قطر والمغرب في مواجهة برلمان أوروبا
فجأةً، وجدت قطر والمغرب نفسيهما وسط عاصفة أوروبية ـ أوروبية، تهم ارتشاء نواب برلمانيين أوروبيين ثبتت عليهم الجريمة، ففيما يبدو، ولأسبابٍ لم تعد مجهولة، ربطت الحملة بين البلدين، منذ تنظيم مونديال 2022، والتعاون الذي جمعهما، بعد أن كانت عواصم أوروبية، سيما منها باريس، قد شنّت حملة شعواء ضد التظاهرة الدولية الأرقى عالميا.
ولقد أصبحت هذه القضية معروفة في أدق التفاصيل، إلا بخصوص ما يُثبت الحجّة، وعلى ما يُتهم به البلدان العربيان.
ما زالت الحجج الوحيدة هي ما يُنسب للمتهمين أو ما يصدُرعنهم، خصوصا الإيطالي بيير أنطوني بانتزيري ومواطنيه فرانسيشكو جيورجي ونيكوللو فيغا تالامنكا ولوكا فيزينتي الأمين العام للكونفدرالية النقابية الدولية واليونانية إيفا كايلي المعتقلة على ذمة التحقيق والبلجيكي مارك تارابيللا القريب من بانتزيري.
وملخص قضيتهم أنهم تقاضوا أموالا من أجل العمل لفائدة منظمة غير حكومية، فايت إمبونيتي (Fight Impunity) أو تعاملوا مع رسميين من وزراء ونواب من الدول المتهمة!
في توقيت القضية ما يثير الشكّ، حيث استعملت امتدادا للحرب ضد المونديال، والتي رفعت فيها رايات حقوق الإنسان و”الانتهاكات” التي تعرّض لها في البلد المضيف، وهو اللواء الذي رفعه البرلمان الأوروبي مجدّدا، بأقطابه السياسية والإعلامية، ضد المغرب، في تزامنٍ غريب حقا.
والبلدان متّهمان، بمقتضى الصكّ الأوروبي، برشوة البرلمانيين وبانتهاك حقوق الإنسان في ترسانة الاتهام نفسها.
وهما أمران لا يقيم البرلمانيون الأوروبيون الدليل بخصوصهما، اللهم من شهادات أوساط قريبة من المنظمات الغربية تارّة، أو من تقارير غير دقيقة، تهم منظماتٍ لا تكلف نفسها عناء البحث والتحرّي كما يتهمها بذلك عربٌ وآسيويون عديدون، وحتى بعض الغربيين أنفسهم. .. وانفجرت القضية في ديسمبر/ كانون الأول 2022، بالنسبة لقطر والمغرب على حد سواء.
ومن مفارقات المتابعة الدقيقة لشؤون البرلمان الأوروبي الذي يتشكّل من فسيفساء سياسية وأيديولوجية تمتدّ من اليسار الراديكالي إلى اليمين المتطرّف، مرورا بالمحافظين والليبراليين والوسط، أن ما كان يعتبر، إلى عهد قريب، أمراً من صميم “اللوبيينغ” المتعارَف عليه دوليا، سرعان ما صار قضية رشوة وفساد.
بل إن أصواتا أوروبية كثيرة تساءلت بقوّة: لماذا لا يُعترف بأن البرلمانيين جرى رشوهم لأنهم كانوا قابلين للارتشاء؟… غير أن الظاهرة التي تناولتها صحفٌ كثيرة بتعميق الأسئلة رست، في ظاهرها، عند دولتين اثنتين، المغرب وقطر، بالنسبة للاتهامات، لأسبابٍ ذات صلة بمحاولة الاستقلال بالرأي وعدم الاحتماء بأي مظلّة غربية كما كان الحال إبّان المحميات القديمة.
وبالرغم من أن البلدين لم يريدا الدخول في سجالٍ معروفة تبعاتُه، فإنهما، مع ذلك، يعلنان براءتهما من التهم، بل لا يدّخران جهدا في المطالبة بمحاربة الفساد وعدم التهاون في مجابهته من أي طرفٍ كان.
والمفارقة التالية أننا نرى، في كل القضية، أنه لا يُقَّر بما هو خارج ما تروّجه الأوساط المناهضة لقطر أو المغرب.
ولعل الملاحظة الأساسية أن ذلك يتزامن دوما مع أزماتٍ تعاني منها عواصم أوروبية، منها ما هو في حكم الأزمات الطاقية، ومنها ما هو في حكم الأزمات الجيوسياسية، وتغير معطيات العلاقات الدولية. وعليه، تُرفع قضايا الحقوق وقضايا الرشوة فزّاعتين توجَّهان بمقدارٍ محسوبٍ ضد هذه الدولة أو تلك.
والأهم من ذلك كله أن صورة البرلمان الأوروبي، التي تعرّضت لتعرية قاسية، فتحت النقاش أوسع مما يُراد له، بحيث طرح المهتمون قضية مجموعات الضغط وتأطيرها من جديد، تبعا لما تعتبره المؤسسة التشريعية الأوروبية موضوعا خاضعا لتأطير قوى من لدنها.
ويكفي أن نعرف أن البرلمان الأوروبي يضم 12 ألف مجموعة ضغط (لوبي)، وهو رقم كبير، بالرغم من الاعتراف به رسميا، ومن مهامه المنصوص عليها في التشريع الأوروبي “كل الأنشطة التي تهدف إلى التأثير على السياسات أو مسلسل القرارات لدى هيئات الاتحاد الأوروبي، بغض النظر عن مكان التواصل وقناته المستعملة”، وهو تعريف يترك الباب مشرعا لتحرّكات مجموعات الضغط، كما يشرعن عمل هذه المجموعات.
اختارت يومية “لوموند” عنوانا مستفزّا حقا وهي تصف الوضع الذي يوجد عليه البرلمان الأوروبي، واعتبرت أن هذه المؤسّسة الأوروبية التي تضم 705 منتخبين وسبعة فرق نيابية و45 وفدا، قد دخلت “عصر الريبة والشك”، وأنها صارت مطالبةً بإصلاح نفسها، عوض الاعتماد في كل منعطفٍ على الاتهام، بالرشوة تارة أو بانتهاك حقوق الإنسان تارة أخرى، فهذه المؤسّسة مطالبة بتقديم الحساب لمن انتخبوها، وهم مواطنون أوروبيون ينتظرون منها نوابا محترمين ونزهاء وغير قابلين للارتشاء، في أوروبا أو في غيرها.
للكاتب/ عبد الحميد اجماهيري