احتجاجات الأردن قد تكون الموجة الثانية من الربيع العربي
يشهد الأردن احتجاجات شعبية متصاعدة أدى تحولها العنيف إلى مرحلة مهمة وحساسة وخطيرة في تاريخ البلاد.
قد لا يكون ما يحدث في الأردن موجة احتجاج عابرة، بل مقدمة لموجة غضب قد تجتاح المنطقة.
لكن ما يحدث في الأردن لا يمكن عزله عن الظروف الحالية والتوترات المتزايدة في المنطقة بأكملها، مما يشير إلى ما قد يكون مقدمة لموجة ثانية من الربيع العربي.
بدأت الموجة الأخيرة من المظاهرات في الأردن بالإعلان عن إضراب سائقي الشاحنات، وسرعان ما شارك عمال النقل العام الآخرون، احتجاجًا على ارتفاع أسعار الوقود.
ويقول السائقون إن ارتفاع أسعار الوقود أدى إلى تآكل دخلهم، خاصة وأن معظمهم ليسوا موظفين لكنهم يستأجرون المركبات من أصحابها الأصليين. أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى خسائر مالية كبيرة في أرباحهم كمقاولين مستقلين.
وتشكل الاحتجاجات من أخطر المحطات في تاريخ الأردن، إذ أن مدن الجنوب التي تشهد موجة الغضب هذه هي نفسها التي شهدتها “انتفاضة أبريل” عام 1989.
وقد أجبر ذلك الملك الراحل الحسين بن طلال على “التحول إلى الديمقراطية” وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة في نوفمبر من ذلك العام، والتي انتهت بسيطرة حزب الإخوان المسلمين المعارض على ثلث البرلمان.
وكان جنوب الأردن نفسه قد شهد “انتفاضة الخبز” عام 1996، والتي انتهت بتراجع الحكومة عن قرارها برفع سعر الخبز، وهو سلعة أساسية للسكان. ثم أقال الملك حسين الحكومة لتهدئة الشارع الغاضب.
تشكل الاحتجاجات الحالية تهديدًا أكبر للحكومة من الاضطرابات السابقة، حيث اتسعت الأزمة من إضراب عمالي إلى احتجاجات شعبية ودعوات إلى إضراب عام، استجاب لها كثيرون في المدن الجنوبية بسرعة وأغلقوا أبواب متاجرهم وعطلت عملهم.
ونتيجة لذلك، أصبحت سلاسل التوريد في الأردن مهددة بسبب قطع الطرق بين ميناء العقبة والمدن الشمالية والوسطى – بما في ذلك العاصمة – وهي المنطقة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن ميناء العقبة يقع في أقصى الجنوب، وهو الميناء الوحيد في البلاد، والمنفذ الرئيسي للبضائع الداخلة إلى الأردن.
أعلى الأسعار في التاريخ
تم تسجيل أسعار الوقود في الأردن على أنها الأعلى في تاريخ البلاد، وتبرر الحكومة ذلك من خلال الادعاء بأنها مرتبطة بأسعار السوق العالمية، والتي قفزت جزئيًا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
لكن الأردنيين لم يعودوا يصدقون هذه التبريرات لأن الأسعار تستمر في الارتفاع دون أن تنخفض، على عكس حركة أسعار النفط العالمية.
على سبيل المثال، في مارس 2022 ، كان سعر برميل النفط (برنت) في الأسواق العالمية بين 100 دولار و 110 دولارات ، وكان الأردنيون يشترون لتر البنزين بسعر 0.74 دينار (1.04 دولار).
بينما في ديسمبر، بعد أن انخفض سعر برميل النفط بين 75 دولارا و 80 دولارا، وكان الأردنيون يشترون لتر البنزين بسعر 0.92 دينار (1.30 دولار).
وتعني هذه الأرقام أنه في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار النفط العالمية بنسبة تصل إلى 30 في المائة ، رفعت الحكومة الأردنية أسعار الوقود لمواطنيها بنحو 25 في المائة.
وقد أعطى ذلك انطباعًا واسعًا لدى الناس في الأردن بأن الحكومة تحقق مكاسب مالية كبيرة من تجارة الهيدروكربونات، بعد أن دعمت هذه السلعة قبل بضع سنوات فقط وتوفيرها للناس بأقل من تكلفتها الحقيقية من أجل حمايتهم من الفقر والظروف السيئة.
طبعا الأزمة التي يعيشها الأردن لا تقتصر على ارتفاع أسعار المحروقات، بل تمر المملكة بأزمة اقتصادية خانقة نتيجة الإجراءات المتطرفة التي اتخذتها السلطات لمواجهة كوفيد -19.
شمل ذلك فرض حظر شامل للتجوال ومنع السكان قسراً من مغادرة منازلهم، بالإضافة إلى فرض قيود على السفر وإغلاق المطارات والحدود والعديد من الشركات والمؤسسات التجارية.
وتفاقمت الأزمة أيضًا مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ، التي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز والقمح والحبوب.
نتيجة للأزمة الاقتصادية العامة ، معدل البطالة ارتفع بشكل حاد في الأردن ، حيث يبلغ حاليًا 22.6 في المائة. وتستمر قرابة 50 في المائة بين الشباب في أوج حياتهم العملية، مما يعني أن شابًا من كل شابين لا يستطيع العثور على وظيفة أو مصدر دخل.
كما أن معدلات البطالة والفقر آخذة في الارتفاع في المدن الجنوبية، لتصل إلى مستويات غير مسبوقة. مما يفسر تركز الاحتجاجات في تلك المناطق.
بالتوازي مع ارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة المرتفعة، وصل الدين العام للحكومة إلى مستوى قياسي والعجز في الميزان التجاري مستمر في النمو.
ونتيجة لذلك، احتاجت البلاد إلى مزيد من العملات الأجنبية لتمويل احتياجاتها الأساسية، وفرضت بدورها ضرائب حكومية أعلى لتوفير الإيرادات المالية التي تحتاجها الدولة.
يبلغ الدين العام الأردني حاليًا حوالي 47 مليار دولار، ويشكل 106 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي – وهو أعلى مستوى في تاريخ البلاد ، ومن المقرر أن تخصص 14 في المائة من ميزانيتها لعام 2023 لتغطية خدمة الدين والوفاء بالالتزامات المستحقة خلال العام.
في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، ارتفع العجز في الميزان التجاري بنسبة 34.1 في المائة وبلغ 8.32 مليار دولار.
أزمة إقليمية
هناك أزمة في الأردن أدت إلى انفجار موجة الغضب الحالية، لكن العنصر الأهم هو أن هذه الظروف نفسها موجودة في أكثر من مكان في المنطقة، خاصة في مصر وتونس اللتين تعانيان من أزمة الغضب لنفس الأزمات الاقتصادية، وتعاني أيضًا من ارتفاع معدلات البطالة والفقر والمديونية وارتفاع الأسعار، مما يعني أن أكثر من دولة في المنطقة العربية مرشحة لتوترات واحتجاجات جديدة.
في مصر تضاعف الدين العام ثلاث مرات خلال السنوات العشر الماضية، وبحلول مارس 2022، وصل إلى 155.7 مليار دولار – بزيادة قدرها 23 مليار دولار في عام واحد فقط. عانى الجنيه المصري من مزيد من الانخفاض، مما أدى إلى “جنون الأسعار” وزيادة معدلات الفقر مع تآكل القوة الشرائية للأفراد.
لا تبدو تونس أفضل حالاً مع تدهور بياناتها الاقتصادية، سواء كان ذلك بسبب البطالة أو ارتفاع التكاليف أو ارتفاع الفقر أو الدين العام، الأمر الذي زاد من حالة التذمر والانتقاد رغم محاولة النظام إحكام قبضته على الأمن. .
خلاصة القول إن ما يحدث في الأردن قد لا يكون موجة احتجاج عابرة، بل مقدمة لموجة غضب قد تجتاح المنطقة.
وقد يتسع إلى موجة ثانية من “الربيع العربي” الذي بدأ في تونس في أوائل عام 2011، مُظهِرًا رغبة شعبية واسعة في العالم العربي للتغيير، وأدى إلى سقوط أربعة أنظمة عربية.
محمد عايش نقلا عن موقع Middle East Eye