مركز دراسات أوروبي: قيس سعيد يغرق تونس بالاضطرابات السياسية
قال “المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية” إن قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد المتلاحقة منذ أشهر تغرق البلاد بالاضطرابات السياسية وتثير مخاوف من عودة الاستبداد.
وأشار المعهد في دراسة تابعها المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، إلى قرار سعيد الأخير بحل مجلس النواب الذي كان مجمدًا منذ يوليو/تموز الماضي في خطوة اعتبرها معارضوه انقلابا.
وذكر المعهد أن سعيد برر هذه الخطوة المثيرة للجدل “بالحفاظ على الدولة ومؤسساتها”، في وقت تتزايد فيه التوترات السياسية في البلاد.
ومنذ تموز/يوليو الماضي، تبنى سعيد مجموعة من الإجراءات الاستثنائية، منها تجميد البرلمان، وتغيير رئيس الوزراء، ورفض دستور 2014، وإقالة مجلس القضاء الأعلى.
وظلت أنشطة مجلس النواب مجمدة، والقرارات الرسمية أصبحت بيد رئيس الجمهورية، وقد بلغت الأزمة ذروتها في أواخر آذار/مارس من هذا العام عندما عقد المشرعون اجتماعًا عبر الإنترنت وصوتوا على إلغاء سلطات الطوارئ التي منحها سعيد لنفسه، ليرد بحل الجمعية الوطنية.
ومع ذلك؛ فإن تصويت البرلمان وحلَّه اللاحق لن يعطل موكب سعيد، حيث سيتمسك الرئيس التونسي بخارطة الطريق التي كشف النقاب عنها في ديسمبر (كانون الأول).
إطالة أمد الجمود السياسي
وأكد المعهد أنه استنادًا إلى نتائج المشاورة الوطنية عبر الإنترنت التي جرى الانتهاء منها، سيطرح الرئيس التونسي مسودة الدستور الجديدة للاستفتاء في يوليو، يلي ذلك انتخاب برلمان جديد في نهاية العام.
بيد أن المعارضة، التي وصفت استيلاءه على السلطة بـ«الانقلاب»، رفضت تحركه الأخير بوصفه غير دستوري.
وعلى الرغم من تزايد العداء البرلماني تجاه الرئيس، يبدو أن سعيد يحتفظ بقاعدة اجتماعية صلبة، كما يتضح من الإجماع الشعبي الواسع بشأن خطواته نحو النظام الرئاسي.
ومن ثم، أدى تصويت البرلمان وما تلاه من حل إلى مزيد من الاستقطاب مع معارضي سعيد من الشعب، مما أدى إلى إطالة الجمود السياسي الذي ابتليت به البلاد منذ عدة أشهر، ومن المرجح أن يتصاعد عدم الاستقرار.
لا سيما أنه يتقاطع مع أزمة مالية عميقة والعديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية – وكلاهما تفاقم بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية بسبب الحرب في أوكرانيا.
أما على المستوى الدولي، أثارت التطورات الأخيرة في تونس بعض القلق في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، الملتزمة تقليديًّا بالاستقرار المؤسسي والاقتصادي للبلاد.
ويشير التقرير إلى أن كل هذه العناصر مجتمعة قد تثبت في نهاية المطاف أنها تمثل تحديًا كبيرًا لسعيد، حيث يتوقف نجاح خطته في ترسيخ حكمه الفردي على دعم شريحة كبيرة من الشعب.
واستطلع المعهد ردود فعل بعض الخبراء في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية على قرار الرئيس سعيد بحل البرلمان من جانب واحد والمخاوف الناتجة من استبداد ناشئ في تونس.
رئيس ذو سلطات مطلقة
قال يوسف الشريف مدير مراكز كولومبيا العالمية بتونس “لا يزال الرئيس التونسي أكثر شعبية من خصومه، ومن هنا غاب أي رد فعل شعبي ملحوظ ضد حل مجلس النواب”.
وتابع “لقد تضاءلت الأحزاب السياسية وفقدت مصداقيتها في تونس العام الماضي، مما يؤكد فرضية الرئيس بأن المعارضة غير ذات أهمية وتفتقر إلى أي شكل من أشكال الدعم الشعبي”.
وأضاف “في غضون ذلك، حصل على شبه دعم من النقابة العامة للشغل، ومنظمة أصحاب العمل، ونقابة المحامين، كما أنه يحتفظ بإخلاص القوات المسلحة. حتى الآن، تسير خطته على الطريق الصحيح».
وذكر الشريف أن “رسالة الرئيس الشعبوية، التي تلقي باللوم في ويلات البلاد على خصومه والمؤامرات الخارجية، تجعله بعيدًا عن الارتباك السياسي؛ مما يجعله غير متسامح بشكل متزايد مع أي شكل من أشكال النقد ويعزز سلطاته في نهاية المطاف. ولكن بمرور الوقت، يخاطر سعيد بأن يصبح حاكمًا استبداديًّا تقليديًّا”.
من جانبها، قالت آمنة بن عرب أستاذ مساعد في جامعة صفاقس “يمثل الاجتماع الافتراضي للبرلمان المعلق والتصويت عبر الإنترنت لإلغاء الإجراءات الاستثنائية التي جرى تقديمها في 25 يوليو 2021، تحديًا مباشرًا لاستيلاء الرئيس على السلطة مؤخرًا، على المستوى الدستوري (إذا كان لا يزال من الممكن استخدام دستور 2014 إطارًا مرجعيًّا)، خلقت هذه الخطوة سلطتين متوازيتين وألقت بظلال من الشك على شرعية السلطة التنفيذية. ومع ذلك، فقد زاد من تآكل شرعية الهيئة التشريعية ومصداقيتها وفعاليتها على المستوى السياسي”.
أضافت بن عرب “على الرغم من متابعة الاجتماع عن كثب من قبل النخبة السياسية، فإنه لم يكن له أي تأثير في الرأي العام، الذي رفض عودة البرلمان الحالي بأي شكل، وأشاد بحله، وأبدى التطلع إلى التحول نحو النظام الرئاسي (بحسب استطلاع للرأي تابع لمعهد سيجما التونسي)”.
وتابعت “بدلًا من إنهاء المأزق السياسي، عمقت هذه الخطوة الهوة بين المعارضة والجمهور الذي يواصل دعم الرئيس، وليس من المستبعد أن تتصاعد التوترات إلى أعمال عنف، لا سيما بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المزري والضغط الممارس – بشكل أساسي من قبل واشنطن – لدعم المعارضة مع إغفال السياق المحلي وأمل الشعب التونسي في الاستقرار والديمقراطية بطريقته ووتيرته الخاصة”.
سعيد عالق بين المطرقة والسندان
عبر حمزة المؤدب، باحث غير مقيم في مركز “مالكولم إتش كير” التابع لمعهد كارنيجي للشرق الأوسط، عن اعتقاده بأن “تونس تواجه أزمة مالية خطيرة. قبل الحرب في أوكرانيا، اقترضت الدولة نحو 7 مليارات دولار في عام 2022، منهم 4.2 مليارات دولار من الأسواق الدولية”.
وأدى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة إلى زيادة الاحتياجات بمقدار ملياري دولار. ولكن تكمن المشكلة في أن تأمين تمويل الميزانية يعتمد على التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو بعيد كل البعد عن إبرامه بحسب المؤدب.
وأكد المؤدب أنه “بعد سبعة أشهر من انتزاع السلطة، أصبح الرئيس سعيد عالقًا حاليًا بين المطرقة والسندان. فمن ناحية، تحرمه الأزمة المالية في تونس من الموارد اللازمة للحفاظ على قاعدة دعمه”.
ومن ناحية أخرى، سيتطلب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي تدابير تقشف، منها تجميد الأجور، ورفع أسعار المواد الغذائية والطاقة.
وهذا سيناريو مليء بالتحديات، بالنظر إلى أن نجاح خطته لتغيير الدستور يعتمد على دعم شريحة كبيرة من السكان التي من المفترض أن تصوت على استفتاء 25 يوليو.
قشة حرب أوكرانيا
قالت أليشيا ملقانجي زميلة مشاركة في الأبحاث بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية وجامعة روما سابينزا، إن قرار الرئيس سعيد بحل مجلس النواب يهدد بتفاقم الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الصعب أصلًا في تونس.
وأشارت إلى ان تونس تواجه بالفعل أخطر أزمة اقتصادية في السنوات الأخيرة، وتفاقمت بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، والأكثر مأساوية، هو أن حرب أوكرانيا تهدد إمدادات القمح في تونس حيث يجري استيراد نصفه تقريبًا من روسيا وأوكرانيا، وفي خضم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول حزمة مساعدات اقتصادية، تمثل الخطوة الأخيرة لسعيد خطرًا لا تستطيع البلاد تحمله.
وأضافت: “قد يؤدي هذا الانجراف نحو الاستبداد إلى تنفير قاعدة دعمه الشعبية، وخسارة مساعدة الغرب، المنزعج بالفعل من رد تونس الدبلوماسي الفاتر على الغزو الروسي، قد تكون الأزمة في أوكرانيا القشة التي تقصم ظهر البعير التونسي الهش للغاية بينما تلوح السحب الداكنة في الأفق”.
أوروبا تراقب شواطئها الجنوبية
أخيرًا، أكد أرماندو سانجويني – مستشار علمي بارز في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية – أن “الرئيس التونسي وعد بصياغة دستور جديد وطرحه للاستفتاء العام الجاري، يليه انتخاب برلمان جديد. ومن خلال مخاطبته للشعب التونسي في بداية شهر رمضان المبارك، أكد عزمه على استكمال خطته”.
ومع ذلك، فإن الإجراءات الاستبدادية التي اتخذها الرئيس سعيد منذ الصيف الماضي (مثل الحكم بمرسوم، وسجن المعارضين، وتعليق أجزاء من الدستور، وإقالة مجلس القضاء الأعلى، وحل البرلمان، واتخاذ إجراءات قانونية ضد من يتهمهم بالتآمر على أمن الدولة) قد أثارت مخاوف جدية وأثارت بعض الشكوك دوليًّا.
وأضاف سانجويني “في جميع أنحاء أوروبا والدول المجاورة، لا يزال هناك تصميم على دعم تونس للتغلب على الصعوبات التي تواجهها بكل السبل والوسائل الممكنة. ويرجع هذا في المقام الأول إلى الوضع الصعب في ليبيا فيما يتعلق باستقرار البحر الأبيض المتوسط ودور أوروبا التقليدي في تعزيز التعايش بين دول شمال أفريقيا والمساهمة في الأمن الاجتماعي والسياسي في منطقة الساحل. وأخيرًا، فإن الالتزام بمساعدة تونس يرجع أيضًا إلى قوة العلاقات المتبادلة بين شمال البحر المتوسط وجنوبه”.