Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

الخروج من المأزق: أوروبا وإيران والمفاوضات النووية تترنح بين التهديد والفرصة

تقترب ساعة الحسم في ملف المفاوضات النووية الإيرانية، إذ يلوح في الأفق موعد انتهاء صلاحية “آلية إعادة فرض العقوبات” (Snapback) في أكتوبر المقبل.

وفي قلب هذا السباق الدبلوماسي تقف مجموعة الدول الأوروبية الثلاث – بريطانيا، فرنسا، وألمانيا – أمام قرار مصيري: هل تُفعّل هذه الآلية لفرض عقوبات دولية من جديد على طهران، أم تبحث عن تمديد يتيح هامشًا جديدًا للمفاوضات؟

في الوقت الذي تكابد فيه منطقة الشرق الأوسط تداعيات الضربات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة على مواقع نووية إيرانية، تتبلور في العواصم الأوروبية قناعة بأن اللجوء السريع إلى “السناب باك” قد يكون سلاحًا بحدّين – وسيلة ضغط من جهة، ولكن أيضًا طريقًا مسدودًا يُفجّر المسار الدبلوماسي المتبقي مع إيران.

مأزق “السناب باك”: وسيلة أم نهاية اللعبة؟

بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA)، سُمح لأطراف الاتفاق بإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران إن ثبت عدم امتثالها. ومع انسحاب واشنطن من الاتفاق عام 2018، بدأت طهران بتوسيع أنشطتها النووية، معتبرة أن التزاماتها لم تُقابل بالمنافع الاقتصادية الموعودة.

في أكتوبر المقبل، تنتهي فعليًا صلاحية هذه الآلية، مما يعني أن أي تردد أوروبي في اتخاذ قرار قبل هذا التاريخ سيفقد الاتحاد الأوروبي أحد أهم أدواته التفاوضية. ومن هنا جاء عرض الدول الأوروبية الثلاث بتمديد صلاحية “السناب باك”، وهو ما يبدو أنه محور استئناف المفاوضات مع طهران هذا الأسبوع.

لكن استخدام “السناب باك” دون توافق دولي يهدد بتعقيد الوضع أكثر. فروسيا التي تترأس مجلس الأمن في أكتوبر، قد تعرقل العملية، كما أن طهران لوّحت بردود قاسية، منها الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وهو تطور ستكون له تداعيات كارثية على النظام الدولي للرقابة النووية.

الصين.. دورٌ حاسم في المدى المنظور

في ظل تراجع الثقة الإيرانية بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونقل صلاحية الموافقة على عمليات التفتيش إلى المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، تبرز بكين كطرف يمكنه لعب دور الضامن المؤقت.

يُطرح مقترح بأن تُرسل الصين مفتشيها الخاصين إلى إيران للتحقق من بعض الجوانب التقنية الحساسة، كحجم مخزون اليورانيوم المُخصب بنسبة 60%. من شأن هذا الترتيب أن يحقق حدًا أدنى من الشفافية، ويُبقي على خيط الاتصال مفتوحًا حتى تعود الظروف المناسبة لتعاون طهران مع الوكالة الدولية.

وترحب طهران نسبيًا بمثل هذا الدور الصيني، بالنظر إلى تنامي العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين، ولرغبة إيران في تعزيز مكانتها أمام الغرب من خلال بوابة بكين.

الأوروبيون في معركة “الواقعية الاستراتيجية”

تدرك مجموعة الدول الأوروبية الثلاث أن اللجوء إلى “السناب باك” دون أفق سياسي سيكون بلا جدوى. فإيران لن تتراجع عن برنامجها النووي في ظل التهديدات العسكرية أو العقوبات فقط. وخبرة العقدين الماضيين تُظهر أن طهران لا تقبل التنازلات تحت الضغط، بل تتجاوب مع عروض تضمن مكاسب متبادلة وتحفظ ماء الوجه.

لهذا، فإن الدول الأوروبية مطالبة بتقديم “صفقة واقعية”: تمديد محدد بزمن للآلية مقابل استئناف تدريجي للرقابة، وخلق مناخ يسمح باستئناف الحوار بين طهران وواشنطن. وقد يكون هذا التمديد لعام واحد كافٍ لبناء الثقة مجددًا، وتفادي انهيار تام للاتفاق.

لماذا الخيار العسكري ليس الحل؟

إن التهديدات بضربات جديدة على المواقع الإيرانية، والتي ترى فيها إسرائيل وسيلة لردع طهران، تُقابلها مخاوف دولية من أن تؤدي إلى نتائج عكسية. فقد تدفع إيران إلى بناء منشآت سرية أكثر تحصينًا، وربما توسيع أبحاثها المتعلقة بالأسلحة، ما يجعل مراقبة برنامجها النووي أكثر تعقيدًا.

كما أن التصعيد العسكري سيوفر لطهران الذريعة المثالية لوقف التعاون مع الوكالة الدولية، ويضعف موقف أوروبا أمام العالم، خصوصًا إذا لم يتم التنديد بالانتهاكات بنفس الحزم الذي تعاملت به أوروبا مع ملفات دول أخرى مثل أوكرانيا.

إلى أين تميل الكفّة؟

في هذه المرحلة الدقيقة، يبدو أن الخيار الأكثر ترجيحًا هو المضي في تمديد آلية “السناب باك” بدلًا من تفعيلها الآن. فذلك يمنح الجميع فرصة لإعادة بناء المسار الدبلوماسي، ويجنب المنطقة تصعيدًا قد يؤدي إلى انفجار شامل.

لكن هذا التمديد لا يمكن أن يكون مفتوحًا. بل يجب ربطه بخطوات واضحة، مثل استئناف عمليات التفتيش، وتجميد جزء من أنشطة التخصيب الإيرانية، وتوفير بعض التسهيلات الاقتصادية المحدودة لإيران، بشكل لا يتعارض مع العقوبات الأمريكية.

وإن استعادة التوازن في الملف النووي الإيراني لا تمر عبر سياسة حافة الهاوية، بل من خلال خطوات محسوبة، وأدوات ذكية كالتمديد المؤقت للضغط التفاوضي بدلًا من التضحية به نهائيًا. أوروبا أمام فرصة قد تكون الأخيرة للحفاظ على ما تبقى من الاتفاق النووي. وفي عالم يميل بسرعة نحو الاستقطاب، فإن كل نافذة للدبلوماسية تُعد مكسبًا نادرًا يجب عدم التفريط فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى