Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات الرأي

ألمانيا تقوض مصالحها العربية بدعمها الأعمى لإسرائيل

تنتهج الحكومة الألمانية سياسة الدعم الأعمى والشامل لإسرائيل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً منذ 7 أكتوبر/تشرين 2023 ومن دون تحفظ، وتدعم انتقام إسرائيل في تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية بحق سكان قطاع غزة، متجاوزة تأكيدها حق إسرائيل في الدفاع عن النفس أو التضامن مع ضحايا هجمات المقاومة الفلسطينية.

بوضوح تام، عبر المستشار الألماني أولاف شولتز، أمام المشرعين الألمان، عن دعم حكومته سياسياً لإسرائيل بقوله، في الثاني عشر من أكتوبر الماضي، إنه لا يوجد سوى مكان واحد لألمانيا في هذا الوقت، وهو إلى جانب إسرائيل، معتبراً ذلك سياسة العقلانية الحكومية الألمانية، وهو ما عبرت عنه قبل عقدين المستشارة السابقة أنجيلا ميركل بمصطلح سبب الدولة، ويعني أن دعم إسرائيل هو سبب وجود الدولة الألمانية نفسها.

بعد السابع من أكتوبر، ارتفعت صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل عشرة أضعاف مقارنة بعام 2022. وأكثر من ذلك، كشف مسؤولون حكوميون ألمان أنه من بين 218 ترخيصاً مُنحت في عام 2023، جرت الموافقة على 185 ترخيصاً خلال الهجوم الإسرائيلي.

واعترف شولتز بأنه طلب من القادة الإسرائيليين أن يطلبوا منه “أي دعم مطلوب”. وبحسب تقرير صادر عن معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام في مارس/آذار 2024، شكلت ألمانيا 30% من واردات إسرائيل من الأسلحة في السنوات الأخيرة.

وكانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة الأخرى التي باعت المزيد من الأسلحة لإسرائيل في عام 2023، حيث قدمت 69% من واردات دولة الاحتلال من الأسلحة.

في داخل ألمانيا، تُتهم الحكومة بقمع الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، الأمر الذي يعرض الحريات الأساسية، مثل الحق في الاحتجاج، للخطر. وفي الوقت نفسه، تقيد ألمانيا الأصوات المنتقدة عدوانَ إسرائيل على الشعب الفلسطيني.

ومنذ السابع من أكتوبر، استُخدِمت “المسؤولية الحكومية” أيضاً لتكثيف التدابير المناهضة للمهاجرين بشكل جذري. أكثر هذه التدابير وقاحة، وفق ماثيو ريد، الباحث السياسي الألماني، هو المرسوم الجديد في ولاية ساكسونيا، حيث يتعين على المتقدمين للحصول على الجنسية الألمانية حالياً أن يتعهدوا بالولاء “لحق إسرائيل في الوجود”.

أوقفت قناة إس دابليو آر التلفزيونية الألمانية، الممولة جزئياً من حكومة برلين، مقدمة البرامج التلفزيونية هيلين فارس، وهي من أصول سورية، بعد دعوتها إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية احتجاجاً على أحداث غزة، واتهمتها باتخاذ مواقف سياسية متطرفة وتفتقر إلى الحياد على مواقع التواصل الاجتماعي.

رغم أن فارس لم تستخدم القناة التي تعمل بها في دعوتها للمقاطعة، ومارست الحق في حرية التعبير التي تتشدق به الحكومات الغربية.

وشنت صحيفة بيلد الالمانية العنصرية هجوماً على أبناء عائلة بربخ، الذين تعود أصولهم إلى مدينة خانيونس الواقعة جنوبي غزة، وهم موجودون في برلين وتقدر أعدادهم ببضع مئات، وتصفهم الصحيفة بالإرهابيين، وأنهم يقدمون مساعدات لـ”حماس” ويثيرون الفوضى في شوارع برلين، وأن العائلة تعود أصولها إلى خانيونس. ولو كان هذا الدعم موجهاً لأوكرانيا لغضت الطرف عنهم ودعمتهم.

على الصعيد الدبلوماسي، كان الدور الذي لعبته برلين لصالح تل أبيب أكثر وضوحاً برفضها الانضمام إلى الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق وقف إطلاق نار إنساني وإنهاء الأعمال العدائية، وامتنعت مرتين عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.

بسبب هذا التبجح، بدأ عدد متزايد من دول الجنوب العالمي في تحدي ألمانيا ومعارضتها في تبييض، وحتى تبرير، جرائم الإبادة الجماعية للفلسطينيين. ففي يناير/ كانون الثاني 2024، أصدر الرئيس الناميبي الراحل هاجي جينجوب بياناً انتقد فيه بشدة برلين لدفاعها غير المحدود عن تل أبيب.

وأكد أن الحكومة الألمانية تدعم وبهمة عالية الإبادة الجماعية في فلسطين، بينما لم تكفر بعد عن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ضد هيريرو وناما في ناميبيا بين عامي 1904و1908، ما يعد نفاقاً سياسياً وازدواجية غير أخلاقية.

ولنفس الأسباب، تقدمت حكومة نيكاراغوا لمقاضاة ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية لمساعدتها وتحريضها على الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة. وهو انتقاص من مكانة برلين وتقويض لجهودها الدبلوماسية التي حرصت على تسويقها بعد الحرب العالمية الثانية.

إن دعم ألمانيا لإسرائيل، التي تأسست قبل عام واحد من تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية، دور وظيفي أملته واشنطن على برلين في مقابل عدم ملاحقة النازيين الألمان.

وعقد أول مستشار لألمانيا الغربية كونراد أديناور اتفاقية لوكسمبورغ باعتبارها أول اتفاقية تعويضات أبرمتها ألمانيا الغربية مع إسرائيل في عام 1952، وتحت الضغط الأميركي، ووصفها علناً بأنها تستند إلى التزام “أخلاقي قوي”.

وبلغت قيمة الاتفاقية ثلاثة مليارات مارك (1.5 مليار يورو) خلال 12 عاماً لإسرائيل باعتبارها وارثة حقوق اليهود ضحايا المحرقة، ووظفت إسرائيل هذه الأموال حينذاك في توطين المهاجرين اليهود القادمين إليها.

وبمرور السنين، بلغ حجم تعويضات الهولوكوست السنوية بموجب الاتفاقية نحو 100 مليار يورو، وهو مبلغ ضخم، ورغم الاستياء المحلي الكبير إزاء هذه الاتفاقية، فقد أصبح زعماء ألمانيا يقدرون العلاقات مع إسرائيل باعتبارها مؤاتية لمصالحهم الخاصة، سواء من حيث الاستراتيجية الجيوسياسية أو المشاريع المربحة للصناعات المحلية.

على سبيل المثال، إن مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل في تزايد مستمر، وتستفيد شركة سيمنز بانتظام من العقود الإسرائيلية، مثل عطاء عام 2018 لشركة السكك الحديدية الإسرائيلية الذي بلغت قيمته نحو مليار يورو؛ كما تحتفظ شركة الأدوية الألمانية “ميرك”، التي كانت عائلتها المؤسسة من النازيين المتشددين، أيضاً، بمواقع ومشاريع بحثية تبلغ قيمتها ملايين الدولارات في إسرائيل.

وفي الماضي، زودت ألمانيا إسرائيل بالغواصات قبل أي دولة أخرى. والخلفية وراء ذلك هي أنها أعلنت أن أمن إسرائيل هو مسؤولية الدولة في ضوء مقتل ستة ملايين يهودي على يد ألمانيا النازية.

قد يتفهم بعض الألمان دعم حكومتهم لإسرائيل، ولكن القادة في الجنوب العالمي بدأوا في تحدي نفاق الحكومة الألمانية. وجاء أول اتهام جريء وتطاول على هيبة ألمانيا في بداية عام 2024، عندما نشر رئيس ناميبيا آنذاك هاجي جينجوب بياناً يذكر العالم باحتلالها دولته وأنها “ارتكبت أول إبادة جماعية في القرن العشرين في الفترة من 1904 إلى 1908، حيث مات عشرات الآلاف من الناميبيين الأبرياء في أكثر الظروف وحشية ولاإنسانية”.

في أوائل مارس 2024، جاء التحدي التالي من الجنوب العالمي من نيكاراغوا التي رفعت قضية جديدة في محكمة العدل الدولية ضد ألمانيا مباشرة، متهمة برلين بانتهاك التزاماتها بموجب “اتفاقية الإبادة الجماعية” لعام 1949. فمن خلال دعمها السياسي والمالي والعسكري لإسرائيل ومن خلال وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، “تسهل ألمانيا ارتكاب الإبادة الجماعية، وفشلت في التزامها ببذل كل ما في وسعها لمنع ارتكاب الإبادة الجماعية”.

وبعد بضعة أسابيع فقط، تعرضت الحكومة الألمانية مرة أخرى لإدانة علنية من حليف وثيق هو ماليزيا. وفي مؤتمر صحافي مشترك في برلين، رد رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم على إصرار شولتز المستمر على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس بسؤال استفزازي: “أين ألقينا بإنسانيتنا بعيداً؟ لماذا هذا النفاق؟ لماذا هذا الموقف الانتقائي والمتناقض تجاه عرق واحد؟”.

وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين ألمانيا والدول العربية نحو 62 مليار يورو في سنة 2023. وللعرب استثمارات داخل ألمانيا تقدر بنحو 100 مليار يورو.

ويبلغ حجم التبادل التجاري بين ألمانيا وتركيا نحو 50 مليار يورو. أما حجم التبادل التجاري لألمانيا مع إسرائيل، فهو في حدود ثمانية مليارات يورو.

وإذا نشطت المقاطعة الشعبية ضد المنتجات والبضائع والشركات الألمانية، فإن الحكومة الألمانية سوف تعيد رسم سياستها وعلاقاتها مع إسرائيل إذا تعارضت مع مصالحها مع الدول العربية وتركيا والتي تصل إلى 212 مليار يورو.

ذلك أن المقاطعة أثبتت نجاحها في العلاقات المتضاربة بين العرب والغرب.

للكاتب عبد التواب بركات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى