مؤسسة أوروبية: محمد بن زايد انقلب على تقاليد الخلافة المعتادة في الإمارات
انقلب الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان على تقاليد الخلافة المعتاد في الدولة بعد إعلانه مؤخرا تعيين نجله الأكبر خالد في منصب ولي عهد أبوظبي، بحسب ما نشرت مؤسسة “فنك” الأوروبية.
وقالت المؤسسة في مقال تحليلي، إنه عبر قرار تصعيد أولاده في المناصب القيادية مؤخرا، يكرس محمد بن زايد نفسه حاكما لبلاد ومستقبلها لفترة مقبلة غير محددة، ولأبنائه من بعده.
وذكرت أنه “في جرأةٍ محسوبة، وضع محمد بن زايد وصيّة والده الراحل زايد بن سلطان آل نهيان جانباً فيما يتعلق بولاية عهد إمارة أبوظبي”.
إذ عوضاً عن اختيار أحد أشقائه الخمسة المعروفين جماعياً باسم “بني فاطمة” لولاية العهد، اختار محمد بن زايد ابنه خالد ليشغل هذا المنصب.
يأتي ذلك في الوقت الذي قرّر فيه محمد بن زايد تعيين شقيقه منصور بن زايد نائباً لرئيس الدولة إلى جانب حكام دبي ورئيس حكومة الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم. كما عيّن شقيقيه هزّاع بن زايد وطحنون بن زايد نائبين لحاكم إمارة أبوظبي.
قرار رئيس الإمارات وحاكم أبوظبي كان لافتاً للأنظار، سيّما وأنه تخطى به تقاليد الخلافة المعتادة والتي كانت تستند، منذ وفاة زايد، على تداول حكم إمارة أبوظبي بين أبنائه. ويبدو أنّ منح منصب ولي عهد الإمارة للشيخ خالد تم التخطيط له وجاء بعد تحضير استمر على مدى سنوات.
والآن، بات خالد في حكم ولي العهد المنتظر لدولة الإمارات الغنية بالنفط في منطقة الشرق الأوسط، سيّما وأن حكّام إمارة أبوظبي هم الوحيدون الذين شغلوا رئاسة الدولة منذ تأسيس اتحاد الإمارات في عام 1971.
وينظر إلى القرارات الجديدة على أنها إشارة لتصاعد نفوذ أبو ظبي على دبي في الشؤون الداخلية والسياسة الخارجية.
كما تكرّس هذه القرارات توطيد أبوظبي لنفوذها السياسي، ليس فقط باعتبارها العاصمة السياسية للدولة، أو بسبب حجمها وثروتها النفطية الهائلة، بل بدعمها المالي الذي بدأ لإمارة دبي منذ عام 2009.
وبالنظر إلى الحالة الصحية والعمرية لوالده الحاكم، سيكون لدى خالد فرصةٌ مواتيةٌ لتعزيز صورته محلياً ودولياً كرئيس مقبل للبلاد.
ومع ذلك، فقد مثلت هذه الخطوة تجاوزا للتقاليد، وإشارة واضحة برغبة محمد بن زايد في تأسيس سلالته الخاصة، فيما وصف بالخروج الكبير عن ديناميكيات القوة التقليدية في الإمارات.
وظاهرياً، يبدو أن تعيين خالد يُغيّر نظام الخلافة في الإمارات، بحيث لم تعد تنتقل من شقيق إلى شقيق، بل من الأب إلى الابن.
كما تمنح هذه التغييرات أدواراً جديدة إلى بني فاطمة، أي محمد بن زايد وأشقائه الخمسة من والدته فاطمة، التي كانت الزوجة المفضلة للشيخ زايد.
وبقفزةٍ نوعية نحو منح الجيل القادم زمام الأمور مستقبلا، ولضمان انتقال سلمي وسلس للسلطة، تم حسم خلافة محمد، الذي أنهى مبكرا لعبة كراسٍ موسيقية على الخلافة، بعدما رجحت تقارير أنها محل صراع بين شقيقه طحنون ونجله خالد الذي عمل على زيادة نفوذه.
ووأد التعيين صراعا سريا على السلطة عبر تهميش طحنون واستبداله بخالد، حيث يستخدم ترشيح ولي العهد أو الوريث الظاهر للإشارة إلى الاستقرار في أبو ظبي. وينهي صعود خالد بن محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، تكهنات الخلافة في الإمارة الغنية بالنفط.
قد تبدو القرارات الأخيرة مفاجئة، سيّما وأنها تنقل نظام الحكم الكلاسيكي في البلاد إلى تراتبية جديدة.
ومع ذلك، فقد كانت هذه القرارات، بحسب صحيفة الخليج الإماراتية، “محل إجماعٍ وطني” ودليلاً على “الالتفاف حول قيادة الإمارات” وترسيخاً لحالة الاستقرار التي تمر بها الدولة.
ورأى المجلس الوطني الاتحادي في هذه القرارات تعزيزاً للمسيرة التي “أرسى دعائمها الوالد المؤسس زايد”. وأعرب المجلس عن ثقته التامة أن هذه القرارات “ستسهم في استكمال الإنجازات”.
ووفقا لمصدر دبلوماسي عربي تحدث لفنك مشترطاً عدم الكشف عن اسمه، فقد تلقت الدوائر الدبلوماسية هذا التغيير بترحاب، كونه متوقعا في الأساس منذ تولي محمد بن زايد رئاسة الإمارات في مايو 2022.
ولاقت التعيينات الجديدة على الفور تأييدا لافتا من المملكة العربية السعودية. وأعرب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن أمله في أن تقود القرارات الإماراتية الأخيرة إلى “تعزيز الازدهار”.
كما قام العديد من الزعماء العرب بإرسال رسائل إيجابية نحو أبوظبي، ومن أبرز هؤلاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وبدورهم، رحّب حكّام الخليج الآخرون بهذه الخطوة، بما في ذلك قطر.
في كلّ الأحوال، ما جرى في الإمارات يشابه ما حدث عام 2017 في السعودية. ففي ذلك الحين، عيّن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز ابنه محمد وليا للعهد، ليكرّس بذلك نقل السلطة والحكم من جيل الإخوة إلى جيل الأبناء.
ولم يكن اختيار خالد ولياً للعهد في الإمارات، مفاجئا على الإطلاق للمطّلعين على الأروقة الداخلية الإماراتية.
وكان واضحا منذ فترة أن اسم خالد، الذي يشغل منصب نائب مستشار الأمن الوطني ورئيس جهاز أمن الدولة، يتردد لمنصب ولي عهد أبو ظبي من بين أربعة مرشحين.
وكان محمد بن زايد قد تولى ولاية عهد إمارة أبو ظبي ورئاسة مجلسها التنفيذي بين عامي 2004 و2022.
ويُنظر إلى خالد كأحد أبرز القادة الفاعلين لمؤسسات البلاد الأمنية والاقتصادية.
ففي عام 2016، عيّنه عمه الرئيس الإماراتي الراحل خليفة بن زايد رئيسا لجهاز أمن الدولة بدرجة وزير، ثم نائباً لمستشار الأمن الوطني بدرجة وزير. وفي مطلع عام 2019، تم تعيينه في المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي.
وحاز خالد، المولود في 8 يناير 1982، على شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية من الجامعة الأمريكية في الشارقة. كما حصل على شهادة الدكتوراه من قسم دراسات الحرب بكلية كينجز كوليدج لندن عام 2014. وفي عام 2015، تم تعيينه رئيساً للهيئة الوطنية للأمن الإلكتروني.
في العام التالي، ترأس خالد جهاز أمن الدولة بمرتبة وزير، ليبدأ حياته المهنية الرسمية في مجال الأمن. ولعب خالد أدوارًا رئيسية في الحياة العامة في أبو ظبي، حيث يعتقد أن مهمته تتمثل في دفع الإمارة إلى الأمام نحو المستقبل.
وتجدر الإشارة إلى تأليف خالد لكتابٍ وحيد كان عن النزاع الإماراتي الإيراني. ويشرح ولي العهد الجديد في كتابه، الذي نشر في عام 2013، تفاصيل استيلاء إيران على الجزر الإماراتية الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى.
ويعد خالد من دعاة الطاقة المتجددة، بالنظر إلى إشرافه على مشروع عالمي جديد للطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر بين أدنوك وشركة أبوظبي الوطنية للطاقة منذ عام 2021.
ويسعى هذا المشروع إلى بناء محطة طاقة نظيفة تضع أبو ظبي في طليعة تحوّل الطاقة، مع 30 غيغاواط من الطاقة المتجددة المولدة بحلول عام 2030.
ولدى ولي العهد الجديد ثلاث أولاد من زوجته الشيخة فاطمة بنت سرور آل نهيان، علماً بأنه شارك عن كثب في العديد من المشاريع الشبابية والبيئية والرياضية.
وسبق لخالد بن زايد الترويج لرياضة الجوجيتسو، فضلاً عن المساعدة في جلب مباريات كرة السلة الأمريكية “إن بي إيه” إلى الإمارات.
وطبقا لما قاله أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله لوكالة الصحافة الفرنسية، فقد مثّل خالد بن محمد والده بالفعل في عدّة رحلاتٍ خارجية. ويرى عبد الله تلك الزيارات في إطار الاستعدادات التي كانت تجري على قدمٍ وساق لتحضير ولي عهد أبوظبي الجديد لتولي القيادة.
وخلافا لمعظم المسؤولين في الإمارات، بقي خالد بعيدا عن الأضواء المباشرة، ضماناً لصعوده الهادئ في دولاب الدولة. وعلى هذا الأساس، فقد ابتعد عن وسائل الإعلام. كما أنه لا يمتلك أيّ حسابٍ رسمي أو خاص على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن المرجح أن يكون لولي العهد المعيّن حديثًا تأثيرٌ كبير على الطريقة التي تتبعها الدولة الخليجية في الخطوات التالية من تنميتها الاقتصادية وتنويعها الإستراتيجي في عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد.
ويفتح تعيين خالد في ولاية العهد الطريق أمام السياسي الشاب كي يتولّى قيادة الدولة الخليجية الثرية في المستقبل.
ويأتي ذلك في وقتٍ تتم فيه مراقبة تطورات الإمارات عن كثب في العواصم الكبرى في العالم، سيّما وأنّ الدولة الخليجية باتت تحظى بدورٍ ونفوذٍ أكبر على المستويين العربي والإقليمي خلال السنوات الماضية.
الرأي العام المحلي في الإمارات ينظر إلى خالد باعتباره قيادة شابة طموحة ومحل إجماع وطني. وعلى ذلك، سيتعيّن على ولي العهد الجديد أن يخطو نحو الضوء بحذر لتقديم نفسه، ليس فقط كابن الحاكم وولي عهده، بل أيضاً كشخص مؤهل لقيادة البلاد فيما بعد.