Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

الايكونوميست: دول الخليج تتصدر المشهد الدولي

أبرزت مجلة الايكونوميست البريطانية، أن دول الخليج العربي باتت تتصدر المشهد الدولي وهي تريد إعادة تشكيل العالم على صورتها.

وأشارت الايكونوميست في تقرير ترجمه المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الاوسط، إلى أن مجموعة البريكس، وهي نادي دبلوماسي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، تضم أعضاء من كل ركن من أركان العالم النامي باستثناء الشرق الأوسط، لكن الأمر لم يعد كذلك منذ الشهر الماضي.

وذكرت المجلة أن من بين الدول الستة المدعوة للانضمام إلى الكتلة في قمتها السنوية التي عقدت في 22 أغسطس/آب، هناك أربع دول – مصر وإيران والسعودية والإمارات – هي من المنطقة، وقبولهم جميعا في هذا النادي سيعني أن الشرق الأوسط سوف يمثل أكثر من ثلث أعضاء الكتلة الموسعة.

تُعد هذه الدعوات إحدى العلامات العديدة التي تشير إلى أن الشرق الأوسط يتغير، في وقت تحاول فيه دول الخليج الغنية ترسيخ نفسها كقوى وسطى غير منحازة.

فقد عرضت السعودية التوسط بين روسيا وأوكرانيا، وتريد دولة الإمارات التي ستستضيف قمة المناخ العالمية هذا العام، القيام بدور مزدوج باعتبارها دولة مصدرة للنفط وقوة عالمية للطاقة الخضراء.

كما يعد مجلس التعاون الخليجي المكون من ستة أعضاء أحد النقاط الاقتصادية الساخنة في العالم، حيث يجذب الموهوبين والأثرياء من الشرق والغرب وينشر مجموعات هائلة من رؤوس الأموال في الخارج.

الأمر الأكثر إثارة للدهشة في كل هذا هو الهدوء المكتشف حديثاً (والنسبي) في الشرق الأوسط.

فقد أدى وقف إطلاق النار إلى تهدئة الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات في اليمن، كما اتفقت إيران والسعودية في مارس على تخفيف حدة نزاعهما المستمر منذ 40 عامًا، وأصلحت قطر علاقاتها مع جيرانها، والامر وصل الى حد أن المنطقة تصالحت مع الدكتاتور السوري القاتل بشار الأسد.

في نفس الوقت، تحث الولايات المتحدة السعودية على الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم، والتي بموجبها أقامت أربع دول عربية أخرى علاقات مع إسرائيل منذ عام 2020.

قبل خمس سنوات، قدم محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة، رؤية مفعمة بالأمل بشأن توجه الأمور في الشرق الأوسط.

وقال: “أعتقد أن أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط” وأضاف أن “النهضة العالمية القادمة ستكون في الشرق الأوسط”، وتتناسب تعليقاته مع السرد الشائع بشكل متزايد في الخليج، ومفاده أن الشرق الأوسط “الجديد” سوف يركز على الاقتصاد بدلاً من الديمقراطية أو الأسلمة أو غيرها من الأيديولوجيات المشتتة للانتباه.

فالدبلوماسية ستجلب الاستقرار، الذي سيعزز الاستثمار والنمو الذي يساعد الجميع على تجاوز الاضطرابات التي شهدتها العقود الماضية، وقد طبقت دول الخليج هذا النموذج في الداخل منذ فترة طويلة؛ والآن يريدون تصديره.

يتمتع الشرق الأوسط بإمكانات هائلة، الأهم والأكثر وضوحًا فيها انه منطقة مليئة بالهيدروكربونات، فهو يمثل 36% من إنتاج النفط العالمي، و46% من صادرات النفط، و22% من إنتاج الغاز الطبيعي، و30% من صادرات الغاز الطبيعي المسال، وهذه الأرقام سوف ترتفع.

كما تتمتع المنطقة باحتياطيات هائلة (52% من الإجمالي العالمي للنفط و43% للغاز) وتكاليف إنتاج منخفضة، وفي الوقت الذي تشعر فيه شركات النفط الغربية الكبرى بالقلق بشأن الاستثمار، تعمل الشركات الخليجية على زيادة طاقتها الإنتاجية.

موقع المنطقة مهم أيضًا: فالمنطقة تربط بين أوروبا وأفريقيا وآسيا، وتمر نحو 30% من حاويات الشحن العالمية عبر قناة السويس في مصر، بينما يمر 16% من شحناتها الجوية عبر مطارات الخليج.

كما يشكل سكانها الشباب مصدر قوة آخر: 55% من سكان الشرق الأوسط هم تحت سن الثلاثين، مقارنة بنحو 36% من سكان بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو نادي ينتمي أغلبه إلى البلدان الغنية.

بالرغم من كل هذه الإمكانات، كانت قصة العقدين الماضيين مليئة بالصراع واليأس وبدأ بالغزو الأميركي المشؤوم للعراق في عام 2003، وتلا ذلك غضب الربيع العربي، الذي جلب الاضطرابات ولكن ليس الديمقراطية.

فكل البلدان المتضررة إما ارتدت في نهاية المطاف إلى الدكتاتورية أو انهارت إلى حرب أهلية، وأدى عنف الإسلاميين والصراع الطائفي إلى تفاقم مشاكل المنطقة.

يمثل الشرق الأوسط 6% من سكان العالم، لكنه لا يمثل سوى 4% من الناتج الاقتصادي، وإذا استبعدنا عددًا قليلاً من منتجي النفط الكبار، فإن هذا الرقم ينخفض إلى أقل من 2٪.

ويعاني الناتج المحلي الإجمالي للفرد في معظم بلدان المنطقة من الركود أو الانخفاض، فقد ارتفعت معدلات الفقر في مصر ولبنان، ناهيك عن السودان وسوريا واليمن التي مزقتها الحرب.

لكن هناك ثلاثة تحولات كبيرة جارية من شأنها أن تغير مكانة الشرق الأوسط في العالم:

التحول الاول هو المسافة المتزايدة بين دول الخليج وأميركا، فقد سعى ثلاثة رؤساء متعاقبين إلى تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، وجو بايدن الحالي لا يحاول فرض الديمقراطية على المنطقة؛ بل إنه لا يبدو مهتماً كثيراً بكبح جماح البرنامج النووي الإيراني، كما ان للولايات المتحدة أولويات أخرى: المنافسة مع الصين، والحرب في أوكرانيا، والاضطرابات السياسية في الداخل.

كما يتضاءل الدور الاقتصادي الذي تلعبه أميركا مع دول المنطقة، فعلى مدى الأعوام الثلاثين الماضية، ارتفعت حصة صادرات الشرق الأوسط المتجهة إلى الصين والهند من 5% إلى 26%، وفقاً لصندوق النقد الدولي، وانخفضت الحصة المرسلة إلى أوروبا وأمريكا من 34% إلى 16%.

تعكس هذه الأرقام شهية آسيا المزدهرة للنفط، الذي يمثل المادة الرئيسية التي تصدرها المنطقة، ففي التسعينيات، استحوذت الصين على أقل من 1% من صادرات السعودية من النفط الخام، وحصلت الهند على أقل من 3%؛ وبحلول عام 2021، بلغت هذه الأرقام 28% و12%.

يقع النفط في قلب التحول الثاني في أسواق الطاقة، حيث تحاول المنطقة أن تصبح قوة أكبر في مجال النفط والغاز لتمويل التحول بعيداً عن الهيدروكربونات، رغم أن ذلك قد يبدو متناقضاً.

لقد جلبت أسعار النفط المرتفعة الأخيرة مكاسب غير متوقعة وحققت شركة أرامكو، العملاق السعودي المملوك للدولة، أرباحًا قياسية بلغت 161 مليار دولار العام الماضي، ارتفاعًا من 110 مليارات دولار في عام 2021، وتخطط لتوسيع طاقتها بمقدار مليون برميل يوميًا (حوالي 10٪) على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

كما أن الإمارات لديها هدف مماثل، حيث جعلت من نفسها نقطة عبور للنفط الإيراني والروسي الخاضعين لعقوبات غربية، وتخطط قطر، وهي بالفعل أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، لزيادة الإنتاج بنسبة 63% بحلول عام 2027.

يتم ضخ العائدات النفطية اليوم في صناعات جديدة، فبدلاً من إيداع أموال النفط في سندات الخزانة الأمريكية، كما فعلت من قبل، تقوم السعودية بشراء كل شيء من لاعبي كرة القدم الأوروبيين إلى حصص في شركات السيارات الكهربائية.

وخلال هذا الصيف، أبرمت المملكة صفقة بقيمة 2.6 مليار دولار مع أكبر شركة تعدين في البرازيل، كجزء من خطة لإنفاق 170 مليار دولار على الصناعة بحلول عام 2030.

التحول الأخير هو في المواقف، حيث تظهر الاستطلاعات أن العرب ينظرون إلى الاقتصاد على أنه همهم الأول، ويقول حوالي ثلث الشباب العربي إن تكلفة المعيشة هي أكبر مشكلة في المنطقة.

بينما يشير ثلث آخر إلى البطالة؛ يقول ما يقرب من النصف أنه من الصعب العثور على وظيفة في بلدهم، وعندما سئلوا عما إذا كان الاستقرار أم الديمقراطية أكثر أهمية، اختار 82% الاستقرار، وتعتقد أعداد متزايدة أن الديمقراطية تضر بالنمو الاقتصادي.

كما فقد المواطنون الاهتمام بالإسلام السياسي أيضاً، فقد تم طرد الأحزاب الإسلامية من الحكومة على يد الناخبين التونسيين والجنود المصريين، وفشل الإسلاميون المسلحون في السيطرة على العراق وليبيا وسوريا، وكانت الاحتجاجات واسعة النطاق في إيران العام الماضي علامة على الإحباط الشعبي من حكامها الدينيين.

ويبدو أن زعماء دول الخليج أيضاً لديهم نظرة جديدة، فعلى مدى العقد الماضي، سعوا إلى استخدام القوة لتغيير المنطقة، فقد حاولوا فرض حكومة صديقة على اليمن؛ وأرسلت السعودية أسلحة إلى المتمردين السوريين؛ وحاولت الإمارات تنصيب خليفة حفتر، أمير الحرب، قائداً لليبيا، وكل هذه الجهود فشلت.

اما في الوقت الحالي على الأقل، فقد انتهى عصر السياسة الخارجية المسترجلة، وكان التحول الدبلوماسي الأكثر غير المتوقع هو الاتفاق بين السعودية وإيران.

لقد كان البلدان على خلاف منذ الثورة الإسلامية الأخيرة في عام 1979، حيث خاضا حربا بالوكالة امتدت في نهاية المطاف إلى العراق ولبنان وسوريا واليمن، لكن بدفعة من الصين، اتفقا في مارس/آذار على إعادة فتح سفارتيهما، التي كانت مغلقة منذ عام 2016، وتخفيف حدة الانتقادات الموجهة لبعضهما البعض في وسائل الإعلام المدعومة من الدولة وتعزيز العلاقات الاقتصادية.

إنهما ليسا صديقين، لكن الصفقة قللت من فرص الصراع في الخليج.

التحول الأكثر بغضًا هو إعادة دمج السيد الأسد وهو لم يبذل أي جهد ليكسب ذلك، فبعد تدمير سوريا للاحتفاظ بالسلطة، لم يقم بأي بوادر نحو الإصلاح أو المصالحة، لكن في شهر مايو سمح له السعوديون باستعادة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية.

ومع ذلك، فقد أدى تخفيف التوترات إلى قدر من الهدوء، وهو ما قد يساعد في تفسير تحسن التوقعات الاقتصادية، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الجزء غير النفطي من اقتصادات دول الخليج بنسبة 4.2% هذا العام (دون تغيير عن العام الماضي)، حتى مع توسع الجزء النفطي بنسبة 1.9% فقط (انخفاضًا من 10.3% في عام 2022).

كما اجتذبت المنطقة 6% من التدفقات العالمية للاستثمار الأجنبي المباشر العام الماضي، ارتفاعًا من 3% في عام 2019.

كما أن أسواق رأس المال تزدهر، وشكلت الشركات في أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات، 14% من الاكتتابات العامة الأولية في العالم في الربع الأول من عام 2023.

ويقدر بنك جولدمان ساكس أن الملكية الأجنبية لأسهم الشرق الأوسط ارتفعت من 2% في عام 2017 إلى 10% في العام الماضي، ومن المتوقع أن يرتفع وزن المنطقة في مؤشرات الأسواق الناشئة من 7% إلى 10% في السنوات القليلة المقبلة.

كما تحرز الإصلاحات المحلية الكبيرة تقدما ايضًا، فقد تم توظيف 31% من النساء السعوديات في الربع الأول من هذا العام، مقارنة بـ 16% في نفس الفترة من عام 2017، وتحاول دول الخليج أيضًا أن تكون أكثر صرامة عند توزيع المساعدات.

وبالرغم من أن بعضها يأتي بشروط قليلة، فقد حصلت تونس، على سبيل المثال، على خطة إنقاذ مفاجئة بقيمة 500 مليون دولار (معظمها قروض) من السعودية في يوليو/تموز، لكن يتعين على مصر جمع الأموال عن طريق بيع حصص في الشركات التي تديرها الدولة لصناديق الثروة السيادية من قطر والإمارات.

ويفكر المتفائلون بشأن ما يمكن أن يؤدي إليه هذا.

إن الشرق الأوسط الأكثر هدوءاً يعني مخاطر أقل على التجارة العالمية وتدفقات الطاقة، وعدداً أقل من اللاجئين (تمثل المنطقة أكثر من ثمانية ملايين من إجمالي 35 مليوناً على مستوى العالم).

وبينما تسعى الشركات الغربية إلى تنويع سلاسل التوريد، فإن الشرق الأوسط الشاب قد يصبح قاعدة تصنيعية جديدة، كما إن صناعة السيارات المزدهرة في المغرب، والتي تنتج حوالي 700 ألف سيارة سنويا وتدعم 220 ألف وظيفة، تظهر ما هو ممكن.

ويمكن للمنطقة أيضاً أن تقوم بالمزيد من الأعمال التجارية فيما بينها، حيث تعادل التجارة داخل الشرق الأوسط 2.9% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، مقارنة بـ 22% داخل الاتحاد الأوروبي.

ويقدر الباحثون في شركة ماجد الفطيم، شركة التجزئة الإماراتية العملاقة، وشركة ماكينزي الاستشارية، أن إسقاط الحواجز أمام التجارة يمكن أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بمقدار 230 مليار دولار (5٪).

وإذا تخلصت السعودية وإسرائيل من خلافهما، فإن العلاقات التجارية مع الاقتصاد الأكثر ديناميكية في الشرق الأوسط سوف تصبح ممكنة.

ويمكن أيضًا ربط البنية التحتية ببعضها البعض، لقد فكرت دول مجلس التعاون الخليجي منذ فترة طويلة في دمج خطوط السكك الحديدية الخاصة بها، والتي يمكن ربطها بسهولة مع خطوط السكك الحديدية في العراق وإسرائيل والأردن أيضًا.

ومن الممكن أن تنقل خطوط الأنابيب الهيدروجين السعودي منخفض التكلفة عبر البحر الأبيض المتوسط إلى المستهلكين في أوروبا؛ ويمكن لخطوط النقل المحسنة أن تسمح لمنطقة مشمسة بتصدير الطاقة الشمسية.

إنها رؤية مغرية، ولكن هناك العديد من العوائق:

الأول هو أن التقدم الاقتصادي في السنوات القليلة الماضية كان متفاوتًا، فقد كان الشرق الأوسط منذ فترة طويلة ممزقا بالانقسامات السياسية، بين الثوار والملكيين، والقوميين والإسلاميين، والسنة والشيعة، ولكن التمييز الأكثر أهمية اليوم هو التمييز الاقتصادي، بين الدول المزدهرة والدول الفقيرة.

من المؤسف أن أغلب بلدان الشرق الأوسط تعاني من الفقر المدقع، وحتى في وقت الهدوء الإقليمي، فإن الاقتصادات المتردية تهدد استقرار هذه البلدان.

في السنوات الخمس الماضية وحدها، منذ أن بدأ الأمير محمد الحديث لأول مرة عن النهضة الإقليمية، كانت هناك احتجاجات كبيرة في الجزائر وإيران والعراق والأردن ولبنان والسودان، ومصر، الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم العربي، مثيرة للقلق بشكل خاص.

فقد كان عبد الفتاح السيسي، الجندي الذي يدير البلاد منذ انقلاب عام 2013، ينفق باستمرار أقل مما يتطلبه الدستور على الصحة والتعليم، لكنه وجد الأموال اللازمة لتنفيذ مشاريع ضخمة مثل إنشاء عاصمة جديدة في الصحراء ولشراء كميات كبيرة من الأسلحة للجيش (مصر هي سادس أكبر مستورد للأسلحة في العالم).

كما ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر إلى 93%، و36% من القروض مقومة بالعملات الأجنبية، وقد ظل اقتصادها غير النفطي في حالة انكماش لمدة 33 شهرًا متتاليًا ولمدة 81 شهرًا من الـ 90 شهرًا الماضية.

وفقدت العملة المصرية نصف قيمتها خلال العامين الماضيين ومن المحتمل أن تنخفض قيمتها مرة أخرى قريبًا، وسجل التضخم السنوي مستوى قياسيا بلغ 38% في يوليو/تموز، وعانى المواطنون من انقطاع التيار الكهربائي بسبب الحرارة الشديدة هذا الصيف لأن الحكومة لم تتمكن من استيراد ما يكفي من الوقود لمحطات الطاقة.

ويبدو أن حدوث أزمة كاملة في ميزان المدفوعات أمر محتمل، وفي حال تعثرت الحكومة، فسوف يكون من الصعب إعادة اختراع المنطقة عندما تكون أكبر دولها في حالة احتضار، وإذا اندلعت الاضطرابات على نطاق كاف، فقد تؤدي إلى الإضرار بالآفاق الاقتصادية لدول الخليج.

وهناك خطر آخر يتمثل في أنه حتى الدول المزدهرة في المنطقة سوف تفشل في خلق فرص العمل وتحقيق النمو الذي وعدت به، بالرغم من انه لا يمكن إنكار أن أداءهم كان أفضل حتى الآن من نظرائهم في أماكن أخرى في الشرق الأوسط.

في عام 1975، كان لدى السعوديين والليبيين نفس الناتج المحلي الإجمالي للشخص الواحد تقريبًا؛ أما اليوم فإن الرقم السعودي أعلى بنسبة 353%، ويمثل الخليج وإسرائيل (المنطقة المزدهرة الأخرى في المنطقة) 14% فقط من سكان الشرق الأوسط، ولكنهما يشكلان 60% من ناتجه المحلي الإجمالي، و73% من صادراته من السلع، و75% من الاستثمار الأجنبي المباشر.

لكن المملكة، مثل جيرانها، تكافح مشاكل بنيوية عميقة حيث لا يزال المواطنون يتطلعون إلى وظيفة مريحة في القطاع العام باعتبارها حقا مكتسبا وتوظف الحكومة 53% من السعوديين العاملين، على الرغم من انخفاض ذلك من 66% في عام 2019.

ولا تقوم المدارس السعودية بتعليم مهارات قابلة للتسويق، والأجور مرتفعة للغاية بحيث لا يمكن للمملكة أن تصبح مركزًا للتصنيع، على الأقل دون دعم الدولة المكلف.

يأمل الأمير محمد أن يصل الاستثمار الأجنبي المباشر السنوي إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030، لكنه كان ثمانية مليارات دولارات فقط، وهذا يجعل الحكومة العامل الرئيسي للتحول الاقتصادي، وهو أمر مثير للقلق من ناحيتين:

الناحية الاولى، أصبحت مواردها المالية رهينة لأسواق النفط حيث يقدر المحللون أن المملكة تعاني من عجز عندما ينخفض السعر إلى أقل من 100 دولار للبرميل، إذا تم تضمين الإنفاق خارج الميزانية من قبل صناديق الثروة السيادية، ويبلغ سعره حاليًا حوالي 90 دولارًا، وهو أعلى مستوى له منذ عام تقريبًا.

والناحية الثانية، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت استثمارات الحكومة في التنويع ستؤتي ثمارها حيث تتوقع رؤية 2030، المخطط الاقتصادي للمملكة، أن تساهم السياحة بنسبة 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي السعودي بحلول نهاية العقد.

ويزعم المسؤولون أن هذا القطاع سيولد نحو مليون فرصة عمل، وهو ما يكفي لتوظيف واحد من كل 20 سعوديًا، وهي نسبة أعلى من تلك الموجودة في فرنسا أو إسبانيا، لكن هناك أدلة ضئيلة على الفيضان المأمول الذي يصل إلى 100 مليون زائر سنويا.

ففي العام الماضي كان هناك 16 مليون سائح فقط، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة – أي أقل بحوالي 1.5 مليون عما كان عليه في عام 2016، وهو العام الذي تم فيه اعتماد الرؤية.

وهناك مصدر آخر للقلق يتمثل في أن الحجج الأيديولوجية التي يتغاضى عنها القادة بفارغ الصبر سوف تعود إلى الظهور في مرحلة ما.

تسعى السعودية إلى تحقيق انفراجة مع إيران حتى مع استمرار الأخيرة في إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب لبرنامجها النووي المارق، وإذا ذهب النظام إلى أبعد من ذلك وقام بتصنيع قنبلة، فقد يؤدي ذلك إلى سباق تسلح إقليمي – أو حتى حرب.

كان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هادئاً نسبياً طيلة العقدين الماضيين، ولكن من غير المرجح أن يظل على هذا النحو إلى الأبد فالصراع الخطير في الأراضي المقدسة يمكن أن يهز الاتفاقات العربية مع إسرائيل.

كما أنه بالرغم من انحسار العنف في ليبيا وسوريا واليمن، إلا أن الاختلافات الأساسية لا تزال دون حل، فقد واجه الأسد موجة من الاحتجاجات الشهر الماضي في السويداء، المحافظة الجنوبية المضطربة، وعلى الرغم من أن السعودية والإمارات هما المشجعان الرئيسيان للشرق الأوسط الجديد، فإنهما غالباً ما يختلفان بشأن السياسة الخارجية والمسائل الاقتصادية.

والخطر الأخير هو أن تخطئ المنطقة في تحقيق التوازن الجيوسياسي.

ولا تزال أميركا الدولة الوحيدة الراغبة والقادرة على استعراض قوتها العسكرية في مختلف أنحاء المنطقة، كما أن هيمنتها على النظام المالي العالمي تمنحها نفوذاً اقتصادياً لا مثيل له.

ولا يمكن لدول الخليج أن تخاطر بفقدان واشنطن كشريك، ومع ذلك، فإن مغامراتهم مع روسيا والصين تثير غضباً متزايداً في واشنطن، حيث فرضت أمريكا عقوبات على عدد قليل من الشركات في الإمارات، بما في ذلك شركة متهمة بتزويد روسيا بطائرات بدون طيار، وأرجأت صفقة بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى البلاد بسبب مزاعم عن وجود عسكري صيني في ميناء في أبو ظبي.

ويشير إميل حكيم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث بريطاني، إلى أن دول الخليج “تخطط جزئيا لازدهارها المستقبلي على افتراض أن الصعود الاقتصادي للصين سيستمر”، ومع ذلك، هناك أضواء تحذيرية تومض فوق الاقتصاد الصيني مثل النمو البطيء، والشيخوخة السكانية، وسوق العقارات المحتضر.

إن المقامرة الكبيرة على الصين والتي تؤدي إلى تنفير أمريكا قد تترك الخليج في موقف صعب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى