بريكس زائد ستة.. معضلات وتحديات منتظرة
يستمد “بريكس” اسمه من مجموعة الدول التي اختارت أن تشكل كتلة سياسية واقتصادية، وهي على التوالي البرازيل وروسيا والهند والصين، وأخيرا جنوب أفريقيا.
وفي القمة الدورية الخامسة عشرة التي عقدها قادة هذه الدول قبل أيام، قُبِلَت عضوية ست دول جديدة، ما يعني أن الاسم المختصر لم يعد صالحا للتجمع الجديد.
وقد تعكس هذه المعضلة الصغيرة معضلة أكبر، وهي البحث عن نقاط التقاء كافية تبرر وجود هذا التجمع العريض، وتصلح لتكوين قاعدة قوية تولد السياسات الاقتصادية لدوله، رغم السمات العامة الظاهرية المشتركة.
فلدى جميع هذه الدول مشكلات من نوع ما، مع الولايات المتحدة، تتباين من اختلافاتٍ في وجهات النظر بشأن نقاط عامة إلى حد المواجهة شبه المباشرة بين بعضها وبين أميركا.
لكن هذا التجمع الدولي لا يجاهر بسياسات عدائية أو استفزازية، ويكتفي بشعارات واسعة معبأة بوعود التنمية والثراء الاقتصادي على قواعد الشراكة والمنفعة المتبادلة.
لم تظهر هذه المجموعة عبر مؤتمر تأسيسي ضم زعماءها، ولكنها ظهرت في ورقة بحثية قدمها خبير اقتصادي بريطاني لاحظ فيها أن دول بريك، وهي الدول السابقة ناقصة جنوب أفريقيا، تمتلك اقتصادا ناشئا وقابلا للنمو والتطور، وفي الوقت نفسه، تحتل مساحة تقارب من ربع الكوكب، بالإضافة إلى نصف تعداده السكاني.
وقال الخبير إن هذه الدول تستحق مكانة مميزة لهذه الصفات المشتركة الكثيرة.
والإثارة في ورقة البحث التي قدمها كانت تنبؤه بأن هذه الدول ستحتل الصدارة الاقتصادية العالمية بحلول عام 2050، من دون أن يقول ماذا سيحل بالدول التي تحتل حاليا الصدارة الاقتصادية في العالم، كالولايات المتحدة ودول غرب أوروبا.
انتظر زعماء “بريك” ثماني سنوات حتى عقدوا أول مؤتمر تأسيسي لتجمعهم، متبنين الأفكار التي قدمتها ورقة البحث، ومتطلعين بشوق إلى حلول عام 2050 لتتحقق نبوءة الخبير.
لحقت جنوب أفريقيا بتلك الدول، ليلحق حرف إس باسم المجموعة، وتصبح بريكس.
ومنذ ذلك التاريخ، عقدت المجموعة 15 مؤتمر قمة، جديدها أخيرا قبل أيام في جنوب أفريقيا.
وخلال تلك الفترة، حصلت في العالم هزات اقتصادية وسياسية وصحية كبرى، ربما أثرت مباشرة في المسار الاقتصادي لتلك الدول، الأمر الذي يجعل تحقق النبوءة في عام 2050 موضع شك.
لم تحافظ كل من البرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا على معدلات النمو العالية.
ورغم أن أداء الاقتصاد الهندي يعد جيدا، إلا أنه لم يصل إلى مستوى الأداء الصيني. مع ذلك التفاوت، حافظت دول بريكس على روابطها السياسية بالإصرار على عقد مؤتمرات القمة المتتابعة، متناسية الشروخ الاقتصادية التي بدأت تظهر على جسد الحلف الناشئ.
ولم تفلح مجموعة الدول المتضامنة تحت “بريكس” في إيجاد قاعدة نفوذ يتكئ عليها، فيما كانت الصين لاعبا وحيدا محققا اختراقات محدودة، خصوصا في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وعندما بدأت روسيا حربها في أوكرانيا لم تؤيد دول المجموعة العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، محافِظة على مبدأ التضامن فيها بينها، واستغلت الصين والهند ذلك، فاستفادتا من شراء النفط والغاز الروسيين بأسعار تفضيلية.
وشهدت القمة الأسبوع الماضي مشهدا لا يبدو سياسيا، عندما تغيب بوتين عن الاجتماع لتجنب مذكرة اعتقال صدرت بحقه على خلفية الحرب في أوكرانيا، ولكن الإشارة الحاسمة إلى تبدد نبوءة خبير “بريكس” عن انتصار عام 2050 هي قبول القمة دخول مجموعة أخرى من الدول، محولين التجمع إلى منتدى من المتذمرين.
لا يمكن أن ينشئ هذا الخليط موقفا متينا يؤسس لبناء اقتصاد جماعي قوي يتسيد العالم بعد 25 عاما، فقد يتحول إلى ما يشبه مجموعة دول عدم الانحياز التي قامت على حافة المعسكرين الشرقي والغربي في غضون الحرب الباردة، وقد حافظ مؤتمر عدم الانحياز على عقد مؤتمره الدوري لإخراج أكبر طاقة من التذمر.
للكاتبة/ فاطمة ياسين