شركة الانقلابات العربية المتحدة ووجه يناير
عبد الحكيم حيدر
الشركة في وضع صعب، فهل هي بركة يناير، أم أن الشركة نفسها تعبت من الإنفاق بعدما طالت أنفاس الشعوب، وزادت تضحياتهم في كل بلد؟ نحن أمام معادلة صعبة وشهور مقبلة صعب التكهن فيها بالنتائج، فالشعوب، رغم فقرها، صابرة، والسلطات، رغم أسلحتها وبارود القتل ودفاتر القضاء وسيارات الشرطة التي فاقت سيارات الناس عدداً وعدة، تعبت هي الأخرى، بعد تراكم العجز في الميزانيات وكورونا وشحّ السياحة.
وولّت أيام الرغد ومليارات السعودية والإمارات، بعدما دخلوا في حرب اليمن، وطالت الأزمة أيضاً، كل الأمور متشابهة إلى حد ما، ومتشابكة، ولا يوجد أي ملمحٍ لأمل قريب تستعيد فيه السلطات أنفاسها وصولجاناتها.
ودخل علينا يناير كعادته بأحداث السودان الدامية، واستعباطات قيس سعيّد ومحاولاته الصبيانية لوضع القضاء خلف ستائر قصر قرطاج.
وأخيراً أحداث كازاخستان، التي تشبهنا إلى حد كبير كما قيل، وإن بعدت المسافات وتشابهت العلل بعد 30 سنة من الحكم السابق قريب الشبه جداً من ثلاثين حسني مبارك وعلي عبد الله صالح وأربعينية عائلة الأسد وأربعينية القذافي وطمع ابنه سيف الإسلام في عشريةٍ له على الأقل، أو ظله خليفة حفتر. نحن أمام زحام سلطاتٍ تحاول أن تلتقط أنفاسها بعد حوالى 11 سنة من المناكفات الانقلابية والشراكة مع الإعلام والقضاء ومليارات السعودية والإمارات، لإنجاح تلك الشركة العربية المتحدة، وجعلها أممية ودولية.
ويا حبذا لو استعان الغرب أيضاً بمهندسيها، وليت ترامب استمع إلى نصائحهم الأمنية في احتلال الكونغرس وترك لهم التخطيط، فهي شركة عربية خالصة الدماء والأرومة ورأس المال، وتحت أمر أي طاغية يريد أن يمدّ في فترة حكمه، بعيداً عن هوس الصناديق وألاعيب الديمقراطية التي لم تعد نافعة مع الشعوب التي لم تنضج بعد، إلا أن الشركة في وضع صعب، حتى وإن حكموا جمعياً بمعزل عن الدساتير، وبعيداً حتى عن الأعراف، وجديدها المخبر المصري، بيير جرجس، الذي يراقب المعارضين المصريين في أميركا وفقاً لتقرير وزارة العدل الأميركية، وكأنه يتصوّر نفسه في ميدان التحرير بعد 30/ 6 أو ميدان رمسيس بسماحية من مباحث قسم الأزبكية وتليفوناتها الشرطية.
حقيقة الشركة العربية المتحدة لصباغة الانقلابات واليافطات وتلوينهما في وضع حرج، فهل يا ترى حلّت عليهم بركات يناير، أم أن كل الخيوط صارت معقدة مع الجميع كما تعقدت مع ترامب نفسه؟ فها هي “صواميل” عبد الفتاح البرهان في السودان لم تعد قادرةً على ربط الشباب والناس في الخرطوم أو حتى بورتسودان نفسها، بعدما انتهى المدد الذي كان يصل إلى عمداء القبائل على ظهور البغال، وضربت المجاعات مناطق الفاشر، فأفرغوا مخازن الغلال والبضائع، ولم تسعفهم ملايين الإمارات بعد، واشتدّت الأزمة أكثر، وهرب عبد الله حمدوك بجلده خوفاً من مصائر الدماء الآتية وعواقبها، وكأنه قرأ كتالوج محمد البرادعي جيداً وفهم الدرس أخيراً.
وقيس سعيّد بعدما داس أكثر في المعجنة التي صنعت له، تخلى كلية عن بلاغة “ابن جني وعسران الأقطش”، وما زال ينادي القضاة، كي يعملوا له عجين الفلاحة نظير “لقمة القاضي”، إلا أن “اللقم” يا حاج قيس صناعة مصرية أصيلة، لا يقدر قيس على تكلفتها بالمكسّرات كما يحدث في مصر، حتى من قبل العز بن عبد السلام بدهور، وهذا ما لا يعرفه جيداً عن “سمنة الانقلابات وزبيبها ومكسّراتها”، وكيفية طحن المكسّرات مع الزبدة البلدي، لأن هذه صناعة عريقة، لها أصولها ومطابخها الليلية أيضاً، فصارت تونس أقرب إلى أن تكون هي تونس التي وقعت ليلة هروب بن علي بساعات، حتى مصر نفسها ليست بأحسن حالاً من ليبيا وتونس والسودان، فها هي أصوات آلاف الإعلاميين الذين كانوا هم أصحاب الطلقات الأولى على الثورة المصرية، وخرجت مذيعة على الهواء مباشرة بكفنها في آخر أيام محمد مرسي، قد خرجت من حناجرهم الهتافات تنادي بالمكافآت والحوافز والبدلات، ففطن المسؤول سريعاً إلى ما سيتنامى في يناير، وبسرعة البرق وفّرت وزارة المالية المطلوب، فسكتوا.
هل نقول إن يناير قد أتى ببركاته، أم أن الشركة بعد تسع سنوات من الإنفاق على الدعاية وقناة السويس الجديدة والإعلانات في الخارج والرافال والجمبري وصناعة المدن الجديدة وسط الرمال وبيع أصول الشركات وحتى المباني الحكومية العريقة، كمجمع التحرير، والقصور وحتى الحدائق العامة الصغيرة، لم تعد شركات الانقلابات المتخصّصة جداً قادرة على الصمود، وخاصة أن عد السكان قد زاد بالملايين، فما عادت الحكومة قادرة حتى على زجاجة الزيت وكيلو السكر وتريد التهرّب منهما، رغم أنها تتباهى بمفاعل الضبعة وأربعة ملايين فدّان يجري استصلاحها في “قعر” الصحراء لم نرَ منها بطيخة واحدة، وخصوصاً أن بركات “الأربعة ملايين فدّان”، جعلت الفرخة تضحك على النكتة، فصارت البيضة بجنيهين.