عقوبات أوروبية مرتقبة على الإمارات ملاذ الأثرياء الروس
قال المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، إن أوساط مسئولة في الاتحاد الأوروبي تدفع باتجاه فرض عقوبات على دولة الإمارات العربية المتحدة بعد أن شكلت ملاذ الأثرياء الروس هربا من العقوبات الغربية على خلفية حرب موسكو على أوكرانيا.
وذكر المجهر الأوروبي أنه يجرى بلورة موقف من حدة وحجم العقوبات المفترضة على الإمارات في أكثر من دولة أوروبية بالتنسيق مع مفوضية الاتحاد الأوروبي خاصة في حال استمرار الإمارات عن اتخاذ موقف بوجه تدفقات رؤوس الأموال الروسية.
وتشهد الإمارات تصاعدا في التدفقات المالية الضخمة للأثرياء الروس الباحثين عن ملاذات آمنة لحماية ثرواتهم وسط الحظر المالي الغربي على روسيا الذي طاول العديد من ممتلكاتهم في الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
وقالت وكالة “سافيل” العقارية البريطانية، حسب ما نقلت عنها قناة “سي إن بي سي” الأميركية، إنّ قيمة الصفقات العقارية التي شهدتها دبي في العام الماضي 2021 بلغت 35 مليار دولار.
وحسب الوكالة المتخصصة في العقارات الفاخرة في أنحاء العالم وتنشط أعمالها في الإمارات، فإنّ هذه الفورة العقارية التي تشهدها إمارة دبي تعد الأكبر منذ أزمة المال العالمية في عام 2008 وجاءت بعد سنوات من الركود العقاري.
ولا يستبعد خبراء أن يكون أثرياء روسيا الهاربون من جحيم التجميد والعقوبات المالية بالدول الغربية وراء هذه الصفقات.
ومن غير المعروف تحديداً حجم الأموال التي وصلت إلى إمارة دبي خلال العام الجاري الذي بدأت فيه فعلياً الحرب الروسية على أوكرانيا وتفعيل إجراءات الحظر الغربية ضد الشركات الروسية والأثرياء.
لكنّ خبراء يرون أنّ بعض حسابات أثرياء روسيا تم تحويلها من عواصم المال الغربية إلى حسابات بنكية في دبي، إذ إنّ البنك المركزي الإماراتي لم يصدر أيّ إجراءات بشأن كيفية تعامل البنوك والشركات في دولة الإمارات مع العقوبات المالية على روسيا.
كما أنّ الإمارات لم تعلن حتى الآن موافقتها على العقوبات المالية التي أقرتها الدول الغربية على روسيا ومؤسساتها المالية والشخصيات التي شملها الحظر.
وخلال السنوات الأخيرة بنت الإمارات علاقات وثيقة مع نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما أنّ لديها علاقات متوترة مع واشنطن، وهذا ما يشجع الثروات الروسية على تفضيل دبي على الملاذات المالية الأخرى.
ولا توجد إحصائيات دقيقة حتى الآن لحجم الثروات التي حولتها طبقة الأوليغارشية الروسية إلى دبي أو حجم العقارات التي اشتروها خلال الأسابيع الأخيرة.
لكنّ رجل العقارات الإماراتي حسين سنجواني، قال في تعليقات نقلتها قناة “سي إن بي سي” إنّ “العديد من الشخصيات الروسية حاولت حلّ مشاكلها الخاصة بالعقوبات… ودبي تستفيد من أيّ أزمة”.
يذكر أنّ صحيفة “وول ستريت جورنال” ذكرت أنّ هناك توتراً في العلاقات بين أبوظبي وواشنطن، فقد رفضت الإمارات الغنية بالنفط زيادة الإنتاج النفطي في اجتماع “أوبك+” الأخير والاستجابة لطلب واشنطن حتى تتمكن الدول الغربية من حظر النفط الروسي.
وفي الشأن ذاته، قال رئيس وحدة الجرائم المالية بشركة ستيوارت للمحاماة في لندن، ديفيد سافاج: “الأغنياء الروس يبحثون عن ملاذات أوفشور لإخفاء أموالهم من التجميد منذ مدة طويلة”.
وأضاف سافاج في تعليقات لنشرة “سيتي أيه أم ” اللندنية التي تعنى بأخبار “حي المال” البريطاني: “إنّهم، أي أثرياء روسيا، يبحثون عن الدول التي ليست عضواً في حلف الناتو أو أعضاء بالمجموعة الأوروبية أوعن أيّ دولة لم تحظر روسيا لإخفاء ثرواتهم”.
وأشار إلى أنّ قائمة الدول التي لم تحظر روسيا حتى الآن باتت محدودة أمامهم، وهي الإمارات وكوريا الجنوبية والصين والهند”.
وحتى الآن يبدو أنّهم يفضلون دبي لسهولة الإجراءات، ولأنّ العديد منهم يملكون عقارات في الإمارات، كما يتخوفون من كشف الصين لثرواتهم للرئيس فلاديمير بوتين.
من جانبها، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إنّ “وتيرة تدفق الأموال المشبوهة بدبي في ارتفاع ملحوظ خلال الأسابيع القليلة الماضية”.
وأشارت إلى أنّ عشرات رجال الأعمال الروس الذين لديهم علاقات مباشرة مع بوتين يملكون مسبقاً عقارات في دبي، وهو ما يجعل من الإمارة مركزاً مفضلاً لنقل ثرواتهم.
وتتباين تقديرات الثروة التي يملكها أغنياء روسيا في الخارج، لكنّها تتراوح بين تريليون دولار وأكثر من تريليوني دولار، وتتركز معظم الثروات الروسية في البنوك التجارية بسويسرا وبريطانيا والنمسا، وفي ملكية العقارات الفاخرة في بريطانيا.
وتقدر جمعية الصناعة المالية في سويسرا، حجم الأموال الروسية في الحسابات السرية بالبنوك السويسرية بنحو 213 مليار دولار، لكنّ هذه التقديرات قد تكون متواضعة ولا تشمل الحسابات الروسية في فروع المصارف السويسرية في جزر الأوفشور.
وفي الشأن ذاته، قدرت ورقة بحثية أميركية أعدها ثلاثة اقتصاديين من وكالة الاقتصاد الوطني الأميركية في عام 2017، حجم الثروات الروسية في الخارج بنحو 800 مليار دولار.
كما يقدر معهد “أتلانتك كاونسل” للدراسات حجم الأموال الروسية في الخارج بنحو تريليون دولار. وفي بريطانيا تقدر منظمة الشفافية الدولية حجم الأموال الروسية التي يخفيها الأوليغارشيين أو أثرياء روسيا في العقارات البريطانية بنحو 1.5 تريليون جنيه إسترليني، أي نحو تريليوني دولار.
ويلاحظ أنّ هذه الثروات الضخمة التي يملكها الأفراد الروس تكونت في سنوات قليلة جداً، وهي السنوات التي تلت تفكك الاتحاد السوفييتي في التسعينيات وتخصيص القطاع العام الضخم الذي تملكه الإمبراطورية السوفييتية وتم بيعه بأسعار بخسة للشخصيات القريبة من دائرة النفوذ السياسي في الكرملين.
ويعد حي المال البريطاني من المراكز المالية المفضلة لدى الأثرياء الروس بسبب مزايا الحصول على الفيزا الذهبية التي تمنحهم الإقامة.
كما يوفر لهم التوظيف الآمن والمربح للثروات بما يملكه من الخبرات والعلاقات الدولية مع مراكز المال العالمية الكبرى في أميركا وآسيا، لكنّ الحظر المشدد الذي نفذته بريطانيا خلال فبراير/ شباط الماضي أدى إلى بحثهم عن ملاذات أخرى، ومن بينها الإمارات.
وأعلنت الحكومة البريطانية معاقبة الأثرياء المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين وفرض حظر على سفر سبعة أثرياء روس مع تجميد أصولهم.
ومن بينهم رومان أبراموفيتش الملياردير صاحب نادي تشلسي، وإيغور سيتشين الرئيس التنفيذي لشركة النفط الروسية العملاقة “روسنفت”، ويبلغ حجم العقوبات 20 مليار دولار، وذلك من ضمن الإجراءات التي تطاول الأوليغارشية الروسية، عقاباً على غزو أوكرانيا.
وقال أصحاب وكالات عقارية في لندن لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، إن الحظر المشدد على أثرياء روسيا بدأت أثاره تظهر في سوق العقارات البريطاني، حيث بدأت العقارات الغالية الثمن تنزل إلى السوق”.
وخلال الأسابيع الماضية صادرت الحكومات الأوروبية مجموعة من المقتنيات الفاخرة التي يملكها أثرياء روسيا من يخوت وفلل.
وتتركز الثروة الروسية لدى فئة قليلة من سكان روسيا. ويقدر خبراء أنّ 500 ثري في روسيا تبلغ ثروة الواحد منهم نحو مائة مليون دولار يملكون نحو 40% من إجمالي الثروة الروسية.