تحليل أوروبي يرصد آثار الزلزال المدمر في سوريا
رصد تحليل نشرته مؤسسة “فنك” الأوروبي آثار الزلزال المدمر في سوريا وما تضمنه من استنفار وعقوبات وشهادات.
وأبرز التحليل أنه بعد مرور 12 سنة من ويلات الأزمة الدائرة فيها، كانت سوريا صباح 6 فبراير 2023 على موعدٍ مع زلزالٍ مدمّر أودى بحياة آلاف الضحايا على امتداد البلاد.
الزلزال الذي بلغت شدّته 7.8 على مقياس ريختر فتح جراح السوريين على دمارٍ شديد ونكباتٍ جديدة لا طاقة لهم بحملها. ويعتبر هذا الزلزال أقوى الزلازل التي تصيب المنطقة منذ 28 عاماً.
وضرب الزلزال جنوب تركيا وشمال ووسط سوريا، وعمّت ارتداداته منطقة الشرق الأوسط. بعدها بساعات، وقع زلزالٌ آخر بقوة 7.5، إلى جانب الهزات الارتدادية الكثيرة والمدمِّرة.
وبحسب تحديث ليلة 7 فبراير 2023، فقد ناهز عدد المباني المنهارة في المناطق الحكومية مئتي مبنى، في حين زاد العدد عن 130 مبنىً في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة.
في ظلّ ضعف الإمكانيات ونقص الآليّات المتخصصة، ما يزال عددٌ من السوريين عالقين تحت الأنقاض في المناطق السورية المنكوبة. وتوقفت عمليات إزالة الأنقاض عبر الآليات الثقيلة في حلب بسبب سماع أصوات القابعين تحت الأنقاض، وعدم وجود فرق متخصصة لإجلائهم يدوياً. وتجدر الإشارة إلى وجود 52 منطقة منكوبة في حلب.
كارمن سولانا، عالمة البراكين في جامعة بورتسموث البريطانية، تقول إن الناس وجدوا أنفسهم “عالقين عندما انهارت منازلهم”، لأنّ بنية المنازل “لا تتوافق بالفعل مع منطقة معرضة لخطر الزلازل العنيفة”. وبحسب سولانا، فإنّ فرص إنقاذ الناس تعتمد بصورة كبيرة على سرعة عمليات الإغاثة، خاصة مع ضعف مقاومة البنية التحتية.
وتواجه طواقم الإسعاف وضعاً مأساوياً في المناطق التي يجري العمل فيها على إخراج الناس من تحت ركام المباني المتهاوية. أحد الأمثلة العصيبة ما حدث في منطقة الرمل الجنوبي بمدينة اللاذقية.
وشهدت تلك المنطقة المكتظة بالمباني العشوائية انهيار سبعة مبانٍ متعدّدة الطوابق بالكامل على رؤوس المقيمين فيها. وما يزال المقيمون في المنطقة يقومون بانتشال الأشخاص العالقين تحت الركام هناك.
وكتبت إحدى الناجيات على صفحتها على موقع فيسبوك: “تلك اللحظة كانت الأصعب في حياتي. توفيت أختي وأنا أحتضنها تحت الركام. كذلك توفيت أمي. والدي استمر في محادثتي، وتوسّل حتى أبقى حيّة. بقيت أنا وأبي على قيد الحياة، لكنّي فقدت كلّ شيء”.
أحد القائمين على أعمال الإنقاذ الأهلية هناك قال: “نحاول إخراج المصابين من تحت الأنقاض. هؤلاء الناس هم إخوتنا وجيراننا. لا يمكننا تركهم على هذا الحال. وعلى قدر ما تعترينا الفرحة لإنقاذ أحد المصابين، فإننا نصاب بحزنٍ شديد عندما نخرج أحد المتوفين تحت الأنقاض”.
ويضيف: “أحد الذين كانوا تحت الأنقاض طلب منّا إعطاءه منشار ليقصّ قطعة خشبية تضغط على والدته. لسوء الحظ، لم نتمكّن من الوصول إليها في الوقت المناسب حتى ننقذها”.
المشهد الصعب الذي تعيشه منطقة الرمل الجنوبي ليس استثناء. فالأمر نفسه أصاب أحياء الكلّاسة والشعار وسيف الدولة في حلب.
حالات الهلع أيضاً أصابت طيفاً واسعاً من السوريين. وتقول إحدى الناجيات: “الثواني الأربعون التي مرّت علينا أثناء وقوع الزلزال كانت أصعب من كلّ سنوات الأزمة التي مرّت علينا. عندما تصدّع المنزل مرّ شريط حياتي سريعاً أمام عيني وشعرت أني سأموت. حينها وبلمح البصر عرفت أنها قد تكون النهاية. ولكنّي بقيت حيّة”.
الوضع العصيب الذي عاشه السوريون لم يقتصر على أولئك المقيمين في سوريا. ففي أوروبا، يواجه سوريون كثر ضغطاً نفسياً هائلاً بسبب ما جرى مع أهاليهم. أحد المقيمين في السويد قال لفنك: “ما زال أهلي تحت الركام. أنا لا أستطيع الذهاب إلى هناك. وكلّ ما بين يديّ هو أن أتّصل بجيراننا لأتوسّل لهم مواصلة البحث عن أبي وأمّي. هم ما زالوا ينادون تحت الأنقاض”.
فور وقوع الزلزال، استنفر المجتمع المدني والأهلي في دمشق والمحافظات السورية. وأعلنت الجمعيات والمبادرات والتنظيمات عن حملات فورية وعاجلة، لا يمكن حصرها كلّها لكثرتها.
وعلى سبيل المثال، بدأت جمعية “ساعد” بتجهيز أولى قوافلها بالمساعدات العينية التي جمعتها إلى المحافظات المنكوبة مثل حلب وجبلة في اللاذقية وحماة. كما شكّلت الجمعية فريق دعمٍ تطوعي للمناطق المنكوبة.
يأتي ذلك في الوقت الذي أطلق فيه “مشروع أحمد الإنساني” حملة #قلب_واحد، كحملة استجابة طارئة. وتجمع المبادرة كلّ المساعدات العينية في دمشق ليتم نقلها إلى المحافظات المنكوبة. وفي نفس السياق، أطلقت مبادرة “عقّمها” الطبية حملة مشابهة. وسيّرت المبادرة يوم 7 فبراير 2022 أولى قوافل المساعدات العينية إلى محافظة حلب المنكوبة.
كما أطلقت جمعيات إضافية مبادرات أخرى لجمع الأموال في دمشق وإرسالها إلى المناطق المنكوبة. ومن هذه الجمعيات “غراس” و”التميز” و”الندى” و”حفظ النعمة” و”اتحاد الجمعيات” و”الأنصار الخيرية” و”فريق عمّرها التطوعي” و”فريق كنّا وسنبقى التطوعي” و”الأمانة السورية للتنمية“.
مجموعةٌ من الناشطين السوريين أكدت لفنك أن استنفار المجتمع الأهلي يدلّ على وحدة المجتمع السوري ومبادراته الإنسانية دائماً. ويقول أحد الناشطين: “نعلم أنّنا وحيدون تماماً في هذا العالم. المجتمع الدولي صامتٌ ويتقاعس عن تقديم المساعدات الإنسانية بسبب العقوبات الدولية المفروضة على سوريا”.
على الطرف الآخر، يستنكر الشارع السوري اليوم فصل الشمال السوري عن بقية المحافظات المنكوبة على صعيد التبرعات والمساعدات الإنسانية. وفي هذا السياق، أصدرت حركة البناء الوطني بياناً موجهاً لكلّ القوى والفعاليات المجتمعية والسياسية طالبت فيه بإعلان سوريا دولة منكوبة وأنها في حالة كارثة وطنية.
كما دعت الحركة الحكومة السورية لتقديم كل ممكّنات الدعم حتى في المناطق الخارجة عن سيطرتها، والتأكيد على عدم تسييس الدعم الإنساني وتقديمه لمناطق دون أخرى.
بدوره، أعلن خالد حبوباتي، رئيس الهلال الأحمر العربي السوري، أنّ المنظمة تسعى لتقديم يد العون لجميع المحتاجين. وأضاف: “نقف على أهبة الاستعداد لإرسال قافلة مساعدات عبر الخطوط إلى شمال غرب سوريا، بما في ذلك إدلب، إذا تم منحنا وصولاً آمناً إلى المنطقة”.
بعد معاينته للمناطق والمحافظات السورية المنكوبة، قال الصحافي مصطفى رضوان إنّ الوضع هناك كارثي وسيء جداً.
ويضيف رضوان إنّ تعبير “مدينة أو منطقة منكوبة” لا يوجد فيه أي مبالغة، لافتاً إلى أن الأمر زاد سوءاً لأنّ البلد مُنهَك بالأصل على الصعيد الطبي.
وبحسب رضوان، فإنه لا تتواجد في سوريا آليات أو كوادر طبية كافية للتعامل مع مثل هذه الكارثة.
ومن معايناته، ذكر رضوان أنّ البعض استخدم المطرقة أو الأدوات البدائية لإزالة الأنقاض. كما أنّ بعض الضحايا بقيت عالقة تحت الأنقاض ليوم كامل إلى حين إخراجهم.
وأضاف إنّ حجم الأبنية الساقطة في جبلة واللاذقية وحلب وحماة كبير جداً. وذكر أنّ عمليات البحث في حماة فقط توقفت، إذ أعلنت الجهات المختصة عن إنهاء عمليات الإنقاذ.
وشدّد رضوان على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية عبر الطريق الجوي، مطالباً بتحييد وإبعاد المواقف السياسية أمام كارثة إنسانية بهذا الحجم.
ويقول: “حسب ما شاهدته وعاينته، فإنّ المتضرّرين الذين سقطت منازلهم أو كانت مُهدَّدة بالسقوط خرجوا ولجؤوا إلى الشوارع والمساجد والملاعب. هم بحاجة أي مساعدة من غذاء ودواء ووسائل تدفئة، خصوصاً حليب الأطفال والبطانيات ووجبات الطعام”.
على الطرف الآخر، ومن خلال حديث مع صحافيين سوريين آخرين عاينوا المناطق المنكوبة، فإن هناك طلاب من مدن أخرى عالقين في المناطق المنكوبة وبانتظار أي رحلات للخروج منها.
ويعاني السوريون بشكلٍ كبير من آثار العقوبات الدولية المفروضة على سوريا. ويؤكد ذلك ما ورد في آخر تقرير صادر عن ألينا دوهان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة.
وتؤكّد دوهان في تقريرها أنّ العقوبات أحادية الجانب تعيق توفير الخدمات الحيوية في سوريا. ويشمل ذلك توفير خدمات المياه والكهرباء والتدفئة والنقل والمأوى والتعليم وإعادة اللاجئين السوريين والنازحين وتأمين اللقاحات.
ووفقاً للتقرير، فإنّ العقوبات تحول دون تنفيذ المشاريع الأكاديمية والثقافية والبيئية وصيانة التراث المادي واللامادي للشعب السوري وترميمه. وبالتالي، فإنّ أثر هذه العقوبات مدمِّر على السكان ككل وعلى أداء المجتمع الأهلي. كما أنّ للعقوبات تأثيراً مدمراً على جميع فئات حقوق الإنسان تقريباً.
وتشير دوهان إلى ما يواجه جهود المنظمات والأفراد الراغبين بتقديم المساعدة من معوقات نتيجة العقوبات، سيّما وأنها تعيق التحويلات المصرفية وتحول دون إيصال المساعدات الإنسانية.
وبحسب دوهان، فإنّ ذلك يعود إلى الإفراط في امتثال المصارف والناقلين وشركات التأمين للعقوبات. كما أن تسريع إيصال المساعدات والحوالات المصرفية يتطلب في كثيرٍ من الأحيان الحصول على استثناءاتٍ متعددة.
وفي هذا السياق، تقول دوهان: “إنّ رفض المصارف ومنتجي الأدوية والمعدات الخام والمعدات الطبية وغيرها الموافقة على التحويلات المصرفية إلى سوريا، أدّى إلى نقص كبير في الأدوية والمعدات الطبية”.
وتختم دوهان تقريرها بالتشديد على عدم إمكانية حماية حقوق الإنسان في سوريا دون إعادة بناء جميع البنى التحتية والخدمات الحيوية بالتعاون مع منظمات ووكالات الأمم المتحدة وبمساعدة إنسانية مستمرة وغير مشروطة.
وتقول في هذا السياق: “في ظل الوضع الكارثي الحالي في سوريا، والذي ما يزال يتدهور، قد يرقى الاستمرار في فرض العقوبات أحادية الجانب إلى جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري كله”.
وعلى إثر وقوع الزلزال، ظهرت حملات محلية تنادي برفع العقوبات عن الشعب السوري لتسهيل الحصول على المعدات الكفيلة بإخراج المصابين تحت المباني المنهارة. كما طالب ناشطون سوريون بعدم نسيان سوريا من المساعدات الدولية التي بدأت تصل بالفعل إلى تركيا.
جديرٌ بالذكر أنّ بعض الدول العربية كسرت العقوبات المفروضة على سوريا وقدّمت بعض المساعدات لهذه الدولة. وتشمل القائمة العراق والجزائر وتونس والإمارات. ومع ذلك، فإن هذه المساعدات ليست كافية لتدارك الوضع.
توقفت صباح يوم 7 فبراير 2022 جميع روابط التبرع من أجل الأهالي في سوريا دون إنذار. وقد يعود الأمر إلى العقوبات.
وحتى الآن، فإن الطريقة الوحيدة الموثوقة لإيصال المساعدات للمنكوبين هي التواصل مع من تثقون به من السوريين في الخارج لتأمين إرسال التبرعات إلى من يعرفونهم من المنكوبين في سوريا.