنا الكامل لحقّه غير القابل للتصرّف في تقرير مصيره، وفقاً للقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وعن منظمة التعاون الإسلامي، وبما يحقّق تطلّعات الشعب الكشميري، ونُدين الانتهاكات الجسيمة ضدّ حقوقه الإنسانية في إقليم جامو وكشمير الخاضع للاحتلال الهندي غير المشروع.
بعد أسابيع قليلة، خسِر عمران خان السلطة بعد تصويت بحجب الثقة من البرلمان. وفي 11 أبريل/نيسان 2022 انتُخب خلفه، شهباز شريف، كرئيس للوزراء.
وبعد أسبوعين من ذلك، قام الأخير بأول زيارة له إلى الخارج وكانت إلى المملكة العربية السعودية، بدعوة من محمد بن سلمان، حيث جمع بين عمرة بمكة وزيارة للمدينة، واجتماع قمة بجدة.
ذكّر البيان المشترك الذي أعقب هذه الزيارة بـ”العلاقات الإسلامية الأخوية بين البلدين، مؤكّدًا الرغبة في مزيد من شراكات اقتصادية أكثر كثافة وعلى التقارب حول القضايا الدولية الكبرى (اليمن، فلسطين، سوريا، العراق، أفغانستان، أوكرانيا).
وبخصوص كشمير، تطوّرت النبرة، حيث يُقرأ: “أكّد الجانبان على أهمية الحوار بين باكستان والهند لحلّ المشاكل بين البلدين، وخاصة قضية جامو وكشمير، من أجل ضمان السلم والاستقرار في المنطقة.
يُذكِّر اعتدال الصيغة المتعلّقة بكشمير بأهمية الرهان الهندي بالنسبة للرياض. صحيح أن المملكة العربية السعودية ومنظمة التعاون الإسلامي والعديد من البلدان الأخرى ندّدت في يونيو/حزيران 2022 بالتصريحات التي أدلت بها متحدثة باسم حزب نارندرا مودي عن زوجة الرسول، وقد سارع الحزب بإقالتها.
بموازاة ذلك، اعتبرت دلهي تعليقات منظمة التعاون الإسلامي بخصوص حظر الحجاب في المدارس، التي أصدرتها ولاية كارناتاكا الهندية، غير مناسبة.
هل يجب أن نرى في رُهاب الإسلام المتزايد الذي تعبّر عنه القومية الهندوسية خطرا على السياسة الهندية تجاه الشرق الأوسط؟ وهل سيعود ذلك بشكل غير مباشر بالنفع على باكستان وعلاقتها مع السعودية؟
قد تدعو الواقعية السياسية للسلطة السعودية -إن كان ذلك تجاه إسرائيل أو بخصوص مسألة الإيغور في الصين- إلى التخمين بأن الرياض ستسعى إلى الحفاظ على توازن بين إسلام آباد ونيودلهي، يخدم في نفس الوقت طموحاتها الاقتصادية ومصالحها الجيوسياسية.