الإمارات فشلت في التأثير على الاتحاد الأوروبي
الدبلوماسي الأوروبي إلدار ماميدوف
في التاسع من يناير/كانون الثاني 2019، نظمت الإمارات العربية المتحدة معرضًا في البرلمان الأوروبي سلطت من خلاله الضوء على أنشطتها لإغاثة المنكوبين في جميع أنحاء العالم، سعيا منها لتلميع صورتها على الصعيد الدولي.
وقبل افتتاح المعرض من قبل رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني، عُقدت ندوة مشتركة ترأستها رئيسة المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات أمل القبيسي، وعضو البرلمان الأوروبي الإسباني أنطونيو لوبيز-إستوريز وايت، رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الأوروبية-الإماراتية.
إن حملة العلاقات العامة الإماراتية قوضها سجل أبو ظبي الإنساني، فهذا النشاط جزء من حملة ضغط سياسي إماراتي داخل أوروبا.
وما يميز هذه الحملة هو ابتعاد الإمارات خلالها عن مهاجمة خصومها التقليديين، الذين حددهم الكاتب في قطر وإيران وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين.
إن الإمارات فضلت التركيز على جدول أعمال إيجابي قائم على تقديم المساعدات الإنسانية للأماكن المنكوبة، مثل اليمن وأفغانستان والصومال وحتى أوروبا، من خلال تمويل مخيمات اللاجئين في اليونان.
وتحدث تاجاني في خطابه عن إدارة الهجرة باعتبارها من التحديات الرئيسية التي تواجه الاتحاد الأوروبي.
إن التركيز على احتياجات الاتحاد الأوروبي في هذا المجال الحساس طريقة فعالة على المدى الطويل، مقارنة بمهاجمة المنافسين الإقليميين، خاصة عندما تقدم هذا الخطاب امرأة تتحدث الإنجليزية بطلاقة مثل القبيسي.
غير أن ذلك لم يحل دون كشف محدودية نجاح حملة العلاقات العامة الحالية التي لم تدخر الإمارات جهدا لجعلها تبدو جيدة ومتطورة.
وحتى مكان انعقاد الاجتماع مثير للشكوك، وذلك بسبب اختيار “مجموعة الصداقة” البرلمانية-الإماراتية بدل هيئة رسمية تابعة للبرلمان الأوروبي.
ورغم أنه لا يحق لمجموعات الصداقة أن تتحدث باسم البرلمان الأوروبي -يقول الكاتب- فإنها في الواقع تستغل من قبل الأنظمة الاستبدادية في إيجاد قدم لها في البرلمان الأوروبي، بحيث يمكنها من ممارسة الضغط وجمع الأصوات.
وهو ما يعني في هذه الحالة أن مجموعة الصداقة الإماراتية الأوروبية تصرفت كناطق رسمي باسم أبو ظبي، لكن صورة الإمارات العربية المتحدة كقوة إنسانية عظمى تقوضها الحقائق القاسية على أرض الواقع.
كما أن مفوض الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات، كريستوس ستيليانيدس أشاد مرارا وتكرارا “بالقيم المشتركة” التي يعتقد أنها تربط بين الاتحاد الأوروبي والإمارات.
لكننا نتحفظ على ذلك في ظل ما تعرض له الناشط الإماراتي المدافع عن حقوق الإنسان أحمد منصور من محاكمة بسبب ممارسته حقه في حرية التعبير، فضلا عما عاناه الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز الذي لم يسترجع حريته إلا مؤخراً، بعد أن أمضى خمسة أشهر في الحبس الانفرادي بتهمة التجسس.
إن هذه الإساءات وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان بالإمارات وردت في تقرير جديد نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش بعنوان “الإمارات.. ظلم وتعصب وقمع، محاكمات غير عادلة في البلاد وجرائم حرب محتملة في اليمن”.
كما يبرز الاختلاف الكبير بين خطابات الإمارات والإجراءات التي تتبعها في الداخل؛ فهي تدعم المهاجرين واللاجئين خارج حدودها، لكنها تعامل عمالها المهاجرين بقسوة.
وكشف تقرير للأمم المتحدة أن العمال المهاجرين في الإمارات يتعرضون لصنوف الاستغلال الشديد، حيث يعملون في ظروف قاسية لأكثر من 12 ساعة في اليوم، إلى جانب المشاكل المتعلقة برواتبهم وحجز جوازات سفرهم، والعديد من الانتهاكات الأخرى.
والعرض تضمن أرقاما مثيرة للإعجاب تشير إلى أن إجمالي المساعدات الأجنبية الإماراتية بين سنة 2013 و2017 يعادل 32 مليار دولار، إلا أنه نبه إلى كون مفهوم “المساعدة الأجنبية” يختلف تماماً عن مفهوم “المساعدة الإنمائية” أو “الإنسانية”.
وتجدر الإشارة إلى أن مصر أكبر دولة تتلقى المساعدات الإماراتية بحصة بلغت 16.75 مليار دولار. ودعمت الإمارات الانقلاب العسكري في مصر سنة 2013، الذي أطاح بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا ورئيسها محمد مرسي واستبدلها بالنظام القمعي لعبد الفتاح السيسي.
إن على أبو ظبي كي تثبت مصداقيتها أن تتعامل مع المزاعم التي تشير إلى أن بعض أموال الإعانات الإنسانية التي قدمت لمصر قد خصصت في الواقع لدعم الديكتاتورية العسكرية هناك.
وأبو ظبي لوعيها بأهمية المرأة وحقوقها لدى الجماهير الغربية، سلطت الضوء على التقدم الذي تعمل عليه الإمارات في مجال حقوق المرأة، إذ أعلنت خلال هذا الحدث في بروكسل أن الإمارات كشفت عن تخصيص 50% من مقاعد البرلمان للنساء خلال الانتخابات البرلمانية في السنة المقبلة.
لكن في الواقع فإن أبو ظبي تجاهلت بعض المعلومات المهمة التي تفيد بأن حكام الإمارات السبع هم الذين سيعيّنون نصف أعضاء المجلس الجديد، مرجحا أنه في حال فشلت النساء في الفوز بهذه النسبة، فإن أبو ظبي ستلفق النسب لتحقيق الصورة المرجوة.
وعليه فإن من غير المتوقع أن تكون هذه الانتخابات نزيهة وتنافسية، ناهيك عن كون البرلمان في حد ذاته لا يتمتع بسلطة حقيقية في الإمارات.
إن هذه الأحداث تهدف إلى ترسيخ قيمة الأعضاء الذين يعملون على الصفقات الإماراتية بدل استقطاب أعضاء جدد، في ظل فشل ما أسماها مجموعة الضغط (اللوبي) الإماراتية في الحيلولة دون تبني البرلمان الأوروبي قرارا يطالب بالإفراج عن الناشط أحمد منصور في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أو منع فرض عقوبات على المسؤولين الإماراتيين المتهمين بالمشاركة في انتهاك حقوق الإنسان.
إن “اللوبي” الإماراتي لا يمكنه منع دعوة دول الاتحاد الأوروبي إلى وقف بيع الأسلحة إلى الإمارات والسعودية بموجب القرار الذي أصدره البرلمان الأوروبي بشأن الوضع في اليمن في أكتوبر/تشرين الأول 2018؛ نظرا لأن هذه مواقف البرلمان الأوروبي الرسمية وليست بيانات مجموعة الصداقة.
وعلى أبو ظبي لكي تحسن صورة الإمارات لدى الاتحاد الأوروبي عليها إجراء إصلاحات حقيقية، مثل وضع حد للقمع الداخلي والتدخل العنيف في اليمن، بدل اللجوء إلى حملات دعائية منمقة في البرلمان الأوروبي.