هزائم فرنسا في أفريقيا.. ثمانية انقلابات منذ 2013
من قبل كانت مالي وبوركينا فاسو، والآن النيجر. منذ 2013 كانت أفريقيا على موعد مع 8 انقلابات، وربما لن تتوقف.
والأمر ليس “حالة ثورية” لتصفية “بقايا الاستعمار”، كما يصوّرها البعض. فاستبدال أعلام فرنسا بروسيا يتكرر، وإن كان تدخّل الثانية غير رسمي وبقوات “فاغنر” المتغلغلة منذ 2013 في القارة الأفريقية.
اليوم تعيش القارة السمراء مآسي تنافس مصالح كبرى، وهي للأسف لا تختلف عن أخرى محكومة بالصراع على المصالح، وبعضها في العالم العربي.
فالصين تلعب مع روسيا في “الحدائق الخلفية” لأوروبا والغرب، والأخير سيردّ عليها أيضاً في ساحات أخرى.
صحيح أنه في السياسة من الطبيعي بحث الدول عن مصالحها، لكن الجاري هو طحن عظام الشعوب، واستخدام شعارات شعبوية من الطرفين.
لبس قفازات حريرية، روسية-صينية، استعملها الغربي في بدايات تغلغله في المجتمعات الغنية بالموارد، لا يعني أن أفريقيا على موعد مع ازدهار ورفاهية واستقرار.
غربياً، ليست فرنسا وحدها من لعِب اللعبة كارثية النتائج في القارة الأفريقية، وغيرها، بدعم أنظمة عسكريتارية-تسلطية، تستهتر بحقوق شعوبها، سعياً إلى الثراء الفاحش بتحقيق مصالح الشركات الكبرى.
أُخذ غرب أفريقيا، ودول الساحل، رهينة بعبع “التطرف الإسلامي”، لتسويق تحالف أوروبا مع أنظمة تضبط الساحات وفق مصالحها، غير آبهة بشعارات القيم والمبادئ الحقوقية، إلا حين يتعلق الأمر بمواطنيها، ولصد موجات الهجرة.
إذاً، أخطاء فرنسا من تشاد إلى الغابون والكونغو وصولاً إلى أنغولا وغيرها، عدا سياساتها المتناقضة في الضفة الجنوبية والشرقية للمتوسط، هي ذاتها أخطاء الغرب في استبدال البطش الاستعماري بدعم آخر محلي الطابع.
في كل الأحوال، أخطر ما في تبدّل رايات رعاية الانقلابات، بين الغربيين والروس، هو التأزيم لإبقاء التنميط حيال أفريقيا، وعموم ما يسمى “الدول النامية”، ثابتاً، على أنه لا يناسبها تداول السلطات ديمقراطياً.
ففي الوقت الذي يندد فيه الفرنسيون والغربيون بانقلاب مالي والنيجر، يسكتون على انقلابات أخرى، فهم يمعنون في دعم بقاء الأنظمة لعقود على ذات المنوال القمعي والإفقاري، بل وتوريثها (تشاد نموذجاً).
على المقلب الآخر، فإن التجربتين الروسية والصينية لا تبشران بانتشال الدول المُتغلغلتين فيها من مآسيها.
فسواء تعلق الأمر بنماذج الحكم المدعومة منهما، أو بالسياسات الاقتصادية المُغرقة للمجتمعات الفقيرة في ديون واستثمارات لمصلحتهما، فلن تؤدي في نهاية المطاف سوى إلى مزيد من الإفقار، ودفع مئات الآلاف للهرب من الواقع بالهجرة شمالاً، ليس إلى بكين وموسكو، بل إلى الدول الاستعمارية القديمة، مع نشوء الاستعمارية الجديدة.
للكاتب ناصر السهلي