الإمارات تضغط بقوة داخل البرلمان الأوروبي لوقف إدانتها بشأن الحرب في السودان

قال المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط إن مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ شهد هذا الأسبوع واحدة من أكثر حملات الضغط الخارجي نشاطًا وإثارة للجدل، بعدما دفعت الإمارات العربية المتحدة بكامل ثقلها الدبلوماسي في محاولة لعرقلة أي إشارة تدين دورها في الحرب الأهلية المروعة في السودان.
وجاءت التحركات الإماراتية المتسارعة قبل ساعات فقط من تصويت البرلمان على قرار بشأن الفظائع المرتكبة في البلاد، وسط اتهامات واسعة بأن أبو ظبي تزود قوات الدعم السريع بالسلاح والمال، وتغذي حربًا أودت بحياة عشرات الآلاف ودفعت ملايين المدنيين إلى الجوع والنزوح.
وذكر المجهر أنه مع اقتراب موعد التصويت، كثفت الإمارات اتصالاتها المباشرة مع كبار أعضاء البرلمان الأوروبي، في مسعى واضح لتجنب ذكر اسمها في القرار.
ووفق معلومات من داخل أروقة البرلمان، وصل وفد إماراتي رفيع المستوى بقيادة المبعوثة لانا نسيبة، التي عقدت سلسلة لقاءات مغلقة مع نواب من مختلف المجموعات السياسية، لإقناعهم بأن الإمارات “تلعب دورًا إيجابيًا” وتسعى إلى الوساطة، وليست طرفًا يغذي الصراع.
وأثارت هذه اللقاءات – التي جرت داخل غرفة خاصة وفرتها رئاسة البرلمان للوفد الإماراتي –تساؤلات حول الحجم غير المسبوق لتحرك أبو ظبي، خاصة مع تأكيد دبلوماسيين في البرلمان أن الوفد الإماراتي نفى تمامًا دعم قوات الدعم السريع، وركز على تصوير الإمارات كقوة استقرار في المنطقة، رغم الانتقادات الواسعة من منظمات حقوقية ووسائل إعلام مستقلة ومسؤولين سودانيين.
وكشفت مصادر برلمانية أن وفد الإمارات هدد نواب عدة دول أوروبية بقطع العلاقات التجارية في حال التنديد العلني بالإمارات في مشروع القرار، إلى جانب ممارسة عمليات ضغط مشبوهة وشبهات توزيع أموال وهدايا فاخرة على النواب المستهدفين.
غياب اسم الإمارات من القرار
قالت صحيفة بوليتيكو إنه على الرغم من إدراج فقرات قوية تدين قوات الدعم السريع باعتبار جرائمها “قد ترقى إلى الإبادة الجماعية”، انتهى الأمر بإقرار قرار البرلمان دون أي ذكر مباشر لتورط الإمارات في الصراع.
وذكرت الصحيفة أنه هذا التغييب لاسم الإمارات لم يكن صدفة، بل جاء نتيجة مفاوضات شاقة جرت بين الكتل السياسية، حيث واجهت المقترحات التي تقدمت بها مجموعات الاشتراكيين والديمقراطيين والخضر – والتي طالبت بإدانة واضحة لدور أبو ظبي – رفضًا صارمًا من قبل حزب الشعب الأوروبي المحافظ، الذي تصدى لأي لغة تستهدف الإمارات، ودعمه في ذلك أحزاب اليمين واليمين المتطرف.
وأكد ثلاثة مسؤولين برلمانيين أن ذكر الإمارات كان “خطًا أحمر” بالنسبة لحزب الشعب الأوروبي، وهو ما اعتبره مراقبون انتصارًا مباشرًا لحملة الضغط الإماراتية التي سبقت التصويت.
وثائق مضادة ولقاءات مكثّفة
في الأيام التي سبقت الجلسة، وزعت الإمارات وثيقة غير رسمية داخل البرلمان تنفي فيها بشكل قاطع تقديم أي دعم مادي أو مالي أو سياسي لقوات الدعم السريع.
غير أن هذه الوثيقة لم تقنع مفاوضين أوروبيين، بينهم النائبة الهولندية ماريت مايج، التي قالت إنها واجهت الوفد الإماراتي بمعلومات تؤكد دعم أبو ظبي للميليشيا المتورطة في جرائم واسعة.
كما أعربت عضوة البرلمان من حزب الخضر نيلا ريهل عن خيبة أملها لعدم تضمين القرار إشارة واضحة إلى الإمارات، مؤكدة أن ما حدث “يكشف فجوة بين ما يجب قوله وما يسمح به ميزان القوى السياسي داخل البرلمان”.
وجاءت المفاجأة الأكبر في حجم التحرك السياسي الإماراتي. فقد علمت مصادر برلمانية أن السفيرة نسيبة مارست بنفسها ضغطًا مباشرًا على النواب بين 24 و27 نوفمبر، وبقيت في ستراسبورغ حتى لحظة التصويت.
وشمل برنامجها لقاءات مع رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، ومع عدد من النواب المؤثرين، بهدف تعديل لغة القرار وحذف أي إشارات محرجة لأبو ظبي.
ووصف المسؤول الحقوقي البلجيكي، جمال العطار، هذه التحركات بأنها “محاولة مكثّفة للسيطرة على الأضرار”، مشيرًا إلى أن الإمارات استخدمت “آليات ضغط مضاد ضخمة” لتجنب خروج قرار يستهدفها بشكل مباشر.
القرار النهائي: إدانة عامة بلا أسماء
أدان القرار الأوروبي الذي صدر في النهاية بقوة الفظائع التي ترتكبها قوات الدعم السريع، واعتبر الجرائم العرقية والاغتصاب والاستعباد الجنسي والتجويع المتعمد جرائم قد تصل إلى الإبادة الجماعية.
كما دعا إلى فرض عقوبات على الميليشيات المتورطة وعلى “الممولين والممكنين الخارجيين”، لكنه تجنب تسمية أي دولة – وهو ما اعتبرته الإمارات خطوة إيجابية.
وأصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بيانًا ترحب فيه بالقرار “في الوقت المناسب”، مشيدة بتأكيده على دور “الرباعية” – التي تضم الإمارات والولايات المتحدة ومصر والسعودية – في جهود الوساطة.
ويأتي هذا كله في لحظة حساسة للغاية في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والإمارات، حيث تسعى بروكسل لإبرام اتفاق تجارة حرة “يتقدم بسرعة البرق”، بحسب مسؤول إماراتي رفيع. هذا السياق الاقتصادي، وفق مطلعين، جعل العديد من الأطراف الأوروبية أكثر حذرًا في تبني لغة من شأنها توتير العلاقات مع أبو ظبي.
وتُظهر تفاصيل ما جرى في ستراسبورغ أن الإمارات نجحت، عبر مزيج من الضغوط المباشرة واللقاءات المكثّفة والتحالفات السياسية، في منع البرلمان الأوروبي من توجيه انتقاد صريح لدورها المزعوم في السودان.
ورغم أن القرار أدان قوات الدعم السريع بقوة وربط جرائمها بشبهة الإبادة الجماعية، فإن غياب اسم الإمارات من النص النهائي يعكس حجم التأثير الذي تمكنت أبو ظبي من ممارسته داخل المؤسسة التشريعية الأوروبية.




