أوروبا وخطر الشتاء بفعل تأثيرات الحرب الأوكرانية
مع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا قبل أكثر من ستة أشهر، آثرت الدول الغربية، وفي مقدمتها الدول الأوروبية، عدم الدخول مباشرة في مواجهة عسكرية مع روسيا، خشية نقل أرض المعركة إلى الداخل الأوروبي، وخسارة الرفاهية الاجتماعية التي تولدت بعد الحرب العالمية الثانية.
وفضّلت بدل ذلك تكثيف دعم أوكرانيا عبر الموقف السياسي وتدفّق السلاح الدي تمكّن به الأوكرانيون، إلى حد كبير، من وقف التقدم الروسي ومنع الخطط التي وضعتها موسكو لإنهاء الحرب في وقت قصير، وها هي روسيا فعلاً تتخبط في حرب طويلة الأمد، تبحث فيها عن مخارج.
لكن من الواضح أن روسيا قررت أنها لن تتألم وحدها، خصوصاً مع حجم العقوبات الغربية التي فرضت عليها بعد الغزو، فسحبت من جعبتها سلاحاً قادراً على ضرب العمق الأوروبي من دون الحاجة إلى عمليات عسكرية.
فها هو سلاح الغاز يهدد أوروبا بموجات من الفوضى مربوطة بتقنين الاستهلاك ورفع الأسعار، والذي لن يستطيع أبناء الطبقة الوسطى الأوروبيون تحمّله مع اقتراب فصل الشتاء.
لا يمر يوم من دون أن تعلن موسكو، أو شركات الطاقة الخاصة بها، أنها بصدد وقف ضخ الغاز الروسي إلى الأراضي الأوروبية.
وباتت عمليات الإصلاح في خط نورد ستريم أكثر من دورية، وبالتالي دخل وقف الضخ عملياً حيز التنفيذ، وهو ما بدأ ينعكس فعلياً في الداخل الأوروبي.
لا يمكن القول إن أوروبا، ومعها الولايات المتحدة، لم تكونا مدركتين تداعيات الحرب في هذا المجال، وعمدتا منذ بداية الغزو إلى محاولة تأمين بدائل للغاز الروسي، لكن الأمر لم يكن بالسهولة التي توقعتاها.
والإنتاج خارج “القارّة الروسية” لا يكفي لسد احتياجات الدول الأوروبية، إضافة إلى انعكاس الحرب على أسعار الغاز عموماً، وارتفاعها إلى مستويات تحتّم رفع الأسعار على المستهلكين.
هذا الأمر بدأته الدول الأوروبية فعليّاً اعتباراً من بداية سبتمبر/أيلول، بنسب متفاوتة مرشحة للتصاعد مع حلول فصل الشتاء وارتفاع الطلب على الغاز للتدفئة.
نسب الارتفاع قد تصل إلى حدود ثمانين في المائة في بعض الدول الأوروبية، على غرار بريطانيا، لينعكس ذلك على ما دونه من سلع استهلاكية يحتاجها المواطنون الأوروبيون في حياتهم اليومية.
وتأتي هذه الزيادات المرتقبة لتواكب التضخم الذي يضرب أوروبا والعالم منذ بداية الحرب على أوكرانيا، ولينذر بتداعيات لا تحمد عقباها في الداخل الأوروبي.
تداعيات قد تبدأ مع أولى فواتير الغاز والطاقة بالأسعار الجديدة، خصوصاً أن قدرات الدول الأوروبية على دعم هذا المنتج باتت محدودة، بعد استنزاف الاحتياطات المالية خلال عامي الإغلاق المرتبط بانتشار فيروس كورونا.
الكثيرون يتوقعون موجات احتجاج عارمة في عدد من الدول، وهو ما بدأت إرهاصاته مع الإضرابات التي باتت تعم الكثير من القطاعات الحيوية في الدول الأوروبية، في مقدمها قطاع النقل، مع المطالبات برفع الرواتب.
ولا يُستبعد أن تتحول هذه الاحتجاجات إلى موجات شغب كبيرة في بعض الدول الأوروبية، على غرار ما حدث في لندن عام 2011، ولا سيما أن الأوضاع الاقتصادية بدأت تفرز تنظيمات نقابية غير تقليدية تعمل على تنسيق الاحتجاجات والإضرابات.
العديد من الدول الأوروبية مدركة للمخاطر المترتبة عن التضخم وزيادات الأسعار، وأصبحت تسابق الزمن لمحاولة احتواء الغضب قبل انفجاره.
احتواء عبر رفع الحد الأدنى للأجور في بعض الدول، وتحمّل جزء من فاتورة الطاقة في دول أخرى. غير أن هذه الإجراءات لا تبدو كافية مع تدهور الوضع المعيشي للمواطن الأوروبي، والذي سيتّضح أكثر مع حلول فصل الشتاء.
فإذا كانت موجة الحر غير المسبوقة التي ضربت أوروبا خلال هذا الصيف قللت من الاعتماد على الغاز، إلا أن موجات البرد التي بدأت تهب على الدول الأوروبية تهدد بحرارة من نوع آخر لا تتحمل هذه الدول تداعياتها.
حسام كنفاني