Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

أسرار حملة تشويه أطلقتها الإمارات ضد مؤسسات إسلامية في أوروبا

كشفت مجلة (NEW YORKER) الأمريكية، عن أسرار تعاقد دولة الإمارات العربية المتحدة مع شركة استخبارية سويسرية في مهمة حملة تشويه أطلقتها أبوظبي ضد مؤسسات إسلامية في أوروبا.

وقالت المجلة في تحقيق مطول لها ترجمه المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، إن الإمارات استعانت بشركة للتجسس والاختراق لمحاربة وتشويه سمعة عشرات المنظمات والمؤسسات ذات المرجعية الإسلامية في أوروبا منذ مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي.

وأوضح التحقيق الذي أجراه الصحفي الأمريكي ديفيد كيركباتريك، أن حملة التحريض والاختراق الإماراتية للمؤسسات الإسلامية تصاعدت عقب “الانقلاب العسكري” على الرئيس المصري محمد مرسي عام 2013.

وأظهر التحقيق أن الإمارات استهدفت بوسائل متعددة التحريض على المؤسسات الإسلامية في أوروبا، بما في ذلك استخدام شركة “ألب سيرفيسيز”، للاستخبارات والتأثير المثيرة للجدل بأساليبها.

وكشف التحقيق أن الإمارات كانت تدفع ماريو بريرو مؤسسة شركة ألب مائتي ألف يورو شهريًا لتحديد مواقع الأهداف ومهاجمتها في جميع أنحاء أوروبا.

وأفاد التحقيق بأن الإمارات التي تخشى أسرها الحاكمة من تأثير ثورات الربيع العربي عليها، استخدمت شركة “ألب سيرفيسيز” لاستهداف منظمات ومؤسسات وشركات مملوكة في أوروبا كان أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين من بين مؤسسيها.

واعتبر أن أكبر حملة دبرتها الإمارات كانت ضد منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية، وهي مؤسسة خيرية دولية كبرى تأسست عام 1984 على يد عصام الحداد، الذي عاد لاحقا إلى مصر ولعب دورا بارزا في جماعة الإخوان المسلمين.

وقال التحقيق إن الإمارات، ومنذ انقلاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي في مصر عام 2013، وضعت عشرات المنظمات والمؤسسات على ما تعتبرها “قائمة إرهاب”، وشرعت بتشويه صورتها في الغرب لتقويض نشاطها.

وأوضح أنه من بين المنظمات التي استهدفتها الإمارات: مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، والجمعية الإسلامية الأمريكية، ومنظمة الإغاثة الإسلامية، والمنظمة الخيرية الدولية.

 

التقى معد التحقيق الصحفي كيركباتريك مع حازم ندا، وهو رجل أعمال أمريكي متزوج من سيدة سعودية، ونجل يوسف ندا القيادي في الإخوان المسلمين ومفوضها السابق للعلاقات الدولية، وهي الجماعة التي ينتمي إليها مرسي وشاركت في ثورات الربيع العربي التي أطاحت بحكام، بينهم الرئيس المصري حسني مبارك (1981-2011).

وقال حازم إنه تلقى عام 2017 رسالة نصية من شركة الهاتف المحمول تسأله عن مستوى خدمة العملاء، لكن الرسالة أثارت شكه فاتصل بصديق في الشركة، ليكتشف حازم أن شخصا انتحل هويته وحصل على نسخ من سجل مكالماته.

وفي خريف 2017، تلقى مكالمة زائفة، إذ اتصل به رجل تظاهر بأنه يمثل “سيتي بنك” وطلب منه معلومات مصرفية عن شركة “لورد إنيرجي” لنقل السلع والنفط التي يمتلكها حازم، مدعيا أنه تحويل أموال إلى الشركة، بحسب كيركباتريك.

وأضاف أن حازم أسس تلك الشركة في 2008 واضطر إلى أن يثبت لكل مصرفي يتعامل معه أنه لا علاقة لها بوالده، لكن موقع “أفريكا إنتليجنس” المختص في الشؤون الاستخباراتية اعتبر أن “لورد إنيرجي” تمثل “تجسيدا جديدا للشركة العائلية”، في إشارة إلى ارتباطها بالأب ندا.

وأردف: في البداية، اعتقد حازم أن ما يواجهه كان “مؤامرة من منافس”، لكن في 5 يناير/ كانون الثاني 2018، كتب الصحفي السويسري سيلفان بيسون مقالا في صحيفة “لوتون” بجنيف زعم فيه أن “لورد إنيرجي” هي “غطاء لخلية للإخوان المسلمين”.

وأضاف بيسون، وهو مؤلف كتاب زعم فيه أن يوسف ندا متورط في “مؤامرة إسلامية”، أن “أبناء القادة التاريخيين للتنظيم تحولوا نحو الاستثمار في قطاع النفط والغاز”.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ نشر “أفريكا أنتليجنس” تقريرا جديدا زعم فيه أن موظفي “لورد إنيرجي كانوا “نشطين في المجالين السياسي والديني”، وتضمن محتوى “ويكيبيديا” حول الشركة مزاعم عن صلتها بالإرهاب، وفقا لكيركباتريك.

وأضاف أنه ظهرت أيضا أخبار على مواقع إلكترونية، بينها منصة “ميديوم”، بعناوين منها: “لورد إنيرجي: الشركة الغامضة التي تربط بين (تنظيم) القاعدة والإخوان المسلمين”، و”شركة الإخوان المسلمين التجارية لورد إنيرجي مرتبطة بكريدي سويس (بنك)”.

و”بعد ستة أشهر من أول محتوى لأفريكا أنتلجنس عن الشركة، أدرجت وورلد تشيك (قائمة التحقق العالمية) وهي قاعدة بيانات تعتمد عليها البنوك لفحص هوية العملاء، كلا من حازم ولورد إنيرجي ضمن الفئة الخطيرة التي لها علاقة بالإرهاب، مما أدى إلى انسحاب خمس مؤسسات مالية من مفاوضات مع حازم وإلغاء بنك “يو بي إس” لحسابه الشخصي وحساب والدته”، بحسب كيركباتريك.

وأردف أنه بعد تسعة أيام، حذفت قائمة التحقق العالمية اسم حازم من القائمة، وكتب أحد محاميها رسالة اعتذار إلى حازم مفادها أنه “تم ارتكاب خطأ” بالإضافة إلى “خطاب اعتذار” يمكن عرضه على المقرضين للشركة.

واستدرك: “لكن الضرر الناجم عن ربط القائمة لحازم بالإرهاب أصبح ملموسا، ففي ديسمبر/ كانون الأول 2018، وبعد فترة طويلة من التعامل، توقف “كريدي سويس” عن التعامل مع “لورد إنيرجي”.

وقال كيركباتريك إن المدعي السويسري السابق ديك مارتي حاول مساعدة حازم، وذهب معه إلى مكتب المدير الإقليمي لـ”يو بي إس” لتوضيح الأمر، فرد المدير بأن ظهور علاقة للشركة بالإرهاب كان سببا كافيا ليلغي البنك حساب حازم ووالدته بغض النظر عن الحقيقة.

وأضاف: مارتي يعتقد أن حملة من المزاعم  دمرت ثروة والد حازم، والسيناريو ذاته يتكرر اليوم مع الابن. وبينما كان مارتي يعرف سبب كره مبارك ليوسف، فإنه لم يستطع فهم سبب استهداف حازم؛ حيث قال مارتي “إنه (حازم) ليس من المتشددين”.

وجراء أضرار حملة التشويه الممنهجة، لم تعد “لورد إنيرجي” قادرة على تمويل شحناتها واضطرت إلى تسريح موظفيها، بحسب كيركباتريك.

وتابع: أما حازم فأصبح مرتبكا لا يستطيع النوم، وفي ليلة تناول حبة دواء للأرق، لكن تأثيرها لم يدم طويلا، فاستيقظ على نوبة هلع وهو يرتجف. وقال لي: كنت أركض وأصرخ كالمجنون لمدة 6 ساعات، وعندما نقلتني عائلتي إلى المستشفى أعطاني الطبيب مخدرا يكفي لتخدير فيل.. واستمرت نوبات الهلع لعدة أشهر.

وقال حازم: “الدائنون كانوا يطاردونني من جميع أنحاء العالم: الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والجابون.. الأمر كان مريعا”.

وفي أبريل/ نيسان من ذلك العام، أوقفت “لورد إنيرجي” عملياتها وسعت إلى الحصول على الحماية من الإفلاس، وفقا لـكيركباتريك.

وأردف: ولاحقا، اشتكى حازم للشرطة السويسرية من أن شخصا ما كان ينظم حملة لتشويه سمعته، وبعد تحقيق سريع التقى به ضابط لشرح سبب إغلاق ملف القضية، وعندما غادر الضابط الغرفة لبضع دقائق وجد حازم نفسه وحيدا مع الملف.

وعلى أمل الحصول على إجابات، سارع إلى الاطلاع على الملف، وفوجئ، كما أخبرني، بأن الضابط كتب ملاحظات تصفه بأنه مصاب بــ”جنون العظمة”. فيما رفضت الشرطة والمدعي العام التعليق، بحسب كيركباتريك.

كيركباتريك قال إنه بعد لقاء حازم مع الضابط السويسري، أرسل رسالة عبر البريد الإلكتروني الخاص بشركة “ألب سيرفيسيز” يشكو فيها من “الاحتيال والاتصالات المخادعة للحصول على معلومات”، مقترحا حل المسألة “وديا”. لكنه لم يتلق أي رد.

وأضاف: ومطلع 2021، أرسل رسالة أخرى إلى الشركة، مهددا بـ”التداعيات الشخصية والمهنية على الوكلاء والشركة”، إذا لم تصحح المزاعم الكاذبة التي يبدو أنها انتشرت عن صلته بالإرهاب مما أدى إلى انهيار شركته.

وفي أبريل/نيسان من ذلك العام، وبينما كانت زوجته على وشك أن تضع طفلهما الثاني، تلقى حازم رسالة من رقم فرنسي ادعى فيها المرسل المجهول أنه يتحدث نيابة عن مخترقين اخترقوا حسابات “ألب سيرفيسيز” على الإنترنت، وفقا لكيركباتريك.

وتابع: كدليل، قدَّم المرسل إلى حازم نسخة من رسالة التهديد التي أرسلها إلى بريد الشركة.. كان رأس حازم مشوشا: هل هذه خدعة من الشركة نفسها؟. ثم أطلعه المرسل على رسائل بريد إلكتروني داخلية للشركة توجه نشطاء لكتابة مقالات على الإنترنت تصفه بأنه متطرف.

وأضاف أن المخترقين طلبوا من حازم 30 مليون دولار من العملات المشفرة مقابل حصوله على ملفات “ألب سيرفيسيز” وبينها رسائل البريد الإلكتروني والعروض والتقارير والصور والفواتير، والمكالمات الهاتفية المسجلة، لكنه أبلغه أنه ليس قادرا على دفع هذا المبلغ.

خلال يومين من الاتصال الأول، أبلغ حازم السلطات السويسرية بالأمر، وتوجه عميل الاستخبارات أنطونيو كوفر إلى المستشفى، حيث كانت زوجة حازم تلد، والتقط صورا للرسائل المشفرة، بحسب كيركباتريك.

وأضاف أنه يبدو أن الصحفي الفرنسي اللبناني رولان جاكار، الذي يدعي أنه خبير في “التطرف السري للمسلمين الأوروبيين”، هو مَن أوصى الإماراتيين بالاستعانة بخدمات ماريو بريرو صاحب “ألب سيرفيسز” المعنية بالتجسس والاختراق.

وأوضح أن ملفات الشركة التي جرى اختراقها تتضمن مذكرات مكتوبة بخط اليد لجاكار حول الاستعداد لشن حملة ضد قطر والإسلاميين الفرنسيين، فيما تُظهر السجلات المالية أن الشركة دفعت له عمولة 10% على عقودها مع الإمارات.

وبين يونيو/ حزيران 2017 ويناير/ كانون الثاني 2021، قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر؛ بزعم علاقتها بالإرهاب، وهو ما نفته الدوحة واتهمت الدول الأربع بمحاولة مصادرة قرارها السيادي.

وقال كيركباتريك إنه في أغسطس/آب 2017، وصل بريرو إلى فندق فيرمونت بأبوظبي في ضيافة حكامها، وكان قد أعد حوارا من 14 صفحة لإقناع الإماراتيين بالدفع له لمواجهة قطر وحلفائها من الإخوان المسلمين.

وكتب بريرو في ملاحظاته: “نهدف إلى تشويه سمعة أهدافنا بنشر المعلومات المحرجة والمُسومة بتكتم وعلى نطاق واسع.. في أعين وسائل الإعلام سيظهر المستهدفون على أنهم منحرفون أو فاسدون أو متطرفون”.

وأضاف أن اسم العميل الإماراتي للشركة كان مؤسسة إماراتية تسمى “أرياف للدراسات والبحوث”، لكن ملفات الشركة توضح أن الفواتير ذهبت إلى رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وتابع أن بريرو خاطب مضيفه باسم مطر، والصور التي التقطها أحد عملاء الشركة في اجتماعات بأبوظبي تتطابق مع مطر حميد النيادي، مساعد مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد شقيق رئيس البلاد.

وأردف أن بريرو سجل في عملية تدقيق داخلية أن الإمارات وافقت على ميزانية أولية من 4 إلى 6 أشهر مقابل مليون ونصف المليون يورو للحصول على دليل ملموس حول قطر والإخوان المسلمين في أوروبا.

أما بالنسبة لحازم ندا، فقال كيركباتريك إن اسمه لم يرد في نقاط حديث بريرو، الذي اقترح في البداية استهداف متعاطفين مع الإخوان، لكن يبدو أن فكرة استهداف حازم نشأت في محادثات مع الصحفي بيسون.

وزاد بأنه في أول تقرير رسمي لبريرو إلى الإماراتيين، بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، كتب: “لماذا حازم ندا؟”. واستندت إجابته في 48 صفحة إلى افتراض أن حازم امتداد لوالده قائلا: “يوسف ندا الآن مليونير يبلغ من العمر 86 عاما، ومن الطبيعي أن يسلم أعمال العائلة إلى الجيل القادم”.

وفيما يلي النص الكامل للتحقيق:

في صيف سنة 2017، تلقى حازم ندا، وهو أمريكي بالغ من العمر 34 سنة يعيش في كومو بإيطاليا، رسالة نصية آلية من شركة الهاتف المحمول الخاصة به تسأله: “كيف كانت خدمة العملاء لدينا؟”، ونظرا لشعورة بالارتياب من هذه المكالمة؛ اتصل بصديق في الشركة؛ حيث حصل شخص ينتحل صفة ندا على نسخ من سجل مكالماته. وبعد بضعة أسابيع؛ نبهه مدير حسابه في  بنك كريدي سويس إلى أن محتالًا لا يبدو مثل ندا – لديه صوت أخن وطفولي – قد اتصل هاتفيا وطلب تفاصيل مصرفية، وأخبرني ندا:  أنه “بدأ يشعر أن هناك من يحاول الاحتيال عليه”.

كان ندا مؤسسًا لـ”لورد إنيرجي”، وهي شركة تجارة سلع تبلغ من العمر تسع سنوات، ويرمز “اللورد” إلى “سائل أو جاف”، لأن الشركة تشحن النفط الخام والمواد الجافة مثل الأسمنت والذرة.

ولقد صنع مكانة  في السوق من خلال إنشاء طرق غير تقليدية مثل: ليبيا إلى كوريا، والجابون إلى إيطاليا. وبحلول صيف سنة 2017؛ كان لشركة لورد إنيرجي – التي كانت تتخذ من لوغانو مقرًّا لها – وهي مدينة سويسرية عبر الحدود من كومو – مكتبًا تابعًا لها في سنغافورة، و آخر في هيوستن،  ناهيك عن أن عائداتها السنوية  كانت تعادل ملياريْ دولار.

كان ندا، الذي هاجر والداه من مصر وسوريا، طويلًا ونحيلًا، وذو شعرٍ داكن مجعد وتزوج مؤخرًا من امرأة سعودية التقى بها بينما كانت تقضي إجازتها مع عائلتها في سويسرا. لديهم الآن ابنة، ويقومون بتجديد قصر تاريخي على طراز  ليبرتي يقع على تل مشجر يطل على بحيرة كومو.

وكانت المناظر الخلابة للممتلكات وحوض السباحة بجانب التل مذهلة للغاية لدرجة أن جورج كلوني – أحد الجيران – صوّر إعلانًا تجاريًا لنسبريسو هناك، جنبًا إلى جنب مع جاك بلاك والعديد من النساء الفاتنات. كهواية؛ حصل ندا على رخصة طيار وكان يمارس القفز بالمظلات.

وفي شهر آذار/مارس من تلك السنة؛ افتتح نشاطًا تجاريًا ثانيًا خارج ميلانو، والذي كان عبارة عن نفق هوائي عمودي، استخدمه الجيش الإيطالي والقوات الجوية الأمريكية لتدريب المظليين.

على الرغم النجاح الذي يحققه ندا في حياته، إلا أنه كان يعتقد أن حياته تفتقر إلى مغزىً ومعنىً حقيقي، خاصةً عندما يقارن نفسه بوالده يوسف، الذي كان  يبلغ في السن وقتها 86 سنة. انضم يوسف إلى جماعة الإخوان المسلمين، عندما كان مراهقًا في الإسكندرية سنة 1947، خلال عقود تأسيس الجماعة.

لم ينخرط أبدًا في أعمال عنف؛ ولا حتى في أعمال الشغب التي سبقت انقلاب سنة 1952 الذي أطاح بالنظام الملكي في مصر المدعوم من بريطانيا. لكن، مع تعزيز قادة الانقلاب سلطتهم، أمروا بسجن الآلاف من أعضاء الإخوان، بمن فيهم يوسف؛ حيث أمضى سنتين في السجن، وذهب إلى المنفى، وجمع ثروة من الأعمال التجارية؛ في ليبيا، والنمسا، والولايات المتحدة، وأخيرًا في سويسرا.

وفقًا للتقاليد الإسلامية؛ أسس بنكا لم يكن يحصل على معدل الفائدة التقليدي، وأصبح مانحًا رئيسيًا لجماعة الإخوان وسفيرا دوليًا لها، وكان يحب أن يطلق على نفسه وزير خارجية الحركة.

على النقيض من ذلك؛ أسس حازم جميع أعماله في  بلدان غربية؛ حيث وُلِد في سيلفر سبرينغ بولاية ماريلاند، وكان يشعر بالملل من السياسة، ومتدينًا بالفطرة، ومفتخرًا بهويته الأمريكية، ومن محبي موسيقى الهيب هوب في التسعينيات، وزار مصر مرة واحدة، ثم لم يرغب في العودة لها قط.

كان شغف حازم هو الفيزياء النظرية؛ فبعد تخرجه من جامعة روتغرز، حصل على درجة الماجستير في الفيزياء من جامعة كامبريدج ودكتوراه في الرياضيات التطبيقية من إمبريال كوليدج بلندن.

وبدأ نشاطا تجاريًّا قائمًا على تداول النفط كعمل جانبي: انهارت إمبراطورية أعمال والده عندما كان حازم في روتغرز، وكان يتاجر في السلع لدفع تكاليف دراساته العليا، وقد ساهمت تجارة النفط في جعل ندا أكثر ثراءً مما كان سيجنيه لو عمل في مجال الفيزياء، ولكنه كان لا يزال بحاجة إلى إجراء أبحاث معمقة، وكان يحلم في يوم من الأيام باقتحام مجال صناعة السيارات الكهربائية، جزئياً للتكفير عن قيامه بشحن الكثير من الوقود الدافئ لكوكب الأرض.

ولكن قبل أن تبدأ تلك المكالمات المشبوهة؛ كان يواجه مشكلة تتمثل في غزو الخنازير البرية لممتلكاته التي  كان يصطادها بقوس ونشاب.

في خريف سنة 2017؛ تلقى مكالمة زائفة أخرى، فقد اتصل رجل تظاهر بأنه يمثل سيتي بنك وطلب معلومات مصرفية عن لورد إنيرجي، مدعيا أنه يريد إجراء عملية دفع. بعد ذلك؛ في كانون الأول /ديسمبر من تلك السنة، ظهر اسم الشركة بشكل غير متوقع في موقع إلكتروني يسمى أفريكا إنتليجنس.

وكان المحتوى ظاهريا يتعلق بتأخير مغادرة ناقلة لورد إنيرجي من الجزائر؛ حيث أبقى ندا الناقلة في البلاد لإجراء إصلاحات طفيفة، لكن أفريكا إنتليجنس قالت إن السلطات الجزائرية منعتها. والأغرب من ذلك؛ أن المقال ألمح إلى أن التأخير كان مرتبطًا بانهيار بنك والده، بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 الإرهابية.

لطالما شجب يوسف ندا وقادة آخرون من جماعة الإخوان استخدام العنف. في الواقع؛ كان مقاتلو تنظيم القاعدة يصفونهم بأنهم جبناء، لكن جماعة الإخوان قدمت دعمًا خطابيًا لحركة حماس الفلسطينية، ووصفت حربها ضد إسرائيل بأنها مقاومة مشروعة في المقابل، واستشهد الرئيس المصري القوي، حسني مبارك، بهذا كدليل على أن جماعة الإخوان نفسها كانت جماعة إرهابية.

وزعم المصريون أن يوسف ندا كان في الأساس أسامة بن لادن في بدلة مصرفي. بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر؛ تبنت الحكومة الأمريكية وجهة النظر هذه عن يوسف ندا؛ حيث اتهمه الرئيس جورج دبليو بوش علنًا بمساعدة القاعدة في “تحويل الأموال حول العالم”. في المقابل؛ فرضت كلًّا من سويسرا والاتحاد الأوروبي عقوبات عليه، وقد تعرض منزله للتفتيش، وجمدت المؤسسات المالية أصوله، وانهارت ثروته.

لأكثر من عقد؛ كافح يوسف لتبرئة اسمه؛ حيث فاز بدعوى تشهير ضد صحفي في صحيفة إيطالية اتهمه بدعم حماس ماليًا، وأجرى ديك مارتي، السيناتور والنائب العام السويسري السابق، تحقيقًا في العقوبات المفروضة على يوسف، وفي سنة 2007 خلص  التحقيق إلى أن القائمة السوداء كانت تعسفية وعبثية. بعد خمس سنوات؛ قضت محكمة أوروبية بأن القيود السويسرية على ندا انتهكت حقوقه الإنسانية دون وجه حق. وفي 26 شباط/فبراير 2015؛ قامت وزارة الخزانة الأمريكية بإزالته من قائمتها الخاصة بـ “الإرهابيين العالميين” ، وأبلغته في بيان مقتضب أن “الظروف التي أدت إلى تصنيفه… لم تعد  قائمة”.

عندما أسس حازم ندا شركة لورد إنيرجي – في سنة 2008 – اضطر إلى أن يثبت لكل مصرفي قابله أن مشروعه لا علاقة له بوالده، فيما صورت أفريكا إنتليجنس الآن لورد إنيرجي على أنها تجسيد جديد للشركة العائلية، وطوال “الماراثون القضائي الذي خاضه يوسف” حول تهم الإرهاب، أكد المنشور أن “عائلة ندا واصلت ممارسة أنشطتها التجارية”؛ بما في ذلك تجارة النفط الجزائري.

وافترض حازم أن ما يحدث له كان مؤامرة من  أحد  منافسيه، ولكن سرعان ما بدأت تظهر ادعاءات جامحة أخرى؛ ففي 5 كانون الثاني/يناير 2018، نشر الصحفي سيلفان بيسون، الذي كتب كتابًا يزعم  فيه أن يوسف ندا متورط في بمؤامرة إسلامية مفترضة، مقالًا في صحيفة لوتون التي تتخذ من جنيف مقرا لها، زعم فيه أن شركة لورد إنيرجي كان غطاءً لخلية الإخوان المسلمين، وكتب بيسون: “أن أبناء القادة التاريخيين للتنظيم تحولوا نحو  الاستثمار في قطاع النفط والغاز”.

وأشار مقال جديد في أفريكا أنتليجنس إلى أن موظفي شركة لورد إنيرجي كانوا “نشطين في المجال السياسي والديني”، وظهرت عناوين الأخبار على مواقع الويب، مثل ميديوم، التي لم يكن لديها إشراف تحريري يذكر: “لورد إنيرجي: الشركة الغامضة التي تربط بين القاعدة والإخوان المسلمين”؛ “الامتثال: شركة الإخوان المسلمين التجارية لورد إنيرجي مرتبطة بكريدي سويس”، وتضمن  محتوى ويكيبيديا حول شركة لورد إنيرجي فجأة أوصافًا لصلات مزعومة بالإرهاب.

بعد ستة أشهر من أول محتوى لموقع أفريكا أنتلجنس؛ قامت وورلد تشيك، التي تعرف بقائمة التحقق العالمية، وهي قاعدة بيانات تعتمد عليها البنوك لفحص هوية العملاء، بإدراج كل من حازم ولورد إنيرجي ضمن الفئة الخطيرة التي لها علاقة “بالإرهاب”، وانسحبت خمس مؤسسات مالية من المفاوضات مع ندا، وألغى بنك “يو بي إس” حسابه الشخصي، وحتى الحساب الخاص بوالدته.

بعد تسعة أيام؛ حذفت قائمة التحقق العالمية اسمه من القائمة، وكتب أحد محامي الشركة رسالة اعتذار إلى ندا مفادها “تم ارتكاب خطأ”، وقدم “خطاب اعتذار” يمكن عرضه على المقرضين، لكن الضرر الناجم عن تلك الخطوة أصبح ملموسا، ففي كانون الثاني/ديسمبر 2018؛ توقف مصرفيو كريدي سويس الذين كانوا يتعاملون مع لورد إنيرجي لفترة طويلة؛ عن التعامل معها.

رافق ديك مارتي، المدعي السويسري السابق، ندا إلى مكتب المدير الإقليمي لبنك يو بي إس في محاولة لتوضيح الأمر. أخبرهم المدير، الذي كان مكتبه مغطى بنسخ مطبوعة من المقالات الحارقة ومنشورات الويب، أن مجرد ظهور علاقة بالإرهاب للشركة كان سببًا كافيا للتحرك بالنسبة للبنك، بغض النظر عن الحقيقة، ويعتقد مارتي أن حملة من المزاعم غير المثبتة دمرت ثروة والد ندا، والآن يتكرر السيناريو ذاته مع حازم. لكن على الرغم من أن مارتي كان يعرف سبب كره مبارك ليوسف، إلا أنه لم يستطع فهم استهداف حازم؛ حيث قال لي مارتي: “إنه ليس من المتشددين”.

قامت شركة لورد إنيرجي، غير القادرة على تمويل شحناتها، بتسريح موظفيها، وكان ندا مرتبكًا لدرجة أنه لم يستطع النوم. في إحدى الليالي؛ تناول حبة دواء للأرق، لكن تأثيرها لم يدم طويلاً، فاستيقظ على نوبة هلع، وهو يرتجف.

في هذا السياق، قال لي: “كنت أركض وأصرخ كالمجنون لمدة ست ساعات”، وعندما نقلته عائلته إلى المستشفى، قال: “أعطاني الطبيب مخدرًا من شأنه تخدير فيل”.

استمرت نوبات الهلع لعدة أشهر. وفي شأن ذي صلة؛ أوضح قائلا: “كان لدي دائنون يطاردونني من جميع أنحاء العالم – الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، الجابون، وما إلى ذلك؛ كان الأمر مريعا”. في نيسان/أبريل من تلك السنة، أوقفت شركة لورد إنيرجي عملياتها وسعت للحصول على الحماية من الإفلاس.

اشتكى ندا للشرطة السويسرية من أن شخصًا ما كان ينظم حملة لتشويه سمعته، وبعد تحقيق سريع؛ التقى به ضابط لشرح سبب إغلاق القسم لملفه. وعندما غادر الضابط الغرفة لبضع دقائق، وجد ندا نفسه وحيدًا مع ملف القضية. وفي محاولة يائسة للحصول على إجابات؛ سارع للاطلاع على الملف، وأخبرني ندا أن الضابط كتب ملاحظات يصفه فيها بجنون العظمة. (رفضت الشرطة والمدعي العام المحليان التعليق). لكن الشرطة حصلت على نسخ من طلبات الحصول على سجلات حول لورد إنيرجي ومسجد محلي، وكلاهما تم رفعهما من قبل شركة استخبارات خاصة مقرها جنيف، تعرف باسم آلب سيرفيسز.

تُعد شركة آلب من ابتكار ماريو بريرو، الذي أطلقت عليه صحيفة لوتون لقب “بابا” المحققين السويسريين. ولد في سنة 1946، وهو يعمل في الطابق الثالث فوق مخبز في شارع دي مونتشوازي، على بعد بنايات قليلة من بحيرة جنيف.

عندما طرقتُ الباب، في كانون الأول/ديسمبر من السنة الماضية، هرع كلب صغير ليختبئ تحت شجرة عيد الميلاد في الردهة. أخبرني موظفون سابقون أن بريرو يحاول خلق جوٍّ عائليٍّ في مكتبه، ولكن عندما يترك أحد موظفيه العمل معه فإنه يتهمه بالخيانة ويهدد باتخاذ إجراء قانوني ضده.

جاء بريرو إلى القاعة مرتديًا بذلة من ثلاث قطع؛ كان طويل القامة وثقيل الجسم، يمشى ويداه في جيوب سرواله لكن عندما لمحني قال لي: “مرحبًا – إلى اللقاء”، وأخرجني على الفور، وأوضح أنه لا يتحدث أبدًا مع الصحفيين، مشيرًا إلى سرية العميل. وأضاف قائلًا: “أنا رجل عجوز”، وهو يلف شعره الرمادي بطول رقبته.

جاء في التقارير الإخبارية الصادرة باللغة الفرنسية والموظفون السابقون أن بريرو يعلن نفسه كخريج معهد هندسي مرموق في لوزان. وتشير السجلات إلى أنه غادر مقاعد  الدراسة بعد مزاولة الدروس لفصل دراسي واحد. (رفضت المدرسة مناقشة سجله الأكاديمي.) من غير الواضح كيف بدأ حياته المهنية، ولكن بحلول سنة 1986 كان يدير شركة لتصدير أجهزة الكمبيوتر ومعدات تصنيع أشباه الموصلات من الولايات المتحدة إلى أوروبا. وجّه المدعون الفيدراليون في سان فرانسيسكو الاتهام إليه لانتهاكه القوانين ضد تصدير تقنيات أمريكية حساسة إلى الكتلة الشرقية، فلقد أنشأ نظامًا للمشترين في أوروبا الغربية. ونفى بريرو الاتهامات لكنه تمكن من التوصل إلى حل من خلال التوقيع على  التزام والخروج من العمل.

في الصدد ذاته؛ أخبرني موظفون سابقون في شركة آلب أن بريرو يصف تجاوبه مع القانون الأمريكي على أنه بداية حياته المهنية في مجال الاستخبارات الخاصة، وحسب ما رواه؛ فقد اتصل بطريقة ما بجولز كرول، الأب الأمريكي لصناعة استخبارات الشركات الحديثة، وأقنعه كرول بالبدء من جديد كمحقق في المركز المصرفي السري في جنيف. ( في المقابل، يقول كرول إنه لا يتذكر بريرو البتة).

لقد كان قرارًا ذكيًا: أصبحت المدينة مركزًا مزدهرًا لأعمال الاستخبارات؛ حيث تحتاج بنوك جنيف إلى بذل العناية الواجبة بشأن العملاء المحتملين، وتحتاج شركات المحاماة التابعة لها إلى البحث للتقاضي، وتحتاج النخبة الأجنبية التي تودع أصولها في سويسرا إلى جواسيس خاصين لخلافاتهم وانفصالاتهم.

علاوة على ذلك؛ عملت السلطات السويسرية على ترسيخ نهج عدم التدخل بشكل واضح في التنظيم.

ورغم أن سويسرا تشتهر بالسرية المصرفية، إلا أنها تطرح أيضًا بعض التساؤلات على شركات الاستخبارات الخاص، مما يجعل جنيف خيارًا جذابًا للعملاء الذين يرغبون في تجنب التدقيق.

افتتح ماريو بريرو شركة “ألب سرفيسيز” في سنة 1989، ودافع بقوة عن مضماره، وعندما كانت شركة الاستخبارات البريطانية “ديليجنس” تطلق فرعًا في جنيف في سنة 2007؛ قام بريرو بتأسيس شركة ثانية، تسمى “ديليجنس سارل”، في عنوان شركة “ألب سرفيسيز”، مما أربك العملاء المحتملين، ولكن كان هناك ما يكفي من الأعمال للقيام بذلك. وأشارت تقارير إخبارية إلى أن بريرو قاد سيارة من طراز “بورش كايين” ورسى بزورق على البحيرة.

ركزت أعمال بريرو في البداية على الأعمال العادية للبنوك وشركات المحاماة، إلى جانب عدد قليل من حالات الانفصال الكبيرة، ولكن في سنة 2012، تصدر عناوين الأخبار بسبب فضيحة فرنسية؛ حيث قام رئيس قسم التعدين في شركة الطاقة النووية الفرنسية العملاقة “أريفا”، دون إبلاغ رؤسائه، بتعيين بريرو للتحقيق في قضية احتيال محتملة من قبل رئيسة المجموعة، آن لوفرجون، أو من قبل أطراف آخرين متورطين في الاستحواذ الكارثي على شركة تعدين كندية بقيمة 2.5 مليار دولار.

لم يظهر أي دليل على الفساد، لكن لوفرجون سمعت إشاعات عن تطفل بريرو، ووجهت هي وزوجها ضده اتهامات بانتهاك الخصوصية في محكمة فرنسية.

وبدا أن بريرو يستمتع بالاهتمام: ففي المحاكمة، قام بمضايقة المدعين لتسلية الحضور، وتحدث بصراحة عن الحصول على سجلات ضريبية من سويسرا تُظهر أن زوج لوفرجون، فرنسي الجنسية، قد أودع الأموال هناك. وشهد بريرو أن “الشرعية ليست هي نفسها في كل مكان.

فالطريقة الوحيدة في فرنسا للحصول على معلومات ضريبية عن المواطن غير قانونية”، ولكن في مقاطعة كانتون فود السويسرية؛ “يمكن الحصول على معلومات ضريبية مقابل عشرة فرنكات”. (كيف اشتبه بريرو في أن زوج لوفرجون قد دفع ضرائب سويسرية؟ في المحكمة، ادعى محامو زوج لوفرجون أن شركة “ألب” قد حصلت بشكل غير قانوني على بعض سجلاته الضريبية الفرنسية.

وأكد لي موظفان سابقان في شركة “ألب” ذلك، موضحين أن بريرو قد استلمها من محقق فرنسي له اتصالات داخلية، مما دفعه إلى إلقاء نظرة عبر الحدود).

في الوقت نفسه؛ أقر بريرو بانتهاك القانون السويسري، وقال إنه دفع لموظفي شركة الهاتف مقابل فواتير تسرد مكالمات العملاء، ويستخدم أحيانًا وكيل استخبارات خاص آخر كوسيط. وشهد بريرو قائلًا: “أعلم أن العمل الذي تقوم به هذه المصادر غير قانوني”. ورفض ذكر مصادره في المحكمة، لكن المدعين السويسريين اعتقلوا بعد ذلك الوكيل وثلاثة من موظفي شركة الهاتف فيما يتعلق ببيع سجلات المكالمات، واعتبرت صحيفة “لوموند” أن بريرو قد خان شركائه لحماية نفسه.

وكشفت المحاكمة – أيضًا – عن مهام أخرى غير لائقة ناقشها بريرو مع شركة “أريفا” – مثل التجسس على منظمة السلام الأخضر، وبعض رسائل البريد الإلكتروني المحرجة؛ حيث كتب بريرو إلى أحد العملاء “على الرغم من حجمي الكبير، إلا أنني أتمتع بمرونة القطة كما أنني راقص باليه في البولشوي.” (لم يرد بريرو على الأسئلة التفصيلية التي طرحتها، بما في ذلك بعض الأسئلة المتعلقة بقضية “أريفا”.)

لقد غيّرت الفضيحة عمله. ورغم أن المحكمة الفرنسية فرضت عقوبة رمزية فقط على بريرو، فقد أدين بإقناع أحد موظفي شركة الهاتف بالكشف عن بيانات العملاء ونشر المعلومات التي تم الحصول عليها بوسائل غير قانونية. وأخبرني موظفون سابقون أن الحكم أبعد شركات المحاماة والبنوك والشركات المهتمة بالسمعة، إلى جانب كبرى شركات التحقيق الدولية، مثل “كرول”، التي سبق لها التعاقد من الباطن مع بريرو.

في الوقت نفسه؛ جلبت قضية “أريفا” زبائن أقل حساسية لشركة “آلب”، من بينهم قلة من الاتحاد السوفيتي السابق، والسياسيون ورجال الأعمال من الدول الأفريقية الصغيرة، والشيوخ وأباطرة المال من الشرق الأوسط. وأخبرني موظف سابق في شركة “ألب” أنهم “أقبلوا من الشرق والجنوب. وكانوا متطلبين للغاية”.

وأعاد بريرو صياغة عرض مبيعاته، وتحدث عن قدرته على نشر المعلومات السلبية بدلًا من مجرد جمعها. ووصف تخصصه حاليًا بأنه “حملات اتصال فيروسية مسيئة”.

وبعد أن التقى ندا بضابط الشرطة السويسرية، أرسل بريدًا إلكترونيًا إلى صندوق البريد العام المدرج على موقع شركة “ألب” على الويب، يشكو من “الاحتيال والاتصالات المخادعة للحصول على معلومات خاصة بشأن شركتنا”، واقترح حل المسألة “وديًا”.

لكنه لم يتلق أي رد، وكان مشغولًا للغاية في تسوية مطالبات دائني شركة “لورد إنيرجي” بحيث لا يمكنه متابعة الوضع على الفور.

لكن اسم “ألب سيرفيسيز” لم يغب عن تفكيره، وفي مطلع سنة 2021؛ أرسل ندا بريدًا إلكترونيًا للشركة مرة أخرى، مهددا “بالتداعيات الشخصية والمهنية على الوكلاء والشركة” إذا لم تصحح شركة “ألب” المزاعم الكاذبة التي يبدو أنها انتشرت.

وبحلول نيسان/ أبريل من تلك السنة، كانت زوجته على وشك أن تضع طفلهما الثاني، وكان التوتر الناجم عن انهيار اللورد إنيرجي يؤثر بشكل سلبي على حياته الزوجية، وتزامن ذلك مع تلقيه رسالة مشفرة من رقم فرنسي غير مألوف.

وادعى المرسل، الذي رفض الكشف عن اسمه، أنه يتحدث نيابة عن مجموعة من المخترقين المتمرسين الذين اخترقوا حسابات شركة “ألب سيرفيسيز” على الإنترنت. وكدليل، قدم المرسل إلى ندا نسخة من رسالة التهديد التي أرسلها إلى بريد شركة “ألب”. كان رأسه مشوشا: هل كانت هذه خدعة من شركة “ألب” نفسها؟ ثم أطلع المرسل ندا على رسائل بريد إلكتروني داخلية لشركة “ألب” توجه النشطاء لكتابة مقالات على الإنترنت تصفه بأنه متطرف. وبالكاد استطاع ندا السيطرة على غضبه، وقال لي: “لو لم يكن لدي عائلة، أعتقد أنني كنت سأحمل مسدسي وأنطلق إلى جنيف”.

وأرسل له المخترقون رسائل غريبة باللغة الإنجليزية تتخللها اللغة الفرنسية والإيطالية، وتنوع الأسلوب بمرور الوقت، وافترض ندا أنه كان يتعامل مع مجموعة من الأوروبيين.

بدا “الرجال”، كما تخيلهم ندا، في بعض الأحيان صالحين، كما لو كانوا ناشطين في الخارج لفضح مخالفات بريرو، لكن دافعهم الرئيسي كان واضحًا؛ حيث أخبرني ندا: “طلبوا مني أن أدفع لهم”. هل استهدف المخترقون شركة “ألب” كجزء من نزاع غير ذي صلة ثم اكتشفوا شيئًا اعتقدوا أنه يمكنهم بيعه؟ أم أنهم استهدفوا محققًا خاصًا في جنيف على افتراض أنه يحمل أسرارًا قيمة؟

وفي كلتا الحالتين؛ عرضوا على ندا شراء ملفات شركة “ألب” التي بحوزتهم – تيرابايت من المواد المسروقة، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني، والعروض والتقارير، والصور، والفواتير، والمكالمات الهاتفية المسجلة – مقابل 30 مليون دولار من العملات المشفرة. وأخبر ندا المخترقين أنه ليس مستعدا ولا قادرًا على الدفع لهم مقابل معلوماتهم، لكنهم استمروا في إرسال الرسائل له. وبعد حوالي أسبوعين، قدم المخترقون له طلبًا مختلفًا: أرادوا أن يعمل ندا كمرسال، ويقدم عرضهم إلى مشترٍ محتمل أكثر ثراءً، وكان المخترقون يضغطون على ندا لتسييج كنزهم المسروق. ومع ذلك، كان من الصعب عليه مقاومة فرصة الانتقام.

وبسبب قلقه من احتمال اتهامه بالتحريض على القرصنة؛ أبلغ ندا السلطات السويسرية بذلك في غضون يومين من الاتصال الأول. وتوجه عميل المخابرات السويسرية، أنطونيو كوفر، إلى المستشفى الذي كانت زوجة ندا تلد فيه والتقط صورا للرسائل المشفرة. وأظهر لي ندا رسائل بريد إلكتروني أرسلها إلى الشرطة المحلية بشأن الاختراق. ولكن لم يهتم أحد بالأمر. (أكد محامي شركة “ألب”، دون الاطلاع على الملفات المسروقة، أن بعضها “مزور بشكل واضح”. لكن المحامي رفض تحديد الملفات التي شكك فيها، وتمكنت من تأكيد مئات التفاصيل الخاصة الواردة في التسريب.)

ومن أجل جذب ندا إلى صفّهم، سمح له المخترقون بتصفح ذاكرة التخزين المؤقت المسروقة، ومنعوه فقط من تنزيل أي معلومات منها. ولم يبذل “الرجال” أي جهد لحماية المعلومات المسربة من خلال إبراز بعض الملفات أو إخفاء البعض الآخر، كما يفعل العديد من المخترقين. وتمتعن ندا في الملفات بمزيج من الغضب والإعجاب، غير متأكد مما يجب أن يفعله، وامتنع عن النوم مرة أخرى وهو يتفحص هذا الكنز الدفين.

وقال لي: “كنت أسبح حقًا في الظلام، ورأيت كل هذه الخطط السيئة وهذه الآلة الشيطانية. وعندما كنت في السيارة بمفردي، كنت أبدأ بالصراخ بغضب”. لقد اطلع على الطريقة التي استقطبت بها شركة “ألب” العملاء المحتملين؛ حيث كتب بريرو أحيانًا: “نحن مرتزقة ولكن لدينا أخلاقنا. نحن نعمل فقط مع العملاء الذين نتشارك معهم نفس القيم”.

إذا كان الأمر كذلك، فقد تشارك بريرو قيم مجموعة رائعة من الصفات، فقد كشفت الملفات أنه أجرى عمليات استخباراتية للعديد من الحكومات الأجنبية، أو لأفراد مقربين منها. وشملت القائمة كازاخستان والجبل الأسود والكونغو ونيجيريا والغابون وموناكو وأنغولا وأوزبكستان والمملكة العربية السعودية.

ويبدو أنه قام بعمل نيابة عن صانع أفلام هوليوود برايان سينغر، مخرج فيلم “بوهيميان رابسودي”، الذي اتُهم عدة مرات بالاعتداء الجنسي. (قال محامي سينغر، الذي نفى مزاعم الاعتداء، إن سنغر لم يكن متاحًا للتعليق.) وكان هناك اكتشافات أخرى شملت إجراء   بريرو تحقيقات مع قطب الأزياء الفرنسي برنارد أرنو، وبارون التعدين الإسرائيلي، بيني شتاينميتز. بالإضافة إلى قائمة من المليارديرات من أوروبا الشرقية، بمن فيهم بولات أوتيموراتوف من كازاخستان، وأوليغ ديريباسكا وديمتري ريبولوفليف وفلاديمير سميرنوف من روسيا. (رفض متحدث باسم أرنو التعليق، وتعذر الوصول إلى العملاء الآخرين).

شعر ندا أحيانًا وكأنه يختلس النظر؛ فيبدو أن الصور المخزنة في النسخ الاحتياطية لهاتف بريرو تقدم لمحات عن حياته الخاصة بما في ذلك تقديم الزهور لابنته، واللعب مع حفيده. ومع ذلك؛ من الواضح أن بريرو لم يكن قلقا بشأن انتهاك خصوصية الآخرين، وأخبرني ندا أنه رأى في الملفات المسروقة نسخًا احتياطية من العديد من أجهزة “أيفون” و”بلاك بيري”، مما يشير إلى أن بريرو قد استأجر مخترقين بنفسه.

كان هناك قدر مذهل من المعلومات المصرفية السرية، وقد تواصل شخص ما باستخدام عنوان بريد “بروتون ميل” مع شركة “ألب” للحصول على تفاصيل حسابات العملاء في بنك “يو بي إس”. (أخبرني موظفو “ألب” السابقون أن جهة اتصال في بنك “يو بي إس” سربت أحيانًا مثل هذه المعلومات إلى بريرو، الذي أغرى المصدر بالهدايا والوجبات).

وشاهد ندا أيضًا أدلة على تعامل بريرو مع العاهرات؛ حيث كانت هناك صور لامرأة ترتدي ملابس داخلية في غرف فاخرة، ومراسلات داخلية حول إرسال عاملة بالجنس لمساومة مسؤول ضرائب سويسري. وأخبرني موظف سابق في شركة “ألب” – لم يكن على علم بالمواد المخترقة – أن بريرو –  أثناء عمله لدى تاجر التحف السويسري إيف بوفييه – دفع لعاملة بالجنس لإيقاع مسؤول ضرائب سويسري. (قال متحدث باسم بوفييه إن بوفييه ليس لديه علم بمثل هذا المخطط). وذكر اثنان من الموظفين السابقين في شركة “ألب” أن بريرو استخدم هذا التكتيك في مناسبة أخرى على الأقل.

عندما علم ندا بالاختراق لأول مرة؛ تردد “الرجال” في إخباره بشأن هوية الشخص الذي استأجر “ألب” لمهاجمته. وجعلوا ندا يخمن. وعندما اشتبه في منافسيه في تجارة النفط. نفوا ذلك؛ لقد كان الشيخ محمد بن زايد، حاكم الإمارات العربية المتحدة، هو من خطط لذلك.

يمكن القول إن الشيخ محمد، الذي غالبًا ما يشار إليه بالأحرف الأولى من اسم محمد بن زايد، كان أغنى شخص في العالم، وذلك بفضل سيطرته على صناديق الثروة السيادية الضخمة.

وقد قاد الجيش الأكثر فاعلية في العالم العربي، ودفع مبالغ كبيرة لجماعات الضغط ومراكز الفكر والمسؤولين الحكوميين السابقين لزيادة نفوذه في الغرب. ومنذ انتفاضات الربيع العربي في سنة 2011؛ قاد محمد بن زايد حملة عبر الشرق الأوسط لاستعادة وتحصين النظام الاستبدادي في المنطقة، وقد أخبرني ندا: “تظهر صورة محمد بن زايد كالشريط أمام عيني. وهو تاجر نفط لا يريد منك سوى الخروج من المنطقة. ولكن هذا الشخص يتحكم في موارد الدولة”؛ لقد كان بمثابة تهديد وجودي. (لقد أرسلت العديد من الأسئلة إلى ممثلي الإمارات العربية المتحدة في واشنطن وأبو ظبي الذين رفضوا الرد).

كجزء من نزاع طويل الأمد مع جارتها قطر؛ استأجرت الإمارات العربية المتحدة بريرو. وكما رأى العديد من المسؤولين الأمريكيين؛ فإن العداء المتبادل يمثل مثالًا على ما أسماه فرويد نرجسية الاختلافات الصغيرة: كانت الدولتان مدعومتان من الغرب وممالك غنية بالبترول.

وقد قامتا بمراجعة سجلات حقوق الإنسان؛ كما كانتا شريكتين مقربتين من البنتاغون. ولكن الأسر الحاكمة في قطر والإمارات قد تبنت إستراتيجيات مختلفة، وإن كانت ساخرة، لتعزيز سلطتهم. وقد قامت قطر بعمل توازن؛ حيث استضافت قاعدة جوية أمريكية رئيسية، لكنها أقامت أيضًا تحالفًا تكتيكيًا مع جماعة الإخوان المسلمين، لكسب نفوذ على مستوى القاعدة في المنطقة العربية وموازنة جيرانها الأكبر في الخليج العربي، ورحبت بالإخوان المسلمين المنفيين في الدوحة وسلمتهم مناصب في شبكة الجزيرة المملوكة للحكومة (طالما أنهم لم يناقشوا السياسة القطرية).

وخلال الربيع العربي؛ استخدمت قطر أموالها ووسائل إعلامها لتضخيم مطالبها بالديمقراطية (على الرغم من عدم وجودها في الداخل أبدًا)، في رهان سيئ الحظ على أن حلفاءها من الإخوان المسلمين سيتولون السلطة في المنطقة.

في غضون ذلك؛ راهن محمد بن زايد – في ادعاء القيادة الإقليمية – على فكرة أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت قوة تحديث في منطقة متخلفة بشكل خطير. واعتبر أن جماعة الإخوان – التي تأسست على أساس أن النهضة الإسلامية والحكم الإسلامي يمكن أن يعيدوا عظمة العالم العربي – تجسيدٌ لذلك التخلف، وقال للزوار الغربيين إنه لهذا السبب أخافه احتمال وجود ديمقراطية عربية. وحذر من أن الإسلاميين سيفوزون في انتخابات حرة في أي دولة ذات أغلبية مسلمة، وقد قال محمد بن زايد: “الشرق الأوسط ليس كاليفورنيا”.

وبحسب برقية حصل عليها موقع ويكيليكس، فقد أخبر الدبلوماسيين الأمريكيين أن خمسين إلى ثمانين في المائة من قواته العسكرية ستستجيب لنداء “رجل مقدس في مكة”.

تصاعدت حدة التوترات بين الإمارات وقطر في أوائل سنة 2017، وتباهى كل جانب بالمحامين وجماعات الضغط ومستشاري العلاقات العامة أثناء كفاحهم من أجل النفوذ في عواصم الغرب، وتسابق المحققون الخاصون أيضًا للاستفادة من هذه الأزمة. ذكرت نشرة الصناعة “إنتليجنس أونلاين” أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر تتفوق بسرعة على الأوليغارشية الروس كعملاء رئيسيين لشركات التحقيق الخاصة الدولية.

أبرمت “ديليجنس”، الشركة التي حاول بريرو التفوق عليها في جنيف، عقودًا مع قطر. ومن الواضح أن بريرو قد أوصى بها للإماراتيين من قبل رولان جاكار، الصحفي الفرنسي لبناني المولد والمستشار العرضي للحكومة الفرنسية الذي ادعى أنه خبير في التطرف السري للمسلمين الأوروبيين.

تتضمن الملفات التي تم اختراقها ما يبدو أنها مذكرات مكتوبة بخط اليد لجاكار حول الاستعداد لحملة ضد قطر والإسلاميين الفرنسيين، وتظهر السجلات المالية أن شركة “ألب” دفعت له عمولة قدرها 10 في المائة على عقودها الإماراتية. (لم يستجب جاكار لطلبات التعليق).

بتاريخ 12 أيار/ مايو 2017، كتب بريرو في رسالة إلى الإمارات العربية المتحدة أن “العديد من رؤساء الدول” وغيرهم من “الأفراد ذوي الملاءة المالية العالية” قد استغلوا قدرة شركة “ألب” على تعزيز أو التقليل من سمعتهم على الإنترنت”.

لم يكن الإماراتيون بحاجة إلى أن يتم الترويج لهم بناءً على قيمة الحرب على الإنترنت. في ذلك الشهر، سيطر المخترقون الذين كان يُعتقد أنهم يعملون لصالح الإمارات العربية المتحدة على الموقع الإلكتروني للخدمة الإخبارية الحكومية في قطر ونشروا ملاحظات زائفة – نُسبت زورًا إلى أمير قطر – تصف “التوترات” مع الرئيس دونالد ترامب، وتحثّ على المصالحة مع إيران، وتُثني على حماس، وتشهد على العلاقات الوديّة مع إسرائيل.

بدا أن الهدف من تلك التعليقات غير المعقولة تنفير واشنطن والشارع العربي. كانت القنوات الإخبارية التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وحليفتها المملكة العربية السعودية جاهزة للقيام بتغطية شاملة للفضيحة المزعومة، وواصلوا تحليل أهميتها حتى بعد أن نفت قطر أن يكون الأمير قد أدلى بأي تصريحات من هذا القبيل.

سرعان ما صعّدت الإمارات العربية المتحدة المواجهة أكثر، وحشدت العديد من دول المنطقة لقطع العلاقات التجارية والدبلوماسية مع قطر. طالب التحالف قطر بتحييد قناة الجزيرة وطرد الإخوان المسلمين. ومن جانبه، رد الجانب القطري ببعض الحيل: اخترق متسللون حسابات البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن وإليوت برويدي، أحد كبار جامعي التبرعات الجمهوريين المقربين من الإمارات العربية المتحدة، ثم سربوا محتويات محرجة.

وفي آب/أغسطس 2017، وصل بريرو إلى فندق فيرمونت في أبوظبي في ضيافة حكامها، وكان قد أعد حوارا من أربعة عشر صفحة لإقناع الإماراتيين بالدفع له لمواجهة قطر وحلفائها من الإخوان المسلمين.

كتب بريرو في ملاحظاته: “نهدف إلى تشويه سمعة أهدافنا من خلال نشر المعلومات المحرجة والمُسومة بتكتم وعلى نطاق واسع: في أعين وسائل الإعلام العامة، المسؤولون سوف يظهرون على أنهم منحرفون أو فاسدون أو متطرفون”.

في الواقع، لا ينبغي الاستهانة بقوة العلاقات العامة المظلمة. يجادل العديد من الخبراء بأن هيلاري كلينتون خسرت الانتخابات الرئاسية بسبب الأخبار الكاذبة التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام غير التقليدية. وقد وعدهم بريرو باستخدام “أدوات مماثلة ضد خصومكم”.

كان عميله الاسمي مؤسسة إماراتية تسمى “أرياف للدراسات والبحوث”، لكن ملفات “ألب” توضح أن الفواتير ذهبت إلى محمد بن زايد آل نهيان. خاطب بريرو مضيفه باسم مطر، والصور التي أخذها منه أحد عملاء شركة ألب في اجتماعات في أبوظبي تتطابق مع مسؤول إماراتي يدعى مطر حميد النيادي. التقى بريرو في وقت لاحق مع مطر في فندق بور أو لاك ، في زيورخ ، جنبًا إلى جنب مع رئيس مطر – المشار إليه في الملفات باسم “سعادة” أو “علي”.

التقط شخص ما في ألب صوراً للرئيس في ذلك الاجتماع، وهي تتطابق مع صور علي سعيد النيادي، المساعد الوزاري للشيخ طحنون بن زايد – مستشار الأمن القومي الإماراتي وشقيق محمد بن زايد. أرسل بريرو خطابًا رسميًا يشكر فيه “سموّكم” على “شرف تقديم خدماتنا لبلدكم”. في النصوص، أرسل “تحياته الحارة” إلى “صاحب السمو”، محمد بن زايد آل نهيان.

كان بريرو يخطط لإخبار الإماراتيين بأنه بالنظر إلى السرية الشديدة لجماعة الإخوان المسلمين، فإن إجراء تحقيق عنهم سيكون مكلفًا بشكل غير عادي.

وكتب في رسالة عبر واتساب بعد اجتماع أبوظبي: “نحتاج إلى أن نكون صريحين بشأن هذه الحالة: للحصول على معلومات استخباراتية مفيدة ومثالية لتغيير قواعد اللعبة، خاصة المستندة إلى الأدلة، تظل أفعالنا معقدة للغاية ومحفوفة بالمخاطر وكثيفة الموارد”.. ومع ذلك، فإن “هذا التعاون الأول كان قضية نبيلة” – على حد تعبيره – مضيفًا “يمكن أن يسمح لكم أيضًا بالحكم على عملنا وفعاليتنا”. نجح عرض بريرو. وفي عملية تدقيق داخلية، سجّل أن دولة الإمارات العربية المتحدة وافقت على ميزانية أولية من أربعة إلى ستة أشهر بمليون ونصف يورو للحصول على دليل ملموس حول قطر والإخوان المسلمين في أوروبا.

لم يرد اسم حازم ندا في نقاط حديثه أبدًا. في البداية، اقترح بريرو استهداف الأشخاص الذين سبق وصفهم بأنهم متعاطفون مع الإخوان. فعلى سبيل المثال، عرض إسقاط طارق رمضان، الفيلسوف السويسري وحفيد مؤسس الحركة، من خلال الكشف عن حياته الجنسية الجامحة، والعديد من عشيقاته الشابات وممارساته الدينية المتراخية – مع أنه سبقه شخص آخر إلى ذلك.

بعد ستة أشهر من اجتماع أبوظبي، اتهمت الشرطة الفرنسية رمضان بالاعتداء الجنسي، واعترف منذ ذلك الحين بممارسة الجنس “الخاضع” مع عدة نساء رغم إصراره بأنه تم بالتراضي. (في التقارير المقدمة إلى الإماراتيين، أقرّ بريرو بفعل أي شيء أمكنه، ولكن ليس الإطاحة بطارق رمضان).

يبدو أن فكرة استهداف ندا نشأت في محادثات مع سيلفان بيسون، الصحفي السويسري في “لوتون” الذي كتب سابقًا عن والد حازم يوسف. أخبرني حازم: “إنها رحلة لا نهاية لها من الممارسات التي سبق رؤيتها”. كان بيسون قد ألّف كتابًا كاملاً بعنوان “غزو الغرب: المشروع السري للإسلاميين” بناء على وثيقة غير موقّعة من 14 صفحة تعود لسنة 1982 تم تسليمها إلى يوسف، ثم تم اكتشافها بعد ذلك بسنوات أثناء مداهمة منزله في سنة 2001.

يعتبر معظم العلماء الآن أن كتاب بيسون هو نظريّة مؤامرة معادية للإسلام، لا يزال لها تأثير على اليمين. (استشهد أندرس بريفيك، القاتل الجماعي النرويجي، بالكتاب على نطاق واسع).

قام بريرو بتضمين بيسون في قائمة مبكرة من المصادر المحتملة لمشروع الإمارات العربية المتحدة وجدولة عدة وجبات معه أثناء الترويج للإماراتيين. تم إرفاق اسم بيسون بمسودة مذكرة مبكرة حول ندا وعلى مخطط يظهر ندا ولورد إنيرجي في مركز شبكة مترامية الأطراف من الإسلاميين المفترضين. (أقرّ بيسون بأنه تحدث إلى بريرو، لكنه قال إنه لا يستطيع تذكر تفاصيل تلك المحادثات، ولن يكشف عن مصادره. وأشار إلى أنه أثناء قيامه بالإبلاغ عن كتابه، أخبره المحققون السويسريون بأن الوثيقة المكونة من 14 صفحة كانت “مهمة للغاية”. لكنه الآن يعتبر يوسف ندا “سلميًا بشكل أساسي”. وأضاف بيسون: “ربما سأفعل ذلك بشكل مختلف الآن”.

في أول تقرير رسمي لبريرو للإماراتيين بتاريخ 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، كتب: “لماذا حازم ندا؟” استندت إجابته التي امتدت على ثمانية وأربعين صفحة إلى افتراض أن الابن كان امتدادًا لوالده: “يوسف ندا الآن مليونير يبلغ من العمر 86 سنة ومن الطبيعي أن يسلم أعمال العائلة إلى الجيل القادم.” بعد القيام بهذه القفزة، أسس بريرو قضية ضد حازم ندا بشكل أساسي من خلال تحليل نسخ تم الحصول عليها خلسة من سجل مكالمات ندا لشهر حزيران/يونيو وتموز/يوليو وآب/أغسطس 2017.

غالبًا ما اتصل ندا بأخته، على سبيل المثال، المقيمة في قطر، وكان زوجها مهندسًا ميكانيكيًا وصادف أنه ابن داعية مسلم بارز يحظى باحترام الإخوان المسلمين. اتصل ندا بأصدقاء الطفولة، وكان بعضهم من نسل أصدقاء والده القدامى من الإخوان. وكان لدى شريك والده في العمل، وهو أيضًا من مؤيدي الإخوان المسلمين، ابن اسمه يوسف هِمّت، الذي عمل مع حازم وقاد أيضًا شبكة أوروبية من مجموعات الشباب المسلم.

كثيرا ما اتصل ندا بموظف إيطالي من شركة “لورد إنيرجي” وصديق اعتنقت عائلته الإسلام، حتى أن هذا الصديق نشر رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي تعارض الانقلاب المدعوم من الإمارات في مصر سنة 2013 والذي أطاح بالرئيس التابع لجماعة الإخوان. وهكذا، صفحة بعد صفحة من الجمعيات المستعملة. أخبرني ندا، أن الشخص الوحيد في سجل مكالماته الذي ربما كان في الواقع إسلاميًا هو عضو برلماني جزائري ومدير مدرسة لغات في ميلانو، حيث كانت زوجة ندا تدرس الإيطالية.

كتب بريرو إلى الإماراتيين مدافعًا عن مزاعمه بكل غرور: “يبدو أن شركة “لورد إنيرجي” كيان مهم للغاية – وسري للغاية – داخل نظام الإرهاب السري للإخوان المسلمين العالمي”. لم يكن بإمكان ندا أن يصدق أن الإماراتيين أصيبوا بجنون العظمة بما يكفي لشرائها، يضيف: “يمكنك فقط وضع بعض أسماء الأشخاص الذين يكرهونهم على الرسم البياني وستبدأ أعينهم في التقليب”.

تبدو تجربته سريالية: لقد كان يشهد سقوطه من خلال عييني الرجل الذي تسبب في ذلك. كشفت الملفات المسربة أن فيليب فاسيت، محرر مجلة “أفريكا إنتلجنس”، سعى بانتظام للحصول على معلومات من عملاء “ألب”، الذين كان يعرفهم على أساس الاسم الأول. (ربما يكون فاسيت، الذي رفض مناقشة مصادره، قد علم بعلاقة يوسف ندا بشكل غير مباشر – ربما من وسيط صناعة النفط الذي تلقته شركة ألب، التي راسل عملاؤها فاسيت بعد نشره للإشادة بتقريره). ورأى ندا ذلك بعد أسبوع من أول تقرير لأفريكا إنتليجنس، إذ صاغ بريرو ملفًا من 16 صفحة بعنوان “سيلفان” وضّح العلاقات المفترضة لـ “لورد إنيرجي” مع جماعة الإخوان المسلمين. وعندما نشر سيلفان بيسون مقال “لوتون”، قدمه بريرو للإماراتيين كدليل على نجاحه المبكر في فضح ندا.

يبدو أن بريرو اكتشف بسرعة أن الضعف الخطير لـ “لورد إنيرجي” كان اعتماده على التدفق المستمر للقروض – الاقتراض لملء ناقلة عملاقة بالنفط في ليبيا، على سبيل المثال – ثم سداد الديون عند تفريغ السفينة في إندونيسيا. أوضح عمل بريرو مع البنوك السويسرية أن إدارات الامتثال قلقة بشدة بشأن مخاطر السمعة.

في شباط/فبراير 2018، طلب المزيد من الأموال لتوسيع عمليته ضد ندا، واقترح تنبيه قواعد بيانات الامتثال والجهات الرقابية، التي تستخدمها البنوك والشركات متعددة الجنسيات، مثلا بشأن الأنشطة الحقيقية لـ “لورد إنيرجي” وروابطها بالإرهاب.

وأوضح أن “هدفه” كان منع الحسابات المصرفية وأعمال الشركة. وبدأ ندا يشعر أن السبب الرئيسي وراء تدمير بريرو لـ “لورد إنيرجي” هو إظهار مدى فعاليته.

سرعان ما استغلت “ألب” أموال الإماراتيين. أرسلت إحدى موظفاتها التي تدعى ريحان حساين مسودات بالبريد الإلكتروني لإدخالات موسوعة ويكيبيديا.

في فاتورة بتاريخ 31 أيار/ مايو 2018، دفعت الشركة لنينا ماي، الكاتبة المستقلة في لندن، 625 جنيهاً إسترلينياً مقابل خمس مقالات عبر الإنترنت، نُشرت بأسماء مستعارة واستناداً إلى ملاحظات قدمتها شركة ألب، والتي هاجمت “لورد إنيرجي” للحصول على روابط للإرهاب والتطرف (لم ترد حساين على طلبات التعليق). أخبرتني ماي أنها عملت مع شركة ألب في الماضي لكنها وقّعت اتفاقية عدم إفشاء. بالتعاون مع ماي وكاتب فرنسي تتعامل معه “ألب”، والصحفية المستقلة تانيا كلاين، نشرنا أيضًا مقالات حول شبكة مجموعة الشباب التي يرأسها يوسف هِمّت، موظف “لورد إنيرجي”، ووصفت المقالات الشبكة بأنها فرع لتجنيد الإرهابيين من جماعة الإخوان المسلمين.

تم تمويل الشبكة، منتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة الأوروبية، من قبل الاتحاد الأوروبي، وقامت بحملة ضد معاداة السامية، والإسلاموفوبيا، وأشكال أخرى من خطاب الكراهية.

أخبرني هِمّت، الذي نشأ في سويسرا، أنه يعتبر نفسه ليبراليًا كلاسيكيًا، ولم تكلفه حملة “ألب” عبر الإنترنت وظيفته المربحة في “لورد إنيرجي” فحسب، بل دفعت البنوك إلى إلغاء حساباته الجارية وبطاقات الائتمان الخاصة به، ولا تزال الشائعات تصعّب عليه العثور على عمل أو اقتراض الأموال أو حتى فتح حساب جاري عبر الإنترنت. عندما نقل ندا اكتشافاته تساءل قائلا “ماذا فعلنا لنستحق هذا؟”، “لقد وقعنا في مرمى النيران”. الآن، لم يعد رئيسًا لشبكة الشباب المسلم، وهو اليوم يكسب عيشه المتناقص كثيرًا من تجارة السلع الخاصة به.

تفاخر عملاء شركة “ألب” للإماراتيين بأنهم نجحوا في إحباط جهود ندا لتصحيح العبارات المسيئة لشركة “لورد إنيرجي” على ويكيبيديا، وفي “تحديث عاجل” للإماراتيين في حزيران/ يونيو 2018؛ كتب بريرو: “طلبنا مساعدة الوسطاء المقربين الذين تصدوا للهجمات المتكررة، ليبقى الهدف الرئيسي شل حركة الشركة”، ومن أجل الضغط على الآخرين لتجنب “لورد إنيرجي”، أضافت “ألب” مزاعم مشكوك فيها حول الشركة إلى مدخلات ويكيبيديا لكريدي سويس واحتكار النفط الجزائري. وقام أحد العملاء باستخدام الاسم المستعار لوران مارتن بممارسة الضغط على قائمة وورلد تشيك بشأن “الإرهاب” المزعوم لشركة لورد إنيرجي.

لم يستطع ندا تصديق مدى سهولة إقناع المقرضين بتجنبه، وقد قال لي: “لم يتطلب الأمر سوى عدد قليل من المدونات وشخص يحمل اسمًا مزيفًا وحساب بروتون ميل”.

في تحديث في تموز/ يوليو 2018؛ كتب بريرو للإماراتيين: “اعتادت شركة “لورد إنيرجي” أن يُنظر إليها على أنها شركة لتجارة السلع الأساسية والتي لها نشاط تجاري مشروع. وبسبب أفعالنا يتم اليوم الكشف عنها كشركة مثيرة للجدل للإخوان المسلمين ولها علاقات بتمويل الإرهاب”.

وقد تفاخر بأن غوغل قد أكملت حاليًا البحث التلقائي عن “لورد إنيرجي” عن طريق استخدام كلمات مثل “مسلم” أو “الإخوان المسلمون” أو “الإرهاب”. وفي “تقييم التأثير” لسنة 2019 الذي حمل غلافه صورة سهم يضرب عين الثور؛ كرر بريرو هدفه: “دفعت شركة “إم بي تريدنغ التجارية” شركة “لورد إنيرجي” نحو الإفلاس”.

بحلول ذلك الوقت؛ كانت الإمارات العربية المتحدة تدفع لـ”بريرو” مائتي ألف يورو شهريًا لتحديد مواقع الأهداف ومهاجمتها في جميع أنحاء أوروبا، مع رسوم إضافية لمشاريع جانبية لمرة واحدة، وقد كان مطر مسرورًا بنتائج “ألب”؛ حيث قال في مكالمة هاتفية سجلها بريرو سرًّا: “عمل ممتاز. يقدر الجميع ما قمت به”.

ومن جهته؛ ضغط بريرو من أجل المزيد؛ ففي كانون الثاني/ يناير 2020، كتب إلى الإماراتيين: “نحن مستعدون لبدء خطة العمل الخماسية الجديدة، والتي بحلول نهايتها سنكون قد غطينا حوالي 20 دولة أوروبية”، وقد أصبح الاثنان قريبين جدًا لدرجة أن مطر خاطب بريرو في الرسائل النصية المشفرة باسم “أبي العزيز”. (تشير الملفات المخترقة أيضًا إلى أن بريرو قد قام بإعداد بروتون ميل لمطر ثم قام بتسجيل الدخول لمراقبة موكله).

فوجئ ندا برؤية الصحفيين والعلماء الرئيسيين يتقاضون رواتب بريرو الذي سجل أثناء عمله نيابة عن الإمارات العربية المتحدة، أكثر من خمسة آلاف يورو مدفوعات لصالح إيان هامل، مراسل جنيف لمجلة “لو بوينت” الفرنسية، وخمسة آلاف يورو أخرى للصحفي الفرنسي لويس دي راغوينيل الذي يكتب في مجلة “فالور أكتيال” اليمينية، وقد هاجم كلا الرجلين أهداف “ألب” في تقاريرهم أو تعليقاتهم. ( ينكر كلا الرجلين تلقيهم أي مدفوعات).

كان البحث عن لورنزو فيدينو، مدير برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن ومستشار لعدة حكومات أوروبية، أول خطوات بريرو بعد توقيعه مع الإمارات العربية المتحدة كعميل. ومن جهته، يجادل فيدينو، وهو مواطن مزدوج الجنسية من إيطاليا والولايات المتحدة، بأنه حتى المنظمات الإسلامية الأكثر اعتدالًا في الغرب يمكن أن تقوم بإمالة المسلمين نحو الانفصالية والعنف.

وشأنه شأن العديد من المسلمين؛ اعتقد ندا أنه متعصب ولكن بطريقة أكثر أكاديمية. وقد وصفت مبادرة جامعة جورج تاون، التي تدرس الإسلاموفوبيا، فيدينو بأنه شخص “يروج لنظريات المؤامرة حول جماعة الإخوان المسلمين” و”مرتبط بالعديد من مراكز الفكر المعادية للمسلمين”.

وفي سنة 2020؛ استشهدت وزارة الداخلية النمساوية بتقرير صادر عن فيدينو كأساس لتنفيذ مداهمات على عشرات المواطنين أو المنظمات المشتبه في ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين، ولم يتم إلقاء القبض على أي شخص مستهدف في المداهمات، ناهيك عن إدانته بأي مخالفات، فيما قضت محكمة استئناف نمساوية بأن المداهمات غير قانونية.

وقال فريد حافظ، الباحث النمساوي في مجال الإسلاموفوبيا الذي قُبض عليه في المداهمات وهو الآن أستاذ في كلية ويليامز وزميل في جامعة جورج تاون، إن فيدينو يصور تقريبًا جميع منظمات المجتمع المدني الإسلامية البارزة على أنها تابعة للإخوان، وأضاف: “فيدينو مثل الثعلب. كما أن لديهم نوع من العلاقة بأشخاص على صلة بالإخوان المسلمين، لذلك لا يمكنك مقاضاته بتهمة التشهير، لأنه لا يقول في الواقع أنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين!”.

تظهر سجلات “ألب” أنه في 12 كانون الثاني/ يناير 2018 ، قام بريرو باستضافة فيدينو إلى عشاء بقيمة ألف دولار في فندق بو ريفاج في جنيف. وفي نقاط نقاش مُعدة سلفًا؛ أشار بريرو إلى أنه يخطط للكذب بشأن العمل في الإمارات العربية المتحدة، وبدلاً من ذلك قال لفيدينو إنه قد تم تعيين “ألب” من قبل شركة محاماة في لندن لفحص جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، مع التركيز على ” نقاط مثيرة للاهتمام مثل لورد إنيرجي”.

تشير ملاحظات بريرو عن العشاء إلى أنه كان يهدف إلى تقديم اقتراح لـ فيدينو: “هل سيكون متاحًا للعمل كمستشار، وربما لكتابة مذكرة قصيرة بدون اسم عن “إم بي تريدنج” في أوروبا؟ (سرية بالطبع)”. وبعد أسبوعين من العشاء؛ وقع فيدينو عقدًا مبدئيًا بحيث يُدفع له ثلاثة آلاف يورو مقابل “إشارات/ شائعات مثيرة للاهتمام” حول جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب “قائمة بالأعضاء المزعومين لمنظمات الدرجة الأولى في البلدان الأوروبية”.

اعترف لي فيدينو بأنه كان يعمل لصالح شركة “ألب”، مضيفًا أنه غالبًا ما أجرى أبحاثًا لشركات خاصة، وقال: “إنه نفس البحث الذي أقوم به بغض النظر عن أي شيء، لذلك لا يهم حقًا من هو العميل النهائي. أنا مُهر ذو خدعة واحدة. لقد كنت أبحث عن جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا لما يقرب من خمسة وعشرين سنة”.

وبالنظر إلى هذه التجربة، أخبرته أنه يجب أن يكون قد أدرك أن الإمارات العربية المتحدة هي الوحيدة التي كان لديها الوسائل والدافع لدفع المال لمحقق خاص للنبش وراء الإسلاميين على غرار الإخوان المسلمين في جميع أنحاء أوروبا. وقال: “لقد كانوا العميل الأكثر واقعية”، وعلى الرغم من أنه “لم يكن واضحًا ما إذا كان الإماراتيون أم السعوديون أم الإسرائيليون أم كيانًا خاصًا ما في الولايات المتحدة”.

سلم فيدينو إلى شركة “ألب” سلسلة من التقارير حول وصول الإخوان المسلمين، والتي دعمت عمل بريرو للإماراتيين. ويبدو أن فيدينو قد وعد بمعلومات “ألب” التي سيحصل عليها أثناء استشارته لأجهزة الأمن الأوروبية حول التهديدات التي يشكلها الإسلاميون. لقد دعته السلطات الألمانية إلى برلين “للعمل بالضبط على موضوعنا”، كما قال لأحد عملاء شركة “ألب” في رسالة واتس آب في شباط/ فبراير 2020 ، مضيفًا: “أعتقد أن مذكرتي ستكون أكثر إثارة بعد تلك الزيارة “. وفي الشهر التالي، كتب فيدينو أن “العديد من الأسماء الواردة في القائمة تأتي بالفعل مباشرة من اجتماعات مختلفة مع المخابرات الألمانية”. (أخبرني فيدينو أنه لم يتذكر لقاء الألمان في ذلك الوقت تقريبًا ولكنه اعتبر مثل هذه التفاعلات الرسمية “عملًا ميدانيًّا”).

بعد تدمير شركة “لورد إنيرجي”؛ أقنع بريرو الإماراتيين بدفع المال له لملاحقة المزيد من الأشخاص في قائمة فيدينو للإسلاميين المشتبه بهم. بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، اقترح بريرو على الإماراتيين أكثر من خمسين هدفًا أوروبيًا محتملاً. وفي مرحلة ما، سأل فيدينو عن “عناصر/ شائعات مثيرة للاهتمام” على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. واقترح بريرو “قد تكون فرصة لإظهار قدرتنا على أن نكون مفيدين في هذا الاختصاص القضائي أيضًا”.

وبحسب السجلات الجزئية في الملفات المخترقة، بحلول نيسان/ أبريل 2020؛ كان بريرو قد دفع لفيدينو أكثر من ثلاثة عشر ألف يورو. وتشير محاسبة داخلية لشركة “ألب” إلى أنه في الفترة ما بين 21 آب/ أغسطس 2017 و 30 حزيران/ يونيو 2020، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بدفع 5.7 ملايين يورو على الأقل لبريرو.

أخبرني ندا أنه أثناء قيامه بعمليات تمشيط الملفات الخاصة بأهداف مختلفة، بدأ يشعر بشكل غريب بأنه متميز، ورغم بقاء ضحايا “ألب” الآخرين في الظلام، إلا أنه قد رأى المكائد وراء سقوطها. ويتذكر قائلًا: “كنت أفكر في ما مررت به وأتخيل أن كل هؤلاء الأشخاص الآخرين قد مروا بأسوأ منه، وأتخيل ما مر به كل واحد منهم. وبدأت أشعر بنوع من المسؤولية”.

كانت أكبر حملة ألب التي ألهمها فيدينو ضد منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية، وهي مؤسسة خيرية دولية كبرى، تأسست سنة 1984 على يد طالب طب مصري في برمنغهام لجمع الأموال من أجل المجاعة في شرق إفريقيا. وعاد عصام الحداد، وهو أول المنظمين، لاحقًا إلى مصر ولعب دورًا بارزًا في جماعة الإخوان المسلمين. (عمل حداد مستشارًا للشؤون الخارجية للرئيس الإسلامي المصري محمد مرسي وسجن منذ الانقلاب العسكري سنة 2013).

ولكن هدف منظمة الإغاثة الإسلامية كان إنسانيًا بحتًا. وعلى الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين زعموا أن عمل المجموعة في غزة قد ساعد حماس، إلا أن الإغاثة الإسلامية تطعن في هذه الاتهامات في محكمة إسرائيلية، ولم يسبق لأي شخص أن حدّد أي علاقة مؤسسية بين المؤسسة الخيرية والحركة الإسلامية. وفي الواقع؛ تعمل منظمة الإغاثة الإسلامية عادة بالشراكة مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الأوروبية.

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر تشككًا. وفي سنة 2014؛ بعد سنة من الانقلاب في مصر، وضع الإماراتيون منظمة الإغاثة الإسلامية على قائمة عشرات المنظمات “الإرهابية” المحظورة، إلى جانب مركز العلاقات الأمريكية الإسلامية، والجمعية الإسلامية الأمريكية، والعديد من الجمعيات المدنية الغربية الأخرى التي كان الإخوان المسلمين من بين مؤسسيها. (تعود العديد من الجماعات الإسلامية غير الهادفة للربح في الغرب بأصولها إلى جماعة الإخوان المهاجرين، الذين غالبًا ما كانوا محترفين متعلمين وذوي خبرة في التنظيم). وكانت إدانة الإمارات لمنظمة الإغاثة الإسلامية فاترة. وعلى الرغم من ذلك؛ لا يزال ممثلو الجماعة موضع ترحيب في المؤتمرات الدولية التي عقدت في دبي وأبو ظبي.

في سنة 2019؛ شن بريرو حملة ضد منظمة الإغاثة الإسلامية من خلال سؤال الإماراتيين: “تمكنت مؤسسة خيرية كبرى “إم بي تريدنج” إلى حد الآن من البقاء تحت رادارات الاتحاد الأوروبي؟ صلات خفية مع الإرهاب؟ “.  وبعد أن وقّع الإماراتيون على الاتفاقية، بدأ عملاء شركة ” ألب” في نسج شبكات من الجمعيات التي تربط مسؤولي منظمة الإغاثة الإسلامية بجماعة الإخوان المسلمين أو المتطرفين العنيفين. وأشارت إحدى “دراسة الحالة” المؤلفة من أربعة وسبعين صفحة، والمؤرخة في نيسان/ أبريل 2020، إلى أن عضو مجلس أمنائها، حشمت خليفة، كان “إرهابيًا على رأس منظمة الإغاثة الإسلامية”.

واستندت قضية “ألب” بشكل أساسي إلى الادعاء بأن خليفة قد سبق وأن عمل في التسعينيات مع منظمة إنسانية مصرية في البوسنة بينما كان المتطرفون الإسلاميون يتدفقون على الحرب هناك.

تبين أن هذا الاتصال ضعيف للغاية بحيث لا يمكن بيعه لوسائل الإعلام الرئيسية، ولكن عملاء شركة “ألب” واجهوا مشكلة في الأجور من خلال تمشيط المنشورات باللغة العربية من حساب خليفة الشخصي على فيسبوك. وبعد اشتباك مميت سنة 2014 بين إسرائيل وحماس في غزة، نشر خليفة تصريحات معادية للسامية، ومن بينها: “لأول مرة في التاريخ الحديث، تم حظر الصلاة في المسجد الأقصى، وقد أغلق أحفاد القردة والخنازير المساجد بمباركة واش في مصر”. (تقول آية قرآنية أن الله حوّل مجموعة من اليهود إلى قرود أو خنازير كعقاب على انتهاك يوم السبت؛ ويشير إليه منتقدو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه واش). وفي منشور آخر؛ أطلق خليفة على السيسي لقب “الواشي ابن اليهود”.

كما قام عملاء شركة “ألب” أيضًا بنشر منشورات مسيئة بالمثل على وسائل التواصل الاجتماعي باللغة العربية من قبل وصي آخر ومسؤول تنفيذي في منظمة الإغاثة الإسلامية.

في تقرير للإماراتيين؛ كتب بريرو أنه سرب الاقتباسات “قطعة تلو الأخرى” للصحفيين؛ وأبرزهم أندرو نورفولك، من صحيفة “لندن تايمز”، وهو مراسل استقصائي له تاريخ من الكتابة المثيرة حول التطرف بين المسلمين البريطانيين. وقد أوضح بريرو للإماراتيين أن فيدينو كان بمثابة مجسم: “لقد أرسلنا نتائجنا إلى الخبير الأكاديمي لورنزو فيدينو وإلى “التايمز” للتأكد من الحفاظ على السرية التامة”. (أخبرني نورفولك أن فيدينو لم يكشف عن تلقيه المعلومات من “ألب”).

وقامت منظمة الإغاثة الإسلامية على الفور بإبعاد جميع المسؤولين الثلاثة، وقالت عن خليفة: “نشعر بالفزع من التعليقات البغيضة التي أدلى بها ونُدين بلا تحفظ جميع أشكال التمييز، بما في ذلك معاداة السامية”.

روج عملاء “ألب” الفضيحة إلى جهات الاتصال في وسائل الإعلام في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانًا،  وفتحت السلطات البريطانية والسويدية تحقيقات، وتوقفت الحكومة الألمانية عن العمل مع المنظمة، كما هددت البنوك بوقف تحويل أموال منظمة الإغاثة الإسلامية إلى مناطق الأزمات في جميع أنحاء العالم.

أخبرني مسؤولو الإغاثة الإسلامية أنه على الرغم من استنكارهم للتصريحات المعادية للسامية، إلا أنهم لم يتمكنوا من فهم سبب قيام أي شخص بالتنقيب في منشورات التواصل الاجتماعي الخاصة بالأطفال البالغين من العمر ستة سنوات. بدت الهجمات قادمة من كل مكان، فلمدة ثمانية أسابيع تقريبًا؛ أعطت العاصفة انطباعًا بأنها منتشرة جدًا بحيث لا يمكن التأكيد على أنها موجهة لشخص بعينه، ولقد استهلكت الأزمة قيادتها؛ حيث أضافت الإغاثة الإسلامية مئات الآلاف من الدولارات إلى نفقاتها العامة لدفع تكاليف عمليات التدقيق الخارجية وحظر المعلومات الخاطئة من نتائج البحث على الإنترنت واستعادة علاقاتها الجيدة مع الحكومات؛ بما في ذلك دفع تكاليف لجنة مستقلة، يرأسها المدعي العام السابق في إنجلترا، التي أثبتت أن المنظمة لا تعادي السامية بشكل مؤسسي.

في النهاية؛ قامت الحكومة الألمانية بإيقاف الأعمال الخيرية فقط؛ حيث أخبرني وسيم أحمد، الرئيس التنفيذي لمنظمة لإغاثة الإسلامية العالمية، أن الضرر الرئيسي لحق بملايين الأشخاص الذين يعتمدون على المنظمة في الغذاء أو المأوى أو الرعاية الطبية، مبينًا: “لقد أضر وعطل عملنا الإنساني”.

وقال أحمد إن السؤال الذي يتكلف ملايين الدولارات هو “لماذا قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتقويض الإغاثة الإسلامية؟” مضيفًا: “إنه عالم غير عادل للغاية – دعونا نقول الأمر على هذا النحو”.

في حالات أخرى؛ ربما تكون حملة شركة ألب للإمارات قد تجاوز الحد الأقصى؛ حيث تضمنت الملفات التي تم اختراقها أكثر من اثنتي عشرة صورة لشقة سهام سويد، مستشارة العلاقات العامة الفرنسية التونسية في قطر، إضافةً إلى عملها أيضًا في شرطة الحدود الفرنسية ولصالح وزير عدل اشتراكي، ولقد عاشت في الشقة، والتي تقع في إحدى ضواحي باريس،  مع زوجها وشريكها في العمل، أوليفييه فلتن، وطفليهما؛ حيث قام ألب بتسمية الصور بـ”الاسترداد”، بمعنى “الاستطلاع”.

وفي إحدى الصور، حددت دائرة حمراء متراكبة “باب الدخول” إلى الشقة، بينما في صورتين أخرتين، أبرز مربع أحمر شرفة الطابق الثاني، وتضمنت صورة أخرى تعليق بأنه “تم التقاط الصورة داخل صندوق بريدها بواسطة وكيلنا”.

أخبرتني سويد أنها لم تسمع قط عن ألب أو بريرو، لكن بحلول نهاية سنة 2017، بدأت تشعر أن شخصًا ما كان يتابعها؛ حيث ظهرت سيارة مرارًا وتكرارًا خارج شقتها. وفي سنة 2018؛ سرق لص بعض مجوهراتها وأيضًا هاتفها الخلوي القديم وجهاز الكمبيوتر وبعض دفاتر الملاحظات، ثم كان هناك اقتحام ثان، بعد سنة، على يد لص لم يأخذ سوى جهاز كمبيوتر محمول وهاتف محمول. وقالت سويد: “إنه لأمر صادم أن تطبق دولة أجنبية مثل هذه الأساليب البلطجية خارج حدودها”.

أخبرني ندا أنه في إحدى الليالي في كومو في أيار/ مايو 2021، نظر من جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به ورأى متسللاً خارج نافذته؛ حيث يقع منزله على بعد أكثر من نصف ميل من الطريق، خلف بوابة طويلة، لذلك لم يضل أحد هناك عن طريق الصدفة. أمسك ندا قوسه ونشابه واختفى المتعدي بين الأشجار، فهل قام أحد عملاء ألب بمراقبة منزله؟

تضمنت حملة بريرو أحيانًا انتقامًا سريًا؛ حيث خلصت لجنة خبراء حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في تقرير سنة 2018، إلى أن الإمارات العربية المتحدة ربما ارتكبت جرائم حرب في تدخلها العسكري في اليمن، في حين كلف الإماراتيون بريرو بالتحقيق مع أعضاء اللجنة، وخاصة رئيسها كمال الجندوبي، وهو مدافع عن حقوق الإنسان من أصول تونسية فرنسية مشتركة، ويحظى بإعجاب كبير؛ حيث قضى الجندوبي سبعة عشر سنة في المنفى في فرنسا لمعارضته الديكتاتورية السابقة في تونس، ثم ساعد في سنة 2011 في الإشراف على أول انتخابات حرة في تونس. قال بريرو في عرض تقديمي للإماراتيين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018: “اليوم، يتمتع كمال الجندوبي، في كل من غوغل الفرنسية وغوغل الإنجليزية، بسمعة ممتازة”؛ حيث “لا توجد مقالة نقدية واحدة في كلتا الصفحتين الأوليين”. في غضون ستة أشهر، وعد بريرو بأنه يمكن “إعادة تشكيل” صورة الجندوبي “بعناصر سلبية”، وذلك بتكلفة قدرها: مائة وخمسون ألف يورو.

انتشرت شائعات عبر منافذ الأخبار العربية والمنشورات الأوروبية على شبكة الإنترنت بأن الجندوبي كان أداة لقطر ورجل أعمال فاشل ومرتبط بالمتطرفين، بينما اقترح مقال باللغة الفرنسية نُشر على موقع ميديوم أنه قد يكون “انتهازيًا متنكرًا في زي بطل حقوق الإنسان”، وطرح مقال باللغة الإنجليزية سؤالًا: “هل خبير الأمم المتحدة كمال الجندوبي مقرب جدًا من قطر؟”، وأنشأ ألب أو غيّر مدخلات ويكيبيديا الخاصة بالجندوبي، بلغات مختلفة، وذلك من خلال الاستشهاد بمزاعم من منافذ إخبارية غير موثوقة أو رجعية أو موالية للحكومة في مصر وتونس.

أخبرني الجندوبي أنه شعر بالحيرة بسبب موجة التشهير التي أعقبت تقرير جرائم الحرب؛ ولقد وصف ويكيبيديا بـ”الوحش”، وقد تمكن من تنظيف المضمون الفرنسي، لكن الصفحة الإنجليزية لا تزال تمنعه من ذلك، وقال: “أنت تتحدث الإنجليزية، هل يمكنك المساعدة؟”.

تحدث ندا معي في البداية بشرط السرية، دون إخبار المخترقين؛ حيث لم يكن يعرف حتى الآن ما إذا كان سيحصل على الملفات أم لا، لكنه أراد الوصول إلى ضحايا آخرين، والذين قد ينضمون إليه في اتخاذ إجراء قانوني. كان قد أخبر المخترقين – على مضض – أنه سينقل رسالة منهم إلى المشتري المحتمل الأكثر ثراءً أكثر من تكون رغبته في الملفات واضحة، وهم: حكام قطر.

بعد التنصت على اتصالات في أسواق البترول وفي وسائل الإعلام العربية، وصل ندا إلى سلسلة من كبار المسؤولين القطريين؛ حيث تمت دعوته إلى الدوحة، وأقام في فندق فخم، وطُلب منه الانتظار. وبعد أكثر من أسبوع، نقلته سيارة ذهابًا وإيابًا إلى اجتماع مع عملاء المخابرات القطرية؛ حيث شارك عرضًا تقديميًا والذي تحدث عن المخترقين: “أكثر من 1.5 مليون ملف… أكثر من 1 تيرابايت من رسائل البريد الإلكتروني… نسخ احتياطية كاملة لهواتف المديرين التنفيذيين… ملايين الملفات والمعلومات ذات قيمة لا تقدر بثمن”.

ولم يتلق ندا أي رد، والتقى به قطريون آخرون في فنادق في لندن؛ حيث أشار البعض إلى أن حملة الحصار ضد قطر قد انتهت مؤخرًا، وأصروا على أن الخلاف مع الإمارات العربية المتحدة كان يقف ورائهم، في حين ادعى آخرون أنهم يمتلكون معلومات استخباراتية أفضل بكثير بالفعل؛ وأعرب أحد أفراد العائلة المالكة القطرية عن اهتمامه، ثم تراجع عن ذلك. وعندما حاول شخص يدعي أنه مبعوث قطري تجديد الاتصال، في وقت مبكر من هذه السنة، كان ندا غاضبًا جدًا من التورط في الأمر.

لقد ازداد استياؤه من المتسللين أيضًا؛ لقد ظلوا صامتين لأسابيع في كل مرة، أو ألمحوا إلى أنهم كانوا يتفاوضون مع عملاء محتملين آخرين، بينما ظهرت بعض وثائق ألب المسربة للعيان في وسائل الإعلام الأوروبية، والتي ربما يكون قد قدمها المخترقون؛ حيث قال لي ندا: “إنهم يحاولون استخدامي بالتأكيد”، متسائلًا: “ما هي أجندتهم؟ لا أعرف”.

في الصيف الماضي؛ أعطاه صديق آخر من قطاع النفط رقم المسؤول الأمني الإماراتي السابق، عبد الرحمن البلوكي، الذي قيل إنه مقرب من محمد بن زايد، وذلك على أمل الحصول على تسوية مالية مقابل التزام الصمت؛ حيث تحدث ندا مع البلوكي عبر الهاتف، وحذره البلوكي من عدم تهديد الإمارات. (أخبرني بلوكي أنه لا يتذكر المكالمة، لكنه قال إن الإمارات العربية المتحدة “دائمًا دولة عادلة، حيث إن حكامها معطائين”).

شعرت أن دافع ندا للانتقام قد يتلاشى؛ حيث أخبرني أن ثروته لا تزال تساوي حوالي عشرين مليون دولار؛ لقد حرره انهيار اللورد إنيرجي لبدء مشروع السيارات الكهربائية الذي كان يحلم به. في تشرين الثاني /نوفمبر؛ كشفت شركته الجديدة، إيهرا Aehra، عن طرازها الأول، وهو سيارة إس يو في الأنيقة، والتي أشادت شركة موتور تريند MotorTrend “بذوقها الميلاني”، وفي غضون ذلك، قبل منصبًا بحثيًا في فيزياء البلازما بداية من السنة المقبلة في إمبريال كوليدج بلندن، بينما يستعد هو وزوجته للطلاق، وهو الآن على علاقة بامرأة من أوكرانيا، والتي سافر معها عدة مرات إلى بلدتها، بالقرب من خط المواجهة في الحرب. قال لي ندا: “أنا أمضي قدمًا في حياتي”.

ومع ذلك، فإن اهتمام حملة ألب غير المرجح يطارده؛ ويدفع للتساؤل: كم عدد المواطنين الآخرين الذين استهدفتهم مثل هذه الشركات – ولم يُعرفوا من قبل؟ من حين لآخر، علمت الصحافة بحالة أخرى قامت فيها الحكومات غير الغربية أو المليارديرات بنشر عملاء استخبارات خاصين؛ حيث ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، في الخريف الماضي، أن كلاً من إيران والصين قد استخدمتا عملاء سريين لتوظيف شركات استخبارات أمريكية خاصة للتآمر ضد المنشقين في نيويورك ونيوجيرسي. وقد يبدو قرار دولة ما بالاستعانة بمصادر خارجية لعمليات الاستخبارات لشركة غربية أمرًا محيرًا، لكن الإستراتيجية تقدم مزايا مختلفة؛ حيث قد ترغب دولة تتودد إلى الغرب، مثل كازاخستان، في تجنب الوقوع في التجسس التقليدي. بينما تفتقر دول أخرى، مثل دول الخليج العربي، إلى وكالات استخبارات داخلية فعالة.

في غضون ذلك، غالبًا ما يكون للشركات الغربية صلات بوسائل الإعلام المحلية مما يجعلها وكلاء مثاليين لإجراء “العلاقات العامة المظلمة”؛ وقد أشار بيير جاستينو، محرر موقع “إنتليجنس أون لاين”، إلى أن قلة من المحققين الخاصين واجهوا عقوبة بسبب عملهم لصالح حكومة أو ثروة أجنبية، مضيفًا: “لا يوجد شرطي في الفناء”.

جادل رونالد ديبرت، عالم السياسة بجامعة تورنتو ومدير مركز أبحاث “سيتيزن لاب” التابع لها، بأن الاستخدام المتزايد لوكالات الاستخبارات الخاصة من قبل الحكام المستبدين وأعوانهم يؤذن بـ”عصر ذهبي من التخريب”، حيث كتب مقالًا، في السنة الماضية، لمجلة الديمقراطية أنه “حتى قبل بضعة عقود، كانت معظم الأنظمة الاستبدادية” تفتقر إلى القدرة على “تصعيد أنواع النفوذ الأجنبي، والتجسس، وعمليات التخريب التي أصبحت شائعة اليوم، مضيفًا “لكن التجسس الرقمي لا يتطلب أن يكون الناس على الأرض في بلد أجنبي، والعدد المتزايد من الشركات الخاصة – التي غالبًا ما يعمل بها عملاء استخبارات غربيون سابقون – يجعل من السهل على الحكومات أو الأوليغارشية أن تأمر بالتجسس أو عملية التضليل حسب الطلب. وكتب قائلًا: “يمكن لأي شخص لديه نقود كافية أن يوظف “الموساد الخاص”، مبينًا أن “التخريب هو الآن عمل تجاري كبير، ومع انتشاره، تنتشر كذلك الممارسات الاستبدادية وثقافة الإفلات من العقاب المصاحبة له”.

اشتبه ندا في أنه لم يهرب بعد من مراقبة بريرو؛ حيث يعود تاريخ أحدث الملفات التي تم اختراقها إلى أوائل سنة 2021، وفي ذلك الخريف أرسل مراسل رويترز إلى ندا بريدًا إلكترونيًا مستعارًا من شركة بريرو، والذي كرر مزاعم حول علاقاته السرية بالتطرف. هذه المرة؛ كان ألب يهاجم مؤسسة الجيش الإيطالي للتدريب التي أسس فيها ندا عملًا في مجال القفز بالمظلات في الأماكن المغلقة. (لقد تلقيت بريدًا إلكترونيًا مشابهًا بعد أن زرت مكاتب بريرو.)

أخبرني ندا: “لا ينبغي السماح بحدوث هذه الأشياء، والتي يقرر من خلالها بعض الدكتاتوريين أو مستشاريهم لأسباب خاصة بهم استهداف مواطني دولة ديمقراطية وتدمير حياتهم، دون أي نوع من الإجراءات على الإطلاق، حيث لم يرتكب العديد من ضحايا بريرو أي خطأ أبدًا، بخلاف احتمال تبني وجهات نظر يعتبرها الإماراتيون تهديدًا؛ لقد كان من الواضح أنه ليس لديّ أي آراء سياسية على الإطلاق!” بالطبع، هناك أيضًا الأموال التي خسرها ندا – أكثر من مائة مليون دولار بحلول أوائل سنة 2019، وفقًا لما قاله، ناهيك عن الملايين التي ربما حصل عليها خلال سنوات الازدهار لتجارة النفط في سنتي 2020 و2021.

تبادرت كلمات أغنية “تحطيم القرع Smashing Pumpkins” إلى ذهنه: “العالم هو مصاص دماء تم إرساله لاستنزاف / مدمرات سرية ترفعك إلى ألسنة اللهب / وماذا أحصل من أجل ألمي؟”.

بحلول الربيع الماضي؛ كان المخترقون قد أوقفوا قدرة ندا على الوصول إلى ملفات ألب؛ حيث أخبرني في الشتاء الماضي أنه أقنع “الرجال” بالتوقف عن توقع ثمن كبير من قطر، وبدلاً من ذلك، اقترح أن الكشف العلني عن بعض المعلومات المسروقة قد يساعدهم في جذب عملاء آخرين؛ حيث أرسل المخترقون بالبريد الإلكتروني ملفات ألب المتعلقة بالإمارات إلى المدعي العام السويسري في جنيف، إيف بيرتوسا، وإلى ديك مارتي، المدعي العام السابق – الذي أحالها إلى ندا. (رفض بيرتوسا التعليق، بينما أكد مارتي أنه نقل البريد الإلكتروني غير المرغوب فيه إلى ندا).

أرسل ندا الملفات الآن إلى محامييْن، أحدهما في جنيف والآخر في لندن، واللذان رفضا التعليق.

يُعد جمع معلومات سياسية أو تجارية لدولة أجنبية انتهاكًا للقانون السويسري، ويمكن أن يُحكم على أي شخص مُدان بهذه الجريمة بالسجن لمدة ثلاث سنوات، بينما يسمح القانون البريطاني بمطالبات كاسحة بالتعويض عن التشهير. أخبرني ندا أنه يتحدث إلى محامين في الولايات المتحدة حول تجنيد ضحايا آخرين لبريرو في دعوى جماعية يتم رفعها هناك، قائلا: “لقد عبثوا مع الرجل الخطأ هذه المرة”.

يمكن لندا أن يتوقع هجومًا مضادًا قويًا؛ حيث إنه من بين الملفات التي تم اختراقها كان تسجيل مكالمة هاتفية مع مطر حول كيفية التعامل مع بريد إلكتروني من ندا يهدد باتخاذ إجراء قانوني؛ حيث طلب مطر من بريرو تجاهل الأمر، لقد كانت دولة الإمارات  مستعدة للحرب، بينما قال مطر: “نحن نساندك بالكامل مائة بالمائة، مهما كلف ذلك الأمر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى