إخفاق بادين في الحد من انتهاكات السعودية والإمارات يتصدر عامه الأول في البيت الأبيض
رصد المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، تقريرا لمؤسسة بحثية دولية يعتبر أن إخفاق الرئيس الأمريكي جو بايدن في الحد من انتهاكات السعودية والإمارات تصدر عامه الأول في البيت الأبيض.
وجاء في دراسة نشرتها مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن المقاربة التي اعتمدتها إدارة بايدن حتى الآن في التعاطي مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت مخيّبة للآمال في نظر الأشخاص الذين توقّعوا إحداث قطيعة حادّة مع أسلوب التعاطي الذي كان سائدًا في عهد ترامب.
وأشارت الدراسة إلى أن بايدن تعهّد في أكثر من مناسبة بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، ولا سيما في الشرق الأوسط، إلا أنه لم ينفّذ هذا الوعد.
اتخذت الإدارة الأميركية خطوات صغيرة جدًّا نحو إعادة إدراج القيم ضمن المقاربة الأميركية تجاه المنطقة، لكن في الغالب، ظلّ وقع هذه الإجراءات ضئيلًا أمام مؤشرات وسياسات أوسع تُبيِّن بوضوح أن جزءًا كبيرًا من التزام واشنطن بالديمقراطية وحقوق الإنسان هو مجرّد كلام فارغ.
في السعودية، رفض بايدن التواصل شخصيًا مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لكنه أحجم أيضًا عن محاسبته عن مقتل جمال خاشقجي، على الرغم من تأكيد الاستخبارات الأميركية تواطؤ ولي العهد السعودي.
ولم يكن القرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية بتجميد مبلغ 130 مليون دولار أميركي من رزمة المساعدات المخصصة لمصر والبالغة قيمتها 1.3 مليار دولار، عند حسن ظن النشطاء الحقوقيين المصريين والأميركيين، ولم ينجح في توجيه رسالة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي مفادها بأنه لن يتلقّى بعد الآن “شيكات على بياض”.
كذلك، لم تكن المقاربة التي اعتمدتها إدارة بايدن في التعاطي مع تقهقر الديمقراطية في تونس فعّالة. فعلى الرغم من انخراطها المتكرر على مستوى رفيع مع الرئيس قيس سعيد بعد الانقلاب الذي نفّذه في 25 تموز/يوليو 2021، ومن التصريحات المتعددة التي صدرت في العلن والخفاء مطالبةً بالعودة إلى المسار الديمقراطي، استمرّ سعيد في ترسيخ قبضته على السلطة بلا هوادة.
والبيان الصادر مؤخرًا عن وزارة الخارجية الأميركية والذي تضمن ترحيبًا بخريطة الطريق الإقصائية وغير الدستورية وغير الشفافة التي وضعها سعيد، يقوّض السردية التي تدّعي أن الديمقراطية هي في صُلب الأولويات الأميركية في تونس.
يُقال إن فرانكلين ديلانو روزفلت تندّر قائلًا إن أبراهام لينكولن، الذي هو بلا شك أعظم الرؤساء الأميركيين، توفّي حزينًا لأنه لم يستطع الحصول عل كل شيء.
فممارسة الحكم هي مسألة خيار. ويبدو، بعد عامٍ ونيّف على تسلّم الرئيس جو بايدن منصبه، أنه اختار عدم إدراج الشرق الأوسط في صُلب أولوياته. حتى إن مستشار الأمن القومي جايك سوليفان لم يأتِ على ذكر المنطقة في مقابلة أُجريَت معه مؤخرًا.
ليست واشنطن في صدد الانسحاب من المنطقة التي لا يزال يتوافد إليها المبعوثون الأميركيون. وتستمر المساعدات الإنسانية، ونشر الأصول العسكرية، والالتزامات بوتيرة راسخة إلى حدٍّ ما، ولا سيما في الخليج.
وتُطرح مواضيع جيدة للنقاش تتمثّل في الدعم الأميركي لكلٍّ من: حل الدولتَين للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي؛ والتسوية السياسية في سورية؛ وإنهاء النزاعات في ليبيا واليمن. لكن، ينقص الزخم اللازم لاستثمار الموارد والإمكانات القيادية في هذه المبادرات، فتبقى عقيمة لا طائل منها.
ثمة أولويات أخرى كثيرة، منها الانقسام الداخلي الذي تشهده الولايات المتحدة، وصعود الصين، وفلاديمير بوتين وأوكرانيا، والانطباع السائد على ما يبدو في أوساط مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة بايدن بأن الشرق الأوسط هو مقبرة الأفكار والموارد الأميركية.
لكن المسألة الوحيدة التي يبدو أن الإدارة الأميركية توليها الاهتمام الأكبر هي فرض ضوابط على البرنامج النووي الإيراني عن طريق المفاوضات.
ففي حال اندلاع نزاع إقليمي تشارك فيه إسرائيل وإيران ويؤدّي ربما إلى عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة، ستكون التداعيات سيئة على التعافي في الداخل الأميركي، ما سيؤدّي إلى ارتفاع أسعار النفط وتراجع الأسواق.
ولكن حتى في هذه النقطة، فإن السياسات المضرّة المتعلّقة بالمسألة الإيرانية في واشنطن، وكذلك تسلّم حكومة رئيسي المتشدّدة سُدة الحكم في طهران دفعا الولايات المتحدة إلى اعتماد مقاربة حذرة وتجنُّب المخاطر في تعاطيها مع مفاوضات فيينا.
ومع اقتراب موعد انتخابات منتصف الولاية الرئاسية، قد تميل إدارة بايدن إلى تجنّب المسائل التي تنطوي على مخاطر سياسية.
ولكن كما أظهر النزاع بين إسرائيل وحركة حماس في أيار/مايو 2021، وفيما يلوح في الأفق احتمال تفاقم التشنجات بين إسرائيل وإيران، قد يرغب بايدن في إنهاء ارتباطه بالمنطقة، ولكن المنطقة قد لا تريد إنهاء ارتباطها به.
جاء في تصريح لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن “الشراكة مع المملكة العربية السعودية قوية ومهمة”، ملخصًا بقوله هذا سياسة بايدن المتمثلة في “إعادة توجيه” دفة العلاقات مع المملكة بعد مضي عام على تسلّمها سُدة الرئاسة.
بدأت هذه الإدارة ولايتها بالتركيز على دور القيم في السياسة الخارجية عمومًا، وفي التعامل مع السعودية خصوصًا. لكن يبدو أن العام الأول من الولاية الراهنة سينتهي من خلال التأكيد على أن الولايات المتحدة “تعود إلى الأسس” في علاقتها مع شركائها في المنطقة. لكن القيم لم تكن يومًا من بين أسس علاقاتها مع السعودية.
وعلى الرغم من أن الرئيس بايدن قلّل بشكل كبير من زخم العلاقة مع الرياض ووصل إلى حدّ زعزعتها، سُرعان ما أدركت إدارته أن عليها تخفيف الضغط على المملكة، لأنها لا تزال تحتاج إلى التعاون معها في الشرق الأوسط وخارجه.
واقع الحال أن ثمة عوامل عدّة تحتّم وجود علاقات ودية مع القيادة السعودية، ومنها: مواجهة النفوذ الصيني، وإرساء استقرار في أسعار النفط من أجل “إعادة البناء بشكل أفضل”، وإثبات أن الديمقراطية قادرة على تحقيق النتائج المرجوة، وإبرام اتفاق مع إيران، والحفاظ على دعم الكونغرس من خلال التوصل مثلًا إلى حلٍّ للصراع في اليمن.
أدركت الرياض بدورها أن تعزيز الشراكة الأميركية مع دول خليجية أخرى يسهم في تنحيتها جانبًا، إذ لم تعد المملكة تؤدّي دورًا حيويًا ولا غنى عنه للولايات المتحدة كما كان عليه الحال في السابق، وبالتالي بات عليها تقديم تنازلات من أجل الحفاظ على الدعم الأميركي في وقت هي في أمسّ الحاجة إليه.
في هذا الإطار، قامت السعودية بالإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين، وخففت من حدّة سياستها الخارجية المتشدّدة، حتى إنها أطلقت مبادرتَين في مجال المناخ، في خطوة تتماشى مع تركيز بايدن على قضية التغيّر المناخي.
لكنها سعت في غضون ذلك إلى تنويع علاقاتها الدولية، ما يشير إلى أنها لن تجاري واشنطن في سياساتها المتعلقة بالنفط أو الصين أو حتى اليمن.
إذًا، يبدو أن الطرفَين يحاولان التوصّل إلى حلٍّ وسط يخدم مصالحهما. لكن بايدن وعد خلال حملته الانتخابية بأنه سيبذل قصارى جهده لكبح جماح المملكة. وبتنا ندرك الآن أن هذا لن يحدث.