تحذيرات أوروبية من مخاطر تجدَّد النزاع على الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان
أبرز موقع “Middle East Eye” البريطاني، تصاعد التحذيرات من مخاطر تجدَّد النزاع على الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان بعد تصاعد التوترات نتيجة وصول سفينة استكشاف متعاقدة مع تل أبيب إلى المنطقة المتنازع عليها.
ونشر الموقع تقريرًا أعدَّه داريو ساباغي، ترجمه المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، تناول فيه الأسباب التي أدت إلى النزاع القائم بين إسرائيل ولبنان فيما يتعلق بالحدود البحرية بين البلدين.
وأشار التقرير إلى أن وصول سفينة إنرجيان باور (Energean Power) التي تعاقدت معها إسرائيل إلى الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان في 5 يونيو (حزيران) أدَّى إلى إحياء النزاع البحري طويل الأمد بين البلدين، ما أحدث موجة جديدة من التوتُّرات في المنطقة.
وبعد وصول سفينة الإنتاج والتخزين والتفريغ العائمة التابعة لشركة “إنرجيان” إلى المياه المُتنازَع عليها لتطوير حقل الغاز الإسرائيلي كاريش، حذَّر الرئيس اللبناني، ميشال عون، ورئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، تل أبيب من إطلاق سفينة إنرجيان عمليات تهدف إلى تطوير حقل غاز كاريش، الذي يقع في منطقة متنازَع عليها، كما هدَّد حزب الله باستخدام القوة لحماية الثروة الطبيعية في لبنان؛ الأمر الذي أثار المخاوف من تصعيد عنيف.
وقال مسؤولون لبنانيون إن أموس هولشتاين، كبير مستشاري الطاقة والوسيط الأمريكي، سيزور بيروت مطلع الأسبوع المقبل لاستئناف المفاوضات غير المباشرة حول الحدود البحرية، والتي تعثرت بسبب ادِّعاء لبنان أن الخريطة التي استخدمتها الأمم المتحدة في المباحثات تحتاج إلى تعديل.
ووفقًا للتقرير، يعود النزاع البحري بين إسرائيل ولبنان إلى عام 2007، عندما ترك اتفاق ثنائي مُبرَم بين لبنان وقبرص بشأن ترسيم حدودهما البحرية المجالَ مفتوحًا أمام إمكانية تعديل منطقة بحرية بين إسرائيل ولبنان. ومع أن قبرص صدَّقت على الاتفاق عام 2009، فإن لبنان لم يتخذ هذا الإجراء.
ونتيجةً لذلك، تتداخل الحدود البحرية الشمالية التي تزعم إسرائيل أنها تملكها مع حدود لبنان الجنوبية، وهو ما أثار نزاعًا بين البلدين، حيث نظر لبنان إلى الاتفاق بوصفه هجومًا على حقوقه السيادية على تلك المنطقة. غير أن إسرائيل أودعت إحداثياتها لدى الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2011.
ووفقًا للتقرير، اكتسب النزاع على مساحة تبلغ 860 كيلومترًا مربعًا زخمًا في أواخر عام 2017، عندما وقَّع لبنان اتفاقًا مع اتحاد شركات يضم شركات “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية للتنقيب عن الغاز وإنتاجه في بئري الغاز رقم 4 و9.
وقد أُعلِن عدم جدوى التنقيب عن الغاز في البئر رقم 4 من الناحية التجارية، ولكنَّ الدراسات الاستقصائية لرصد الزلازل أظهرت نتائج واعدة للبئر رقم 9، على الرغم من أن أعمال التنقيب فقط هي التي يمكن أن تؤكد وجود مصادر غاز مُجدية من الناحية التجارية.
ويرى التقرير أن إعلان إسرائيل في يونيو 2020 تقديم جولة ثالثة من العطاءات البحرية للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في حقل الغاز رقم 72، الذي يقع داخل المنطقة المُتنازَع عليها بين خطي الغاز 1 و23، أسفر عن بدء مباحثات غير مباشرة بوساطة أمريكية، ولكنَّها توقفت في نهاية المطاف.
ويطالب الإسرائيليون في الوقت الحالي بالحق في التنقيب عن الغاز في حقل كاريش لأن حدود لبنان البحرية مُحدَّدة على الخط 23، وهو ما لا يتقاطع مع مخزون الغاز.
وأشار رودي بارودي، خبير صناعة الطاقة والرئيس التنفيذي لشركة الطاقة والبيئة القابضة، إلى أن الحسابات اللبنانية والإسرائيلية الخاصة بترسيم حدودهما البحرية غير صحيحة.
وأضاف بارودي أن لبنان وإسرائيل على حدٍّ سواء حسبا الإحداثيات بداية من داخل البحر، مع أنهما كانا ينبغي أن يرسما خطوط تعيين الحدود بداية من نقطة التقاء البرِّ بالبحر، والتي تُعرَّف بأنها خط مستقيم متعامد على الاتجاه العام للساحل بالقرب من نهاية الحدود البرية.
وأكَّد فريدريك هوف، الدبلوماسي الأمريكي المسؤول عن الوساطة بين إسرائيل ولبنان في المدة التي تتراوح بين عامي2010 و2012، أن خطوط ترسيم الحدود الإسرائيلية واللبنانية على حدٍّ سواء صحيحة.
وفي عام 2011، اقترح هوف على نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء اللبناني آنذاك، تخصيص 55% من المنطقة المتنازَع عليها إلى لبنان وتخصيص 45% منها إلى إسرائيل. ومع ذلك، رفض مسؤولون إسرائيليون ولبنانيون على حدٍّ سواء هذا المقترح الذي أطلِق عليه (خط هوف)”.
ويضيف التقرير: يستطيع لبنان أن يطالب بمساحة تبلغ 1430 كيلومترًا مربعًا أخرى، وفقًا للدراسات التي أجراها الجيش اللبناني وأقرَّها المكتب الهيدروجرافي البريطاني، وعليه سيخترق ترسيم الحدود الجديد، أي الخط 29، حقل كاريش.
ومع ذلك، لم يعدِّل لبنان المرسوم رقم 6433 حتى الآن، وهو وثيقة رسمية أصدرتها الحكومة اللبنانية إلى الأمم المتحدة عام 2011، وتشير إلى إحداثيات الخط 23 بوصفه حدًّا بحريًّا في جنوب البلاد.
وترى ديانا قيسي، وهي خبيرة حوكمة الطاقة وعضو المجلس الاستشاري في “المبادرة اللبنانية للنفط والغاز” أن السؤال الأهم هو: لماذا لم تُعدِّل الدولة اللبنانية هذا المرسوم حتى الآن؟
من جانبه، أوضح مارك أيوب، وهو باحث في مجال الطاقة، أن الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب كان من المُتوقَّع أن تُعدِّل المرسوم في صيف عام 2020. ولكن عندما استقال دياب إثر انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) من ذلك العام، رفض عون التوقيع على المرسوم الذي أصدرته حكومة مؤقتة.
ويلمح التقرير إلى أن زيارة هولشتاين إلى بيروت في فبراير (شباط) 2022 ومقترحه، الذي يشير إلى بدء مفاوضات لبنان من الخط 23 بدلًا من الخط 29، ربما أدى إلى عزوف مسؤولين لبنانيين عن تعديل المرسوم، خوفًا من فقدان دعم واشنطن في مفاوضات أخرى. وفي الوقت نفسه، لم تُقدِّم الحكومة اللبنانية ردًّا على مقترح هولشتاين حتى الآن.
ويبرز الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة في الوساطة بين إسرائيل ولبنان أهمية النزاع البحري، ليس فقط للطرفين المعنيين، ولكن للمنطقة أيضًا. وفي الحقيقة، تكمن مصلحة الولايات المتحدة في حل هذا النزاع لتفادي التصعيد في المنطقة، لا سيما أن الغزو الروسي لأوكرانيا يستنزف بالفعل طاقة السياسة الخارجية الأمريكية التي تركِّز على الصين في الوقت الحالي.
ووفقًا للتقرير، ترى ديانا قيسي أنه إذا أسرع لبنان بتسوية نزاعه البحري مع إسرائيل وشرعت بيروت في أنشطة التنقيب عن الغاز واستخراجه في منطقتها الخاصة وعثرت على مستودعات تجارية، فلا يزال أمامها وقت لتطوير خط أنابيب.
وقد يكون هذا الإجراء فرصة ذهبية لبلد يعاني بشدة من أزمة اقتصادية طاحنة منذ عام 2019، ويرجع ذلك إلى أن الاتحاد الأوروبي سيضخ استثمارات كبيرة في الطاقة المتجددة، في ظِل تصنيف الغاز واعتباره استثمارًا أخضر، بعد إبرام الاتحاد الاتفاق الأخضر وتحرُّره من الغاز الروسي.
ويرى بارودي أن الغاز اللبناني يمكن أن يعزز اقتصاد البلاد ويقدِّم للشعب فوائد اجتماعية أساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والكهرباء.
ويؤكد التقرير أن إسرائيل تشارك في صناعة التنقيب عن الغاز منذ عقود، على عكس لبنان. وبدأت تل أبيب في إنتاج الغاز الطبيعي من حقول الغاز البحرية عام 2004، بعد أن اعتمدت على الواردات طوال سنوات.
وبعد اندلاع الصراع في أوكرانيا، تُجدِّد إسرائيل عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي البحري. وأثارت حرب أوكرانيا حاجة أوروبا إلى استبدال سريع في إمداداتها التي تقدمها روسيا سابقًا.
ولذلك، دفع الطلب الأوروبي إسرائيل إلى الاستعداد لجولة جديدة من تقديم العطاءات للتنقيب عن الغاز قبالة ساحلها المُطل على البحر المتوسط بهدف تصدير الغاز إلى أوروبا، على الرغم من إعلان وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار مؤخرًا تعليق التنقيب عن حقول غاز جديدة من أجل التركيز على تحقيق أهداف الطاقة المتجددة.
وفي هذا السياق، تريد إسرائيل أن تؤمِّن حقل غاز كاريش، وقد يعود حل النزاع البحري مع لبنان بالنفع على تل أبيب.
ويرى هوف أنه من غير الممكن عمليًّا أن يبدأ لبنان المفاوضات بدعوى بداية الحدود من الخط 29، ولكن قد يجد الطرفان حلًّا للنزاع طالما أن المفاوضات تركز على المنطقة المتنازَع عليها بين الخط 1 والخط 23.
وأكَّد هوف عندما سئل عن احتمالية تصعيد النزاع البحري، أن هذا السيناريو لا يصب في مصلحة إسرائيل أو لبنان؛ لأن الشركات الدولية تشعر بالقلق بالفعل إزاء هذا الوضع، ولذلك تحتاج هذه الشركات إلى أن تشعر باليقين السياسي والهدوء لضخ استثمارات كبيرة في التنقيب عن الغاز واستخراجه، وهو ما ختم به الكاتب تقريره.