السياسات الحدودية تكشف نفاق أوروبا في حقوق الإنسان
تناولت مؤسّسة فَنَك Fanack الأوروبية ومقرها لاهاي، ما يعتري السياسات الحدودية من كشف لواقع نفاق أوروبا في مجال حقوق الإنسان.
وأشارت المؤسسة إلى أنه في أواخر يونيو الماضي، منع حرس الحدود المغربي نحو ألفي إفريقي من التسلل إلى إسبانيا باستخدام أساليب عنيفة أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 23 شخصًا بحسب التقارير الرسميّة، إلا أن الجماعات الحقوقية تزعم أن حصيلة القتلى أكبر من ذلك بكثير.
وقد أظهرت مقاطع الفيديو المتداولة في أعقاب الأحداث قوات الأمن المغربية وهي تقف إلى جوار شباب مضروبين وملطخين بالدماء أو وهي ترشق غيرهم بالحجارة بينما يحاولون تسلّق السياج الأمني.
وفتحت السلطات المغربية والإسبانية تحقيقًا بعد مطالبات الأمين العام للأمم المتحدة والجماعات الحقوقية.
وفي تلك الأثناء، نظّم المواطنون مظاهرات في أنحاء المغرب وإسبانيا بعدما صدمتهم الأساليب الوحشية التي استخدمتها قوات حرس الحدود. ورغم أن التنقل داخل أوروبا صار أسهل، فإن عبور أفقر شعوب العالم لحدودها الخارجية أصبح أصعب وأخطر من أي وقت مضى.
طالبت المنظمات الحقوقية المغرب وإسبانيا ودول الاتحاد الأوروبي بإيجاد طرق آمنة للهجرة الشرعية واحترام حقوق الإنسان والحدّ من انتهاكها عند الحدود.
لكن أوروبا خفضت حصص إعادة التوطين، واستعانت لقمع المهاجرين بدول استبدادية لها سجل فظيع في انتهاك حقوق الإنسان مثل المغرب وتركيا وليبيا. وتلك الدول تستغل أحلام أولئك المهاجرين في حياة كريمة لتوطيد سلطاتها.
وعلى أوروبا أن تدرك أن الأنظمة الاستبدادية الفاسدة التي تتعاون معها هي نفسها التي يسعى كثير من أبناء الجنوب إلى الفرار منها لفسادها واستبدادها.
ثمة أسباب عديدة للهجرة البشرية، لكن التفاوت في الموارد والثروات يعتبر من أهم أسبابها في القرن الحادي والعشرين.
فوفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة “إيتشيكويتز”، فإن أكثر من 50% من الشباب الأفارقة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عامًا يرغبون في الهجرة إلى أوروبا أو الولايات المتحدة.
لكن بدلًا من أن تعالج أوروبا انعدام المساواة في العالم -الذي ساهمت في إفشائه بنفسها بتاريخها الاستعماري وعلاقاتها مع الأنظمة الاستبدادية الفاسدة- قررت أن تتمسك بماضيها الإمبريالي وشيّدت من الخطوط الخفية أسوارًا تفصل بين البشر.
وأكبر مثال على ذلك الأموال الطائلة التي أنفقتها دول الاتحاد الأوروبي على التقنيات الديستوبية لمنع اللاجئين والمهاجرين من دخولها. فقد وقّعت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس” عقدًا مع شركة أسلحة إسرائيلية بقيمة 100 مليون يورو مقابل طائرات “هيرون” و“هرمز” المسيّرة.
وهذه الطائرات، التي عادةً ما تستخدمها إسرائيل في قطاع غزة، تراقب المراكب التي تعبر البحر الأبيض المتوسط وتنقل بياناتها إلى خفر السواحل الليبي.
وفي ديسمبر 2021، وافقت بولندا على بناء سور طوله 200 كيلومتر على حدودها مع بيلاروسيا بقيمة 350 مليون يورو. ويُذكر أن السور مجهز بكاميرات متطورة وحساسات للحركة.
كذلك استخدمت السلطات اليونانية مدافع صوتية بقوة 162 ديسيبل لردع اللاجئين الذين يحاولون عبور الحدود.
وبحسب صحيفة الغارديان، أنفق الاتحاد الأوروبي 4.5 مليون يورو على تجربة أجهزة كشف الكذب والتي تعمل بالذكاء الاصطناعي في اليونان والمجر ولاتفيا. لكن بعض الأكاديميين قالوا إن تلك الأجهزة لا يمكن الاعتماد عليها لأن معايير تحديد الكذب تُعدّ “علمًا زائفًا“.
بدلًا من الاكتفاء بتمويل برامج تساعد الوافدين الجدد على الاندماج، إذ كان يمكن استخدام تلك الأموال في تمويل برامج تبني تماسكًا اجتماعيًا أفضل وتحلّ بعض الظروف التي استفادت منها الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا.
لكن حرس الحدود الأوروبي لا يحتاجُ بالتأكيد إلى أي تقنيات لإيجاد طرق وحشية لاستقبال اليائسين.
فقد نشرت صحيفة لو موند الفرنسية مؤخرًا تقريرًا كشف أن الشرطة اليوناية وجنودًا بالجيش كانوا يجبرون السوريين العمل معهم على إبعاد الوافدين السوريين الآخرين، وهو ما وصفه أحد السوريين الذين أُجريت مقابلة معهم بالعبودية.
في هذا السياق، قالت النائبة الألمانية في البرلمان الأوروبي، أوزليم دميرل، للغارديان في ديسمبر الماضي: “دائمًا ما يتحدث الاتحاد الأوروبي عن قيم حقوق الإنسان ويستنكر انتهاكها، لكننا نرى المزيد يلقون حتفهم كل أسبوع. لذلك علينا أن نتساءل إذا ما كان الاتحاد الأوروبي يخالف مبادئه.”
علاوة على ذلك، فقد برز اقتصاد كامل بسبب انعدام طرق آمنة إلى أوروبا. وجزء من ذلك الاقتصاد يعمل في الظل، مثل المهربين الذين يجنون آلاف اليوروهات من تهريب البشر عبر مسارات خطيرة.
لكن ثمة جزء آخر يعمل في وضح النهار، إذ اكتُشفت شركات عدّة تروج عبر الإنترنت لقوارب تهتم بنقل اللاجئين والمهاجرين.
في السنوات الأخيرة، انطلقت هذه القوارب من ليبيا أو تركيا على أمل الوصول إلى أوروبا. وقد أدت الأزمة الاقتصادية إلى تحول لبنان إلى نقطة انطلاق للهجرة غير الشرعية، إذ يخرج السوريون والفلسطينيون اليائسون، ومعهم اللبنانيون، إلى البحر في محاولة للوصول إلى قبرص أو إيطاليا.
وهذه الرحلات البحرية خطيرة، كما اتضح من غرق قارب قبالة ساحل طرابلس بلبنان في أبريل الماضي، ما نتج عنه سبع وفيات على الأقل وفقدان نحو 20 شخصًا. لكن المعابر البرية ليست أقل خطورة كما ظهر في أحداث يونيو على الحدود الإسبانية.
لقد انبثق مشروع الوحدة الأوروبية كي يجنّب القارة ويلات الحروب ويعزز التعاون الاقتصادي. ولم يكن المشروع مثاليًا منذ ولادته.
لكن في السنوات الأخيرة، سيطرت على العقلية الأوروبية بعض الممارسات الوحشية وذلك للحدّ من عدد الوافدين إلى السواحل الأوروبية من المهاجرين واللاجئين.
وداخل أوروبا يُوجد العديد من الأشخاص الذين يقومون بأعمال مهمة. والمظاهرات التي انتشرت في أرجاء إسبانيا بعد القمع الوحشي على حدودها مع المغرب تبعث على التفاؤل، بالإضافة إلى قوارب الإنقاذ التابعة للمنظمات والأفراد التي تنقذ الوافدين عن طريق البحر.
فحقوق الإنسان والإنسانوية هي من القيم التي تزعم أوروبا بأنّها تعتز بها ويتبنّاها العديد من المواطنين والمنظمات الأوروبية.
لذلك يجب على الحكومات الأوروبية المختلفة والاتحاد الأوروبي أن تدعم هؤلاء المواطنين والمنظمات، وتتوقف عن تمكين الأنظمة الاستبدادية المتاخمة لها. وينبغي لها أن تطبّق توصيات الأمم المتحدة بشأن اللاجئين والمهاجرين.
فأوروبا بحاجة ماسة إلى تغيير جذري في نهجها لأن النهج الحالي لا يؤدي إلا إلى مزيد من المهاجرين واللاجئين.