تحقيق بريطاني: الإمارات تقود حربًا سرية في السودان من بوساسو الصومالية

أصبحت مدينة بوساسو على ساحل بونتلاند عنصراً أساسياً في دعم الإمارات العربية المتحدة لقوات الدعم السريع في السودان بحسب ما كشف تحقيق نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
وأورد الموقع أن مطار المدينة الساحلية يشهد يوميًا هبوط طائرات نقل ثقيلة تحمل شحنات غير معلنة، تُفرّغ بسرعة وتُنقل إلى طائرات احتياطية موجهة مباشرة إلى السودان، وفقًا لمسؤولين محليين ودبلوماسيين أمريكيين وإقليميين.
وفي مطار بوساسو، يصف عبد الله، قائد في قوة شرطة بونتلاند البحرية، هذه العمليات بأنها “رحلات متكررة تُنقل خلالها الخدمات اللوجستية على الفور إلى قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان عبر الدول المجاورة”.
وأظهرت بيانات تتبع الرحلات الجوية وصور الأقمار الصناعية ومصادر محلية أن مصدر هذه الطائرات وحمولتها هي الإمارات العربية المتحدة، والوجهة النهائية هي السودان.
وتسيطر قوات الدعم السريع مؤخرًا على مدينة الفاشر في شمال دارفور، حيث ارتكبت القوات شبه العسكرية فظائع واسعة، بما في ذلك الإعدامات الجماعية داخل المستشفيات وتصوير عمليات قتل المدنيين.
ووفقًا للمصادر، تتسع عمليات الدعم الإماراتية بشكل كبير، وتشمل شحنات أسلحة وطائرات بدون طيار صينية الصنع وأكثر من 500 ألف حاوية تحمل علامة “خطرة” تم تهريبها عبر ميناء بوساسو في العامين الماضيين، مع ضمان سرية تامة في جميع المراحل.
قاعدة بوساسو واللوجستيات العسكرية
تشمل الشحنات الإماراتية مواد حساسة ولوجستيات سرية لا يتم تخزينها محليًا، بل تُنقل مباشرة عبر المطار إلى السودان. العمليات محمية بحراسة مشددة من قوات أمن الميناء، ويُمنع التصوير والدخول إلا للموظفين المعتمدين. الأمن مشدد إلى حد أن أي بضاعة ليست مخصصة للاستخدام المحلي، فالميناء يُستخدم فقط كنقطة عبور سرية.
بالإضافة إلى الإمدادات، يستخدم مطار بوساسو معسكرًا للمرتزقة الكولومبيين الذين يقاتلون إلى جانب قوات الدعم السريع في السودان. وتظهر صور حصرية لموقع “ميدل إيست آي” عشرات المرتزقة وهم ينزلون من الطائرات متجهين مباشرة إلى معسكراتهم، حيث يوفر المعسكر أيضًا نقطة علاج طبية للجنود الجرحى قبل نقلهم جوًا إلى السودان.
كما قامت الإمارات بتركيب نظام رادار عسكري متطور بالقرب من المطار لحمايته من أي هجمات محتملة، فيما ترتبط بوساسو بسلسلة من القواعد العسكرية الإماراتية في خليج عدن والبحر الأحمر، بما في ذلك جزر ميون وعبد الكوري وسمحة، وكذلك ميناءي بربرة والمخا اليمني، وجميعها تقع على أراضٍ تحت سيطرة حلفاء الإمارات أو عملائها.
التداعيات الإقليمية والقلق المحلي
أثار وجود المرتزقة الكولومبيين في بوساسو قلق قوات الأمن الصومالية، التي تخشى أن يكون تعاونها مع هؤلاء الأفراد دعمًا مباشرًا أو غير مباشر لجرائم إبادة جماعية ارتكبت في السودان.
ويشير الجنود إلى أن وجود الإمارات وأنشطتها في بوساسو يعرض الصومال لمنافسات جيوسياسية أوسع، ويضع مقديشو أمام واقع صعب، إذ لا تستطيع الحكومة الفيدرالية التدخل أو الاعتراض على النفوذ المتزايد للإمارات في المنطقة.
ويضيف المحلل عبد الرشيد موسى: “مقديشو غير قادرة على الاعتراض، نظرًا لعدم استعدادها لمواجهة النفوذ الإماراتي المتزايد”، مؤكداً أن الإمارات استغلت استقلالية بونتلاند النسبي وموقعها الاستراتيجي لإنشاء قاعدة عملياتية سرية تمكنها من دعم عملياتها العسكرية في السودان دون رقيب.
خلفية الصراع والدوافع الإماراتية
يشير الأكاديمي مارتن بلاوت إلى أن تدخل الإمارات في الحرب السودانية مدفوع بمصالح اقتصادية وجيوسياسية، بما في ذلك الحصول على الذهب وتوسيع نفوذها الإقليمي. كما تعتبر بونتلاند قاعدة مثالية لهذه العمليات بسبب استقلالها النسبي وصعوبة مراقبتها.
في يوليو/تموز الماضي، قالت نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إن لديها “أسبابًا معقولة للاعتقاد” بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في السودان، وهو ما يسلط الضوء على جدية المخاطر المرتبطة بعمليات الدعم الإماراتية عبر بوساسو.
وتوضح المعلومات والبيانات الميدانية والأقمار الصناعية أن بوساسو أصبحت مركزًا لوجستيًا سريًا لدعم حرب الإمارات في السودان، مع شبكة معقدة تشمل المرتزقة، الشحنات العسكرية الحساسة، والبنى التحتية الأمنية المحصنة.
وتضع هذه الأنشطة الصومال في موقع حساس، وتثير تساؤلات حول التزامات الإمارات بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان، وتكشف عن توغل الإمارات العميق في النزاعات الإقليمية بعيدًا عن أعين المجتمع الدولي.





