Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات الرأي

الحرّية النسبية للصحافة الفرنسية في خطر

في معرض إجابته عن سؤال يتعلّق بما ورد في مقال نشرته صحيفة لوموند الفرنسية العريقة عن الجوانب “الناجحة” في زيارة بشّار الأسد الصين الأسبوع المنصرم، سارع أحد المعارضين السوريين إلى نفي تحقيق أية خطوة لصالح النظام السوري في الزيارة، وهو يداعب تفكيره الرغبوي البعيد عن التحليل الجدي لرمزية هذه الزيارة ونتائجها.

وقد أضاف المحلل المعارض المقيم منذ عقود في لندن متمتعًا بصحافتها وبإعلامها، أن ما ورد في الصحيفة الفرنسية “يعكس رغبة الحكم الفرنسي في التقارب مع نظام دمشق”.

لقد تمكّن إذًا، بجملة واحدة، من استرجاع ثقافةٍ تعتمد على تجربتها الذاتية في بلدانٍ لا تعرف أي درجة من درجات الحكم الديمقراطي ليُعمّم الأحكام.

وبالتأكيد، فلا “لوموند” ولا سواها من الصحافة في فرنسا، كما في بريطانيا، تعكس وجهة نظر الحكم فيها. وكذلك، يبدو أن وعي الصحافي الفرنسي الذي كتب ما كتب أوسع وأعمق سوريًّا مما يمتلكه محللنا الجهبذ.

هناك تقييمات معيارية سلبية يطلقها مراقبون ومحللون مؤمنون بنظرية المؤامرة في ما يتعلق بالصحافة الغربية عمومًا، والفرنسية على وجه الخصوص.

وهم ينشرون التعميمات التقييمية على وضع الصحافة في العالم الغربي، مصرّين على اعتبار أن الصحافة في هذه البلدان تعكس حتمًا وجهة نظر المؤسّسة الحاكمة فيها، وهي قطعًا ليست كذلك، حتى لو كانت مقرّبة من حزبٍ حاكمٍ انتخابًا.

ينتشر هذا التوجّه لدى من يدافع عن سوء حال الصحافة في دول الاستبداد العربي، وذلك تعزية للذات أو دفاعًا عن سلطة حاكمة. الصحافة الفرنسية، كما سواها في الدول الديمقراطية، حرّة نسبيًا.

والحرية النسبية مفهومٌ يشمل كل الدول التي تبنّت أنظمة حكم ديمقراطية. ويبقى الحديث عن حرّية مطلقة مخالفًا للقانون وللمنطق وللتجربة.

تعاني الصحافة في فرنسا من هيمنة بعض رجال المال الكبار غير المهنية على بعض وسائل الإعلام

 

في المقابل، يتعرّض الإعلام، مهما كان حرًّا، لضغوط متعدّدة الأشكال والمصادر، فمنها السياسي غير المباشر، ومنها المالي.

وفي فرنسا خصوصًا، تعاني الصحافة من هيمنة بعض رجال المال الكبار غير المهنية على بعض وسائل الإعلام.

وهذا يؤثر سلبًا بهامش حرية العاملين فيها، على الرغم من القيود القانونية والأخلاقية التي وضعت للحدّ من درجة تأثير المالك بخط تحرير الوسيلة الإعلامية.

وللخروج من هذا “المأزق” قبل أن تبدأ آثاره السلبية بالظهور، يتحضّر الإعلام الفرنسي لموعدٍ مهمٍ نسبيًا بعد أيام، حيث ستلتئم، بدعوة من رئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، جلسات لمناقشة واقع الإعلام ومستقبله في البلاد، بلاد حقوق الإنسان التي صدر فيها، وبشكل مبكّر، قانون شديد الضمان لحرية العاملين في الصحافة منذ سنة 1881.

ويستند هذا القانون إلى المادة الـ11 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في الأيام الأولى للثورة الفرنسية سنة 1789.

وقد جاءت الدعوة إلى هذه الجلسات، التي ستمتد عدة أسابيع، بهدف تحليل الواقع القائم ومحاولة البحث عن أنجح السبل لحماية استقلال الصحافة والإعلام في زمن تتعدّد فيه التهديدات والمخاطر، بدءًا من الهيمنة المالية لبعض الطامحين في استثمار ثرواتهم في شقّ طريقٍ سياسي لهم أو لأتباعهم، مرورًا بتضخّم دور وسائل التواصل الاجتماعي، ليس في نقل الأخبار فحسب، بل أيضًا في تزييفها وفي نشر المعلومات الكاذبة، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي وتأثير تطوّر اللجوء إليه بالمهنة في أبعادها كافة.

وقبل عقد اللقاء بأيام، تعرّض المشهد الإعلامي لنكسة خطيرة، تُعتبر نادرة في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، إذ داهمت أجهزة الاستخبارات منزل الصحافية أريان لافريو، حيث أجرى عناصرها تفتيشاً دقيقاً للمكان.

وقد اعتقلت 39 ساعة رهن التحقيق، وذلك في قضية تتعلّق بموضوع حسّاس نشرته منذ عامين، يكشف عن صفقة معدّات عسكرية باعتها فرنسا لمصر، على أن تُستخدم نظريًا في محاربة المجموعات الإرهابية.

وتوصّلت الصحافية إلى معلومات سرّية حصلت عليها من المؤسّسة العسكرية، تُفيد بأن هذه المعدّات سهّلت عمليات أمنية مصرية قُتل فيها مهرّبون مدنيون ومعارضون وأبرياء.

وخصّت الصحافية بالذكر عملية “سيرلي” التي نفذتها أجهزة الاستخبارات الفرنسية في مصر لمساعدة الحكومة المصرية. لقد تبين أن هدف الأجهزة الأمنية من هذا التحرّك ضد الصحافية لافريو، الحصول على هوية مصادرها التي تنتمي إلى المؤسّسة العسكرية.

إثر هذه الحادثة، خرجت مظاهرات في عدة مدن فرنسية، كان أغلب المشاركين فيها من الصحافيين، احتجاجًا على هذا الانتهاك، مطالبين بتطبيق القانون المتعلق بالمخالفات الإعلامية إن وُجدت، وهو يمنع اعتقال الصحافيين، كما يحمي سرّية المصادر.

اعتبر المتضامنون معها أن الصحافية لم تنتهك القانون، بل على العكس، فقد نبهت إلى خطورة العملية التي ساعدت فيها حكومتها، إراديًا أو عفويًا، سلطاتٍ غير ديمقراطية في تنفيذ عملياتٍ تكاد تعتبر جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

يبدو أن احتلال فرنسا المرتبة الـ26 في جدول حرية الصحافة في العالم لسنة 2023، وهو موقع متقدّم نسبيًا، يرجع إلى التراجع الكبير في حرية الصحافة في بلدان أخرى أكثر مما يرجع إلى تحسّن وضع حرّية الصحافة فيها.

للكاتب/ سلام الكواكبي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى