الصراع الداخلي في السودان وأثره على الهجرة إلى أوروبا
نشر مركز ستراسبورغ للسياسات، بالتعاون مع مركز السودان للسلام في البحر الأحمر، وجامعة مدريد المستقلة، ومنتدى كامبريدج للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقريرًا حصريًا بعنوان ” الصراع الداخلي في السودان وتأثيره على الهجرة إلى أوروبا”.
ويتناول هذا التقرير العواقب المعقدة والواسعة النطاق للصراع المستمر في السودان، مع التركيز على الأزمة الإنسانية داخل السودان وتأثيرها المباشر على أنماط الهجرة، وخاصة نحو أوروبا.
يتكون التقرير من ثلاثة فصول رئيسية، ساهم في كل منها خبراء من خلفيات متنوعة، تقدم تحليلاً شاملاً للتداعيات المتعددة الجوانب للصراع.
التكلفة البشرية للصراع
يتناول الفصل الأول، الذي ألفه جوزيف هاموند، وهو صحفي متمرس ومستشار في مجال تغطية الصراعات، الأزمة الإنسانية العميقة الناجمة عن الصراع الداخلي في السودان.
فمنذ اندلاع العنف في 15 أبريل/نيسان 2023، شهدت البلاد تدهوراً حاداً في الظروف المعيشية، حيث وصل عدد القتلى إلى ما يقرب من 17 ألفاً والتهديد الوشيك بالمجاعة التي تؤثر على ملايين آخرين.
ويركز فصل هاموند على كيفية تطور هذه الكارثة الإنسانية، مع انتشار المجاعة والنزوح والأمراض، بما في ذلك الكوليرا والملاريا، التي تؤثر على قطاعات شاسعة من السكان.
وتتفاقم الأزمة الإنسانية بسبب النزوح الجماعي للأشخاص داخل السودان. ويسلط هاموند الضوء على أن أكثر من 10 ملايين شخص نازحون داخلياً الآن، مع 2.2 مليون آخرين يبحثون عن ملجأ في البلدان المجاورة.
وقد أدت عمليات النزوح هذه، إلى جانب عدم الاستقرار الاقتصادي وانخفاض قيمة العملة، إلى تفاقم المعاناة، مما أدى إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم.
ويشير هاموند أيضاً إلى أوجه التشابه بين الصراع السوداني والصراعات العالمية الأخرى، مؤكداً أن الوضع في السودان قد يصبح الكارثة الإنسانية الأكثر تكلفة على هذا الكوكب إذا لم تتم معالجتها على الفور.
الحرب في السودان
يركز الدكتور روسن كوروتشيف ، الباحث في جامعة مدريد المستقلة ، على التأثير الهجري للصراع، وخاصة على أوروبا، في الفصل الثاني.
يلقي تحليل كوروتشيف الضوء على كيف أدت الحرب المستمرة إلى تكثيف تدفقات الهجرة نحو أوروبا، مع فرار الآلاف من السودانيين من مناطق الصراع بحثًا عن الأمان.
ويقدم الفصل تفاصيل دقيقة عن طرق الهجرة الرئيسية، مشيرًا إلى كيفية عبور اللاجئين السودانيين إلى الدول المجاورة مثل مصر وتشاد وجنوب السودان، حيث يقوم بعضهم في النهاية برحلات محفوفة بالمخاطر نحو أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
يدرس الدكتور كوروتشيف أيضًا دور حوكمة الهجرة الإقليمية والدولية، بما في ذلك استراتيجيات الاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة غير النظامية. كان الاتحاد الأوروبي يعمل على منع الهجرة واسعة النطاق من أفريقيا، لكن التقرير ينتقد نهج الاتحاد الأوروبي باعتباره قصير النظر، وخاصة اعتماده على سياسات إضفاء الطابع الخارجي على الحدود التي تحول عبء إدارة الهجرة إلى الدول الأفريقية، مثل السودان.
ويزعم كوروتشيف أن هذه السياسات تؤدي في كثير من الأحيان إلى تفاقم معاناة اللاجئين، مما يجعلهم عُرضة لخطر المتاجرين بالبشر ويضطرون إلى سلوك طرق خطيرة على نحو متزايد إلى أوروبا.
ويؤكد الفصل على الحاجة إلى إعادة تقييم الاتحاد الأوروبي لسياساته المتعلقة بالهجرة من أجل معالجة الأسباب الجذرية للهجرة بشكل أفضل، مثل الصراع الدائر في السودان.
الصراع السوداني وأثره على أوروبا
يتناول الفصل الثالث، الذي ألفه مكي المغربي ، رئيس قسم العلاقات الدولية في مركز السودان للسلام في البحر الأحمر ، التداعيات الجيوسياسية وحقوق الإنسان الأوسع نطاقًا للصراع السوداني، وخاصة بالنسبة لأوروبا.
ويوضح المغربي كيف أدى الصراع إلى إجهاد الاستقرار الإقليمي بشدة، مما أدى إلى زيادة تدفقات اللاجئين وتحدي قدرة أوروبا على إدارة هذه الهجرات بشكل فعال.
كما يؤكد على فشل تعاون الاتحاد الأوروبي مع السودان، وخاصة مع ميليشيا قوات الدعم السريع المثيرة للجدل ، والتي اتُهمت بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاتجار بالمهاجرين واستغلالهم.
ويقدم المغربي تقييمًا نقديًا لعملية الخرطوم التابعة للاتحاد الأوروبي ، وهي مبادرة أطلقت في عام 2014 لإدارة تدفقات الهجرة من أفريقيا. ويسلط الضوء على أوجه القصور في هذه المبادرة، مشيرًا إلى أنه في حين أنها تهدف إلى مكافحة الاتجار بالبشر والحد من الهجرة غير الشرعية، إلا أنها فشلت في معالجة القضايا النظامية الأعمق التي تدفع الهجرة، مثل الصراع الداخلي في السودان ودور قوات الدعم السريع في إدارة الحدود.
ودعا المغربي إلى إعادة التفكير في استراتيجيات الاتحاد الأوروبي لإدارة الهجرة، واقتراح حلول تشمل قنوات الهجرة القانونية، وتعزيز حماية اللاجئين، وزيادة الاستثمار في جهود بناء السلام في السودان والمنطقة المحيطة.
المواضيع الرئيسية والتوصيات
في جميع أنحاء التقرير، يبرز موضوع مشترك: الحاجة إلى نهج أكثر شمولاً وإنسانية لحوكمة الهجرة. ويزعم المؤلفون بشكل جماعي أن معالجة الأسباب الجذرية للهجرة – أي الصراع وعدم الاستقرار وانتهاكات حقوق الإنسان – أمر ضروري للحد من تدفقات اللاجئين إلى أوروبا.
ويوصون بأن يتحول الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي من استراتيجيات الاحتواء قصيرة الأجل إلى الاستثمارات طويلة الأجل في حل النزاعات والاستقرار الإقليمي وقنوات الهجرة القانونية.
كما يسلط التقرير الضوء على التكلفة البشرية الكبيرة للصراع، سواء بالنسبة للنازحين داخل السودان أو للاجئين الذين يقومون برحلات خطيرة إلى أوروبا. ويؤكد على الحاجة إلى دعم إنساني دولي أقوى، حيث لا يزال ملايين السودانيين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد والنزوح والعنف.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد المؤلفون على أهمية محاسبة الجهات الفاعلة مثل قوات الدعم السريع على دورها في تفاقم الصراع وأزمة الهجرة.
ويدعو التقرير إلى اتخاذ إجراءات دولية عاجلة لتخفيف معاناة ملايين النازحين السودانيين ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة.
ومن خلال الجمع بين المساعدات الإنسانية والجهود الدبلوماسية وإعادة التفكير في حوكمة الهجرة، يزعم التقرير أن المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي، يمكن أن يلعب دوراً حاسماً في استقرار المنطقة والحد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا.
ويشدد التقرير على ضرورة التذكير الجاد بالتكلفة البشرية للصراع ودعوة إلى العمل من أجل سياسات هجرة أكثر فعالية وإنسانية.