Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

خفايا رفض المغرب مساعدات فرنسا والجزائر

تناولت دراسة بحثية أصدرها “المجلس الأطلسي” خفايا رفض المغرب الذي ضربه زلزالا مدمرا مؤخرا مساعدات فرنسا والجزائر.

ولا تزال اللقطات المروعة تتدفق من المغرب بعد الزلزال الذي هز جبال الأطلس الكبير الهادئة بمنطقة الحوز على مشارف مراكش، حيث تم تسوية قرى بأكملها تقع على أعلى قمم المملكة بالأرض.

يقلب الآباء الغاضبون الحجارة لإلقاء نظرة على الحياة من تحت الأنقاض وهناك صفوف من الجثث ملفوفة بالبطانيات في انتظار الدفن.

في الأيام التي تلت الزلزال، تحول العالم أنظاره إلى الدمار الذي خلفه الزلزال، وكذلك إلى إدارة الرباط للأزمة والسياسة التي تقف وراءها.

بعد وقت قصير من وقوع الزلزال، عقد العاهل المغربي الملك محمد السادس اجتماعا طارئا وأمر قواته العسكرية بكسر عزلة القرى النائية التي كانت في أمس الحاجة إلى الغذاء والمأوى والرعاية الطبية.

وأظهرت الصور مروحيات وعسكريين مغاربة يتحدون قوى الطبيعة ويقومون بمهام إنقاذ محفوفة بالمخاطر.

كان رد فعل المجتمع الدولي سريعاً على الزلزال أيضاً، حيث أعرب عن تعاطفه وعرض المساعدة، وأعرب زعماء العالم في قمة مجموعة العشرين، بما في ذلك الدولة المضيفة الهند، عن تضامنهم الكامل واستعدادهم لنشر مهام الإنقاذ على الأرض.

في الوقت الذي سمح فيه المغرب لفرق البحث من دول عدة بالوصول إلى مناطق الكوارث ونشر عملياتها الميدانية، فقد رفض أو تجاهل المساعدات التي قدمتها فرنسا والجزائر.

ويرجع ذلك على الأرجح إلى التوترات السياسية والدبلوماسية المستمرة مع مستعمرها السابق وجارتها الشرقية.

تم تداول صور وحدات البحث والكلاب البوليسية الإسبانية والقطرية والإيطالية والسنغالية، من بين أوائل المستجيبين الآخرين، بعد وقت قصير من وقوع المأساة.

تسييس الإنقاذ الإنساني

منذ انتشار الخبر في وقت متأخر من يوم الجمعة، سارع المعلقون ووسائل الإعلام الفرنسية إلى اتهام السلطات المغربية بعدم الكفاءة وإلقاء اللوم عليها في “قتل شعبها بصمت”.

بدورهم، رأى مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي والمثقفون المغاربة أن الرد الفرنسي كان متعاليا، نابع من إرث من الغطرسة الاستعمارية والتدخل في القرارات السيادية للبلاد.

ومع مرور الساعات والمغرب لم يستجب بعد لعرض باريس للمساعدة في إدارة الكارثة الطبيعية، تعالت الأصوات التي تتهم المغرب بـ “رفض التدخلات الإنسانية على حساب سكانه المنكوبين”.

وفي مقابلة مع محطة الأخبار الفرنسية BFM TV، ردت الصحفية المغربية سميرة سيتايل بقوة ضد وجهة النظر التي عبر عنها المشاركون، واتهمتهم بـ “التحريض على التمرد بين الشعب المغربي ونشر ادعاءات كاذبة”.

لم يستسلم المغرب للضغوط، وأصدرت وزارة الداخلية بيانا شكرت فيه المجتمع الدولي وشرحت الأساس المنطقي وراء اختيارها قبول فرق الإنقاذ من أربع دول فقط.

وذكرت الوزارة أن فتح أراضيها أمام جميع طلبات تقديم العروض “سيؤدي إلى نتائج عكسية وفوضوية”، وأنها “تواصل تقييم الاحتياجات والاستجابة وفقًا لذلك بما يتوافق مع المعايير الدولية”.

تشير الحقائق إلى خلاف ما أعلنه المغرب، وتشير إلى احتكاكات أعمق بين البلدين، وتشير تقارير محلية إلى أن العاهل المغربي رفض تلقي اتصال تعزية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ولعل ماكرون توقع أنه في تقديمه للمساعدة سيتلقى رداً مماثلاً للحشود اللبنانية التي رحبت به وبالمساعدات الفرنسية خلال زيارته لبيروت عام 2020 بعد الانفجار القاتل هناك.

وإذا كان الأمر كذلك، فيبدو أنه نسي أن شمال أفريقيا لوحت منذ فترة طويلة بالوداع لقصة الحب الخاضعة “للمركز مقابل المحيط” للأم فرنسا (ماما فرانسا).

والحقيقة الصعبة هي أنه حتى عمليات الإنقاذ الإنسانية تظل سبباً للحسابات والتوترات السياسية، سواء كان ذلك استجابة لحالة طوارئ أو بشكل عام لأغراض التنمية.

لا ينبغي أبدًا فرض المساعدات على أي دولة، ويجب أن تشعر دول الجنوب العالمي دائمًا بالسيطرة على من يُسمح له بالعمل في أراضيها السيادية، وهذه قضية مشحونة بشكل خاص بالنظر إلى الماضي الاستعماري للمغرب والانتعاش الأخير لعموم أفريقيا الذي يرفض التدخل الفرنسي ومعاملة القارة وكأنها فناء خلفي لباريس.

من خلال عدم قبول المساعدات الفرنسية، يبدو أن القادة المغاربة ينظرون إلى بلادهم على أنها ترفض التضحية بنفسها بعد الزلزال أو تقديم نفسها كمناشدة للأعمال الخيرية الخارجية.

في مقابلة أجريت مؤخراً، أوضحت سيلفي برونيل، الرئيسة السابقة لمنظمة العمل ضد الجوع، وجهة النظر هذه، وأوضحت أن المغرب يفضل تصنيف نفسه على أنه مستقل وقادر على تعبئة الموارد لمعالجة مصاعبه، وهو ما يفسر سبب سماحه فقط للجهات الفاعلة الدولية التي يعتقد أنها تفهم هذه الشروط وتحترمها.

بالإضافة إلى ذلك، أصبح المغرب معروفًا بأسلوبه الفريد في العلاقات الخارجية وإدارة الأزمات – المعروف باسم “أسلوب محمد السادس” في الأوساط المغربية – والذي أصبح أكثر ثقة على مر السنين في إبعاد نفسه عن فرنسا وإقامة علاقات أقوى مع الحلفاء الجدد والمتعافين.

أنهت المملكة الواقعة في شمال أفريقيا مهام سفيرها لدى فرنسا، محمد بنشعبون، في فبراير 2023 بعد سلسلة من الخلافات بين البلدين، بما في ذلك فضيحة برنامج التجسس بيغاسوس في عام 2020.

في الواقع، تزايدت الخلافات بين الإليزيه والمخزن كما وبدأ الأخيرون يطالبون بمواقف أكثر وضوحاً بشأن قضية الصحراء الغربية، حيث تم تعزيز قوة المغرب في هذا الملف من خلال تقارب أقوى مع الولايات المتحدة وإسرائيل وإسبانيا، وجميعهم يعترفون الآن بمطالبات المغرب بشأن المنطقة المتنازع عليها.

قال الملك محمد السادس في خطاب ألقاه عام 2022، واصفا فيه توجهات السياسة الخارجية لبلاده، إن “قضية الصحراء هي العدسة التي ينظر المغرب من خلالها إلى العالم” ولا يختلف الأمر خلال هذه الكارثة الوطنية.

وفي خطوة استثنائية، عرضت الحكومة الجزائرية -أشرس خصم إقليمي للمغرب منذ قطع العلاقات الدبلوماسية في أغسطس 2021- فتح مجالها الجوي أمام المساعدات الإنسانية والإجلاء الطبي وتقديم المساعدة الإنسانية “إذا طلب المغرب ذلك”، وهو عرض آخر قررت الرباط أن تتجاهله.

إذا قبل المغرب مساعدة الجزائر، وهو الذي رد بالمثل على اقتراح الرباط لمساعدة الجزائر في مكافحة حرائق الغابات في عام 2021، فقد يكون ذلك بمثابة فرصة جديدة في العلاقة المتوقفة والمعقدة بين الجارتين.

ومع ذلك وبالنظر إلى التاريخ التراكمي للاستفزازات والحوادث المتبادلة – بما في ذلك إطلاق النار في 1 سبتمبر/أيلول على يد خفر السواحل الجزائريين على السياح الذين كانوا يزورون المغرب بعد أن ضلوا طريقهم إلى المياه الجزائرية – فمن غير المرجح أن يؤدي أي تضامن مؤقت بعد وقوع كارثة طبيعية إلى مصالحة أكثر جوهرية.

سيحتاج المغرب إلى دعم مالي ولوجستي كبير لإعادة بناء الصروح المدمرة في مراكش وجبال الأطلس الكبير بعد ان تسبب الزلزال في تدمير البنية التحتية المدنية الحيوية.

بما في ذلك الطرق والمدارس والمستشفيات ومحطات الكهرباء وستحتاج الأسواق الناشئة الغنية ثقافيًا والمعتمدة على السياحة أيضًا إلى تدخلات عاجلة لإعادة تأهيل المواقع التراثية المتضررة وحمايتها.

تشير التقييمات الأولية إلى أن مسجد الكتبية في مراكش، وهو مبنى يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر بناه الخليفة الموحدي عبد المؤمن، قد تصدع أثناء الزلزال، وكذلك الحال بالنسبة للقلعة القديمة والعديد من المباني التاريخية في مراكش.

كما تضرر جامع تنمال الكبير، مهد حركة الموحدين وضريح زعيمها المهدي بن تومرت، وتشمل المواقع التراثية الهامة الأخرى التي تأثرت بالمأساة ضريح مولاي إبراهيم الصوفي الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر وقلعة أغادير أوفيلا في أغادير.

في 9 سبتمبر/أيلول، تعهدت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، أودري أزولاي، بمساعدة السلطات المحلية في تقييم الأضرار وإعادة بناء المواقع ذات الأهمية الثقافية والتعليمية.

وستكون هناك حاجة إلى تمويل كبير وخبرة في إنقاذ التراث بعد الأزمة من أصدقاء وحلفاء المغرب الدوليين لمعالجة الأضرار الجسيمة على الأرض.

وقد قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن البلاد قد تخسر 8٪؜ من ناتجها المحلي الإجمالي هذا العام بسبب الزلزال الذي أدى إلى تفاقم الانكماش الاقتصادي المستمر في البلاد.

على الرغم من الحاجة الماسة إلى المساعدات الدولية لمساعدة الرباط على التخفيف من الصعوبات الإنسانية والاقتصادية التي تلوح في الأفق، فإن المملكة مصرة على وضع بعض القواعد الأساسية مع الشركاء الأجانب وعدم قبول أي مساعدة من شأنها، كما يرى المغرب، أن تأتي على حساب كرامتها وسيادتها الوطنية.

في الماضي، استخدمت الدول الغربية مساعدات التنمية والإغاثة في حالات الكوارث كحوافز للإصلاحات السياسية ومجموعة من التدخلات.

وقد يزعم البعض أن الإغاثة في حالات الكوارث لابد أن يتم التمييز بينها وبين مساعدات التنمية، نظراً للظروف غير المتوقعة والمحفوفة بالمخاطر التي تتطلب المساعدة، ولكن هذا في نهاية المطاف قرار يتعين على البلدان أن تتخذه بنفسها.

من الواضح أن هذا النموذج بدأ يتغير، وأن الجنوب العالمي ينمو بثقة ويطور قدراته وخبراته المحلية في مواجهة الكوارث الإنسانية.

وفي حالة المغرب، فإنها تستخدم هذه الأزمة كفرصة علاقات عامة لإعادة تصوير نفسها كدولة قادرة ومستقلة، واليوم، في منطقة المغرب العربي وفي مختلف أنحاء القارة الأفريقية، يبدو أن عصر التدخل الأجنبي من خلال البعثات الإنسانية قد انتهى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى