Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
دراسات وابحاث

الانقسامات حول الحرب الإسرائيلية في غزة تهدد بتقويض الاتحاد الأوروبي

كان الاتحاد الأوروبي موحدًا في إدانة الهجوم الذي شنته حركة حماس على جنوب إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي قُتل فيه حوالي 1,200 إسرائيليا، لكن الانقسامات اعترت مواقفه بشأن الحرب الإسرائيلية.

إذ أن الكتلة المكونة من 27 دولة منقسمة بشدة في ردها على الحرب الانتقامية الإسرائيلية في غزة، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني، من بينهم ما يقرب من 8,000 طفل، وفقًا للسلطات الصحية في غزة.

فعلى أحد طرفي الكتلة، هناك ألمانيا والنمسا والمجر وجمهورية التشيك، حيث تقف كلها بقوة مع القصف الإسرائيلي والغزو البري لغزة.

وعلى الطرف الآخر هناك بلجيكا وأيرلندا والبرتغال واسبانيا، التي أدانت جميعها جرائم الحرب الإسرائيلية، وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار، وأعربت عن مخاوف جدية بشأن الكارثة الإنسانية في غزة.

بل إنّ نائبة رئيس الوزراء البلجيكي، بيترا دي سوتر، دعت الحكومة البلجيكية إلى فرض عقوبات على إسرائيل بسبب حملة القصف المدمرة التي تشنها.

وقالت: “إنّ القصف المتواصل أمر غير إنساني”. وأضافت: “من الواضح أن إسرائيل لا تهتم بالمطالب الدولية بوقف إطلاق النار”.

والآن يسعى رؤساء وزراء بلجيكا وأيرلندا واسبانيا، إلى جانب مالطا، إلى عقد قمة لزعماء الاتحاد الأوروبي من شأنها أن تضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة.

وقد كتبوا في رسالة إلى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل: “يجب أن ندعو بشكل عاجل جميع الأطراف إلى إعلان وقف دائم لإطلاق النار لأسباب إنسانية يمكن أن يؤدي إلى إنهاء الأعمال العدائية. حان الوقت لكي يتحرك الاتحاد الأوروبي. مصداقيتنا على المحك.”

وبعد ستة أيام من هجوم حماس، سافرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى إسرائيل وأعلنت دعم الاتحاد الأوروبي الكامل للرد العسكري الإسرائيلي في غزة.

وقالت وهي تقف بجوار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: “أعرف أن رد فعل إسرائيل سيظهر أنها ديمقراطية”.

لكن فون دير لين، وهي ألمانية، لم تتشاور مع أعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي قبل رحلتها، وكان هناك رد فعل عنيف فوري بسبب ذلك في بروكسل.

وانتقدها دبلوماسيون ومشرعون أوروبيون لعدم تأكيدها على ضرورة احترام إسرائيل للقانون الدولي وممارسة ضبط النفس لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين في غزة، مع ارتفاع عدد القتلى بشكل كبير.

لقد تحدثت فون دير لاين فعليًا نيابة عن الاتحاد الأوروبي بأكمله. وقال دبلوماسي أوروبي لم يذكر اسمه لصحيفة بوليتيكو: “لقد قالت ببساطة أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. ليس هذا هو الخط الذي اتفقت عليه الدول الأعضاء”.

واجهت فون دير لاين المزيد من ردود الفعل السلبية، بما في ذلك من المئات من موظفيها، عندما لم تذكر دعم الاتحاد الأوروبي للدولة الفلسطينية في خطاب لاحق في واشنطن، على الرغم من أن حل الدولتين يمثل موقفًا أوروبيًا أساسيًا.

وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي لصحيفة بوليتيكو أن فون دير لاين “كانت تتحدث عن وجهات نظرها الشخصية وتقدم وجهة نظر غير متوازنة حول موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة في الشرق الأوسط”.

على النقيض من ذلك، اتخذ منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، خطًا أكثر اعتدالًا بكثير.

فقد قال بوريل أواخر الشهر الماضي في منتدى في برشلونة ترأسه وزير الخارجية الأردني: “يجب أن يكون من الممكن الاعتراف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وفي الوقت نفسه الشعور بالغضب مما يحدث للمدنيين في غزة والضفة الغربية”.

وذهب إلى أبعد من ذلك، مضيفًا: “يجب أن يكون من الممكن الدفاع عن حق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة، دون أن يُوصفوا بمعاداة السامية. ويجب أن يكون من الممكن انتقاد سياسة الحكومة الإسرائيلية، لأن حكومات أي دولة يمكن انتقادها، دون أن يتم اتهامهم بإيذاء اليهود أو كرههم.”

ولا مفر من الكيفية التي يساهم بها تاريخ الحرب العالمية الثانية في هذه الانقسامات العميقة داخل الاتحاد الأوروبي بشأن أزمة غزة. ولكن كذلك الحال بالنسبة للسياسة الأوروبية المعاصرة، التي اتجهت نحو اليمين في العديد من البلدان.

وقال إروين فان فين، الباحث في شؤون الصراعات في معهد كلينجينديل ومقره هولندا، في مقابلة مع مجلة الديمقراطية في المنفى: “في ألمانيا، يحدد الشعور بالذنب بشأن المحرقة الخطاب السياسي.

فقد أعربت النخبة السياسية الألمانية عن دعمها للمذبحة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة ردًا على أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول بشعار “الآن لكي لا يحدث ذلك مرة أخرى”، زاعمين فعليًا بأن هجوم حماس الشنيع كان بطبيعته إنهاء وجودي لإسرائيل—لكنه لم يكن كذلك”.

وأضاف: “على النقيض من ذلك، فإن تاريخ أيرلندا مع الاحتلال الاستعماري من قبل البريطانيين يمكنها من الاعتراف  بالتمييز والعنف القمعي بسهولة أكبر”.

والحقيقة أن الاتحاد الأوروبي كان متحدًا ضد روسيا بعد غزوها الشامل لأوكرانيا في العام الماضي، ولكنه الآن غير قادر على إدانة جرائم الحرب الإسرائيلية بشكل جماعي، وهو ما يفضح نفاق الغرب في نظر العديد من بلدان الجنوب العالمي.

وقد اعترف بعض المسؤولين الغربيين بهدوء، ولو بعدم ذكر أسمائهم، بالمعايير المزدوجة. فقد قال دبلوماسي رفيع المستوى من إحدى دول مجموعة السبع لصحيفة فايننشال تايمز: “ما قلناه عن أوكرانيا يجب أن ينطبق على غزة وإلا فإننا نفقد كل مصداقيتنا”.

وليس من المستغرب أن تكون ردود الفعل حادة بشكل خاص في جميع أنحاء العالم العربي.

فقد قال فان فين: “بطبيعة الحال، لا يتم تطبيق القانون الدولي بشكل متسق على الإطلاق، ولكن القسوة التي أظهرت بها بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عدم اهتمامها بحياة الفلسطينيين بشكل غير مباشر خلقت تصورات سلبية كبيرة بين السكان العرب.”

ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين والشرق الأوسط بشكل عام، فإن مثل هذه الانقسامات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي ليست جديدة.

وهذه الاختلافات السياسية راسخة بعمق وتعكس حقيقة مفادها أن كل دول كتلة الاتحاد الأوروبي تسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنية الخاصة وغالبًا ما تسلك طرقًا خاصة بها، على الرغم من الحديث في بروكسل عن موقف مشترك أكبر حول المنطقة.

كان هذا هو الحال منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، عندما كانت المملكة المتحدة (التي كانت آنذاك عضوًا في الاتحاد الأوروبي قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) شريكًا وداعمًا رئيسيًا، في حين عارضت دول مثل فرنسا الحرب علنًا.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يدعم رسميًا حل الدولتين، إلا أن أقرب شركاء إسرائيل في الكتلة، مثل ألمانيا، يقفون دائمًا تقريبًا في طريق اتخاذ إجراءات فعلية يمكن أن تتخذها بروكسل لتحقيق “رؤيتها المعلنة لدولة فلسطين مستقلة وذات سيادة”. ويتضمن ذلك ممارسة ضغوط دبلوماسية على إسرائيل لتقديم تنازلات للفلسطينيين.

ومن ناحية أخرى فإن الدول الأكثر صداقة لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي لا تتورع عن إمداد إسرائيل بالأسلحة بشكل مستمر. كما أنها تحمي إسرائيل من المساءلة في الأمم المتحدة عن انتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي في غزة والضفة الغربية.

قد تكون صادرات الأسلحة الأوروبية إلى إسرائيل أقل من صادرات الولايات المتحدة من حيث الحجم، لكنها لا تقل أهمية عن الحفاظ على هذا الوضع الراهن في السياسة.

وفي حين أن أكثر من 80 في المئة من واردات الأسلحة الإسرائيلية تأتي من الولايات المتحدة، فإن دولتين عضوتين في الاتحاد الأوروبي تتبعان الولايات المتحدة في المرتبتين الثانية والثالثة على مسافة بعيدة: ألمانيا، التي زودت إسرائيل بنحو 15 في المئة من الأسلحة في السنوات العشرين الماضية، وإيطاليا، بما يقل قليلًا عن 3 في المئة.

وقد ارتفعت صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل إلى “ما يقرب من عشرة أضعاف عن العام الماضي”، كما ذكرت وكالة رويترز مؤخرًا، “حيث تتعامل برلين مع طلبات التصاريح كأولوية” منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

ووفقًا لتقرير حديث صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تشمل مبيعات الأسلحة الإيطالية قطع غيار طائرات التدريب والطائرات المقاتلة المستخدمة في غزة.

وبحسب بعض التقارير، باعت شركات الدفاع الإيطالية لإسرائيل ما متوسطه حوالي 12 مليون يورو من الأسلحة سنويًا من عام 2013 إلى عام 2022.

كما قدمت التيارات السياسية في أوروبا منافع للحكومة الإسرائيلية. فصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في مختلف أنحاء القارة، بما في ذلك حزب “البديل من أجل ألمانيا” في ألمانيا والجمعية الوطنية الفرنسية، يدعم بشدة أسوأ سلوكيات إسرائيل.

وفاز حزب الحرية، الذي يتزعمه المناهض للإسلام خيرت فيلدرز، بأغلبية كبيرة في الانتخابات الهولندية الأخيرة.

ويشيد فيلدرز وأنصاره بتوسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة.

كما دعا فيلدرز إلى نقل الفلسطينيين إلى الأردن، مروجًا للقول (الرائج بين حزب الليكود الإسرائيلي وغيره من الأحزاب اليمينية) بأن الأردن لا يمكن تمييزه عن فلسطين.

وفي عهد رئيس الوزراء فيكتور أوربان، كانت الحكومة القومية اليمينية في المجر مؤيدة وثيقة لسياسات نتنياهو.

وفي أعقاب أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت حكومة أوربان فعليًا حظرًا على أي مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، باسم منع المسيرات الداعمة “للمنظمات الإرهابية”.

وعندما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على “الهدنة الإنسانية” في غزة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، كانت المجر واحدة من أربع دول فقط في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب النمسا وكرواتيا وجمهورية التشيك، التي عارضت هذه الهدنة.

بالنسبة لهذه الأحزاب اليمينية المتطرفة المختلفة، فإن الدعم القوي لإسرائيل يتغذى من وجهات نظرها المعادية للمهاجرين والمعادية للإسلام.

من حزب فيلدرز إلى حزب فيدس الخاص بأوربان، “تمثل إسرائيل دولة نموذجية وسط جيران عرب ومسلمين، وغالبًا ما يربطون بين تصرفات إسرائيل والمناقشات المحيطة بالهجرة والاندماج داخل المجتمعات الأوروبية”، كما يقول فرانشيسكو ساليسيو شيافي، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية في ميلانو، لمجلة الديمقراطية في المنفى.

إنّ الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن الحرب الإسرائيلية في غزة، وفشل الاتحاد في الوفاء بالتزاماته المعلنة تجاه الفلسطينيين، تكشف مرة أخرى عن افتقاره إلى النفوذ في الشرق الأوسط.

ونظرًا لاحتمال أن تؤدي الحرب إلى تأجيج المزيد من الاضطرابات في جميع أنحاء المنطقة، مع خطر نشوب صراع إقليمي يجلب حزب الله في لبنان وربما إيران، وتفاقم التوترات القائمة في أوروبا بشأن الهجرة واللاجئين، فإن كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي سوف تخسر الكثير مع استمرار هذه الحرب.

وقال شيافي: “إنّ فشل الاتحاد الأوروبي في الحصول على صوت موحد بشأن القضية الإسرائيلية الفلسطينية يظهر محدودية بروكسل في تشكيل السياسة الخارجية للكتلة، ما يخنق جهودها لتصوير نفسها كلاعب جيوسياسي متماسك وذو عقلية استراتيجية”.

ويصر الاتحاد الأوروبي على التزامه بدعم “النظام الدولي القائم على القواعد”، لكنه لا يستطيع في الواقع أن يتصرف بناءً على هذا الخطاب من خلال تكوين صوت واحد لإدانة جرائم الحرب الإسرائيلية على حقيقتها والضغط من أجل وقف عاجل لإطلاق النار في غزة.

للباحث جورجيو كافيرو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى