حملة التحريض على مونديال كأس العالم والتورط الأوروبي
ينتسب كثير مما تُستَهدف به قطر، بدعاوى وفيرة، منذ أحرزت، في العام 2010، بعد منافسة مع الولايات المتحدة (وغيرها)، استضافة كأس العالم 2022، إلى ما يجوز تسميتُه فلكلورا دوريا، بالنظر إلى أن عديدا مما يُساق، للتشويش على قطر، والتجرؤ عليها، للزعم بعدم أهليتها لاستضافة التظاهرة الكونية، ذاع ضد غير دولة نالت هذه الاستضافة سابقا.
غير أن انتقادات في خصوص بعض الملفات استحقت الاكتراث بما قد يكون فيها من وجاهة. وعندما يقول أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، في خطبته أمام مجلس الشورى، الثلاثاء الماضي، إن بلادَه اعتبرت بعض النقد إيجابيا ومفيدا، يُساعدها على تطوير جوانب تحتاج إلى تطوير.
فذلك شهدت به، مثلا، تشريعات غير قليلة بادرت إليها الحكومة القطرية، ضمن عملية إصلاح مشهودة، بشأن أوضاع العمال وحقوقهم، لا تتوفر على بعضها أي من دول الخليج الأخرى، من قبيل فرض حد أدنى (غير تمييزي) للأجور، وإقرار نظام حماية الأجور، فضلا عن ملاحقة الحكومة أرباب عمل تخلفوا عن تأدية أجور العمال في مواعيدها.
وقد دل اختيار منظمة العمل التابعة للأمم المتحدة الدوحة في 2018 مقرا لمكتبها الإقليمي في المنطقة العربية على مقادير ثقتها الواسعة بالحكومة القطرية، وارتياحها لإصلاحات بادرت إليها السلطات المحلية.
الأمر الذي أكده وصفُ مديرة المكتب، في مؤتمر دولي في جنيف، هذه الإصلاحات، بأنها كبيرة، وجرت في وقت قياسي، بل جاءت المسؤولة الأممية الرفيعة أيضا على أهمية أن تستفيد منها دول عربية أخرى.
ولكن القول بفلكلورية بعض الهجمات التي استنفرت لها جهات عديدة، ووسائل إعلام معلومة في أوروبا وغيرها، ومنصات ودوائرُ عديدة، لا يكفي للتسليم بأن الذي يجري يمكن حصرُه ضمن العادي المتوقع، فحدة الحملة النشطة ضد قطر، في غير بلد، تجاوزت سقوفا عالية، لتصير الحملة “غير مسبوقة لم يتعرض لها أي بلد مضيف”، كما وصفها الأمير.
وذلك عندما تتسع ليشارك فيها مسؤولون في غير قطاع، في بلديات في فرنسا مثلا تطلب عدم بث مباريات المونديال، ولتؤدي وزيرة ألمانية قسطها في هذا كله، فتتفوه بأن من الأفضل عدم منح شرف البطولات “لدول كهذه”، فاستحق تطاولها هذا احتجاجَا لازما أعلنته الخارجية القطرية.
ولعل مما يُحسب لأهل القرار والإدارة والتخطيط والإشراف والتنفيذ في الدوحة أن ما تعرضت له بلدهم لم يوقِفهم يوما عن متابعة الجهود، الجبارة بحق، من أجل إنجاز التجهيزات اللوجستية والبنيات التحتية المختلفة.
وفي تهيئة كل أسباب البهجة بفعاليات المونديال الذي لا ينفك كبار المسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عن التبشير بأنه سيكون الأكثر إدهاشا وجمالا، فلم تُحبطهم الحملات التي تنوعت وسائلها بغرض ثنيهم عن مواصلة ما واظبوا عليه، ولا أضعفت عملَهم ضغوط لوبيات كبرى في بريطانيا وفرنسا و.. (وأستراليا أخيرا؟).
أولا بغرض سحب استضافة المونديال من قطر، وتاليا من أجل أن تشارك ملاعب في دول خليجية أخرى في هذه الاستضافة، وذلك كله وغيره تزامنا مع فتح ملفات مفتعلة في غير موضوع، بشأن الحريات الفردية والعامة في دولة قطر.
ثم بدعوات ما زالت متواصلة إلى مقاطعة كأس العالم في “الدولة الصغيرة الصحراوية”، على الرغم من اقتراب المناسبة التي يتهيأ نحو مليون ونصف مليون إنسان من أجل القدوم إلى قطر لمعايشتها، والاحتفال بأجوائها الكروية والكرنفالية.
ولعلها من مفارقات تبعث على الإعجاب أن الجهود توبعت في قطر، بالتوازي مع انشغال أهل الحملات بالغة الفوقية، بمبالغاتهم المكشوفة، وبتصنيعهم وقائع مختلقة تطيحها الحقائق المشهودة، فقد استمرت دواليب العمل بكفاءة ستتواصل حتى تسليم كأس العالم لمنتخب الدولة الذي ستحرزه الشهر المقبل.
صحيح تماما قول عضو اللجنة التنفيذية للفيفا، البلجيكي ميشيل دي هوغو، لصحيفة لوموند، إن الرد الوحيد على مخاوف من أشاعوا تعليقاتهم السلبية سيكون بمجرد أن تتدحرج الكرة معلنة بداية المونديال.
وصحيح، من قبل ومن بعد، أن ثمة أبعادا استشراقية سوداء، تتعالى على العربي والمسلم، في الذي يزاوله منتفخون ومستفيدون وفاسدون هناك، وبتمويل داعم من أطراف عربية ومسلمة قصيرة النظر.
ولذلك ستصير الحملات العدائية عارضة وعابرة، فور سماع صافرة ركلة البداية بعد عشرين يوما في استاد البيت في قطر.
معن البياري