خبراء: كأس العالم 2022 فضح عنصرية وازدواجية معايير أوروبا
يجمع خبراء تابع المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، تعليقاتهم على أن مونديال كأس العالم 2022 الذي استضافته دولة قطر في حدث هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط، فضح عنصرية وازدواجية معايير أوروبا.
وأبرز المجهر الأوروبي تنامي مظاهر العنصرية في التعاطي الإعلامي والسياسي الأوروبي مع تغطية كأس العالم في قطر التي تعرّضت لحملة غير مسبوقة من الانتقادات لم يواجهها أي بلد مضيف من قبل.
وبحسب المراقبين فإن الهجوم على قطر قبل وأثناء بطولة كأس العالم كان من الواضح أنّه انتقاد لمجرَّد الانتقاد والمكايدة السياسية والحصول على مصالح، فقد انحصرت الاعتراضات في نقطتي معايير حماية العمالة الوافدة وقضية المثليين.
غير أن داني مكي، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط، أبرز تبدد الانتقادات العنصرية الموجهة إلى قطر خلال مباريات كأس العالم التي أتاحت للجنسيّات على اختلافها اكتشاف الثقافة العربية عمومًا والثقافة القطرية خصوصًا.
وقال مكي “شهدنا بطولة مختلفة هذا العام، فقد أبدى الأجانب تقبّلهم للثقافة القطرية، فارتدوا الغترة وعبّروا عن إعجابهم باللّغة العربية والحضارة الإسلامية”.
بدورها تبرز الباحثة والكاتبة المصّرية نهال الأعسر أن دولًا أخرى غير قطر استضافت كأس العالم ولديها سجل سلبي في حقوق الإنسان، فقد لقي 21 عاملَ بناءٍ على الأقل مصرعهم أثناء بناء ملاعب كأس العالم في روسيا عام 2018.
وقالت الأعسر: “لا بد من ذكر ظروف العمل التي تعرّض لها العمال في قطر. ومع ذلك، فقد أثبتت كأس العالم أنها مناسبة رائعة لإظهار اتحاد العرب على هدف واحد”.
ارتداء ميسي للبشت يُثير حالة من الجنون
في هذه الأثناء اتهمت قطر بتحرك القوة الناعمة وغرد النقاد بتصريحات مسيئة ، حيث أثار ارتداء كابتن منتخب الأرجنتين للرداء التقليدي ردود فعل.
وقد كانت تلك أكبر لحظة في مسيرة ليونيل ميسي اللامعة، التتويج باللقب ، الانتصار في الكأس الوحيد الذي أفلت من الأسطورة بعد أربع محاولات سابقة.
يمكن القول إن أعظم لاعب في العالم قاد الأرجنتين للفوز بكأس العالم بعد نهائي مبهر ضد فرنسا في ملعب لوسيل في قطر. وقبل أن يرفع الكأس بقليل ، عرض عليه أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بشت ، عباءة عربية تقليدية.
التزم ميسي بوضع ذراعيه في العباءة ورفع الكأس الأهم في مسيرته وهو يرتدي ثوبًا إقليميًا. وقد أصبحت اللحظة المميزة بالفعل ، الصورة المميزة لكأس العالم هذه ، أكثر إثارة للحديث عنها وفريدة من نوعها.
وقد بالغت وسائل التواصل الاجتماعي في تناول هذا الموضوع ، بمزيج من الفخر والنقد والملاحظات البغيضة (التي غالبًا ما تم حذفها لاحقًا).
والبشت ، المعروف أيضًا باسم أو العباءة ، ليس فريدًا من نوعه في قطر ، ويمكن العثور عليه بأشكال مختلفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
يرتديه البدو في الأصل في الأشهر الباردة للحماية من برد الشتاء ، ويتم حفظه الآن للمناسبات المهمة. أبرزها أنه يرتديه العريس في يوم زفافه ، أو من قبل الملوك في المناسبات الرسمية ، ويمكن ارتداؤه حتى في حفلات الجنازة.
وأدان بعض المعلقين الأوروبيين قرار تسليم الملابس لميسي – الذي سجل هدفين مع تعادل الأرجنتين وفرنسا 3-3 قبل فوز أمريكا الجنوبية بركلات الترجيح المثيرة.
قال غاري لينيكر مقدم البرامج في بي بي سي: “من المؤسف أنهم غطوا قميصه” ، ورد عليه المحلل واللاعب الأرجنتيني السابق بابلو زاباليتا “لماذا فقط؟ لا يوجد سبب لفعل ذلك؟ ”
أدلى عدد من الصحفيين بتعليقات مهينة حول البشت ، قبل حذف تغريداتهم.
أعرب الكاتب الكبير في ESPN ، مارك أوجدن ، عن أسفه على الصور التي “دمرها شخص ما جعله يرتدي عباءة يبدو وكأنه على وشك الحصول على قصة شعر”.
وفي الوقت نفسه ، وصفها مقدم البرامج التلفزيونية دان ووكر بأنها “عباءة شبكية غريبة مزينة بالذهب”.
قالت جين ميريك ، محررة السياسات في صحيفة I Newspaper: “الحمد لله ، لقد أزال هذا العباءة المهلهلة.”
وحُذفت التعليقات الثلاثة فيما بعد ، وانتُقدت بشدة ، ووصفها البعض بأنها “عنصرية”.
تلغراف ، في عنوان رئيسي تم تعديله الآن ، وصفت ارتداء الفستان بأنه “عمل غريب دمر أعظم لحظة في تاريخ كأس العالم”.
في المقابل فإن الكثير من المشجعين ، وخاصة من خلفيات عربية ، كانوا مملوئين بالفخر لأفضل لاعب كرة قدم في العالم يرتدي الزي التقليدي.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي ، كان المعلقون الأرجنتينيون جديرون بالثناء بشكل عام بشأن هذه اللحظة ، حيث شاركوا المعلومات حول الطبيعة الاحتفالية والتشريفية للثوب العربي.
كما أن كثيرين أشاروا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتزين فيها نجم رياضي بالزي المحلي: فقد ارتدى أسطورة كرة القدم البرازيلية بيليه قبعة سمبريرو الشهيرة بعد الاحتفال بالفوز بكأس العالم 1970 في المكسيك.
كما ارتدى الرياضيون أكاليل الزيتون على المنصة في أولمبياد 2004 في أثينا، تكريما لأغطية الرأس الثمينة المستخدمة في النسخة القديمة من الألعاب. حتى أن العديد من نجوم الرياضة قد ارتدوا البشتات أثناء زيارتهم للشرق الأوسط.
والجدير بالذكر أن ارتداء بيليه للقبعة جاء بعد رفع الكأس، وكانت أكاليل الزيتون في أثينا بمثابة حداثة متفق عليها مسبقًا تم استخدامها طوال البطولة.
تغطية إعلامية منحازة وعنصرية
انتقد رئيس تحرير وناشر موقع نت أفيزن (Nettavisen) النرويجي، أود هارالد هاوغي، تغطية الإعلام في بلاده أوروبا لبطولة كأس العالم لكرة القدم التي تقام حالياً في قطر، ووصفها بالعنصرية والفوقية.
وكتب هاوغي، في مقال له أن “العنصرية الرياضية النرويجية انخفضت إلى مستوى جديد” في تناول مونديال قطر، وتحديداً تلك الموجهة ضد العرب، واستنكر ما وصفه بـ”غوغائية المحررين النرويجيين”.
وقال: “من الطبيعي وجود صحراء في قطر، لكن يستمر الإعلام في الإشارة إلى ذلك، كأنه يذكر القارئ طوال الوقت بأنها بذلك تكون أقل شأناً”، ولفت إلى إصرار الإعلام على وصف قطر بـ”دولة الصحراء، ودولة الصحراء الغنية، والمشيخة”.
وسأل مستنكراً: “كيف سُمح للعنصريين الرياضيين بمهاجمة العرب بلا قيود؟”. وأشار إلى أن “البعض أصبح لا يجرؤ على مشاهدة المباريات، ولم يستطع المعلق التلفزيوني القول إن ما يشاهده في الملعب كان المشهد الأجمل، ولم يقدم كثيرون على قول أي أمر إيجابي بسبب فرض الغوغائية الداخلية”.
وأضاف: “شدد المحررون، في تعليماتهم للمراسلين، على ضرورة العثور على عامل مهاجر مريض، أو على الأقل يمكنه أن يئن قليلاً. ومع ذلك، فقد ثبت أنه من الصعب العثور على أي شخص يتألم”.
من جهته قدّم الكاتب والباحث والأستاذ المحاضر في جامعة حمد، مارك أوين جونز في تحليل للمحتوى المنشور عن كأس العالم 2022 في الصحافة البريطانية، أرقاما مثيرة للاهتمام.
إذ حلل جونز المضمون المرتبط بمونديال قطر في 9 مؤسسات إعلامية منذ عام 2010، وشمل 1735 عنواناً رئيسياً في الصحف البريطانية تذكر قطر، 685 منها عن كأس العالم حصراً، بينما تطرقت باقي العناوين إلى قضايا اقتصادية وسياسية.
ومن بين العناوين الـ685 التي تناولت مونديال 2022، 66 في المائة من التقارير كانت سلبية، 29 في المائة محايدة، و5 في المائة إيجابية. ومن ضمن المقالات السلبية، 36 في المائة تطرقت إلى قضايا حقوق الإنسان، و25 في المائة كانت عن الفساد والرشوة، و9 في المائة عن تجريد قطر من كأس العالم، و4 في المائة عن حقوق مجتمع الميم.
وفي سياق التحليل نفسه، تبين أن صحيفة ذا غارديان نشرت النسبة الأكبر من المحتوى المرتبط بكأس العالم (265 تقريراً)، ثم صحيفة ذي إندبندنت (181)، ثم “ذا ديلي تيليغراف” (62).
وفي إطار ترجمة هذه الأرقام في سياق سياسي وإعلامي، يقول جونز إن سبب هذه التغطية السلبية لكأس العالم في قطر، يعود لعوامل كثيرة، بينها اهتمام الصحافة البريطانية عموماً بكرة القدم، وحقوق الإنسان، لكن أيضاً بسبب جنوح هذه الصحافة إلى تغطية الأحداث في الدول الصغيرة بشكل سلبي، كما أظهرت دراسة نشرتها مجلة SAGE للأبحاث.
وأشار جونز كذلك إلى الدور الكبير الذي لعبته شركات علاقات عامة في بريطانيا لشيطنة قطر خلال الأزمة الخليجية (2017).