ماذا تريد الإمارات؟
حيّان جابر
أعلنت الإمارات عن اتفاق إبراهام، الموقع مع الاحتلال الصهيوني منذ قرابة 14 شهراً، وتم ترويجه مقدمة لتحالف إقليمي في مواجهة الخطر الإيراني، فإيران عدوة المنطقة الأولى ومصدر الخطر الأكبر على استقرارها وتطوّرها ربما (وفق المنطق الإماراتي).
ثم مضت الأيام وتوالت الاتفاقات الإماراتية – الصهيونية، حتى وصلنا إلى توقيع اتفاق النوايا الثلاثي بين الإمارات والأردن والاحتلال الصهيوني، تمهيدا لاتفاقية الطاقة والمياه، مؤكّدا على جوهر اتفاق أبراهام، القائم على تأمين احتياجات النظم المسيطرة في المنطقة اقتصاديا ولوجستيا، من دون أي اعتبار لما تم وصفه بالخطر الإيراني، إذ لم يُجابه التحالف الإماراتي – الصهيوني نفوذ؛ الخطر؛ إيران، بل على العكس، بدأت تتسرّب أخبار التقارب بين الموقعين على اتفاقيات أبراهام من ناحية وإيران وحلفائها من ناحية ثانية، وفي مقدمتهم الإمارات والاحتلال الصهيوني من ناحية والأسد ولبنان وإيران بدرجة أقل من ناحية ثانية.
تم ترويج اتفاقيات أبراهام تحالفا أمنيا يواجه النفوذ والخطر الإيرانيين، ثم انخرطت السعودية في مباحثات مباشرة مع الحكومة الإيرانية السابقة بداية، والحالية راهنا، ولحقتها الإمارات اليوم، وربما قبل ذلك؛ وفق تصريحات نائب وزير الخارجية الإيرانية، علي باقري كني، في أثناء زيارته أبوظبي أخيرا؛ الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن أهداف الإمارات الحقيقية من التطبيع، بل من التحالف مع الاحتلال الصهيوني، خصوصا إذا ما تمخض التقارب الإماراتي – الإيراني عن تشكيل تحالف بينهما أو على الأقل تعاون.
وهو ما يتطلب بعض التدقيق في استراتيجية الإمارات تجاه مجمل المنطقة، والتي يلحظ من غالبيتها انسجام واضح، مثل التعاون والتقارب الإماراتي مع مجمل الأنظمة المسيطرة عسكريا أو قسريا في مصر والسودان وليبيا؛ خليفة حفتر؛ وتونس، وتقاربها السياسي مع الأنظمة المعادية لأبسط القواعد الديمقراطية.
كما يلحظ من الاستراتيجية الإماراتية تجاه المنطقة بعض التوجهات المتناقضة مع هدف مجابهة إيران، سيما بما يخص الملفين، السوري واليمني، فعلى مستوى سورية اتخذت الإمارات، في البداية، موقفا داعما للحراك الثوري ظاهريا، أي كان موقفها الظاهري معاديا لنظام الأسد، وهو ما يتناقض مع مواقف الإمارات تجاه مجمل الأحداث في المنطقة.
إذ غالبا ما عادت الإمارات الحركات الثورية، ودعمت النظم الأمنية والاستبدادية والعسكرية. مبرّرة ذلك بضرورة مجابهة النفوذ الإيراني في سورية، أي كرد فعل على دعم إيران نظام الأسد ميدانيا، وهو المنطلق نفسه الذي دفع الإمارات إلى المشاركة في تحالف دعم حكومة عبد ربه منصور هادي في اليمن، أي على اعتبارها تناهض وتجابه الحوثيين الخاضعين للنفوذ الإيراني.
وهو ما يتناقض مع دعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، فدعمه يساهم في إضعاف معسكر حكومة هادي لصالح معسكر الحوثيين أو المعسكر الإيراني في اليمن، كما تصرّ الإمارات، أو حليفها اليمني الوثيق، المجلس الانتقالي، على تصعيد الصراع والصدام مع القوات المحسوبة على هادي في المراحل التي تشهد مجابهات عسكرية حامية الوطيس مع الحوثيين، وكأن المقصود، بشكل مباشر أو غير مباشر، دعم الحوثي من خلال تشتيت القوات المحسوبة على هادي، وزعزعة استقرارها.
في السياق ذاته، نجد في سورية، منذ سنوات عديدة خلت، مظاهر تنسيق وتعاون، وربما دعم إماراتي لنظام الأسد، تتناقض مع ادّعائها السابق في دعم الحراك الثوري السوري، على الرغم من ارتباط الأسد الوثيق جدا؛ ربما تبعيته؛ بإيران، حيث تجلى ذلك بتحوّل الإمارات إلى ملاذ أمن ومريح لعائلة الأسد وعائلات رموز النظام والمقرّبين منه؛ منذ العام 2012؛ كما تجلى في مساعدة النظام على تأمين ملاذ آمن للأموال المنهوبة، وفي تجاوز العقوبات المالية من خلال تسهيلات واحتيالات مالية.
وكذلك تبدّت في الخطوات الدبلوماسية المتلاحقة، مثل إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق منذ نهاية 2018، والتي تبعتها اتصالات ولقاءات رسمية متبادلة بين الجانبين، جديدها أخيرا زيارة وزير الخارجية، عبد الله بن زايد، دمشق ولقاؤه بشار الأسد.
من ذلك كله، نستطيع القول إن الإمارات لا تسعى إلى مجابهة إيران ونفوذها في المنطقة، بقدر ما تسعى إلى تقويض احتمالات التغيير الشعبي. لذلك نجدها دائما وأبدا في معسكر القوى الاستبدادية والأمنية، بما فيهم إيران طبعا.
الأمر الذي جعلها تسارع في نقل علاقتها مع نظام الأسد، ومع الاحتلال الصهيوني من المستوى السرّي إلى المستوى العلني، فكلاهما قوى هيمنة وقسر في مجابهة قوى المنطقة الشعبية الثائرة والتحريرية.
وفي السياق نفسه، نجدها اليوم تنحو نحو الكشف على مدى تقاربها مع إيران من خلال البوابة السورية والاقتصادية من دون خجل أو تردد، فإيران تلعب دورا هاما جدا على صعيد قمع الحركات الثورية في كل من اليمن وسورية ولبنان والعراق بالحد الأدنى، بل في كل المنطقة أيضا، حتى البحرين التي حاولت فيها تطييف الحركة الثورية، وحرفها عن مسارها الوطني.
وعليه، يمكن فهم الاستراتيجية الإماراتية من خلال هذا الهدف الخفي نسبيا، أي هدف قمع الشعوب وأسرها وثبيت القوى الحاكمة، حيث تجنّد الإمارات كل إمكاناتها من أجل ذلك، وفي المقدمة إمكاناتها الاقتصادية والأمنية واللوجستية، من خلال تمويل مشاريع اقتصادية تعزّز التعاون والتشبيك بين قوى الاستغلال والقمع والقسر في المنطقة من الاحتلال الصهيوني وصولا إلى سورية الأسد الممانع، وربما قريبا وصولا إلى إيران الثورة الخمينية.
فلولا استعداد إيران وسورية الأسد لبدء مرحلة جديدة من التعاون العلني بين قوى الإجرام والاستبداد، لشهدنا مقاطعة كاملة ومتكاملة لكل ما يتعلق بدولة الإمارات من معارض واتفاقيات ومباحثات، تماما كما تمت مقاطعة مصر بعد توقيع الرئيس الراحل أنور السادات على اتفاق كامب ديفيد، فاتفاقيات أبراهام وما تبعها من اتفاقيات أشد وطأة وهولا من نظيرتها المصرية في حينه.
وبالتالي يبدو أن الإمارات مصمّمة على تشكيل تحالف إقليمي عابر لكل خلافات النظم المسيطرة، من تركيا وإيران وصولا إلى المغرب وتونس مرورا بدول محور الممانعة والاحتلال الصهيوني طبعا، وهو ما يفرض علينا التساؤل بشأن الكيفية التي سوف تتعامل بها شعوب المنطقة مع هذا التحالف؟ وبشأن قدرة شعوب المنطقة على مجابهة هذا التحالف؟ وحول إمكانية تشكيل تحالف إقليمي نقيض جوهره وأساسه تعاون شعوب المنطقة وتآزرها وتلاحمها، من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها؟.