تقرير أوروبي: تطبيع الإمارات مع النظام السوري يستهدف النفوذ لأبوظبي
قال تقرير أوروبي إن تطبيع دولة الإمارات العربية المتحدة العلاقات مع النظام السوري بعد سنوات من المقاطعة العربية لدمشق يستهدف ضمان النفوذ لأبوظبي في سوريا.
وذكر التقرير الصادر عن مؤسسة “فنك” الأوروبية، أن النظام السوري عاش تاريخيا علاقات مطَّردة بمستوياتها مع الأنظمة العربية تتضمن في تفاصيلها مجمل أشكال العلاقات، بدءًا من قمّة التحالف وصولًا إلى قمّة العداوة.
فقد كان للنظام السوري حلفاء من الأنظمة المحكومة بأحزاب قوميّة شمولية مشابهة لحزب البعث الحاكم لسوريا، كاليمن مثلًا، وكان له من بين تلك الأنظمة ذاتها أعداء كالعراق في عهد الرئيس صدام حسين.
ومن الملكيّات والإمارات الحاكمة لدول الخليج العربي أيضًا كان له الحلفاء والأعداء، ولعله عاش فترات متقلّبة مع أنظمة الخليج العربي بالدرجة الأساسية.
فبعد اندلاع الأزمة السورية، كانت قطر صديقةً يومًا وعدوّة في يوم آخر، وكذلك كانت المملكة العربية السعوديّة.
لكن ما إن امتلأت الشوارع السورية بالمتظاهرين المنادين بإسقاط النظام السوري حتى أصبح موقف هذا النظام من أي دولة عربية مبنيًا على موقف تلك الدولة من الأحداث التي تجري في سوريا. فمن يرى هناك ثورة شعبيّة هو عدوّ، ومن يرى هناك مؤامرة فهو صديق.
العزلة العربية
قبل اندلاع الثورة في سوريا في آذار 2011، كانت العلاقات السورية العربية في مرحلة جيّدة نسبياً، خاصّةً مع دول الخليج العربي.
لكن تلك العلاقات أُصيبت بالفتور بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، حيث توجّهت أصابع الاتهام حينها إلى النظام السوري وحلفائه في لبنان بالتورّط في الاغتيال.
ثم عادت العلاقات وديّة حيث تبادل الرئيس السوري بشار الأسد الزيارات مع القيادات السياسية في المملكة العربية السعودية وقطر خلال عاميّ 2009 و2010، وكان أوجها مع قطر التي وصفت العلاقات بينهما بأنها “تحالف استراتيجي”.
أما مع الإمارات والكويت فكانت العلاقات مميّزة بشكل مستمر، خاصة على الصعد الاقتصادية حيث كانت استثمارات الدولتين في سوريا في أعلى مستوياتها قبل اندلاع الأحداث السورية.
ومع بداية الثورة في سوريا، توجّهت دول عربية كثيرة منها دول مجلس التعاون الخليجي لمطالبة النظام السوري بإجراءِ تغييراتٍ ووقف التصعيد العسكري ضد الاحتجاجات الشعبية.
وتبلور الموقف العربي الواضح بعد عدّة اجتماعات لوزراء الخارجية العرب ومشاورات رسميّة بين الدول، حيث تمّ إقرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ودعوة الدول العربية لسحب سفرائها من دمشق، عقب الاجتماع الذي تمّ في القاهرة في 11 أكتوبر 2011.
واستمر العمل العربي المشترك في القضية السورية باجتماعات لاحقة أنتجت خطة عمل عربية بشأن البلاد، والتي تم الإعلان عنها بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عُقِد في القاهرة في 22 يناير 2012.
وكانت أبرز بنود الخطّة تشكيل حكومة “وحدة وطنية” في أجلٍ لا يتجاوز شهرين، وذلك بمشاركةٍ من النظام والمعارضة إضافةً إلى تفويض نائب الأسد بصلاحيات كاملة للتعاون مع تلك الحكومة وخوض مرحلة انتقال سياسي في سوريا.
بشكل عام يمكن أن نقسّم المواقف العربية تجاه النظام السوري خلال أولى سنوات الأزمة إلى نوعين:
1ـ دول تدعو لتسليح المعارضة السورية في وجه النظام وتنادي بإسقاط الأسد، وأبرزها السعودية وقطر اللتان كانتا تريان ضرورة وجود قوة عسكرية سورية تردع النظام السوري عن مواجهته للمظاهرات التي خرجت ضده بالسلاح. وكانتا تريان ضرورة إسقاطه عسكريًا كونه لم يستجب أبدًا للمناشدات العربية والدولية التي طالبته بوقف العنف وبإجراء تغييرات سياسية.
2ـ دول تدعو إلى حوار سياسي يؤدي إلى وقف الأعمال المسلحة وترفض تسليح المعارضة السورية. وفي مقدّمتها مصر والسودان والعراق والمغرب والجزائر ولبنان.
وعلى الرغم من تباين المواقف، إلا أن الجامعة العربية فتحت أبواب تسليح المعارضة ضد النظام السوري بعد القمّة العربية التي جرت في الدوحة عام 2013.
وكانت أهم مخرجاتها هي حقّ كل دولة في تسليح المعارضة في سوريا ومنح الائتلاف الوطني المعارض جميع مقاعد دمشق في الجامعة العربية. تلك القرارات سرت رغم تحفّظ الجزائر والعراق والنأي بالنفس من قِبل لبنان.
رد النظام السوري
منذ بدء محاولات التدخّل العربي في الأزمة السورية، رفض النظام السوري أن يكون هناك حلّ عربي للقضية قائلاً: “لا نريد الحلول العربية “.
كذلك، لم ينقطع النظام السوري خلال السنوات الأولى للأحداث عن مهاجمة دول عربية وفي مقدّمتها قطر والسعوديّة، متّهمًا إياهما بالتسبّب بما يحدث وبدعمهما المجموعات المسلّحة المعارضة عسكريًا.
فقد وصف النظام السوري ما يحدث بـ “المؤامرة الوهّابية” أحيانًا نسبةً إلى السعوديّة. وامتلأت الشوارع السورية بلافتاتٍ تهاجم قطر والسعوديّة، بل وبدأ الإعلام السوري بتهديد المواقع الخليجية بالقصف بالصواريخ على ألسنة محلّلين سياسيّين داعمين للنظام وأعضاء في مجلس الشعب السوري.
وقال النظام السوري إن قطر والسعودية وتركيا هي الدول المسؤولة عن عدم الاستقرار في المنطقة. وتكرّر ذلك التعبير في مناسبات عدّة وعلى ألسنة الكثير من المسؤولين السوريين وفي مقدّمتهم الرئيس بشار الأسد الذي عبّر عن أن تلك الدول تقوم بتسليح المعارضة السورية واحتضان مؤتمراتها والمجموعات التابعة لها.
واعترضت الحكومة السورية على تجميد العضوية في الجامعة العربية ووصفت القرار بأنه “غير قانوني” وبأنّه خاضع لـ “أجندات غربية وأمريكية”.
تبدّلات أفرزتها الأزمة الخليجية
في صيف 2017 بدأت أزمة سياسية بين مجموعة من دول الخليج العربي والدول العربية الأخرى من جهة وبين قطر من جهة أخرى وصلت إلى حدّ قطع العلاقات الدبلوماسية كليًّا.
وبلا شك، كان لهذه الأزمة انعكاس على القضية السورية، حيث اعتبرها غالبية المحلّلين السياسيين نقطة لصالح النظام السوري على اعتبار أن الخلاف بين السعودية وقطر سيسبّب خلافًا بين فصائل المعارضة السورية التي تتلقّى دعمًا من الدولتين.
كما أن المواقف السياسية تجاه الأزمة السورية كانت متباينة بين الدولتين. ففي الوقت الذي أيّدت فيه قطر التدخّل التركي في الشمال السوري، عارضته السعودية كليًا.
لاشك أن النظام السوري استغل الأزمة، سواء كان عسكريًا أو سياسيًا. عسكريًا من خلال التقدّم في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة قوات سورية معارضة تلقى دعمًا خليجيًا، خاصةً مع تخلٍّ سعودي واضحٍ عن دعم المعارضة السورية.
وسياسيًا من خلال إظهار نفسه كضحية صراع بين الدول التي دعمت مختلف الفصائل المسلّحة في سوريا. وتواكَبَ زمنيًا هذا الأمر مع حربٍ ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية شاركت فيه دول عربية إلى جانب الولايات المتحدة ودول غربيّة لتصبح قضية التدخّل الخارجي الأساسي في سوريا قضية إرهاب. وبلا شك، هذا ما استفادت منه الحكومة السورية.
علاقاتٌ سورية-عربية على يد روسيا
كان الدعم الإيراني لنظام الأسد، وإرسالها ميليشيات إيرانية وعراقية وغيرها للقتال إلى جانب الأسد في سوريا، في مقدّمة المشاكل بين النظام السوري وبعض الدول العربية، وأهمّها السعودية، التي تعتبر إيران عدوّتها التاريخية وتواجهها في عدّة مواقع وأهمّها اليمن.
لذا كان تركيز السعودية في أكثر من موقف على ضرورة خروج إيران من سوريا.
وعلى الرغم من التضاد بين الجانبين السوري والسعودي خيّم الود على العلاقات السعودية الروسية.
وفي وقتٍ كانت قد أنجزت فيه روسيا تقدّمًا عسكريًا كبيرًا في سوريا لصالح النظام، وباتت صاحبة القول الفصل دوليًا في ما يتعلق بالقضية السورية، تبادل الجانبان السعودي والروسي الزيارات وتمّت توقيع اتفاقيات اقتصادية عديدة بينهما.
وكانت سوريا بشكل دائم على طاولة الحوار، حيث لم تخل تلك الاجتماعات بين الجانبين من الاعتراضات السعودية على التواجد الإيراني في سوريا، ومن التأكيد على أن الجانبين الروسي والسعودي يقفان ضد “الإرهاب” في البلاد.
يُشير التقارب السعودي الروسي إلى نقطتين أساسيّتين. أوّلهما أن إصلاح علاقات النظام السوري في محيطه العربي يأتي بالدرجة الأساسية بقرارات روسية.
بمعنى أن عمق وجود روسيا في الداخل السوري جغرافيًا وسياسيًا واقتصاديًا جعلها المسؤولة عن تحديد وجهات النظام السوري وموقفه من محيطه. كذلك مكّنها من صياغة التحالفات له أو السعي لإعادته إلى الحضن العربي، بل واستخدمت هذه القوّة كورقة سياسية أحيانًا.
كما أن الحضور الإيراني القوي في سوريا هو ما يقف حائلًا دون إعادة تعويم النظام السوري عربيًا، في ظلّ عداوة إيران الخالصة مع عدة أطراف في المحيط السوري من السعودية إلى إسرائيل.
تطبيع العلاقات العربية-السورية
منذ عام 2018، بدأت بوادر إعادة فتح علاقاتٍ دبلوماسية عربية من قِبل دول كانت قد قطعت علاقاتها مع سوريا، بعد فشل المبادرات العربية المتتالية لحل الأزمة السورية خلال 2011 و 2012.
وكان الموقف الأوضح من قِبل دولة الإمارات العربية المتّحدة التي كانت قد أغلقت سفارتها في سوريا عام 2011 وأعلنت نصرتها لمطالب الشعب السوري، حيث أعادت فتح السفارة في 2018.
وكانت هذه خطوة تعود إلى أسباب عديدة وفق المحللين السياسيين، أهمّها العداء بين الإمارات وتركيا، إضافةً إلى البحث عن دورٍ جديدٍ يمكن أن تلعبه الإمارات في البلد الذي يشهد تدخّلات من عدة دول، من بينها روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة. تختلف تلك الدول في مستويات العلاقات بينها وبين الإمارات من دول صديقة إلى أخرى عدوّة.
وكانت الخطوة الأكثر تأثيرًا على صعيد العلاقات بين دمشق وأبوظبي، هي زيارة قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد لدمشق في 2021 التقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد.
تبعت تلك الزيارة زيارة الأسد للإمارات في مارس 2022 لتكون تلك أولى زياراته لبلدٍ عربي منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011.
وتمت قراءة تلك الزيارة المفاجئة من قِبل محللين سياسيين على أنّها أتت بموافقة إيرانية وروسية وأنها سلوك براغماتي توازن فيه الإمارات مصالحها خاصةً بعد أن أعلنت تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وبالمقابل لم يجد الكثيرون أن خطوة التطبيع مع الأسد من قِبل الإمارات ذات أثر كبير، مستشهدين بالقول بأن موقف الإمارات تجاه نظام الأسد لم يكن جذريًا ككثير من الدول العربية الأخرى.
فمنذ بدء الانتفاضة ضد النظام السوري كانت الإمارات تتسم بمواقف مرتبكة، حيث سبق وأن منعت تظاهر السوريين المقيمين فيها ضد حكومة بلادهم، بل وطردت المتظاهرين.
وإلى جانب ذلك، لم تعلن أي دولة من الدول المقاطعة لنظام الأسد عودة العلاقات معه رسميًا. وبقيت أخبار التطبيع مجرّد تحليلات سياسية وأخبار لا شيء في الواقع يؤكّدها.
لكن من اللافت في هذا السياق أن دولًا كالسعودية تخلّت عن موقفها الحازم السابق بضرورة رحيل الأسد وأصبحت تتحدث عنه كواقع موجود وتطالبه بقطع علاقاته مع إيران وإصلاح نظام حكمه للبلاد.
وهذا ما نُظِر إليه من قبل المحللين السياسيين بأنه نتيجة التقارب السعودي الروسي من جهة، وأيضًا محاولة لإبعاد الأسد عن إيران عن طريق إعادته إلى الحاضنة العربية. لكن في الحقيقة لم يتغيّر موقف السعودية تجاه النظام السوري إلا شكليًا، بمعنى أن ما حدث مع الإمارات لم يحدث مع السعودية حتى الآن.
وبالمحصلة يمكن تقسيم الدول العربية حسب موقفها من النظام السوري، حتى شهر أكتوبر من عام 2022، إلى ثلاثة أقسام:
1ـ دول ذات علاقات طبيعية مع النظام السوري، وهي اليوم الإمارات والجزائر وفلسطين والعراق ولبنان وعُمان.
2ـ دول ذات مواقف متأرجحة لكنها لم تصرّح عن عودة العلاقات الطبيعية، منها السعودية والمغرب ومصر والبحرين والكويت وتونس والأردن وموريتانيا واليمن.
3ـ دولة مستمرّة بالمقاطعة وتستضيف سفيرًا للائتلاف السوري المعارض، وهي قطر.
مع عودة الأسد ونظامه بازدياد إلى البيت العربي، نرى أن علاقة النظام بالدول العربية الأخرى لم تتشكل فقط من خلال العزلة العربية والدعم الخليجي للمعارضة السورية في بداية الصراع السوري.
فقد استغل الأسد الانقسامات التي شقّت صف المعارضة بعد الأزمة الخليجية عام 2017، واستفاد من سحب الدعم السعودي للمعارضة. كما كان للوجود الإيراني والروسي في سوريا دوراً مهماً وفعالاً كذلك، حتى إنهما ساهمتا في تشكيل العلاقات السورية العربية.
وقد انتفع النظام السوري من ذلك، إذ غيّرت عدة دول عربية موقفها، إما لأهداف براغماتية، وإما عبر علاقاتها مع روسيا الحليف الرئيسي للأسد. وقد أدى ذلك في النهاية إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، الأمر الذي ساعده على الصمود.