توقعات أوروبية بنمو دور قطر في ظل تحولات الشرق الأوسط السياسيّة
ما بين تداعيات الحرب الإسرائيليّة على لبنان وغزّة، وما سينتج عن فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب في الانتخابات الأميركيّة، تعيش منطقة الشرق الأوسط تحولات سياسيّة سريعة جدًا.
وقالت مؤسسة “فنك” الأوروبي في تحليل سياسي، إن ثمّة ترقّب لطبيعة التوازنات التي ستحكم المواجهة بين إيران والولايات المتحدة في المنطقة، ولمستقبل الحروب التي يخوضها رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو على أكثر من جبهة.
وذكرت المؤسسة أن هذه التحوّلات بالذات، أعادت تسليط الضوء على الدور الذي يمكن أن تلعبه قطر في المرحلة المقبلة، ناهيك عن التغيّرات التي يمكن أن تطرأ على سياستها الخارجيّة.
إذ كما هو معلوم، فقد لعبت قطر الدور الرئيسي في التوسّط ما بين إيران والولايات المتحدة الأميركيّة، في مفاوضات تبادل السجناء والإفراج عن أموال طهران المُحتجزة.
كما لعبت قطر دورًا رئيسًا في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، فيما تحتفظ الدوحة بتأثير لا يمكن تجاهله على الساحتين اللّبنانيّة والسوريّة.
فوز ترامب ومستقبل العلاقة الأميركيّة القطريّة
في الترشيحات التي وضعها ترامب لأعضاء إدارته الجديدة، ما يشير بوضوح على المقاربة المرتقبة لهذه الإدارة، بالنسبة لملفّات الشرق الأوسط.
فعلى سبيل المثال، اختار ترامب ترشيح كريس رايت لمنصب وزير الطاقة في إدارته، الذي يُعتبر من الأصوات الرافضة تقليديًا لسياسات حماية البيئة ومكافحة تغيّر المناخ. رايت الذي يعتبر أنّه “لا يوجد أزمة مناخ بالفعل”، يُفترض أن يسعى –بحسب ترامب- إلى إلغاء القيود البيئيّة التي فرضتها إدارة بايدن، على قطاع الطاقة.
بهذا الشكل، وبدل العمل على سياسات الانتقال إلى الطاقة المُتجدّدة، من المتوقّع أن تركّز إدارة ترامب على سياسة خارجيّة تُحابي كبار مُنتجي النفط والغاز، من حلفاء الولايات المتحدة الأميركيّة، لضمان التوازنات في سوق الطاقة الدوليّة.
وكما يذكر الجميع، لعبت قطر بالتحديد دورًا مركزيًا في رفد الأسواق العالميّة بالغاز المُسال، بعد اندلاع الحرب الروسيّة على أوكرانيا، وفرض العقوبات الغربيّة على موسكو. وهذا ما زاد –منذ ذلك الوقت- من حظوة قطر لدى حلفائها الغربيين، بل وأهّلها لتوسيع الأدوار الإقليميّة التي تلعبها.
ثمّة أسباب أخرى قد تدفع ترامب لتعزيز موقع قطر، في السياسة الخارجيّة لإدارته الجديدة. فخلال الأعوام الممتدة بين 2019 و2023، حلّت قطر في المرتبة الثالثة عالميًا، من بين كبار مستوردي السلاح.
وبالأرقام، استحوذت الدوحة وحدها على 7.6% من مشتريات السلاح في العالم، مقارنة بـ 8.4% بالنسبة للمملكة العربيّة السعوديّة، التي حلّت في المرتبة الثانية.
وهذا ما يأخذه ترامب بعين الاعتبار، بالنظر إلى اهتمامه الشديد بحجم الفوائض التجاريّة التي تحققها بلاده، المُصدّرة للسلاح. بل يمكن القول أيضًا أنّ قطر ستتمكّن من استخدام مشترياتها من السلاح كورقة تفاوض بالغة الأهميّة، في علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركيّة.
مقارنة بأعضاء بايدن، يتبنّى معظم المرشّحين لمناصب إدارة ترامب نهجًا أكثر تشددًا إزاء إيران وبرنامجها النووي. وهذا ما ينطبق بشكلٍ خاص على ترشيح مارك روبيو لمنصب وزير الخارجيّة وبيت هيغيث لمنصب وزير الدفاع، إذ يُعتبر الإسمين من أشد الصقور تطرّفًا في مقاربة العلاقة مع إيران.
ولهذا السبب، من المفترض أن تُعطي واشنطن خلال الفترة المقبل اهتمامًا خاصًّا بحضورها العسكري المباشر في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصًا على الشواطئ الغربيّة للخليج العربي.
هنا، يعود التركيز على الدور الذي تلعبه الدوحة، في العلاقة مع الولايات المتحدة. فقطر، الحليف الرئيس لواشنطن من خارج الناتو، تحتضن قاعدة العديد العسكريّة، التي تضم القيادة العسكرية الأمريكيّة الوسطى، والقيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية، والمركز المشترك للعمليات الجويّة والفضائيّة، وجناح المشاة 379 للبعثات الجوية، والمجموعة 319 الاستكشافية.
وباختصار، مازالت قاعدة العديد القاعدة الأميركيّة الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكما مازلت تشكّل محور الحضور العسكري الأميركي في المنطقة.
الحاجة الإيرانيّة للدور القطري
على المقلب الآخر، انتهجت إيران سياسة أكثر ليونة مع الغرب، بخاصة بعد فوز الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان. وأساس السياسة الخارجيّة لزشكيان، ومن خلفه نائبه ووزير الخارجيّة السابق محمد جواد ظريف، العودة إلى الاتفاق النووي مع الغرب، وتجاوز مرحلة العقوبات الماليّة المفروضة على طهران.
وتزايد التشنّجات ما بين روسيا وإيران في منطقة جنوب القوقاز، بل وفي سوريا أيضًا، بات يدفع طهران لتجاوز عزلتها الدوليّة، والانفتاح على المجتمع الدولي أكثر.
بهذا المعنى، ستكون طهران أمام إدارة أميركيّة متشدّدة، تتبنّى نهج الضغوط القصوى على إيران، في مقابل حكومة إيرانيّة تتبنّى منطقًا أقل تشنّجًا مع الغرب. وهذا ما يكرّس مجددًا دور الدوحة بالنسبة إلى طهران، كقناة قادرة على التفاوض والتوسّط مع الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة الأميركيّة.
مع الإشارة إلى أنّ الدوحة مازالت حتّى هذه اللّحظة النافذة الأساس للتفاوض بين الطرفين، في ما يخص مستقبل الملف النووي الإيراني.
والشراكة بين طهران والدوحة استندت تاريخيًا إلى مصالح عميقة تفرض هذا النوع من العلاقة، وهو ما يعزّز ثقة إيران بأهداف الوساطة القطريّة. فقطر وإيران شركاء في حقل الشمال في الخليج العربي، الذي يُعد أكبر مكمن للغاز في العالم، باحتياطات تقدّرها الدوحة بنحو 900 ترليون قدم مكعّب.
وإنتاج الغاز من هذا الحقل، لطالما مثّل دلالة على ترابط مصالح الدولتين في مجال إنتاج الطاقة، بمعزل عن بعض الخلافات السياسيّة التي طرأت بينهما في مراحل عديدة.
لكل هذه الأسباب، سيكون من المتوقّع أن يزداد اعتماد الحكومة الإيرانيّة على مكانة قطر كحليف للغرب، للتوسّط في العديد من نزاعات منطقة الشرق الأوسط. وبطبيعة الحال، ستحرص طهران الاستفادة من قناة التواصل هذه، وذلك لتفادي الوصول إلى السيناريوهات التي يفضّلها نتنياهو، الذي يرغب بإنهاء البرنامج النووي الإيراني بحل عسكري حاسم، لا بالمفاوضات.
الأدوار في حرب غزّة ولبنان
أما قطر فقد نفت الأنباء التي سرّبتها وكالة “رويترز”، فيما يتعلّق بانسحابها من الوساطة لإنهاء الحرب الإسرائيليّة على غزّة. غير أنّها أكّدت “تعليق” هذه الجهود، بسبب “عدم جديّة” الأطراف المُشاركة في المفاوضات.
وبذلك، كان من الواضح أن قطر لم تعد تجد جدوى في لعب دور لتقريب وجهات النظر بين حماس وإسرائيل، للتوصّل إلى صفقة تبادل للأسرى، بعدما رفضت حكومة نتنياهو حتّى اللّحظة فكرة إنهاء الحرب على غزّة، كجزء من صفقة التبادل.
ومع ذلك، من المرتقب أن تحتاج تل أبيب إلى دور ما للدوحة، عندما تقرّر استئناف المفاوضات مع حركة حماس، نظرًا لغياب البدائل عن الدور الذي لعبته قطر مع مصر، في التفاوض مع الحركة.
أما في لبنان، فمازالت قطر بعيدة عن لعب دورٍ في التفاوض بين حزب الله وإسرائيل، لإنهاء الحرب. إذ يبدو أنّ هذا الدور مازال متروكًا للجهد الذي تقوم به حاليًا إدارة الرئيس بايدن. إلا أنّ قطر ستلعب عاجلًا أم آجلًا دورًا في استئناف الحوار مع أقطاب السياسة المحليّة اللّبنانيّة، لانتخاب رئيس للجمهوريّة بعد الحرب.
فقطر هي إحدى الدول الممثّلة في اللجنة الخماسيّة، إلى جانب مصر والسعوديّة وفرنسا والولايات المتحدة، والتي كانت تحاول التوصّل إلى حل لمشكلة الفراغ الرئاسي في لبنان.
كل هذه التحوّلات، ترافقت مؤخّرًا ببعض التحولات المحليّة في الدوحة نفسها، وخصوصًا بعد الاستفتاء الذي أفضى إلى تعديل القانون الرئيسي (الدستور).
فهذا الاستفتاء، غيّر من آليّة اختيار أعضاء مجلس الشورى، بما يعطي الأمير تميم بن حمد آل ثاني صلاحيّة تعيين جميع الأعضاء، بدل اختيار ثلثي الأعضاء بالانتخاب المباشر كما كان الحال سابقًا.
وبهذا الشكل، سارت قطر على خطى غيرها من الدول الخليجيّة، مثل السعوديّة والكويت، التي أعطت قادتها الأمراء هامشًا أوسع في إدارة الشأنين الداخلي والخارجي، بأقل قدر ممكن من القيود.