لاءات الاتحاد الأوروبي وفساد المعارضة السورية
جدّد ممثل الاتحاد الأوروبي في اجتماع بروكسل للمانحين للسوريين وللدول المضيفة للاجئين، جوزيف بوريل، في الأيام السابقة، لاءات الاتحاد: عدم المساهمة في إعادة الإعمار، وعدم رفع العقوبات عن النظام السوري، وعدم إقامة علاقات دبلوماسية معه.
وتبرّعت الدول المانحة بأكثر من ستة مليارات دولار، ووصل مجموع المساعدات في السنوات السابقة إلى أكثر من 45 مليار دولار، وهذه ليست أرقاما بسيطة، وعلاوة على هذه الأرقام هناك مساعداتٌ كثيرة غيرها، فأين صُرِفت تلك الأموال؟
عكس لاءات الاتحاد الأوروبي، تستمر المعارضة السورية في إقامة علاقات غير مباشرة مع النظام عبر لقاء أستانة، واللجنة الدستورية؛ أي في وقتٍ تستمر دول كثيرة في قطع العلاقات معه، وترفض التطبيع “العربي”، “يطبّع” الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية معه.
وهناك ضغوط روسية على تركيا من أجل علاقات غير أمنية فقط مع النظام، وهناك التقارب التركي مع مصر والسعودية أخيرا، وكلّها تؤدي إلى التطبيع مع النظام؛ فقط الاتحاد الأوروبي وأميركا يعرقلان ذلك كله.
الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي تعمّه الفوضى، وتنهشه الصراعات، تتبنّى وفوده “التفاوضية” سياسات معاكسة للضغوط الدولية على النظام، والتي تتمسّك بالقرارات الدولية، ومقاطعة النظام، والتشدّد معه ومع روسيا، بسبب الحرب في أوكرانيا؛ إن لاءات الاتحاد الأوروبي سابقة على هذه الحرب، ولكنها الآن تنطلق من مناخات حصار روسيا وحلفائها، سيما النظام السوري، ويبدو أنّها لن تتغير قريباً.
ثبات سياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى، يعني أن النظام ستزداد أزمته الاقتصادية والاجتماعية، وهناك المقاطعة السياسية، وبتكشّف مجزرة حي التضامن الشنيعة وفتح ملفات المجازر من جديد، وهزال مرسوم العفو، وملفات أخرى تحاصره دولياً، فإن رداءة سياسات المعارضة تشكّل قارب الإنقاذ للنظام، وتعميقاً لمآسي الشعب السوري في كل مكان.
أتت مليارات الدولارات إلى المعارضة، وهي أزيد من 45 مليار دولار. وتوضح الأزمات التي عانى منها السوريون اللاجئون والمهجّرون ومنذ 2011 إن أغلبية ذلك المال تعرّض للنهب والفساد والإفساد من المؤسسات الدولية التابعة للدول المانحة أولاً، وشارك النظام بذلك ومنظماتٌ كثيرةٌ محسوبةٌ على المعارضة عبر تشكيلاتها السياسية.
ولم يسمح “الائتلاف” بفتح ملفات الفساد في المؤسسات التابعة له، والمخصّصة لاستقبال المساعدات وتوزيعها! وتفيد التقديرات بأن احتياجات السوريين هذا العام تفوق عشرة مليارات دولار، والممنوح ستة مليارات ونصف المليار فقط، ولكن المشكلة ليست في هذا النقص وكارثية أوضاع اللاجئين والنازحين فحسب، بل في آلية توزيع الأموال أيضاً.
قياساً بالأعوام السابقة، ستكون أموال المساعدات عرضةً للنهب والسرقة، ولن ينال النازحون منها إلا القليل. وتتحدّث تركيا حاليا عن إعادة مليون سوري إلى مناطق سيطرتها في الشريط الحدودي، ولا يتوقف لبنان عن تهديد المهجّرين إليه بالعودة الإجبارية، ولم يَنسحب حزب الله من سورية بعد، وستأخذ منظمات المجتمع المدني حصة ضخمة من الأموال، وكذلك المسؤولون الأوروبيون البيروقراطيون عن المتابعة.
مأساة السوريين في المخيمات، وفي الشريط الحدودي وفي الداخل أو في لبنان وتركيا والأردن، تستحق من السوريين إيجاد آليةٍ معينةٍ للتوزيع، وأن تصدر تقارير علنية تنتقد تلك الآلية الدولية والمحلية، بحيث تُحاصِر آليات الفساد والسرقة، وتنهض بأحوال المهجرين السيئة للغاية.
في الشريط الحدودي ملايين مهجّرة، وستضاف إليها ملايين أخرى، فهل يمكن أن تكون المليارات من أجل مشاريع صناعية وزراعية، تؤمّن للناس احتياجاتهم من فرص العمل والتعليم والسكن اللائق؟ ستعيد تركيا ملايين السوريين، والقضية ليست انتخابية فحسب ضمن صراعات القوى السياسية الداخلية، بل هي قضيةٌ تتطلب حلاً.
فليس من المعقول أن يظل ملايين السوريين داخل تركيا، والأخيرة تسيطر على مناطق واسعة من سورية، وهناك المشكلة الكردية لتركيا، ويشكّل إعادة اللاجئين صدّاً مانعاً للمشروع الكردي، وفقاً للاعتبارات التركية، وهي تؤسّس لمشكلة عربية عربية مع أصحاب الأرض في المناطق الشرقية والشمالية، ومع الكرد أيضاً، وهذا أخطر ما سينتج عن إعادة اللاجئين إلى غير مناطقهم ومدنهم الأصلية، وهذا هدفٌ تركيٌّ بامتياز.
وقد يدعم السياسة التركية هذه تصريح الإدارة الأميركية أخيرا في “الاجتماع العالمي ضد تنظيم داعش” في مراكش، إنها ستسمح ببعض الاستثمار في مناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي تسيطر عليها تركيا.
لقد أفلس النظام كليّة، وأخيرا زار رئيسه الإمارات وقبل أيامٍ إيران، بغرض إيجاد تمويل للنقص الكبير في الاحتياجات العامة للدولة، والتي تبدأ بموارد الطاقة ولا تنتهي بالأموال، وكذلك من أجل مواجهة التغيرات الإقليمية في المنطقة؛ حلفاء النظام غير قادرين على انتشاله، وهم يغوصون في أزماتٍ متعدّدة الأوجه، وهو كذلك، وبالتالي أليست الفرصة مثاليةً لتلعب المعارضة السورية، ممثلة بقواها الأساسية، دوراً رئيسياً في التغيير.
ضيّع خضوع المعارضة وتبعيتها للخارج، وانتهازيتها وفسادها، فرصاً كثيرة من قبل، وستَلقى الفرص الراهنة المصير ذاته؛ فروسيا منكفئة نحو أوكرانيا، وإيران قد تفشل في توقيع الاتفاق النووي، والإفراج عن المليارات المجمّدة، والتي بدونها سيتراجع مشروعها في المنطقة، وبالتالي لن تكون قادرةً على الاستمرار في تلبية احتياجات النظام، الذي يُكرّر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن شرعيته منتهية الصلاحيات… والحل يبدأ بتطبيق القرارات الدولية وتشكيل هيئة سياسية كاملة الصلاحيات.
لم تستطع الانتقادات السابقة من المنظمات السورية الحقوقية تغيير آليات إيصال المساعدات الدولية، وهي تصل بالطرق ذاتها، ويُنهَب الجزء الأكبر منها، ولمؤسسات النظام حصة كبيرة منها.
عدا ذلك، رصد مجلس النواب الأميركي 40 مليار دولار لأوكرانيا قبل أيامٍ، ورفضت بريطانيا تقديم أي مساعدات مالية لسورية في المؤتمر المذكور.
وبالتالي، ورغم محاولة قادة الدول الغربية التذكير بأن الحرب على أوكرانيا لن تنسيهم الأزمة السورية، فإن أيّة مقارنةٍ بين أشكال الدعم ومواجهة روسيا في أوكرانيا ومحاولة حصارها من جهة، وسورية من جهة ثانية، ستظهر الفارق الكبير.
ليس العالم عادلاً، وهذا أساس التفكير العقلاني في الوضع السوري. وبالتالي، يقع على المنظمات والمثقفين وأصحاب الضمير من السوريين ومن العالم، الدعم المستمر للسوريين، في المخيمات ودول الجوار السوري وفي الداخل السوري، وإيجاد أفضل الآليات لإيصال المساعدات التي لا تكفي إلى السوريين الذين تعدّى الفقر لديهم نسبة 95% وفقاً لبعض الإحصائيات.
وهذه الأرقام وحدها تُظهِر كارثية الوضع السوري، ويظلُّ الحل السياسي وفقاً للقرارات الدولية المدخل الوحيد لإنهاء المأساة السورية، وليس عبر إعادة اللاجئين الإجبارية إلى غير مناطقهم أو عبر المساعدات الدولية؛ فحين يعود الناس إلى بلداتهم الأصلية، تبدأ عملية التنمية والإصلاح الجذري.
هذا ما يجب التركيز عليه مع الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية. ولسوء حظ السوريين، تتمسك هذه الدول بالقرارات الدولية للحل السياسي، بينما المعارضة لا تهتم كثيراً بها، والنظام يرفضها بشكلٍ قاطع.
عمار ديوب