كتاب “مؤامرة القصر” يؤرق عرش محمد بن سلمان في لندن
رصد المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، اهتماما بالغا من أوساط أوروبية بكتاب صدر حديثا في لندن يتناول سيرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ويبرز انتهاكاته لحقوق الإنسان وسياساته الخارجية القائمة على التقرب من روسيا والصين.
وصدر الكتاب الذي حمل عنوان (مؤامرة القصر) للباحث Alexandros Sarris، المحاضر البارز في القانون الدولي في جامعة إراسموس روتردام الهولندية.
ويبرز الكتاب أن محمد بن سلمان وصل إلى السلطة بمؤامرة كبيرة في القصر، وقد همش والده الملك سلمان بن عبد العزيز ويسيطر على البلاد بقبضة من حديد.
وذكر الكتاب على الرغم من أن محمد بن سلمان ليس الملك المتوج بعد في السعودية؛ فإن كمية انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها هائلة.
ونبه الكتاب إلى “جرائم حرب محمد بن سلمان في اليمن إلى قتل (الصحفي السعودي البارز) جمال خاشقجي إلى قمع خصومه السياسيين”.
وجاء في الكتاب “لقد تم تشويه سجل محمد بن سلمان تمامًا. رغم أن بعض أنصاره يعتبرونه مصلحًا؛ يصفه آخرون بأنه أصغر ديكتاتور في الشرق الأوسط”.
واعتبر الكتاب أن السياسة الخارجية لمحمد بن سلمان مقلقة وهي في الواقع تشكل خطرًا كبيرًا على الغرب “حيث بدأ يقترب أكثر من روسيا والصين”.
إذ يشير إلى أن السعودية تحت عهد محمد بن سلمان “ليست صديقة للغرب” وقد دفع البلاد نحو علاقات أوثق مع روسيا والصين، مؤيدا التوجهات الأمريكية بضرورة فرض حظر على الأسلحة للسعودية في أعقاب المخاوف بشأن الحرب في اليمن ولكن أيضا العلاقات الوثيقة مع فلاديمير بوتين.
وكان هناك غضب الشهر الماضي عندما خفضت السعودية إنتاجها النفطي في ذروة أزمة الوقود والطاقة في جميع أنحاء العالم الناجمة عن الحرب في أوكرانيا وروسيا التي قطعت إمداداتها النفطية عن أوروبا.
أثار الديمقراطيون في الكونغرس فكرة إصدار حظر لمدة عام واحد على جميع مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية إذا رفضت المملكة التراجع عن قرارها بشأن إنتاج النفط خلال الفترة المقبلة.
وجاء في الكتاب “استمرت العلاقات الوثيقة بين روسيا والمملكة العربية السعودية وتعمقت كما يتضح من إعلان أوبك المفاجئ مؤخرا عن خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا. وأدى ذلك إلى ارتفاع سعر خام برنت بنسبة اثنين بالمئة إلى 93.80 دولار (84.61 جنيه إسترليني)، وهو أعلى مستوى له منذ 15 سبتمبر.
والأهم من ذلك أن قرار تقييد إنتاج النفط يصب في مصلحة الرئيس بوتين الذي يستخدم إمدادات الغاز والنفط كسلاح لإرهاب الغرب.
إنها صفعة في وجه الرئيس الأمريكي جو بايدن وغيره من السياسيين الأوروبيين، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون الذي توسل إلى الرياض لزيادة الإمدادات وتخفيف أزمة تكاليف المعيشة.
وتابع: “السؤال الكبير هو كيفية الرد على ديكتاتور وحشي ليس صديقا للغرب والذي تودد إلى الصين وروسيا. إحدى الروافع الدبلوماسية المهمة التي يمكننا سحبها هي توفير الأسلحة للنظام.
ونبه الكتاب إلى أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا كلها موردون رئيسيون للأسلحة إلى المملكة العربية السعودية ويجب أن تفكر في وقف بيعها على الفور تماما كما يدعو بعض الديمقراطيين البارزين في أمريكا.
سجل طويل من الجرائم
استعرض كتاب مؤامرة القصر العديد من انتهاكات تورط بها محمد بن سلمان أبرزها في الثاني من تشرين الأول / أكتوبر 2018، عندما تم قتل الصحفي خاشقجي عقب دخوله مبنى القنصلية السعودية في اسطنبول.
كان خاشقجي، وهو صحفي معروف ومن كبار منتقدي محمد بن سلمان، قد قصد القنصلية من أجل الحصول على وثائق تثبت طلاقه من زوجته.
ولكن ما أن ولج مبنى القنصلية إلا وهجمت عليه قوة من أفراد الأمن والمخابرات أرسلت من الرياض خصيصا لهذا الغرض. وقتل هؤلاء خاشقجي ثم قطّعوا جثته وتخلصوا من الأشلاء بحيث لم يتمكن أحد من العثور عليها.
وفي السياق قتل الآلاف في الحرب الدائرة في اليمن، كثير منهم جراء الغارات التي يشنها الطيران السعودي. كما اختفى المئات من السعوديين الذين ينتقدون سياسات محمد بن سلمان في غياهب السجون. ولكن جريمة اغتيال هذا الصحفي المرموق أدت إلى تغير مواقف الكثيرين في العالم تجاه ولي العهد السعودي.
ورغم النفي السعودي الرسمي، تعتقد وكالات الاستخبارات الغربية أنه على أقل التقديرات كان محمد بن سلمان على علم بعملية اسكات صوت خاشقجي. أما وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) فتعتقد إن محمد بن سلمان هو الذي أمر بقتل خاشقجي.
في مقابلة صحفية نشرت في 29 أيلول / سبتمر من هذا العام مع برنامج “60 دقيقة” الذي تبثه قناة CBS، قال محمد بن سلمان إنه “يتحمل المسؤولية الكاملة” عن ما حدث.
وكان بن سلمان قد قال في مقابلة صحفية سابقة أجراها مع شبكة PBS الأمريكية إن عملية قتل خاشقجي “جرت تحت سلطته” ولكن هذه الأقوال لا ترقى إلى تحمل المسؤولية المباشرة، وهو أمر ينفيه محمد بن سلمان وحكومته.
من العناصر الرئيسية في هذه الجريمة البشعة وتبعاتها واحد من أقرب المقربين لمحمد بن سلمان، وهو مستشاره السابق، والضابط في القوة الجوية، سعود القحطاني.
كان القحطاني هذا، قبل تنحيته بعد حادثة قتل خاشقي، بأمر من الملك سلمان ، حافظ سر ولي العهد غير الرسمي في البلاط الملكي السعودي.
وثبت أن القحطاني كان يشرف على استراتيجية الكترونية تراقب السعوديين داخل البلاد وخارجها باستخدام برامج للتجسس الالكتروني استقدمت من الخارج. وحسب بعض التقارير، حوّلت هذه البرامج هواتف المواطنين إلى اجهزة تجسس دون علمهم.
وتعرض كل الذين كانوا ينتقدون محمد سلمان وسياساته إلى سيل من التهديدات والهجمات الالكترونية عبر منابر التواصل الاجتماعي فضلا عن الاعتقالات التعسفية وأحكام السجن المطولة.