Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

شكوى ضد استطلاع معادٍ للمسلمين في فرنسا تفجر فضيحة تمويل إماراتي

أعلنت مجالس الشؤون الدينية الإسلامية في ثلاث مقاطعات في فرنسا عن تقديم شكوى قضائية ضد مجهولين، ردًا على نشر استطلاع رأي مثير للجدل بعنوان: “نظرة عامة على العلاقة بالإسلام والتطرف الإسلامي بين المسلمين في فرنسا”، والصادر في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

وتأتي هذه الخطوة في ظل استنكار واسع لما اعتُبر استطلاعًا متحيزًا، يفتقر للموضوعية، ويُغذي خطاب الكراهية ضد المسلمين في بلد يشهد ارتفاعًا بلغ 75% في جرائم الإسلاموفوبيا خلال عام واحد، وفق أرقام وزارة الداخلية الفرنسية.

وترى الهيئات الإسلامية ومحاموها—رافائيل كيمبف ورومان رويز—أن الاستطلاع الذي أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام (ايفوب)، خالف بشكل صريح قانون 19 يوليو 1977 المنظم لاستطلاعات الرأي، والذي يشدد على ضرورة الحياد والموضوعية والشفافية في المنهجية.

وبحسب الشكوى فإن استطلاع معهد IFOP، بُني على أسئلة مُسَيَّسة ومشحونة أيديولوجيًا، تستهدف المسلمين كجماعة، وتخلط عمدًا بين التدين الطبيعي وبين “التطرف الإسلامي”.

ووفق نص الشكوى، عمد الاستطلاع إلى تضخيم نتائج مجموعات صغيرة لتصوير المسلمين كـ”مجتمع مضاد” للجمهورية، في ظل مناخ سياسي وإعلامي فرنسي متوتر أصلاً تجاه الإسلام.

وزعمت أبرز نتائج الاستطلاع أن 46% من المسلمين في فرنسا “يعتقدون بضرورة تطبيق الشريعة”، دون توضيح أن هذه النسبة جُمعت عبر خلطٍ متعمد بين من قالوا إن الشريعة “تنطبق روحيًا”، وبين من قالوا إنها “قابلة للتكييف” مع قوانين البلاد.

وهو خلط اعتبره العديد من الخبراء تلاعبًا مقصودًا يهدف لصناعة انطباع بأن المسلمين يشكلون تهديدًا للقانون الفرنسي.

وسرعان ما تلقفت وسائل الإعلام اليمينية هذه الأرقام، وخرجت أصوات سياسية—مثل ماريون مارشال لوبان—محذّرةً من “ملايين المسلمين المتطرفين” الذين “سيفرضون الشريعة”.

ووصل التصعيد حدّ مطالبة وزير الداخلية لوران نونيز بإطلاق “المرحلة الثالثة لمحاربة تسلل الإسلام السياسي”، بما في ذلك سنُّ جريمة جديدة بعنوان “تقويض اللحمة الوطنية”.

وقد انهالت الانتقادات على IFOP من مؤسسات وشخصيات فرنسية بارزة، حيث أدان إمام المسجد الكبير في باريس الاستطلاع بوصفه “تحريفًا للروحانية الإسلامية وتحويلها إلى تهديد”.

أما رئيس المرصد الوطني لمكافحة الإسلاموفوبيا عبد الله زكري فاتهم المعهد بـ“تغذية الإثارة الأمنية لصالح برامج النقاش التلفزيونية”.

وذهب الصحافي جان بيير أباثي أبعد من ذلك بقوله إن الاستطلاع يعيد إنتاج خطاب اللاسامية القديمة عبر تصوير المسلمين على أنهم “عديمو الانتماء الوطني”—تمامًا كما صُوِّر اليهود خلال ثلاثينيات القرن الماضي.

ويأخذ الخبراء على الدراسة عددًا كبيرًا من الإشكالات المنهجية حيث حجم العينة الضئيل (1005 مشاركين من أصل نحو خمسة ملايين مسلم) وإدخال مفاهيم غير مُعرّفة مثل “الإسلاموية” و“السلفية” إلى جانب استخدام تقريبات وإسقاطات رقمية غير دقيقة، وإعطاء نتائج مثيرة للجدل، مثل أن “نصف المسلمات الشابات يرتدين الحجاب”، اعتمادًا على عينة من 149 امرأة فقط.

وما أطلق شرارة الغضب الأكبر لم يكن المنهجية فقط، بل هوية الجهة التي موّلت الاستطلاع.

فالجهة المعلنة، مجلة “Écran de Veille”، ليست سوى واجهة إعلامية يديرها عثمان تازغارت—وهو شخصية سبق ذكرها في تحقيقات فرنسية كجزء من شبكة تضليل وتقارير دعائية مرتبطة بالمخابرات الإماراتية.

وتحدثت صحيفة ليبراسيون ومنصة ميديابارت الاستقصائيتان بوضوح عن صلة المجلة بشركة Countries Reports Publishing—وهي شركة وهمية مسجلة في بريطانيا، مولت لسنوات منصات متخصصة في مهاجمة الإسلام السياسي وقطر، وتبين لاحقًا أنها ضلع في حملة تشويه أطلق عليها “أسرار أبوظبي”.

وأظهرت التحقيقات الفرنسية، التي شملت وثائق من شركة الاستخبارات السويسرية Alp Services، أن الإمارات دفعت ما لا يقل عن 5.7 مليون يورو لتشويه شخصيات ومنظمات أوروبية عبر تجنيد صحفيين لكتابة مقالات ملفقة وإنشاء بطاقات تعريفية مزيفة وتعديل صفحات ويكيبيديا وذلك بهدف تشويه سمعة المسلمين والجمعيات الإسلامية وخصوم الإمارات السياسيين.

وكان من بين المستهدفين سياسيون فرنسيون، ومؤسسات أكاديمية، وشخصيات عامة اتُّهمت ظلمًا بالارتباط بجماعة الإخوان المسلمين.

وقد وصف النائب بول فانييه (LFI) الاستطلاع بأنه “عملية وصم ممنهجة” تم “التكليف بها من جهة لها صلات مؤكدة بأجهزة الاستخبارات الإماراتية”.

أما النائبة كليمانس غيت فتساءلت: “إلى متى سنسمح لقوة أجنبية بتأليب الفرنسيين على بعضهم؟”.

وتتزامن هذه الفضيحة مع اتهامات فرنسية جديدة للإمارات بمحاولة التأثير على تحقيقات “تراكفين” ضد نائب يساري، في قضية أُغلق جزء منها بعد كشف أخطاء فادحة.

ويتفق الخبراء والمحامون والمنظمات المدنية على أن استطلاع IFOP لم يكن عملًا بحثيًا بقدر ما كان أداة سياسية لتأجيج المخاوف من المسلمين، في سياق متوتر تغذيه قوى يمينية داخل فرنسا، وبدعم خارجي مصدره الإمارات التي تواجه سجلًا طويلًا من التدخلات الإعلامية في أوروبا.

وينظر إلى الشكوى المقدمة بأنها ليست مجرد نزاع قانوني، بل معركة لحماية المسلمين الفرنسيين من الوصم الجماعي، وللدفاع عن القيم الجمهورية ذاتها—التي يُفترض أن تحمي الجميع دون تمييز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى