Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

بروكسل تعيد رسم خريطة اللجوء الأوروبية: من يستقبل ومن يدفع؟

أعلنت المفوضية الأوروبية في بروكسل عن تفاصيل خطة الهجرة الجديدة التي تهدف إلى إعادة توزيع أعباء اللجوء بين دول الاتحاد الأوروبي، في خطوة وُصفت بأنها الأكثر جرأة منذ أزمة اللاجئين عام 2015.

وتسعى الخطة، التي تأتي في إطار “ميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي”، إلى تحقيق ما تسميه بروكسل “توازنًا بين التضامن والمسؤولية”، لكنها فجّرت مجددًا الجدل بين العواصم الأوروبية حول من سيتحمل العبء الأكبر، ومن سيدفع الثمن.

وتحدد الخطة الجديدة أن الدول الواقعة على الخطوط الأمامية للهجرة — مثل اليونان، وإيطاليا، وإسبانيا، وقبرص — ستُصنف رسميًا على أنها “تحت ضغط هجرة حاد”، ما يجعلها مؤهلة للحصول على مساعدات مالية ولوجستية من الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من منتصف عام 2026.

وتشمل هذه المساعدات استقبال طالبي لجوء في دول أخرى، وتقديم دعم مالي من “صندوق التضامن الأوروبي للهجرة”.

ويقول ماغنوس برونر، مفوض الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي، إن “المعادلة بسيطة: لا تضامن من دون مسؤولية، ولا مسؤولية من دون تضامن”. وأضاف في مؤتمر صحفي: “الدول التي تتحمل العبء الأكبر من المهاجرين لن تترك وحدها بعد الآن”.

لكنّ الخطة لا تُلزم جميع الدول الأوروبية بإعادة توطين اللاجئين، بل تمنحها خيارًا: إما استقبال جزء من طالبي اللجوء، أو المساهمة ماليًا عن كل شخص ترفض استقباله، أو تقديم دعم ميداني وتقني للدول المتضررة. وبهذا الأسلوب، تحاول بروكسل تجاوز الانقسام الحاد الذي عرقل التعاون الأوروبي منذ عقد كامل.

وستكون معظم الدول الأوروبية مطالبة بالمساهمة في آلية التضامن الجديدة، لكنّ بعض الدول ستحصل على إعفاءات مؤقتة.

فقد اعترفت المفوضية بأن بلغاريا، وتشيكيا، وكرواتيا، وبولندا، والنمسا تواجه “ضغوط هجرة مستمرة” خلال السنوات الماضية، مما يمنحها الحق في طلب استرداد مساهماتها المالية جزئيًا أو كليًا.

أما بلجيكا، وألمانيا، وفرنسا، وأيرلندا، وفنلندا، ودول البلطيق، فقد وُصفت بأنها “معرضة لخطر ضغوط الهجرة” العام المقبل، ولن تُعفى من المساهمات لكنها ستحظى بأولوية في تلقي الدعم الطارئ.

ويرتبط هذا التصنيف بعدة معايير، منها ارتفاع أعداد الوافدين، وإرهاق أنظمة الاستقبال، واحتمال تلاعب دول ثالثة بالهجرة كورقة ضغط سياسية — في إشارة إلى اتهامات موجهة لروسيا وبيلاروسيا باستخدام المهاجرين لدفع أوروبا إلى أزمات داخلية.

اللاجئون في قلب الجدل الأوروبي

رغم الطابع الإداري للخطة، فإنها تمس مباشرة حياة عشرات الآلاف من طالبي اللجوء العالقين على حدود الاتحاد، خاصة في الجزر اليونانية والسواحل الإيطالية.

ففي جزيرة ليسبوس اليونانية وحدها، يعيش أكثر من 10 آلاف شخص في مراكز لجوء مكتظة وصفتها المنظمات الإنسانية بأنها “غير إنسانية”، بينما تقول أثينا إن الاتحاد الأوروبي لم يوزّع العبء بعدالة.

وقالت إيلينا كوراتسو، مسؤولة في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في بروكسل، إن “الحديث عن الأرقام لا يجب أن ينسينا أن هناك أشخاصًا ينامون في العراء وينتظرون منذ شهور قرارًا بشأن مصيرهم”.

وأضافت أن “الاتحاد الأوروبي أمام اختبار أخلاقي: هل سيبني نظامًا قائمًا على الكرامة الإنسانية، أم على حسابات سياسية؟”.

من جهتها، تخشى منظمات حقوقية أن يؤدي نظام “الدفع بدل الاستقبال” إلى تحويل اللاجئين إلى سلعة مالية، إذ يمكن للدول الثرية تجنب استقبالهم مقابل رسوم مالية. وتقول منظمة العفو الدولية إن هذا النظام “يعزز منطق الحواجز ويضعف روح التضامن التي تأسس عليها الاتحاد”.

معركة سياسية طويلة الأمد

لم يُعلن بعد عن حجم التمويل المخصص لصندوق التضامن أو عدد طالبي اللجوء الذين سيتم نقلهم سنويًا. ومن المقرر أن تبدأ المفاوضات بين الدول الأعضاء خلال الأسابيع المقبلة لتحويل المقترح إلى تشريع ملزم، وهي مفاوضات يتوقع أن تكون شاقة، خصوصًا مع رفض دول مثل المجر وبولندا لأي صيغة تُلزمها باستقبال لاجئين.

ورغم أن البرلمان الأوروبي سيجري جلسات استماع حول الخطة، فإنه لا يمتلك سلطة تشريعية مباشرة في هذا الملف، ما يترك القرار النهائي بيد مجلس الاتحاد الأوروبي، حيث تسعى بروكسل إلى تحقيق إجماع صعب المنال.

وتأتي هذه الخطة في وقت تتزايد فيه أعداد المهاجرين الواصلين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط والبلقان. وتشير بيانات المفوضية إلى أن عام 2025 شهد ارتفاعًا بنسبة 30% في محاولات العبور غير النظامي مقارنة بالعام السابق، مدفوعًا بتدهور الأوضاع في السودان وسوريا وأفغانستان، إضافة إلى تصاعد الانتهاكات في تونس وليبيا، حيث تُتهم السلطات هناك بإجبار اللاجئين على العودة إلى الصحراء.

وفي ظل هذه الأوضاع، يرى مراقبون أن الاتحاد الأوروبي أمام خيارين: إما بناء نظام إنساني حقيقي للتعامل مع اللاجئين، أو الاكتفاء بإدارة الأزمة عبر تحويل الحدود إلى خطوط فصل صارمة.

يقول الخبير في شؤون الهجرة باتريك بولان إن “أوروبا تحاول شراء الوقت بالمال، لكنها لا تستطيع شراء الضمير. الخطة قد تخفف الضغط عن بعض الدول، لكنها لا تقدم حلاً للأزمة الإنسانية المتفاقمة”.

وبين قيم التضامن التي تتغنى بها بروكسل، وضغوط الناخبين في العواصم الأوروبية، يقف الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق. فبينما تسعى مؤسساته إلى توزيع الأعباء بعدالة، يذكّر الواقع بأن أعباء اللجوء الحقيقية ما زالت تقع على أكتاف الدول الحدودية، وعلى اللاجئين أنفسهم قبل الجميع.

في النهاية، قد تضمن الخطة الجديدة بعض الاستقرار السياسي في بروكسل، لكنها لن تُنهي الجدل حول السؤال الأكبر الذي يطارد أوروبا منذ عقد: هل يمكن أن تكون القارة الأوروبية ملاذًا آمنًا للإنسان، أم مجرد حصنٍ منيع يحرس حدوده؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى