تجريم التضامن مع فلسطين يتخذ مكانة أكبر في أوروبا
هل مازال باستطاعتنا اليوم التضامن وأن نساند القضية الفلسطينية في أوروبا؟ يبدو السؤال مفرغا من كل معنى في وقت تتكوّن فيه الغالبية العظمى من الائتلاف الحاكم بإسرائيل من شخصيات متطرّفة ومتفاخرة بعنصريتها، إلى درجة إحراج جزء من السكان الذي يروق لهم وصف البلد بـ“الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأدنى”.
وعلى الرغم من ذلك تتّخذ الإجابة على سؤالنا منحى أكثر سلبية يومًا بعد يوم في الدول الأكثر كثافة سكانية بأوروبا الغربية وهي ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا. إذ يكفي استعمال كلمة “أبارتايد” وخاصة التعاطف مع حركة المقاطعة ومنع الاستثمار وفرض العقوبات (بي دي اس)، حتى تبرز عدائية المنتقدين للقضية الفلسطينية.
من جهة أخرى يستغلّ مناصرو تل أبيب تبني أوروبا للمفهوم الجدليّ لمعاداة السامية الذي أسّسه التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست، وهو ما يفضي إلى إسكات الانتقادات الموجهة لإسرائيل مهما كانت فداحة الجرائم المنسوبة إلى ممثّلي هذه الدولة.
ألمانيا المكبّلة بماضيها
أمر بديهيّ: منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإلى حدود اليوم، مازالت ألمانيا تجرّ أوزار الإبادة الصناعية لليهود.
فقد وجب عليها تحمّل التداعيات المادية لذلك — منذ سنة 1945 إلى حدود 2018، دفعت الحكومة الألمانية ما يناهز عن 86.8 مليار دولار كتعويضات لضحايا الإبادة الجماعية والناجين منها، ناهيك عن الإلزامات المعنوية التي تُعدّ إسرائيل أكثر المستفيدين منها لتمتُّعها بدعم ديبلوماسي مطلق من قبل ألمانيا.
لا تتساهل ألمانيا مع مبدأ التضامن مع إسرائيل. فقد صادق أعضاء البرلمان يوم 17 مايو/أيار 2019 على قرار غير ملزم بإدانة حركة مقاطعة إسرائيل، واصفين أساليبهم بالمعادية للسامية ومذكّرين في ذلك بالدعوة لمقاطعة اليهود في الحقبة النازية.
ينصّ القرار على أنّ ألمانيا “ستعارض بشدّة” كل الجهود المبذولة لتشويه صورة اليهود أو التشكيك في “أحقيّة الوجود أو حق دولة إسرائيل اليهودية الديمقراطية في الدفاع عن النفس”.
وقد تبنى القرار كلّ من الأحزاب السياسية الكبرى بالبلد وهم الحزب الاجتماعي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الديمقراطي وحزب الخضر.
أعلن بيتر شافر مدير المتحف اليهودي ببرلين الذي تم تعيينه سنة 2014، عن استقالته عقب تبني ألمانيا للقانون الذي يصف حركة المقاطعة بالمعادية للسامية.
وكتبت الصحفية الإسرائيلية المقيمة ببرلين مايراف زونشاين أنّه اتخذ هذا القرار “إثر تعرّضه لضغوط كبيرة من قبل القائمين على المجتمع اليهوديّ بألمانيا وكذلك الحكومة الإسرائيلية، والذين اتهموا المتحف بالانخراط فيما اعتبروه بالممارسات المعادية لإسرائيل ولليهود”.
ما كان خطأه؟ تغريدة للمتحف على تويتر يوم 6 يونيو/حزيران، تؤيد مقالاً – نشرته الصحيفة اليومية التقدمية “دي تاغزتسايتونغ” – يحتوي على رسالة ممضاة من قبل 240 مختص يهودي وإسرائيلي في معاداة السامية والهولوكوست، يرفضون من خلالها القول بأن حملة المقاطعة هي حركة معادية للسامية.
في وضع كهذا، لنا أن نفهم بشكل أفضل لماذا لا يتجاوز عدد المناضلين الذين يجرؤون على مواصلة الالتزام بمقاطعة إسرائيل في ألمانيا، بضع المئات.
تمّ مؤخّرا إلغاء العديد من المحاضرات التي كان من المفترض أن يتكلّم بها يهود وأحيانا إسرائيليّون من غير الصهاينة.
في يوليو/تموز 2022، وإثر مشاركته في ندوة حول اختلاس ذكرى الهولوكوست، صُدم أفراهام بورغ، الرئيس السابق للبرلمان الإسرائيلي والمنظمة الصهيونية الدولية، لما سمعه من تهم حول معاداة السامية.
وهو ما دفعه لكتابة عمود نشر في صحيفة “هآرتس”:كيف وصلنا إلى هنا؟ لقد صنعت إسرائيل من معادة السامية سلاحًا ديبلوماسيا فتّاكا. لقد ساهمت حكومتها المحافظة في نشر هذا المفهوم على أوسع نطاق، لتكون المعادلة كالآتي: كل نقد هو معاداة للسامية، كل معارض هو عدوّ، كل عدو هو هتلر، وكلّ عام هو 1938.
في كل الحالات، لا شيء يشير إلى أن ألمانيا شرعت في مساءلة نفسها حول ما من شأنه أن يمثّل إنكارًا للحرية.
في 20 مايو/أيار 2023، أيدت المحكمة الإدارية العليا في برلين – براندنبورغ منع الشرطة لمظاهرة تم تنظيمها في برلين لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية2. وقد بررت الشرطة ذلك بالمخاطر التي لها أن تنتج عن حدث كهذا، مثل “التحويف وتحريض الشعب على معاداة السامية وتمجيد العنف ونشر الرغبة في استعماله”.
عندما تنحى لندن إلى تقليد برلين
من كان له أن يتخيّل أنّ مبدأ حريّة التعبير المتضمّن لحق انتقاد دولة إسرائيل سيكون مهدّدا بالمملكة المتحدة؟ هذه المقاربة التي كانت من الخيال المحض في ماض ليس ببعيد، صارت حقيقة يوم 3 يوليو/تموز 2023، وهي تستهدف مباشرة الهياكل البريطانية العمومية، مثل المجالس البلدية والجامعات.
تم ذلك من خلال تبنّي مشروع قانون من اقتراح ماكايل غوف، كاتب دولة بالحكومة المحافظة التي يقودها ريشي سوناك.
وقد فسّر ذلك في مايو/أيار 2023 قائلاً: “نحن نعارض بشدة حركات المقاطعة المحلية وكل ما من شأنه أن يلحق الضّرر بانسجام مكوّنات المجتمع وتماسكها، ويعيق حركة الصادرات ويهدّد أمننا الاقتصادي”.
لكن السبب الكامن وراء ذلك يظهر جليّا بنصّ القانون الذي يذكر إسرائيل بوضوح. تجري الأمور كما لو أنّ دعم المقاطعة كان في تطوّر في المملكة المتحدة ويجب التحرّك على الفور لعرقلة تقدّمه… بالنسبة إلى ميشال غوف، “لا تحمل حملة المقاطعة سوى هدف واحد، وهو مهاجمة إسرائيل ونزع الشرعية منها ومن مبدأ تواجد دولة يهودية”.
صادق مجلس العموم على مشروع القانون يوم 3 يوليو/تموز الفارط دون أدنى حماس. ومن بين 650 نائبًا، صوت 268 بـ“نعم” و70 بـ“لا”، في حين فضّل أعضاء حزب العمّال التحفّظ (تمامًا كما فعل 82 منتخبًا من الأغلبية المحافظة). لم يغب التعبير عن المواقف خلال الأسابيع التي تلت التصويت، مثل مجوعة تغريدات على تويتر تعبّر عن غضبها من حملة التضامن مع فلسطين يوم 19 يونيو/حزيران 2023 وقدّمت بالإضافة إلى ذلك إشار ة صادمة للأراضي المحتلة بهذا القانون المناهض للمقاطعة:
وقّعت أكثر من 60 منظمة من المجتمع المدني من بينها “غرين بيس المملكة المتحدة” و“ليبرتي” على إعلان يستهجن مشروع القانون وجاء فيه: “في حال اعتماد هذا القانون، سيتم تضييق الخناق على عدد واسع من الحملات التي تتناول تجارة الأسلحة والعدالة المناخية وحقوق الإنسان والقانون الدولي والتضامن الدولي مع الشعوب المضطهدة التي تناضل من أجل العدالة”.
عبّر الصحفي والمستشار جايمس براونسل الذي عمل مرة واحدة بالأراضي الفلسطينية المحتلة عن رأيه في موقع “ميدل إيست آي”، معتبرا أنّ “مشروع الحكومة البريطانية المحافظة القاضي بمنع المجالس المحلية وهياكل عمومية أخرى من المشاركة في حملات المقاطعة ومنع الاستثمار، ليس سوى آخر أشكال الهجوم اللا ليبرالية والمناقضة للمعايير الديمقراطية”.
من جانب آخر، عبّرت منظمات بريطانية يهودية مثل “نا’أمود” و“تحالف الشتات” عن رفضها لمشروع القانون باعتباره “مثالا جليّا لكيفية إخضاع مفهوم معاداة السامية لغرض دعم سياسة معادية لفلسطين، بالإضافة إلى التضييق على الحريات”، وفق ما صرّحت به مديرة تخالف الشتات بالمملكة المتحدة إيميلي هيلتون.
وعلى الرغم من صيحات الفزع المتتالية حول هذا الموضوع، بقي موقف حزب العمّال ضبابيّا لوقت طويل، مع أنّ رئيسه كير ستارمر لا يخفي مناهضته لحملة المقاطعة.
فقد انتهى أعضاء حزب العمّال للتو من فترة ترؤّس جيريمي كوربين من 2015 إلى 2020 والتي تركت الكثير من المرارة بسبب تهم خطيرة من قبل العديد من المدّعين العامين، والذين اعتبروا تعامل الحزب داخليا مع معاداة السامية كارثيًّا. دفعت هذه التّهم بالحزب إلى تعليق مهام جيريمي كوربين، قبل أن يستعيدها جزئيّا فيما بعد.
يعتقد البعض، ومن بينهم أساسا مناصروا كوربين، أنّ مسألة معاداة الساميّة قد تمّ تضخيمها لأغراض سياسيّة تتمثّل في تخريب الخطّ اليساريّ الرّاديكالي الذي كان يجسّده رئيس حزب العمّال.
وقد صرّح المفكّر الباكستانيّ الأصل طارق علي: “البعض من الجناح اليمينيّ لممثّلي حزب العمّال بالبرلمان والذين يتراوح عددهم بين 70 و80، يُؤثرون خسارة الانتخابات على فوز كوربين”.
فرنسا، “وطن حقوق الإنسان”؟
ما الذي يحدث بفرنسا؟ ولم كلّ هذا التململ في كلّ ما يتعلّق بفلسطين؟ لماذا يجد كل معارض للسياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة نفسه على كرسيّ الاتّهام، في هذا البلد الذي يزعم أنّه “وطن حقوق الإنسان”؟ لماذا تنحى فرنسا الرسمية إلى تبنّي الخلط المثير للجدل حول مفاهيم معاداة السامية ومعاداة الصهيونيّة؟ لا تملك هذه الأسئلة جوابا واضحًا أو بديهيًّا.
لكنّ الأمر جليّ، حيث تكفي العودة إلى منشور أليوت-ماري (باسم الوزيرة الفرنسية ميشال أليوت-ماري التي كانت وزيرة العدل آنذاك) في 12 فبراير/شباط 2010 حتى نحدّد أصل الداء. يطلب هذا النص من المدّعين العامين تتبّع كل الدّاعين أو المشاركين بحركات تدعو إلى مقاطعة “المنتوجات الإسرائيلية”، وذلك بمقتضى القانون الجزائي المتعلّق بـ“التحريض على الكراهية والتمييز”.
الأحكام الصادرة تتفاوت، ووجب الانتظار حتى يوم 11 يونيو/حزيران 2020 حتى تدين المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فرنسا في قضية تعلّقت بمناضل من حملة المقاطعة بعد أن تم تأييد إدانته من قبل محكمة التعقيب، بعد استئنافه لقضيته.
وكما يشرح المقال الذي كتبه رجل القانون فرانسوا دوبيوسون على موقع “أوريان 21” في تلك الفترة، اعتبرت محكمة سترازبورغ أنّ موضوع الإدانة (الدّعوة إلى المقاطعة من قبل مناضل أدانته العدالة الفرنسية) هو من قبيل “التعبير السياسي والنضالي” المتعلق بـ“المصلحة العامة، في جانب احترام القانون الدولي العام من قبل دولة إسرائيل ووضعية حقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية المحتلّة”. كلّ هذا يتطلّب “مستوى عال من حماية حقّ الحريّة في التعبير”.
نفس الكاتب قد تطرّق إلى ردّ الفعل الذي قامت به الحكومة الفرنسية إثر تعرّضها لإدانة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان: “في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أصدر وزير العدل الفرنسي إيريك دوبون موريتي منشورًا ’يتعلّق بقمع الدعوات العنصرية لمقاطعة المنتوجات الإسرائيلي’، لتستعيد بموجبه التتبعات العدلية شرعيتها القانونية. بل أكثر من ذلك، صارت مرفوقة بشرط أكثر صرامة حول”موجبات قرارات الإدانة”.
هل سيشكّل هذا الموضوع مجدّدا محلّ لجوء إلى العدالة؟ تبقى الإجابة على هذا السؤال ضبابية. في الأثناء، ودون الأخذ بعين الاعتبار تدخّل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، تعتبر فرنسا مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية عملا إجراميًّا يقود مرتكبيه إلى السجن.
لا يساعد موقف رئيس الجمهورية على إيضاح الأمور بفرنسا. ففي مارس/آذار 2022، كرّر إيمانويل ماكرون أن “معاداة السامية ومعاداة الصهيونية هما ألذّ أعداء جمهوريتنا”، ممّا أثار استياءً كبيرًا لدى جزء من اليهود الفرنسيّين المحتجّين ضدّ السياسة الاستعمارية الإسرائيلية.
قامت فرنسا بقيادة ماكرون هي الأخرى بتبنّي إعادة بناء مفهوم معاداة السامية من قبل التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست في 2019، والذي تبنّته بدورها 20 دولة من بينها 16 منتمية إلى الاتحاد الأوروبي.
تكمن مشكلة هذا القرار في تمظهرات معاداة السامية التي تم ذكرها ومن بينها انتقاد إسرائيل.. قرار غير ملزم، تمّ تبنّيه من قبل مجلس وطني هجره أغلب أعضائه بشكل مريب.
وقد اقتصر التصويت على 154 صوت بـ“نعم” (النواب عن الحزب الرئاسي “الجهورية إلى الأمام” وحزب “الجمهوريّون” اليميني)، و72 صوت بـ“لا” (يسار) و 43 متحفّظ.
لكن حماس الرئيس الفرنسي سيقوده إلى ما هو أبعدُ من ذلك، وسيذهب يوم 24 فبراير/شباط 2022 نحو نطق هذه الجملة: “لم أتوقّف يوما عن قول أنّ القدس هي العاصمة الأبدية لليهود”، وقد كان ذلك بمناسبة العشاء السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا (كريف).
مرّ التصريح دون أن يلاحظه الكثير. توجّب حينها على رئيس الوزراء جان كاستيكس قراءة خطاب ماكرون الذي شغلته الأحداث بأوكرانيا.
خلال نفس المناسبة، تضمّن الخطاب هجومًا على منظمات غير حكومية مثل ب’تسليم ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس واتش (دون ذكر الأسماء)، باعتبارها مذنبة لإدانتها “الأبارتايد” بعد دراسات ميدانية طويلة: “توجد إساءة توظيف للمصطلحات التاريخية المشحونة بالعار. كيف لنا أن نتحدّث عن الأبارتايد؟ إنّه لمن قبيل الباطل”. ألا تستحق الحجج الكثيرة للمنظمات المعنية أكثر من هذا التجاهل؟
نلاحظ في الآونة الأخيرة في فرنسا إلغاء العديد من المحاضرات بأوامر من رؤساء البلديات أو المحافظين والتي ترمي إلى مواضيع معيّنة أو تستضيف أناسا معيّنين، تحت ذرائع مختلفة.
شهد المحامي الفرنسي الفلسطيني صلاح حمّوري الكثير من ذلك، فقد تم ترحيله من القدس إلى فرنسا يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2022 بعد عدة فترات سجن بسبب تهم ما فتئ ينكرها، واعتقال إداريّ بقي دون محاكمة.
شكّلت العديد من المحاضرات التي كان سيشارك بها كمتدخّل محلّ العديد من الشكاوى التي أدت في بعض الأحيان إلى إلغائها، مثل المحاضرة التي كان سيلقيها بمدينة ليون في يناير/كانون الثاني 2023. حينها رضخ غريغوري دوسي رئيس البلدية الممثل عن حزب الخضر، إلى الضغوطات التي مورست عليه.
حلّ في مارس/آذار 2023 دور محافظة مورت-و-موزال لمنع مائدة مستديرة لصلاح حموري خوفا من “اضطرابات النظام العام”. وألغى محافظ الإرلوت بدوره تجمّعا كان من المزمع تنفيذه يوم السبت 27 مايو/أيار من قبل تحالف مونبيلييه ضدّ الأبارتايد، والذي يظمّ 20 منظمة. في بلاغه الصحفيّ، برّر المحافظ بأنّه “يخشى انتقال نزاع دولي إلى مونبيلييه، وتقديم خطابات تمييزية تحرّض على الكراهية تجاه السكان، بسبب انتمائهم إلى أمة أو عرق أو دين معين”.
انتهت حلقة أخرى من هذه السلسلة في مصلحة حموري وأنصاره هذه المرة. فإثر منع رئيس بلدية ليون لمحاضرة بعنوان “فلسطين-إسرائيل: استعمار – أبارتايد” كان من المفترض أن تنعقد يوم 22 يونيو/حزيران مع صلاح حموري، تم نقض قراره في اللحظات الأخيرة من قبل المحكمة الإدارية بليون التي وافقت على انعقاد المحاضرة.
لكن بعد يومين فقط، قرّر محافظ إيرولت منع محاضرة جديدة في مونبلييه، هذه المرة تحت عنوان “ضد الأبارتايد”. وقد برّر ذلك باحتمال وجود “عناصر راديكالية”، وبأنه “سياق دولي حساس”بالإضافة إلى رمزية اليوم الذي تم اختياره، يوم السبت، “يوم شابات”.
يعود السؤال الذي يطرح نفسه في كلّ مرة: لم كلّ هذا التحامل على أنصار القضية الفلسطينية؟ رئيس الدولة، وزراء، محافظون وعدد من القضاة، كلّهم ملتحمون ضدّ هؤلاء، وهو بالتالي نوع من الإجحاف.
يوجد بالتأكيد شيء من ذلك. فقد حدثت عملية “الضخ” هذه بمساعدة ناجعة وفعالة من قبل البعض، وفق المؤرخ توماس فيسكوفي:
هناك أوّلا مجموعة من المنظمات التي عملت جاهدة لقمع حركة التضامن مع فلسطين منذ أن تبنّت فكرة الأبارتايد. لا يعني ذلك أن كل شيء كان إيجابيا في الماضي، ولكن لم يكن هناك هذا العدد من المحظورات. لنأخذ “إلنات” مثلا، التي تأخذ نوابا فرنسيين في زيارات إلى إسرائيل بشكل دوريّ. تظّم هذه المنظمة في صفوفها الكثير من الوجوه المنتمية إلى أغلبية ماكرون.
هذه الأغلبية التي واجهت بصرامة قرار الأبارتايد واستقبال صلاح حموري، وقد دافعت خاصة على طريقة استيعاب مفهومي معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، وهي النقطة التي تبدو محدّدة أكثر من غيرها في كلّ هذا الأمر.
وبهذه الطريقة، تدفع هذه السياسات نحو التطبيع مع فكرة أن كل حدث يهدف إلى التضامن مع فلسطين هو محل ريبة، لما يمكن أن يتضمنه من معاداة للسامية، ما يبرّر بالتالي إمكانية منعه.
تبدو مسألة حرية التعبير محلّ تساؤل في أوروبا. وفي مفارقة كبرى، يكون ذلك باسم الدفاع عن دولة -إسرائيل- تضرب بدورها عرض الحائط مبادئ القوانين الدولية وحقوق الإنسان بثبات يدعو في كلّ مرة إلى الدهشة.
من المؤكد أن معاداة السامية هو موقف مخجل وهو لحسن الحظ ممنوع قانونيّا في كل مكان. لكن عندما تقوم دول بوضع هذا المفهوم في خلط مع معاداة الصهيونية ومع كل نقد لإسرائيل، فإنها تساهم في دعم الإفلات من العقاب لهذه الدولة التي تتلاعب بكل سخرية بتاريخ الإبادة، لا لشيء إلا لتضمن حصانتها.
للكاتب بودوان لوس نقلا عن موقع (أوريان21).