مؤسسة أوروبية: مخاطر الشرق الأوسط تُلاحق الصحفيين
أبرزت منظمة “فنك” الهولندية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن مخاطر الشرق الأوسط تُلاحق الصحفيين في ظل حالة قمع ممنهج يتعرضون له ضمن التضييق الشديد على الحريات العامة.
وقالت المنظمة في تقرير لها رصده المجهر الأوروبي لسياسات الشرق الأوسط، إنه على مدار السنوات الأخيرة، كان الشرق الأوسط وما يزال إحدى أخطر المناطق في العالم على الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام.
فكان الموت مصير كثير من الصحفيين منهم المشهور والمغمور، ومن لم يصبه الموت، قضى السنين في السجون. هكذا كانت مآلات أولئك الذين أخذوا على عاتقهم نقل حقيقة المظالم التي تتعرض لها شعوب الشرق الأوسط.
قالت آنا أفيلا، أستاذة الصحافة الزائرة بجامعة ميشيغان، في حديثها لفَنَك: “الصحافة هي وسيلتنا لمعرفة ما يجري في العالم. وظني أن الصحفيين يلتمسون العدالة في عملهم وأنهم لا يقبلون بالسرديات السائدة ويشدون الرحال إلى مواطن الخطر لكشف الأهوال التي يتسبب بها بنو البشر في العالم”.
وكشف عن المظالم التي يتعرّض لها الصحفيين في الشرق الأوسط للخطر فتزُّج بهم الأنظمة الاستبدادية في السجون. ففي عام 2021، اعتُقل 488 صحفيًا على مستوى العالم، أي أكثر من أي عام آخر منذ أن بدأت منظمة مراسلون بلا حدود تتبع وتسجيل هذه البيانات.
وقد تصدرت الصين القائمة لتصبح أكثر دولة تسجن الصحفيين في العالم، ولكن البيانات الصادرة عن مراسلين بلا حدود تكشف عن واقع مرير للصحفيين في المنطقة.
وصل عدد الصحفيين والمدنيين في السجون السعودية حتى شهر مارس الجاري إلى 31 شخصًا، أي أن المملكة النفطية هي خامس دولة على مستوى العالم من حيث سجن الصحفيين.
ورغم جهود ولي العهد محمد بن سلمان على مستوى تحديث البلاد بشكل معين، بقيت قبضة السعودية على المعارضة كما هي لا بل اشتدت.
وأصدر القضاء في المملكة حكمًا بالسجن خمسة عشر عامًا على الصحفي اليمني علي أبو لحوم، وهو أكبر حكم على صحفي في العالم، بتهمة “الإلحاد والإساءة للذات الإلهية”.
وقد أُطلق سراح المدون السعودي رائف بدوي عام 2022 بعد أن أكمل عقوبته بالحبس 10 سنوات. ومُنع بدوي من السفر لعشر سنوات، أي إنه لن يلحق بعائلته في كندا. كما حُكم عليه بألف جلدة، لكنه لم يُجلد سوى 50 مرة فقط بعد أن اشتهرت قضيته.
ومصر أيضًا احتلت في السنوات الأخيرة مرتبة متصدرة في قائمة أكثر الدول سجنًا للصحفيين في العالم، لكنها خرجت من المراكز الخمسة الأولى هذا العام بعد إطلاق سراح 21 صحفيًا واعتقال مواطنين آخرين، وذلك وفقًا لما أعلنت عنه منظمة مراسلين بلا حدود.
ولم يُزج بالصحفيين في السجون إلا لمعارضة السلطة، وإن كانت معارضتهم هينة حذرة. وأحيانًا تكون عاقبة المعارضة مأساوية بشعة مثلما حدث مع الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
قُتل خاشقجي بوحشية بعد تدبير وتنفيذ فرقة اغتيال في مقر القنصلية السعودية في إسطنبول. وقد توصلت الاستخبارات الأمريكية إلى أن محمد بن سلمان وافق على تنفيذ عملية الاغتيال.
وغنى عن البيان أن بلاد مثل سوريا واليمن والعراق لا تقل خطورة على الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام. ووصلت وفيات الصحفيين إلى أدنى مستوى عالمي لها منذ عشرين عامًا، فسجل عام 2021 مقتل 46 صحفيًا.
وتتعدد مصادر التهديد للصحفيين في المنطقة، سواء كان ذلك بسبب الحكومة مثل خاشقجي أو غيره من الصحفيين الذين قتلهم نظام الأسد خلال الحرب الأهلية في سوريا، كما يشكّل الفاعلون من غير الدول تهديدًا أيضًا.
وبمقتل 18 صحفيَا في السنوات الخمس الماضية، صارت اليمن ثالث أخطر دولة في العالم على الصحفيين مناصفة مع الهند. ففي عام 2021، قُتلت رشا عبد الله الحرازي مراسلة التلفزيون اليمني في هجوم بسيارة مفخخة في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، وكانت واحدة من ثلاث صحفيات أخريات قتلن في عام 2021.
وفي لبنان، قُتل لقمان سليم، الصحفي والناشط السياسي، في 2021 واعتُبر ذلك اغتيالًا مدبرًا. وكان الصحفي الشيعي من أشد منتقدي حزب الله وحليفه السياسي حركة أمل، وسبق أن تلقى تهديدات بالقتل من الحزب بحسب زوجته.
ويُعد لقمان واحدًا من بين كثير من الصحفيين والمثقفين اللبنانيين الذين قُتلوا أو تعرضوا لمحاولات اغتيال أمثال سمير قصير وجبران تويني وغيرهم. ولم تنته أعمال العنف تلك بأي إدانة على الإطلاق.
وخرجت سوريا من قائمة البلاد الأكثر قتلاً للصحفيين في عام 2021، لكنها ما تزال في المراكز الثلاثة الأولى على مدار السنوات الخمس الماضية.
وقد كانت ظروف الحرب مُروّعة ما بين عامي 2012 و2015 بسبب تنظيم الدولة الإسلامية الذي اعتقل جيمس فولي وستيفن سوتلوف وقتلهما علانيةً.
وقُتل أكثر من 100 صحفي في سوريا منذ عام 2011 معظمهم من السوريين. ولم يُعرف بعد مصير كثير من هؤلاء الصحفيين الذين اختفوا بصورة قسرية على يد قوات الأسد أو مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، مثل رزان زيتونة، الصحفية والحقوقية، التي اختطفتها مجموعة مجهولة عام 2013.
كما قُتلت المراسلة ماري كولفين في هجمات للنظام على حمص في فبراير 2012، وبعد أيام قليلة توفي أنتوني شديد، مراسل نيويورك تايمز في بيروت، بسبب ما يُعتقد أنه أزمة ربو حادة في أثناء تغطيته الصحفية في سوريا.
أثارت تلك الأحداث المأساوية مخاوف حقيقة في الصحافة والإعلام، وهي مخاوف لا ترتبط فقط بسلامة العاملين، بل تتعلق أيضًا بأخلاقيات العمل الخاصة بالمؤسسات الإعلامية.
وهو ما يدعو إلى التفكير في أسباب التغطية الإعلامية للمنطقة والدعم المؤسسي للعاملين، إذ يعمل العديد من الصحفيين في بيئات لا تقدم لهم الحماية والمساعدة اللازمة، فضلًا عن معدات السلامة في بعض الحالات.
وقالت أفيلا: “الصحفيون في موقف ضعف شديد خصوصًا في مثل هذه الأوضاع، فهم على استعداد مطلق لخوض المخاطرة وذلك بسبب الحاجة الماسة إلى الوظيفة. وفي بعض الحالات، لا توفر مؤسساتهم أي معايير لأمنهم الخاص، ومع ذلك يذهب الصحفيون لتأدية عمله. وقد حان الوقت لنتحدث عن تلك الأمور”.
وأضافت أفيلا أن كثيرًا من الصحفيين المستقلين يسافرون معًا لتقاسم التكاليف. ويغامر بعضهم بالعمل في مناطق خطرة دون معدات الأمان اللازمة بسبب تكلفتها الباهظة.
وبطبيعة الحال، تستفيد كثير من المؤسسات الإعلامية بعمل هؤلاء الصحفيين المستقلين لكنها ترفض تحمّل أي مخاطرة أو مسؤولية تقعُ على عاتقها.
وتابعت أفيلا: “الجهات كلها تتحدث عن التهديدات لحرية التعبير، لكننا لا نفتش عن أسباب ذلك ولا نتحدث عما تفعل المؤسسات للصحفيين”.
ويواجه الصحفيون خطر الفاعلين من غير الدول والحركات المسلحة المختلفة. ويكفي أن تعلم أن هناك 64 صحفيًا مختطفًا في ثلاث دول من الشرق الأوسط، وهي سوريا واليمن والعراق، في 2021 من أصل 65 صحفيًا على مستوى العالم.
ولسوريا نصيب الأسد، حيث اختُطف ٤٤ صحفيًا هناك، والحصة الأكبر من نصيب تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق بعد اختطافه 28 صحفيًا، بينما حلّت جماعة الحوثي في اليمن في المرتبة الثانية بعد اختطافه ثمانية صحفيين.
أما هيئة تحرير الشام، التي تمثل الخطر الأكبر في سوريا حاليًا وتسيطر على شمال إدلب، فقد اختطفت سبعة صحفيين من بينهم خالد حسينو وأدهم دشرني والأخوين بشار ومحمد الشيخ الذين اختُطفوا هذا العام.
وقد يتعرض الصحفيين لتداعيات مأساوية بخلاف الموت والاختطاف من جرّاء العمل في هذه البيئات الخطرة، إذ يعاني العديد من الصحفيين في المنطقة صدمات مختلفة وصعوبات نفسية أيضًا.
وقالت أفيلا: “يعاني كثير من الصحفيين إدمان الخمر والاكتئاب حتى يستمروا في تأدية عملهم. وقد مرّ الآن عقد أو خمسة عشر عامًا منذ أن تحدثنا لأول مرة عن معاناة الصحفيين الصدمة”.