علاقات إيران والدول الأوروبية: عداء مفتوح
اتسمت علاقات إيران مع الحكومات الأوروبية لاسيما مع الترويكا المكونة من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بالتدهور الشديد في الأشهر الأخيرة حتى وصلت إلى مرحلة عداء مفتوح.
وأبرزت دراسة صادرة عن “منتدى الخليج الدولي“، التدهور الحاصل في العلاقات الإيرانية الأوروبية على مدار العامين الأخيرين في عهد الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي.
ورأت الدراسة أنه ليس من قبيل المبالغة القول إن التوترات الحالية، التي تؤثر على التعاون في جميع القطاعات، غير مسبوقة منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
ومع خروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2018 من الاتفاق النووي الإيراني التاريخي لعام 2015، سعت الدول الثلاث الكبرى في الاتحاد الأوروبي عبثًا حتى منتصف عام 2022 لاستعادة الاتفاق.
إلا أن جهود الاتحاد الأوروبي تعثرت في مواجهة موقف طهران الجديد في المحادثات النووية، ودعمها الضمني للغزو الروسي لأوكرانيا، وقبل كل شيء، إمداد إيران بطائرات بدون طيار قاتلة لروسيا لاستخدامها في ضربات على أوكرانيا.
وبالرغم من أن الجمهورية الإسلامية اتخذت موقفًا محايدًا رسميًا، فإن وسائل الإعلام الموالية للنظام والأجهزة غير الرسمية تظهر تعاطفًا مع العدوان العسكري الروسي في أوكرانيا.
بالإضافة إلى ذلك، أكدت علامات التحسن في العلاقات الإيرانية الروسية والكشف عن تسليح إيران لروسيا دعم إيران لروسيا المزيد من التوتر في علاقات طهران مع أوروبا.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تبنت فيه الدول الأوروبية مواقف انتقادية من الأوضاع الداخلية في إيران تحت ذريعة انتهاكات حقوق الإنسان.
إذ تبنى الاتحاد الأوروبي عدة جولات من العقوبات التي تستهدف المسؤولين والمؤسسات الإيرانية، بما في ذلك وزراء الحكومة وكبار رجال الدين وقادة الجيش والشرطة منذ سبتمبر/أيلول الماضي.
كما تم تبني أحدث جولة من العقوبات في أواخر مايو/أيار، استهدفت مسؤولين إيرانيين وكيانات لها صلات بالحرس الثوري الإسلامي.
ووسط هذه العقوبات، لم تقف إيران مكتوفة الأيدي. وبالمقابل، وافقت على إجراءات وعقوبات تستهدف قائمة مفتوحة من السياسيين والمؤسسات ومراكز الفكر الأوروبية، بالإضافة إلى تعليق عمل المراكز الثقافية والأكاديمية الفرنسية والألمانية في طهران.
ومن وجهة نظر عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين، أدت الإجراءات المتهورة للفصيل الحاكم في إيران إلى تقليص الصدع بين أوروبا والولايات المتحدة بسبب انسحاب ترامب من الاتفاق، ما أدى إلى تبني أوروبا موقفًا أكثر صرامة تجاه طهران من إدارة الرئيس جو بايدن.
وتستبعد الدراسة وجود تغيير في السياسة في الأفق على الرغم من أن وزراء الخارجية والدبلوماسيين الأوروبيين، بما في ذلك من بلجيكا وفرنسا، قد التقوا مسؤولين إيرانيين في الأشهر الأخيرة لمناقشة القضايا الأمنية وتبادل الأسرى مع طهران، فلا يوجد أي بوادر انفراج في الأفق.
بل إن هناك دلائل متزايدة يوميًا على أن الجمهورية الإسلامية ستمضي في سياستها الخارجية الحالية حيث أصبح صناع القرار في النظام متأكدين الآن من موقفهم حول القدرة على تحييد الضغط الخارجي.
ومن وجهة نظر خامنئي، فشلت “مؤامرة الحكومات الغربية لعزل إيران” أثناء الاحتجاجات. بدلاً من ذلك، رفعت طهران علاقاتها مع دول المنطقة الأخرى.
كما أن الخطاب الرسمي للنظام يتجذر اليوم في رواية التراجع الأمريكي وظهور نظام عالمي جديد.
لهذا الغرض، من خلال اتباع سياسة “النظر إلى الشرق”، التي أعطتها إدارة رئيسي الأولوية كاستراتيجية سياسية، وجدت الجمهورية الإسلامية فرصة جديدة لتحالف مع خصمين أمريكيين، الصين وروسيا.
وبحسب الدراسة قد يُنظر إلى التقارب الذي توسطت فيه الصين بين إيران والسعودية من وجهة نظر مماثلة مفادها البحث عن شركاء جدد.
وقد جاء استئناف العلاقات الإيرانية مع الرياض وسط ضغوط دولية متزايدة على إيران بعد احتجاجات عمت البلاد.
وجاء ذلك على خلفية الاقتصاد المترهل، وتدهور العملة الوطنية، والتضخم الجامح الذي كشف عدم كفاءة النظام وأثار احتجاجًا شعبيًا. ولكن تأثير هذا التطور على الاقتصاد الإيراني لم يدم طويلاً.
ويعتقد بعض المحللين الإيرانيين أن الاتفاق مع السعودية كان تكتيكًا من قبل الحكومة الإيرانية لاحتواء الدور المالي والسياسي المباشر وغير المباشر للرياض في أمنها الداخلي وكذلك الإعلام المعارض في الخارج.
وفي غضون ذلك، أجبرت الضغوط الصينية والحوافز المالية إيران على إعادة النظر في سياساتها الإقليمية، والتي غالباً ما توصف بأنها “مزعزعة للاستقرار الإقليمي”، وبالتالي تفقد نفوذها ضد الغرب.
ووفقا لمحللين أن السياسة الخارجية الإيرانية اليوم “تقوم بشكل أساسي على ترسيخ الأمن القومي بدلاً من العوامل الاقتصادية التي غالبًا ما تشكل جوهر السياسة الخارجية في معظم الدول.” وأن الوضع على الأرض يشير إلى أن علاقات إيران مع العالم اتخذت بعدًا “أمنيًا”.
ولطالما لم يثق المتشددون في إيران بالحكومات الأوروبية، وخاصة المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، ولم يبدوا اهتمامًا كبيرًا بتحسين علاقاتهم.
في هذه الأيام، تعتمد إيران على هذه الدول اقتصاديًا بدرجة أقل مما كانت عليه في الماضي، وحتى بعض سفاراتها في أوروبا، بما فيها تلك الموجودة في بريطانيا، ليس لديها سفير.
كما تم إعاقة التقدم البسيط الذي جرى في السابق عندما تم القبض على عملاء مرتبطين بإيران في أوروبا بزعم التخطيط لعمليات ضد المعارضة المتمركزة في الخارج.
بالإضافة إلى ذلك، فقد السياسيون والمسؤولون الإيرانيون الذين دافعوا عن علاقات أفضل مع أوروبا والولايات المتحدة مصداقيتهم بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي.
وفي الوقت نفسه فإن الإدارة الحالية في إيران والمتشددين لا يتوقعون أن يندفع المستثمرون الأوروبيون إلى إيران إذا تمت استعادة الاتفاق. نتيجة لذلك، لم تعد إيران ترى أن أوروبا ضرورية لحل نزاعها مع الولايات المتحدة، وتتضاءل الآمال في تحسين العلاقات بين إيران والغرب.
وعليه ترى إيران أن أوروبا “غير ذات صلة من الناحية الاستراتيجية” بسبب علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، لذلك، فإن إيران مهتمة أكثر بتعزيز العلاقات مع الدول غير الغربية، مثل روسيا.
وقد جعلت الإجراءات الأخيرة من قبل القوى الأوروبية، بما في ذلك حملة الضغط الأقصى والاستراتيجيات القوية الأكثر قوة، إيران تشعر بمزيد من التهديد، وهو ما يفسر علاقتها المتنامية مع روسيا.
وتتوقع الدراسة أن يستمر الوضع الراهن من التوتر في علاقات إيران وأوروبا ما لم تظهر تطورات جديدة مثل تسوية الأزمة الأوكرانية أو اندلاع اضطرابات جديدة في إيران. وبعد تعزيز علاقاتها مع روسيا والسعودية وغيرهما، من الواضح تمامًا أن إيران لديها الدافع للحفاظ على سياساتها الحالية فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي.