كيف تستفيد أوروبا على حساب فقراء مصر؟
أعلن الاتحاد الأوروبي هذا الشهر عن حزمة تمويل ضخمة بقيمة 7.4 مليار يورو (8 مليارات دولار) لدعم الاقتصاد المصري المتعثر وسط شبهات بفوائد أوروبية على حساب فقراء مصر.
ويتضمن البرنامج قروضا بقيمة خمسة مليارات يورو، واستثمارات بقيمة 1,8 مليار يورو، ومنح بقيمة 600 مليون يورو، ثلثها مخصص لإدارة “تدفقات الهجرة”.
وسيتم توفير مليار يورو من القروض هذا العام كتمويل طارئ، بينما ينتظر الباقي موافقة البرلمان الأوروبي. وتمثل حزمة التمويل ترقية للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر إلى “شراكة استراتيجية”، مما يسهل التعاون بشكل أعمق.
هذه الخطوة، التي تعرضت لانتقادات شديدة من قبل جماعات حقوق الإنسان، هي جزء من تحالف استراتيجي بين أوروبا ونظام السيسي، والذي شهد استفادة الشركات والدول الأوروبية بشكل كبير من نموذج النظام المتمثل في رأسمالية الدولة العسكرية والإنفاق المفرط على الأسلحة.
وفي الواقع، وخلافاً للحكمة التقليدية، فإن المنطق القائم هنا أكثر شراً بكثير من الحد من الهجرة أو تحقيق الاستقرار في جنوب البحر الأبيض المتوسط. ورغم أن مسألة الهجرة تشكل عاملا مهما، إلا أنها ليست العامل الحاسم على الإطلاق.
وما علينا إلا أن ننظر إلى الدور الذي لعبته الشركات الأوروبية في سياسة النظام المصري في التعامل مع المشاريع الضخمة التي تغذيها الديون لكي نفهم الديناميكيات التي تلعبها.
المثال الأبرز على ذلك هو شركة سيمنز الألمانية، التي كانت من أكبر المستفيدين من فورة الإنفاق المصري، حيث بدأت بعد عامين من الانقلاب بصفقة بقيمة ستة مليارات يورو (6.5 مليار دولار) لبناء محطات كهرباء في مصر.
وقد تم تمويل المشروع إلى حد كبير من خلال الديون، حيث أفادت التقارير أن الحكومة حصلت على 4.1 مليار يورو من القروض المصرفية.
وبحلول عام 2023، أي بعد أقل من عقد من بدء البناء، كانت مصر تشهد انقطاعًا منتظمًا للكهرباء، وسط أزمة ديون خانقة وانخفاض إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي.
ومع ذلك، فإن بناء محطات الطاقة المكلفة يتضاءل أمام مشروع ضخم آخر: سادس أكبر نظام للسكك الحديدية عالية السرعة في العالم، ويربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، بتكلفة تبلغ 23 مليار دولار.
وتم توقيع العقد مع شركة Siemens Mobility في مايو/أيار 2022، عندما بدأت أزمة الديون في الظهور – لكن هذا لم يردع النظام عن حماقته.
وتعهدت فرنسا أيضًا باستثمار 3.8 مليار يورو (4.1 مليار دولار) في مصر بين عامي 2021 و2025، بما في ذلك 1.8 مليار يورو على شكل قروض، حيث وصف وزير المالية برونو لومير مصر بأنها “شريك اقتصادي استراتيجي لفرنسا” و”الدولة الأولى من حيث الاستثمار” بقروض من الخزينة.
يأتي كل هذا مع ارتفاع معدل الفقر في مصر بشكل كبير بسبب انخفاض قيمة الجنيه، من حوالي 30% في عام 2019، واستخدام الموارد العامة، الممولة من خلال نظام ضريبي تنازلي ، للوفاء بالتزامات الديون المتزايدة على البلاد.
ويؤدي هذا فعلياً إلى تحويل الثروة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة المصرية إلى الشركات والبنوك الأوروبية، بينما يواصل الجيش نشر مخالبه في الاقتصاد، باستخدام المشاريع الضخمة كرأس حربة.
كما أن هناك استثمارات أوروبية مباشرة، وتحديدا في قطاع النفط والغاز. واستثمرت شركة إيني الإيطالية، وهي شركة طاقة مملوكة جزئيًا للدولة، 13 مليار دولار في مصر بين عامي 2015 و2019. وفي عام 2023، تعهدت إيني باستثمار 7.7 مليار دولار إضافية على مدى السنوات الأربع المقبلة.
وتمتد الديون الهائلة إلى إنفاق النظام المصري المفرط على السلاح، ما ساهم في إهدار المال العام وتطور أزمة الديون. وأبرز مثال على ذلك هو شراء طائرات رافال المقاتلة من فرنسا في صفقتين منفصلتين.
وقد تم إبرام الصفقة الأولى بقيمة 5.9 مليار دولار في عام 2015، والثانية بقيمة 4.5 مليار دولار في عام 2021. وفي كلتا الصفقتين، كانت قروض التمويل ضرورية.
وفي 2019-2020، وصل إنفاق النظام على الأسلحة إلى 16 مليار دولار ، بما في ذلك صفقات مع ألمانيا وإيطاليا.
واستناداً إلى المعلومات المتاحة والمحدودة إلى حد ما، لعبت القروض دوراً مهماً في تأمين هذه الصفقات، مما زاد من ديون النظام المتزايدة واستنزاف احتياطيات العملة الصعبة.
ولم تقتصر صفقات الأسلحة على الأجهزة، بل شملت أيضًا أنظمة المراقبة الجماعية الفرنسية ، والتي يمكن استخدامها لقمع المعارضة.
إن التحالف بين النظام والدولة الفرنسية عميق للغاية لدرجة أن المخابرات الفرنسية تورطت بشكل مباشر في الغارات الجوية في الصحراء الغربية في السنوات الأخيرة ضد أهداف “إرهابية”، مع ظهور أدلة في وقت لاحق على استهداف المهربين المدنيين، مما يكشف أيضًا عن استمرار التورط الفرنسي.
وبالتالي، فإن حزمة الدعم الأوروبية الأخيرة تتوافق مع سياسة أوروبية طويلة الأمد لدعم النظام المصري من خلال القروض وصفقات الأسلحة والاستثمارات التي لا ترتبط بشكل مباشر بمسألة المهاجرين.
وفي حين أن التهديد بزيادة الهجرة إلى أوروبا تصاعد مع الحرب الأهلية في السودان ، فقد تم تخصيص 200 مليون يورو فقط (217 مليون دولار) من حزمة التمويل الأخيرة التي قدمها الاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة.
ويحتاج المرء فقط إلى النظر إلى البيانات المتاحة لفهم أن التهديد بالهجرة إلى أوروبا من مصر لا يشكل مصدر قلق مباشر.
اعتبارًا من أغسطس 2022، كان هناك ما يقدر بتسعة ملايين مهاجر في مصر، 60 بالمائة منهم يعيشون في البلاد منذ أكثر من 10 سنوات، مما كان له تأثير إيجابي على سوق العمل والاقتصاد. وضخ نحو 30 ألف مستثمر سوري ما يقدر بنحو مليار دولار في الاقتصاد المصري.
ويصنف 15% فقط من المهاجرين في مصر على أنهم معرضون للخطر وبحاجة إلى مساعدة خاصة. اعتبارًا من يناير 2024 ، كانت مصر تستضيف 480 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين، وتتكون المجموعة الأكبر من الأشخاص الذين فروا من الحرب في السودان.
في جوهر الأمر، انضم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الكبرى إلى واحدة من أكثر الدكتاتوريات وحشية وقمعا في الشرق الأوسط، حيث وقفوا بحزم ضد التطلعات الديمقراطية للمصريين. وقد حققت هذه السياسة أرباحًا هائلة للشركات والدول الأوروبية، على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة المصرية.
وهذا لن يؤدي إلا إلى عدم استقرار طويل الأمد وظهور البعبع الأوروبي: المهاجر العربي.
للكاتب ماجد مندور نقلا عن Middle East Eye