غضب عربي ضد الولايات المتحدة والغرب بسبب الدمار في غزة
سلطت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية حالة الغضب العربي المتنامية ضد الولايات المتحدة والغرب بسبب الدمار الذي سببته حرب إسرائيل في قطاع غزة.
وجاء في تقرير للصحيفة أنه كثيرًا ما تجادل رشاد مع عائلته بشأن الولايات المتحدة، حيث دافع عن أمريكا منذ فترة طويلة باعتبارها “قوة من أجل الخير” عندما احتج أقاربه ضد التدخلات العسكرية الأمريكية.
ورد رشاد عندما اشتكوا من أن واشنطن فرضت “القيم الليبرالية” على العرب، بأنه يتعين على شخص ما أن يدعم حقوق الإنسان في منطقة غير ليبرالية، غير ان “كل شيء تغير” بعد هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل، كما قال الرجل اللبناني السعودي، حيث قدمت الولايات المتحدة دعمها القوي للهجوم الانتقامي للدولة اليهودية في غزة.
وقال الشاب البالغ من العمر 26 عاماً، والذي طلب عدم الكشف عن لقبه: “عندها أدركت أن كل ما كنت أدافع عنه كان كذباً.. أمريكا لا تهتم بحقوق الإنسان.. فهي لا تراقب إسرائيل وهي ترتكب إبادة جماعية فحسب، بل إنها تساعدها على القيام بذلك، ومن ثم لديهم الجرأة للالتفاف وإلقاء المحاضرات علينا بشأن الإنسانية”.
تعكس هذه التعليقات الغضب المحموم الذي اجتاح العالم العربي تجاه الولايات المتحدة، والذي تغذيه تصورات عن معايير واشنطن المزدوجة بشأن دعمها للهجوم الإسرائيلي مع تصاعد الأزمة الإنسانية في غزة.
ويخشى المسؤولون الغربيون والعرب أن تعمل الولايات المتحدة – القوة الأجنبية المهيمنة في المنطقة لفترة طويلة – على تنفير مجموعة كاملة من الشباب العربي، وشبهوا الغضب الذي أثارته حرب غزة بردود الفعل الإقليمية العنيفة التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003.
وقال دبلوماسي غربي في المنطقة: “إننا نشهد مستويات غير مسبوقة من الغضب تجاه الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص” مضيفًا “هذا أسوأ من عام 2003، عندما فقد الغرب الكثير من سلطته الأخلاقية، والآن أخشى أن نفقد الجيل القادم”.
وقد نفت إسرائيل بشدة مزاعم الإبادة الجماعية في غزة المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية، وأصرت على أن قواتها لا تستهدف المدنيين وتقول إن هدفها من الحرب هو تدمير حماس.
لكن ملايين الشباب العرب الذين تابعوا خمسة أشهر من الصراع يعربون عن صدمتهم وحزنهم إزاء الدمار الذي لحق بالقطاع، حيث تجاوز عدد القتلى 30 ألف شخص، وفقًا لمسؤولين فلسطينيين، كما شاهدوا ارتفاع عدد الجثث، مع انتشار المجاعة والمرض.
وقد اجبر الهجوم الإسرائيلي الغالبية العظمى من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على ترك منازلهم وحول القطاع إلى أرض قاحلة، كما لم تسمح إسرائيل إلا بوصول مساعدات محدودة إلى السكان، مما دفع وكالات الأمم المتحدة إلى التحذير من خطر المجاعة.
وكانت إدارة الرئيس جو بايدن قد عرضت الدعم للهجوم الإسرائيلي على غزة، وقدمت المساعدة العسكرية والغطاء الدبلوماسي وسط تزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار ولكن أصبح المسؤولون الأمريكيون في الآونة الأخيرة أكثر صراحة بشأن مخاوفهم، بينما يضغطون على إسرائيل للسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى القطاع.
وقالت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، يوم الأحد، إن “الناس في غزة يتضورون جوعا”، في واحدة من أقوى تعليقات البيت الأبيض حتى الآن بشأن الحرب.
وأضافت هاريس: “الظروف غير إنسانية وإنسانيتنا المشتركة تجبرنا على التحرك”، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار.
لكن العديد من العرب يعتقدون أن بايدن لا يزال لا يضغط بقوة كافية لكي توقف إسرائيل هجومها، لا سيما فيما يتعلق باستمرار مبيعات الأسلحة للدولة اليهودية.
وقال غادي بو كامل، طالب العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت: “إنهم يدعمون الحريات وحقوق الإنسان وكل ذلك، ثم إنهم يدعمون بشكل كامل ما تفعله إسرائيل”.
وأظهر استطلاع حديث لمؤشر الرأي العربي، والذي شمل ثمانية الاف شخص من ست عشرة دولة من جميع أنحاء المنطقة، أن الغضب بشأن حرب غزة ورد فعل أمريكا بلغ مستويات قياسية، حيث قال 76٪ من المشاركين إن موقفهم تجاه الولايات المتحدة أصبح “أكثر سلبية”.
وقال منظمو الاستطلاع إن الاستطلاع أظهر أن “الجمهور العربي فقد الثقة في الولايات المتحدة”.
وكان الشباب العرب قد قاطعوا العلامات التجارية الأمريكية، بما في ذلك ستاربكس وماكدونالدز، بسبب دعمهما المزعوم لإسرائيل، وألغوا خططهم للدراسة في الولايات المتحدة ورفضوا الوظائف في الشركات الأمريكية كما نُظمت احتجاجات مناهضة للولايات المتحدة، خاصة في اليمن والعراق، حيث شنت الولايات المتحدة ضربات ضد الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران.
وأصدرت شركتا ستاربكس وماكدونالدز بيانات تقولان فيها إنهما “لا تمولان أو تدعمان أي حكومات متورطة في هذا الصراع”.
وقالت دانا الكرد، وهي زميلة غير مقيمة في المركز العربي بواشنطن، إن التأثير الآخر لتعرض الموقف الأخلاقي للولايات المتحدة في المنطقة سيكون تقويض العرب الليبراليين والناشطين الذين دافعوا عن القيم الديمقراطية الغربية في منطقة من المستبدين بما في ذلك من اجل تحسين وضع حقوق الإنسان.
وأضافت كرد: “ما رأيناه الآن خلال هذه الحرب من الغرب، أعاد الحديث إلى جيل آخر” مضيفة “الآن، يتم تقطيع أوصال الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
وقالت ريم ممتاز، زميلة أبحاث استشارية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن التصور العربي لمكانة الولايات المتحدة والنظام القائم على القواعد بدأ ينهار بعد غزو العراق، لكن “غزة كسرت النظام بالكامل”.
وأوضحت أن وجهة النظر في العالم العربي هي أن الدول الغربية التي أنشأت نظام الأمم المتحدة تدعم إسرائيل بينما تعمل على تقويضها.
وتابعت أن “هذه الدول أوقفت تمويل الأونروا بناء على مزاعم إسرائيل دون الحاجة إلى أدلة منها أولا”.
وقالت ممتاز: “لقد حاولوا تقويض عمل محكمة العدل الدولية عندما رفعت جنوب أفريقيا قضية الإبادة الجماعية” ورأى العرب في ذلك بانه يُظهر ان “النظام الدولي القائم على القواعد وقيمه لا تنطبق عليهم بنفس الطريقة”.
وفي هذه الأثناء، خلق الصراع في غزة شعوراً بالأزمة العميقة بالنسبة للعرب الذين يعيشون في الغرب وحقيقة أن العديد منهم يحملون جنسية مزدوجة لم تؤدي إلا إلى زيادة الشعور بخيبة الأمل.
قال أحد المصرفيين الاستثماريين العرب في الثلاثينيات من عمره ويعيش في لندن: “أجد صعوبة متزايدة في الارتباط ببلد لديه سياسة خارجية غير عادلة على الإطلاق تجاه المنطقة التي أنتمي إليها، وتجاه الدين الذي أعتنقه”.
وقد دفعت هذه المعضلة المواطن البريطاني المزدوج إلى إعادة النظر في خياراته، بما في ذلك مغادرة المملكة المتحدة، مضيفا “أنا غاضب”.